صالح والمشري.. لماذا اتفقا على المناصب واختلفا بشأن الانتخابات في ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

على طاولة أزمة ليبيا المتفاقمة، تتواصل تحركات أطراف دولية للتأثير على المشهد وتدعيم نفوذها في مواجهة من تعدهم منافسين.

وفي هذا الإطار، استضاف المغرب لقاء جديدا بين رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح الداعم لخليفة حفتر، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري المعارض للجنرال الانقلابي.

وأسفر هذا اللقاء الذي عقد في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بالرباط، عن اتفاق بين الجانبين على تقسيم المناصب السيادية، بينما بقي ملف "تشكيل قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات" يراوح مكانه.

لقاء جديد

وذكر المجلس الأعلى للدولة الليبي في بيان، أن اللقاء نظم لـ"مناقشة تنفيذ مخرجات اتفاق بوزنيقة المتعلق بالمناصب السيادية، والعمل من أجل أن تكون سلطة تنفيذية واحدة تبسط سيطرتها على التراب الليبي كافة.

فضلا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق تشريعات واضحة متفق عليها من المجلسيْن في أقرب وقت، وكذلك التأكيد على مواصلة التشاور بين المجلسين بخصوص ما تم الاتفاق عليه.

فيما أعلن المشري وصالح في مؤتمر صحفي من وزارة الخارجية المغربية في 21 أكتوبر، توصلهما إلى اتفاق بشأن "تنفيذ مخرجات مسار بوزنيقة المتعلق بالمناصب السيادية في غضون الأسابيع المقبلة، على ألا يتعدى نهاية العام في كل الأحوال".

ويقصد بـ "مسار بوزنيقة" المباحثات التي عقدها أعضاء لجنة (13+13) المشكلة من مجلسي النواب والدولة بمدينة بوزنيقة المغربية في يناير/كانون الثاني 2021، وبحثوا خلالها آلية تعيين شخصيات للمناصب السيادية بالتوافق بين المجلسين.

ويدور الخلاف حول سبعة مناصب سيادية هي، محافظ البنك المركزي، ورئاسة المخابرات العامة، رئاسة المجلس الأعلى للقضاء (المحكمة العليا) والمفوضية العليا للانتخابات، ومنصب النائب العام، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية ومكافحة الفساد.

واتفق رئيسا مجلس النواب ومجلس الدولة على 2 من 7 مناصب سيادية في ليبيا، بحسب موقع "العربية" السعودي في 21 أكتوبر، على أن يجرى الانتهاء من توزيع المناصب قبل نهاية 2022.

وزعمت العربية أن "التوصل لتفاهمات بشأن الأسماء المرشحة لتولي هذه المناصب الحساسة سيساعد في حل أزمة وجود حكومتين متنافستين على الشرعية، وسيجنب ليبيا المزيد من الانقسامات المؤسسية والمناطقية".

ووفق اتفاق توزيع هذه المناصب بين عقيلة والمشري، كان مصرف ليبيا المركزي وهيئة الرقابة الإدارية من حصة إقليم برقة (شرق)، وديوان المحاسبة والنائب العام والمفوضية العليا للانتخابات لإقليم طرابلس (غرب)، على أن تكون المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد لإقليم فزان (جنوب) بحسب "موقع ليبيا اوبزرفر" في 21 أكتوبر 2022

وتوصلت الاجتماعات التي شهدتها مدينة بوزنيقة المغربية يناير/كانون ثان 2021 بين وفدي صالح والمشري لاتفاق على توزيع المناصب السيادية على أقاليم البلاد الثلاثة لكن دون تسمية شاغلي المناصب. 

هجوم مضاد

في المقابل، رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المعترف بها دوليا عبد الحميد الدبيبة اتفاق صالح والمشري بشأن المناصب السيادية.

وجدد الدبيبة مطالبته لرئيسي مجلسي النواب والدولة بـ"الإسراع في اعتماد قاعدة دستورية عادلة، تنهي المشكل القانوني الذي يمنع إجراء الانتخابات كما حصل في ديسمبر/كانون الأول 2021".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر، أن الليبيين يطالبون الجميع بالإيفاء بالتزاماتهم تجاه الانتخابات، أما الحديث عن مسارات موازية مثل تقاسم المناصب السيادية فلم يعد مقبولا.

ليرد عليه المشري عبر تويتر، قائلا: "لا علاقة لك بما هو ليس من اختصاصك ولا صلاحياتك، فقط قم بعملك في الحكومة، كفى بيعا للأوهام للشعب، عليك بتوفير العلاج لمرضى الأورام والكتاب المدرسي لأبنائنا الطلبة".

من جانب آخر، عبّر المجلس الرئاسي عن ترحيبه بالاجتماع، لكنه طالب عقيلة صالح وخالد المشري، بسرعة إنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات قبل نهاية العام.

وتتهم حكومة الدبيبة صالح والمشري بتعطيل الحياة السياسية لإصرارهما على تمرير المناصب السيادية أولا، وتؤكد أن الحل هو "القاعدة الدستورية" لإجراء الانتخابات التي ستحل كثيرا من المشكلات.

وكان ملفتا أن المتحدث باسم حكومة الوحدة، محمد حمودة، أكد في حوار مع "الاستقلال" أن الدبيبة "دعا إلى ضرورة وجود بدائل لمجلسي الدولة والنواب في إتمام العملية الانتخابية، وعدم الارتهان كليا لهما، لأن ذلك يتعارض مع وجودهم في السلطة".

وعلق رئيس حزب الجبهة الوطنية الليبي عبد الله الرفادي على الاتفاق قائلا: "كنا ننتظر توافقا على إجراءات دستورية لإجراء الانتخابات، لا الاتفاق بين رجلين لتقسيم المناصب، تكون حصة عقيلة فيه البنك المركزي ليجهز على ما تبقى من ثورة فبراير!

بينما رأى عضو مجلس النواب المُقال، زياد دغيم أن خطة عقيلة صالح وخالد المشري، هي صفقة جديدة لتقاسم السلطة والتخلص من الدبيبة والخروج من عباءة حفتر.

وقال دغيم لقناة "فبراير" الليبية: اتفاق المغرب يقضي بتشكيل مجلس رئاسي، برئاسة عقيلة صالح، وحكومة جديدة برئاسة خالد المشري ولا أتوقع نجاح محاولات عقيلة والمشري في التمديد لنفسيهما وإفشال الانتخابات.

مناصب أم قاعدة سيادية؟

ويرى الدبيبة وأنصاره في طرابلس أن اتفاق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على "قاعدة دستورية" للانتخابات في ظل عدم وجود دستور للبلاد، أهم من حسم ملف المناصب السيادية في ليبيا.

يرون أن حسم القاعدة الدستورية سوف يحسم الأزمة وينهي أي خلافات لأنه سيسمح بإجراء الانتخابات ثم قيام البرلمان الجديد بحسم المناصب الدستورية وغيرها من الخلافات وينهي الصراع حول منصب رئيس الوزراء، بحسب مصدر ليبي لـ "الاستقلال".

أوضح أن أنصار الدبيبة وغالبية قوى طرابلس السياسية يعتقدون أن عقيلة صالح هو من يقف وراء تعطيل حسم ملف المناصب السيادية في ليبيا، كي يبقى في منصبه بعدما خسر التنافس مع الدبيبة حول منصب محافظ البنك المركزي.

وقال المصدر الليبي، المطلع على المفاوضات، إن ما يعلنه البرلمان من أنه جاهز لحسم الأمر وإن الأسماء لديه موجودة وإن الأعلى للدولة هو المعطل، مردود عليه بأن عقيلة صالح يريد فرض أسماء بعينها على مناصب بعينها على الأعلى للدولة.

كما أن "صالح" يريد تمرير أسماء معينة في مناصب سياسية عبر البرلمان الحالي (برلمان طبرق) الموالي لحفتر، بينما الدبيبة يرى أن انتخابات جديدة وبرلمان جديد ستزيل هواجس المجلس الأعلى للدولة بشأن تعيين موالين لحفتر.

وسبق أن التقى صالح والمشري عدة مرات ولم يتم التوصل لاتفاق أو تنفيذ ما اتفقا عليه بسبب تضارب المصالح والذي ينعكس على كل الملفات الإستراتيجية، ما يجعل تعليق أزمة ليبيا في رقبة المناصب السيادية حجة تعطل الانتخابات نفسها التي ستحسم الصراعات.

وأجرى صالح والمشري عدة لقاءات في المغرب وجنيف وبعضها كان برعاية وحضور المستشارة الأممية بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز لحسم هذا الملف إلا أنهما لم يتفقا، ما جعل كل هذه اللقاءات بلا قيمة.

وكانت ليبيا قد فشلت في إجراء انتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول 2022، بسبب خلاف حول قوانين انتخابية، بعد أن تقرر إجراؤها عبر ملتقى الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بين أطراف النزاع الليبي في مقرها بجنيف.

وضمن سعي عقيلة صالح لخلط الأوراق، قرر مجلس النواب في طبرق في 22 سبتمبر/أيلول 2022 تعيين رئيس جديد للمحكمة العليا وهو أحد المناصب السيادية المختلف عليها، ما عقد الأزمة أكثر أمام الأطراف الدولية، بحسب وكالة الأناضول.

حيث اجتمع نحو 50 نائبا من إجمالي أكثر من 170 لمجلس النواب في طبرق وتم التصويت على تكليف عبد الله أبو رزيزة، رئيسا للمحكمة العليا خلفا لمحمد الحافي، رغم أن ذلك يحتاج إلى أغلبية الثلثين، بحسب الاتفاق السياسي.

بل وهاجم مجلس النواب في هذه الجلسة رؤساء المؤسسات السيادية، وعلى رأسهم محافظ البنك المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس هيئة الرقابة، وقال إن هذه الهيئات لم تعد تتبع له، "وفقدت الصفة القانونية ويجب استبدالها".

وكل هذه المناصب سيادية، وتخضع للتشاور بين مجلسي النواب والدولة، وسبق أن تم الاتفاق على تقاسمها، لكن الأمر تعثر بسبب اشتراط المجلس الأعلى للدولة خضوع قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر، لسلطة مدنية. 

وكان ملفتا أن الموقف الدولي من اتفاق صالح والمشري لتقاسم المناصب فاترا، إذ رحب المبعوث الأممي إلى ليبيا، السنغالي عبد الله باتيلي بـ "استئناف الحوار" بين صالح والمشري.

لماذا الاجتماع الآن؟

ويبدو أن اجتماع صالح والمشري استهدف استباق استضافة العاصمة البريطانية لندن، اجتماعا جديدا للمبعوثين الخاصين للدول الأعضاء بمجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا، والذي سيعقد على مدى ثلاثة أيام خلال الفترة من 26 إلى 28 أكتوبر 2022 لبحث سبل حل الأزمة الليبية.

وتردد أن أعضاء مجموعة الاتصال جهزوا مقترحا لعرضه أثناء الاجتماع المفترض، لم يتم الإعلان عنه بعد، يتضمن شكلا جديدا للحكومة للخروج من الأزمة السياسية الحالية تقضي بحكومة "6+6"، لكن دون تأكيد رسمي.

من المفترض أن تضم الحكومة الجديدة 6 أفراد محسوبين على رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، و6 آخرين محسوبين على رئيس الحكومة المكلف من برلمان طبرق فتحي باشاغا، على أن يستبعد كلاهما من الحكومة ويرأسها شخص يتم الاتفاق عليه من الأعضاء.

وتضم مجموعة الاتصال الدولية السفراء والمبعوثين الخاصين إلى ليبيا لكل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، بالإضافة إلى مصر وتركيا.

وسبق أن دعت مستشارة الأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، البرلمان والمجلس الأعلى للدولة في 4 مارس/ آذار 2022 لترشيح ستة أعضاء للجنة مشتركة بشأن الترتيبات الدستورية الليبية، لكن لم يحدث ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاجتماع جاء أيضا بعد توقيع تركيا وحكومة الدبيبة، مطلع أكتوبر، اتفاقا يسمح لأنقرة بالتنقيب عن الغاز في المياه الليبية، وسط رفض مصري يوناني.

وعقب ذلك أرسلت مصر مدير مخابرات النظام عباس كامل إلى بنغازي للقاء الجنرال الانقلابي خليفة حفتر وتنوعت التحليلات بشأن تداعيات هذه الزيارة على الشأن الليبي.

وكما هو معلوم فإن تركيا والجزائر تدعمان حكومة طرابلس ضد مساعي تيار الثورة المضادة الذي يقوده حفتر للسيطرة على ليبيا، مستندا في ذلك إلى دعم من مصر والإمارات والمغرب.