رغم جهود التحرر.. هكذا عزز أخنوش اللغة الفرنسية في مدارس المغرب

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تفاجأ الرأي العام الوطني في المغرب مع بدء العام الدراسي 2022، بقرار لوزارة التربية والتعليم، يقضي بحذف المسلك العام "خيار عربية" في تعليم المواد العلمية بالتعليم الإعدادي، مقابل تعميم المسلك الدولي "خيار فرنسية" إجباريا أمام التلاميذ.

هذا القرار وما خلفه من آثار سلبية جعل جمعيات وتنسيقيات تربوية وتعليمية وهيئات مدنية وسياسية وشخصيات أكاديمية وعامة، تحذر من تبعاته، وتؤكد أنه يناقض دستور البلاد لعام 2011، ويهدد حاضرها ومستقبلها.

وينص الفصل الخامس من الدستور المغربي على ما يلي: "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، كونها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء".

مسار خطير

أكدت عدة هيئات تعليمية أن قرار تعميم تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في التعليم الإعدادي أمر خطير ونتائجه عكسية.

وفي هذا السياق، أكدت تنسيقية أساتذة الفيزياء والكيمياء بالسلكين الثانوي الإعدادي والتأهيلي، أنها تلاحظ بقلق شديد تدهور التحصيل الدراسي لدى المتعلمين في هذه المادة، بسبب فرض الفرنسية وإلغاء المسلك العام "خيار عربية".

وذكرت التنسيقية في بيان، 12 أكتوبر 2022، أن تدريس هذه المادة يتضمن مفاهيم علمية يجب أن تكون باللغة التي يستسهلها المتعلم، والتي تحقق أعلى مستويات التواصل بينه وبين المدرس.

وبينت أن تدريس المواد المذكورة بالعربية أمر مهم؛ "لكيلا يضاف عائق اللغة إلى صعوبات قد يواجهها المتعلم في استيعاب المفاهيم العلمية أثناء العملية التعليمية".

وعلى هذا، يقول المصدر ذاته، يكون قرار فرض المسلك الدولي "خيار فرنسية" في مستوى الأولى إعدادي وإلغاء المسلك العام "خيار عربية" بمثابة عائق لغوي كبير أمام التلاميذ الذين يواجهون صعوبات في الفهم والتعبير والكتابة باللغة الفرنسية، بينما لا تكون هذه الصعوبات عندما تكون لغة التدريس هي العربية.

وشددت التنسيقية أن فرض الفرنسية كلغة تدريس في السلك الإعدادي أصبح مانعا لكثير من المتعلمين لاختيار التوجه العلمي.

وطالبت الوزارة الوصية بالإبقاء على المسلك العام "خيار عربية" بناء على مقتضيات الفصل الخامس من الدستور.

وكذلك، أردف المصدر ذاته، "بناء على ما جاء في المادة 2 من القانون الإطار 51.17 ما نصه: مقاربة بيداغوجية (علم التربية) وخيار تربوي متدرج يستثمر في التعليم المتعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة".

من جانبه، عبر المكتب الوطني للكونفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، عن قلقه من التداعيات السلبية الناتجة عن تعميم ما يسمى بالمسلك الدولي بمرحلة التعليم الإعدادي، دون اتخاذ إجراءات داعمة.

جاء ذلك في بيان أصدرته الكونفدرالية، نشره موقع "الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية"، 19 أكتوبر 2022، ودعا فيه إلى جعل هذا المسلك اختياريا طبقا لما ينص عليه القانون الإطار 51.17 الذي يدعو إلى اعتماد التناوب اللغوي في تدريس المواد العلمية.

تفاعلا مع ما جرى، أكد المختص في علم البيانات وتطوير البرمجيات والذكاء الاصطناعي عبد الناصر البصري، أن محاولة تعميم تدريس المواد العلمية بالفرنسية في المغرب على جميع المستويات خلال السنوات الثلاث الأخيرة هو امتداد لصراع كبير بدأ منذ خروج الاحتلال العسكري الفرنسي من المغرب سنة 1956.

وقال البصري في تصريح لـ "الاستقلال"، إن المبادئ الأربعة التي أقرتها "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم" التي كونها الملك الراحل محمد الخامس، والتي عقدت أول اجتماع لها في 28 سبتمبر/أيلول 1957، هي: "التعريب" و"المغربة" و"التعميم" و"التوحيد".

لكن، يستدرك البصري: "في سنة 1958 بدأ التراجع عن هذه المبادئ بحصول عمر بنعبد الجليل على وزارة التعليم؛ إذ جرى اختياره في عهد الحماية الفرنسية من بين من ابتعثوا لتدريسهم في الخارج حتى يعودوا للمغرب للحصول على مراكز قيادية".

وشدد الباحث في علم البيانات، أنه منذ ذلك الحين والصراع يتأرجح بين اعتماد العربية أم الفرنسية في المستويات التعليمية الابتدائية والمتوسطة والثانوية إلى أن استقر على اعتماد (لغتنا الأم) في ثمانينيات القرن الماضي.

وأردف، "لكن التعليم الجامعي ظل مفرنسا في جميع أسلاكه العلمية، وهذه بالضبط النقطة التي اعتمدها عملاء فرنسا للضغط من أجل فتح الباب من جديد للفرنسة القسرية للتعليم المغربي، وذلك باستصدار القانون الإطار "المشؤوم" رقم 51.17 سنة 2019، وفق تعبيره.

وقال البصري إن القانون نص على التناوب اللغوي، لكن ما حدث هو أنه جرى إخراج العربية من نفس الباب الذي فرضت فيه الفرنسية.

أكد المختص في علم البيانات عبد الناصر البصري أن "خطر عملية الفرنسة هو معايش اليوم؛ نظرا لوجود المغرب بين الدول التي تتذيل ترتيب التعليم عالميا من حيث جودة التعليم، وغياب جامعاته المفرنسة كليا عن تصنيف أفضل 1000 جامعة في العالم".

وشدد المتحدث ذاته أن الفرنسة أدت أيضا إلى "تدني المستوى التعليمي خصوصا الجامعي، والذي يمكن تقييمه من حيث قلة عدد البحوث وتدني جودتها، والبطالة المستفحلة بسبب ضعف الكفاءة المصاحبة لجل خريجي الجامعات ومدارس التعليم العالي".

واسترسل، "أضف إلى ذلك الهدر المدرسي الذي يعد فرض الفرنسية أحد أبرز أسبابه، زد عليه أن الكثير من الحاصلين على الباكالوريا (الثانوية العامة) في المسالك العلمية يضطرون لتغيير توجهاتهم نحو مجالات أدبية، ليس حبا فيها، ولكن لعدم قدرتهم متابعة دراستهم بالفرنسية في تخصصات دقيقة".

وتوقف عند ما أدت إليه الفرنسة من استنزاف لجيوب الآباء وأولياء الأمور، في اقتناء مواد تعليمية بالفرنسية مرتفعة الثمن، وإدخال أبنائهم إلى مراكز دعم، دون الحديث عن الاستنزاف الحاصل للدولة نفسها بالاستثمار في محاولة فرنسة أطر التدريس.

رفض مجتمعي

عدد من الفاعلين في الحقل المدني والسياسي والأكاديمي عبروا عن رفضهم التام للمضي في مسار الفرنسة، ومنهم القيادي بحركة التوحيد والإصلاح  رشيد العدوني.

وتساءل العدوني عما إذا كانت هناك آذان صاغية لنداءات هيئات تنتمي لمنظومة التربية والتعليم، المحذرة من خطر الفرنسة.

وأضاف في تدوينة على فيسبوك في 19 أكتوبر 2022، "نحن أمام بيانين لكل من تنسيقية أساتذة الفيزياء والكيمياء بالسلكين الثانوي الإعدادي والتأهيلي، والكونفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ. ينبهان لمخاطر حقيقية أمام التعليم المغربي".

واسترسل المتحدث ذاته، "هي جرس إنذار للمسؤولين عن القطاع من أجل تصحيح المسار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه... تدمير المدرسة هو تدمير لمغرب المستقبل.. والكل مسؤول!! فلننتبه".

من جانبه، عبر عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعارض، ورئيس الحكومة الأسبق، عن انتقاده للمسار الذي يجري المضي فيه بخصوص تعميم الفرنسة في التعليم في المغرب، مبينا أن هذا يندرج في إطار مخطط لطمس الهوية العربية الإسلامية، وتكريس التبعية للفرنسية.

ووفق ما نشر موقع "العدالة والتنمية"، في 22 أكتوبر 2022، نبه ابن كيران خلال لقاء مع أعضاء حزبه بمجلس النواب، إلى أن النقاش الدائر حول توسيع استعمال اللغة الإنجليزية في التعليم إلى جانب الفرنسية هو للإلهاء فقط، مشددا أن "الموجود هو تعميم الفرنسية وتعزيزها".

أما المفتش التربوي حسن عديلي، وهو عضو سابق بلجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، فقد أكد على أن ما يجري بخصوص تعميم الفرنسية في تدريس المواد العلمية أمر يخالف القانون الإطار.

وشدد عديلي في 20 أكتوبر 2022، أن المادة الثانية في القانون الإطار، المتعلقة بالتناوب اللغوي، تتحدث عن إمكانية تدريس بعض المواد باللغات الأجنبية إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة، وفق موقع "العدالة والتنمية".

ونبه المفتش التربوي، إلى أن تدريس العلوم بالفرنسية خلف تراجعا واضحا في استيعاب التلاميذ لهذه المواد، ودفع ببعضهم الآخر إلى تغيير مسلكه من علمي إلى أدبي، هروبا من حاجز اللغة.

أما عالم اللسانيات البروفيسور عبد العلي الودغيري، فجدد التأكيد على أن ما يقع هو بسبب القانون الإطار، مبينا أن هذا القانون هو "جناية على الوطن والمواطنين، وخطأ تاريخي كبير"، مطالبا "بتصحيحه في النقطة المتعلقة بلغات التدريس وتدريس اللغات".

وأكد الودغيري، في تدوينة على حسابه في فيسبوك، 18 أكتوبر 2022، أن المطلوب الآن، هو أن تدرس العلوم بالعربية وحدها في التعليم العمومي، واللغات الأجنبية تدرس بوصفها لغات أجنبية، والانتقال من استعمال العربية في التعليم الثانوي إلى استعمالها في العالي والجامعي.

وانتقد المتحدث ذاته التراجعات التي وقعت في حق اللغة العربية بسبب القانون الإطار، مما ضيع المكتسبات التي تحققت للشعب بفضل كفاح مرير ونضال طويل وتجربة دامت أربعين سنة.

ورأى أن القانون تطاول على اللغة العربية وهوية المغاربة، واصفا إياه بـ "المثلبة والمعرة".

ونبه الودغيري إلى أن ما يسمى بـ "التناوب اللغوي"، هو لعبة ذكية، وعبارة تحتوي على مزالق لم ينتبه لها القائمون على الشأن التعليمي خلال التصديق على القانون من المدافعين عن الهوية والقيم، وأن هذا التناوب هو حجة ضعيفة لمن يطالب بالحفاظ على مكانة اللغة العربية في التعليم.

وأوضح أن هذا التناوب في أحسن الأحوال يجعل التدريس بالعربية خيارا بجانب خيارات أخرى، وحسب مزاج الوزارة.

وهذا الأمر وفق الودغيري، يجعل العربية في وضع ملتبس، عكس الحال الذي كانت فيه قبل اعتماد القانون في 2019.

رفضا لمسار الفرنسة، دعا معارضون إلى التوقيع على عريضة "نعم للعدالة اللغوية ولا للفرنسة". وأكد البصري أن هذه العريضة وقعها قرابة 13 ألف ناشط مغربي لحد الآن في موقع "تغيير" (change).

ونبه المتحدث ذاته، إلى أن هذه الحملة التي انطلق على إثرها وسم #لا_للفرنسة، توضح بجلاء أن المغاربة يرفضون فرض الفرنسية على المغرب، سواء في التعليم أو الإعلام أو المؤسسات العامة والخاصة، وأن الأغلبية متذمرة منها ومن الأضرار المباشرة عليهم ماديا ومعنويا.

وتابع: "كما وضحنا في نفس العريضة، فرض الفرنسية على المغاربة جريمة يرتكبها الاحتلال الفرنسي عبر أذرعه المحلية الفرنكوفونية".

وبين أنه "يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على سيادتها، والقطع مع التبعية لدولة احتلال بائد (فرنسا)".

وأردف، "دعونا نعتمد العربية كونها اللغة الرسمية للدولة والمشترك اللغوي لمختلف المغاربة (سواء من كانت لغته الأم أو من كانت لغته الثانية)، وأنشأنا لذلك منصة رقمية تحت اسم المنصة العربية (alarabiya.ma)".

وقال البصري إن هذه المنصة يجري فيها نشر كل المستجدات حول الحملة، وكذا المواد المكتوبة والمصورة المتعلقة.

هذا فضلا عن مكتبة لجمع وتنظيم وتوفير كتب تعليمية في مختلف المسالك التعليمية بغية توفيرها كمصادر للمبادرات التي تود اعتماد العربية، في ظل تدني وتراجع بل وغياب أي عمل رسمي لترجمة المواد العلمية.

صرحت وزارة التعليم بأنها تعتزم تعميم تدريس اللغة الإنجليزية على المستوى الإعدادي في الموسم الدراسي المقبل 2022 /2023، تمهيدا لتدريس بعض المواد العلمية بها في المستقبل.

غير أن عددا من الفاعلين في الميدان، وإن رحبوا بالانفتاح على الإنجليزية، فقد أكدوا أن تدريس المواد العلمية يجب أن يبقى باللغة العربية.

وفي هذا الصدد، أكد يوسف بن العيساوي، القيادي بحزب النهضة والفضيلة المعارض، أن المغاربة ناضلوا منذ عقود طويلة ليس حبا في الإنجليزية أو غيرها، بل لإعادة الاعتبار للغة العربية التي يفهمها كل المغاربة حتى الأمازيغ منهم.

وشدد على أن "الوزارة تتجاهل مطالب الملايين من المغاربة بتدريس أبنائهم باللغة العربية، رغم ثبوت فشل التدريس باللغات الأجنبية".

وأضاف ابن العيساوي في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 19 أكتوبر 2022، "لسنا ضد اللغات الأجنبية كيفما كان نوعها، ولكننا ضد تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية".