الربط الكهربائي مع العراق.. كيف تستغله حكومة الأردن للتغطية على تهم فساد؟

12

طباعة

مشاركة

يسير الأردن والعراق نحو تحقيق مصالح مشتركة في مجال الكهرباء عبر تفعيل الربط بينهما ضمن معادلة الفائض الكهربائي (لدى عمان) والعجز في هذا القطاع (لدى بغداد).

وفي خطوة استكمالية، وضع رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة ونظيره العراقي مصطفى الكاظمي، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2022، حجر الأساس لمشروع الربط الكهربائي بين البلدين الجارين.

وبموجب ذلك، ستزود المملكة الأردنية العراق الذي يعاني نقصا حادا في توليد الكهرباء لسد الاستهلاك المحلي، في مرحلته الأولى بـ150 ميغا واط، ورفعها إلى 500 في المرحلة الثانية، و900 ميغا واط خلال المرحلة الثالثة.

وأكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، أنه جرى إكمال مراحل جزئية من خط الربط الكهربائي مع الأردن، وسيكون جاهزا في صيف 2023.

بدوره، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية فيصل الشبول، إن بلاده والعراق سيتحملان 130 مليون دولار لبناء خط الربط الكهربائي.

وبين الشبول، أن الجانب العراقي سيتحمل نحو 100 مليون دولار، وكلفة الجزء المتعلق بالأردن نحو 30 مليون دولار.

وكان العراق قد وقع مع الأردن، في 27 سبتمبر/أيلول 2020 عقدا لربط شبكة الكهرباء وبيع الطاقة الكهربائية بين البلدين، على أن يستغرق الربط أكثر من عامين من تاريخ التوقيع.

وسيجري تزويد العراق بالطاقة الكهربائية بعد الانتهاء من إنشاء محطة تحويل الريشة الجديدة التي تبعد نحو 350 كيلومترا من العاصمة عمان، وبكلفة تقديرية 140 مليون دولار.

وتربط "الريشة"، بمحطة تحويل القائم في العراق، بطول نحو 300 كيلومتر، وسيجري الانتهاء من هذه الأعمال خلال 26 شهرا من تاريخ توقيع العقد.

عجز العراق

ويعاني العراق من قلة تجهيز الطاقة، خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة عدم كفاية الوقود المجهز لمحطات الكهرباء، فيما تزود المولدات الأهلية المواطنين بالطاقة مقابل أجور عالية ترهقهم.

كما أن العراق يحرق كل عام نحو 17 مليار متر مكعب من الغاز من آباره كنفايات؛ لأن حكوماته المتعاقبة منذ عام 2003 لم تعد البنية التحتية لتوليد الكهرباء.

ووحدها العاصمة بغداد تواجه عجزا بالكهرباء يصل إلى 7 آلاف ميغاواط، في وقت يحتاج فيه العراق إلى نحو 28 ألف ميغا واط لتغذية منازل ما يقرب من 40 مليون مواطن.

وفي أبريل 2022، أعلنت بغداد رسميا بدء الخطوات الفعلية لاستكمال مشروع الربط الكهربائي مع الأردن والتي تشمل فحص مسارات الخطوط ودراسة نقاط الربط وفحص التربة.

وتوليد الكهرباء أمر لا يتعلق بإنتاج النفط، بل بوجود محطات لتوليدها، خاصة أن العراق ينتج قرابة 4 ملايين برميل يوميا من النفط.

والعراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بعد السعودية، بمتوسط إنتاج 4.6 ملايين برميل يوميا في الظروف الطبيعية، ويعتمد على إيرادات النفط لتمويل ما يصل إلى 92 بالمئة من نفقات الدولة.

وأمام ذلك، وجد العراق في الأردن فرصة لسد النقص في احتياجه من الطاقة، على الرغم من أن العراق يستورد الغاز من إيران المجاورة لتوفير الوقود لمحطات الكهرباء، كما أن بغداد تستورد 1200 ميغا واط من الكهرباء من طهران منذ سنوات.

ولا سيما أن الحكومات المتعاقبة في العراق منذ عام 2003 أنفقت ما يقارب 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء، بحسب رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي.

وفي مطلع سبتمبر 2022 أعلنت وزارة الكهرباء العراقية حاجتها إلى 35 ألف ميغا واط من الطاقة لتحقيق الاكتفاء التام، مشيرة إلى أن الربط الكهربائي مع دول الجوار لن يحقق الاكتفاء للبلاد.

لكن وفق تصريحات صحفية للمتحدث باسم الوزارة المذكورة أحمد موسى، فإن مشاريع الربط الكهربائي بالرغم من أنها لن تسد العجز، فإنها "ستكون جزءا مهما من تنويع مصادر الطاقة، وستحقق استقرارية جيدة للشبكة الكهربائية وتعالج مسألة انخفاض الفولتيات".

وبين موسى أن "الربط سيورد جزئيات من الطاقة التي يحتاجها العراق ريثما تكتمل البنى التحتية ومحطات الإنتاج، كما ستؤسس لدخول العراق كعضو مهم في سوق الطاقة بحكم موقعه الإستراتيجي أولا، كما سيكون بلدا ممررا للطاقة لدول أخرى".

قدرة كهربائية

ويتميز الأردن بتوافر قدرة كهربائية عالية جدا لديه، تصل إلى 6500 ميغا واط، في وقت يستهلك يوميا 3500، مما يعني أن لديه فائضا يصل إلى 3000 ميغا واط.

ويرجع ذلك لانتشار محطات توليد الكهرباء من الطاقة التقليدية وأخرى لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة نظرا لوقوعه على الحزام الشمسي وارتفاع عدد الأيام المشمسة لديه.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن مشروع الربط الكهربائي بين الأردن والعراق يحتاج إلى عام تقريبا لكي يصبح جاهزا.

ويتطلع الأردن للربط مع دول الجوار لتبادل الطاقة الكهربائية، بما يسهم في استقرار الأنظمة الكهربائية، وخدمة التوجه لإنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة.

وفي حالة تزويد الأردن للعراق بالتيار الكهربائي، فإن ذلك وفق مدير عام شركة الكهرباء الوطنية الأردنية أمجد الرواشدة، سيحقق عوائد مالية للكهرباء الوطنية، فضلا عن البعد الفني لاستقرار النظام الكهربائي والربط الدولي.

ويبدو أن الأردن يسعى لتحوله إلى محطة للطاقة بـ "صيغة المقايضة"، ولذلك لديه مشاريع طاقة تربطه مع لبنان عبر سوريا وبالتعاون مع مصر، لكنها لم تتحقق بعد.

إضافة إلى ربط الماء مقابل الكهرباء بين الأردن وإسرائيل، إذ تعطي عمان الكهرباء للكيان الإسرائيلي، وفي المقابل تحصل على المياه.

وهذه المشاريع الإقليمية جزء من التعاون في مجالات مختلفة، من ضمنها مد أنبوب النفط من البصرة العراقية إلى العقبة جنوب الأردن، بهدف زيادة الطاقة التصديرية العراقية، والذي لم يجر إنجازه أيضا.

سوق للكهرباء

ويتجه الأردن إلى أن يكون مركزا إقليميا لتوليد الطاقة الخضراء، وتبادل الطاقة بالإقليم، وذلك عبر شبكات الربط مع الجوار.

إذ إن نجاح الربط الكهربائي مع بغداد يمكن عمان من تسويق المشروع للدول المجاورة ليزيد عدد الدول المشتركة في هذه الدائرة، وقد يؤدي إلى إنشاء سوق إقليمية عربية للكهرباء يكون مركزها الأردن.

ولذلك فإن الربط الكهربائي يعد عنصرا مهما في مضاعفة التجارة بين الدول، وهذا ما يطمح له الأردن الذي يواجه عجزا اقتصاديا كبيرا.

إذ سجل العجز في ميزانيته بـ 2.4 مليار دولار عام 2022 مقارنة مع 2.8 مليار دولار لسنة 2021.

ويؤكد مراقبون أن الأردن يأمل في أن يفتح الربط الكهربائي الباب أمامه للحصول على أسعار تفضيلية من النفط العراقي وتحديدا من نفط البصرة.

ومشروع خط أنابيب البصرة ـ العقبة، كان يزمع تنفيذه منذ عام 1982، إلا أن الظروف التي مرت بالعراق تسببت بتأخر المشروع الذي تبلغ الكلفة التقديرية له 8.5 مليارات دولار بطاقة تصديرية 3 ملايين برميل نفط يوميا.

ويستورد الأردن 10 آلاف برميل نفط يوميا من كركوك وينقل من خلال الصهاريج برا، ضمن مذكرة تفاهم يشتري الأردن بموجبها النفط الخام العراقي.

وبالمحصلة، تبقى المعادلات السعرية للكهرباء محليا هي العلامة الفارقة بين تسريع الأردن عجلة الربط الكهربائي مع دول الجوار، ولا سيما أن عمان تستعد لربط جديد مع الجارة السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ضمن رؤية إستراتيجية للطاقة.

ومن هنا تصطدم فكرة الربط مع ارتفاع فاتورة الكهرباء في الأردن والتي تأتي في المرتبة الثانية من حيث النفقات الشهرية للمواطن هناك، وذلك بعد المحروقات التي تستهلك نحو ثلث الدخل الشهري له، في وقت يعد سعر الكهرباء في عمان الأعلى عربيا.

"مخرج تبريري"

وتواجه شركة الكهرباء الأردنية العديد من الأزمات المالية، وفي محاولة للتغلب عليها اقترضت الشركة 75 مليون دينار (105.78 ملايين دولار)، في هيئة أذونات خزينة من السوق المحلية تستحق سدادها في يونيو/حزيران 2023.

وبلغت الخسائر المتراكمة على شركة الكهرباء الوطنية، في نهاية 2020، ما يقارب 4.98 مليارات دينار أردني (7 مليارات دولار).

وأسهمت جائحة كورونا والإغلاقات التي شهدها الأردن في إضعاف إيرادات شركة الكهرباء خلال 2021، مع زيادة الاستهلاك من قبل الأسر التي تتلقى دعم الكهرباء.

وفي هذا الإطار، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الأردني مازن مرجي، إن "مشروع الربط الكهربائي بين الأردن والعراق هو ضمن مشاريع جرى الحديث عنها منذ انتهاء الحرب العراقية 1988 وما أعقب ذلك مما حدث في سوريا، وطلب لبنان الكبير للطاقة حاليا".

وأضاف مرجي لـ"الاستقلال": "هذه المشاريع لا يكتب لها النجاح أو الاستمرار، وفي حال تحققت فإن هذا أمر جيد وخاصة من ناحية تعاون الأردن مع دول عربية".

لكن مع ذلك، رأى مرجي أن هناك تساؤلا مطروحا يبرز هنا وهو "من أين لدولة صغيرة مثل الأردن لا تمتلك موارد نفطية ولا غازا، أن تنتج الكهرباء بأسعار تستطيع أن تبيعها إلى دول الجوار أو إلى الاقتصاد المحلي؟".

ومضى مرجي يقول: "وبالتالي هناك معضلة في الأردن تتمثل بالإنتاج الفائض، إذ يجري استخدام مصادر الطاقة والغاز المستوردة لإنتاج كميات هائلة من الكهرباء من خلال شركات القطاع الخاص عبر إعطائها عقودا تحقق من ورائها أرباحا عالية جدا لنفسها".

وبالمقابل تبيع الكهرباء إلى الحكومة الأردنية ثم إلى المواطن والمصالح الاقتصادية والمصانع بأسعار أضعاف الكلف الحقيقية، وفق قوله.

واستدرك: "هذه القضية يدخل فيها نوع من الفساد وعدم الوضوح، ولذلك الأردن يبحث عن مخرج تبريري لهذا الإنتاج الزائد من الكهرباء والناتج عن كلف عالية جدا بما يحقق إنتاجا وفيرا من خلال الشبك مع الدول الجوار المحتاجة للكهرباء".

وزاد بالقول: "الأردن مثل السلطة الفلسطينية وسوريا ولبنان وبالمقابل العراق الذي لم يعد إلى مستويات قدرته على إنتاج الكهرباء".

وبين أن العراق دولة نفطية لكن مستويات قدرته تراجعت لأن "لديه مشاكل لوجستية ولعدم اهتمامه ببناء محطات جديدة أو صيانة المحطات القديمة وعدم الاهتمام بالطاقة المتجددة".

وختم مرجي بالقول: "الأردن استثمر في هذا المجال واستطاع أن يصل إلى هذه الطاقة الفائضة ويريد أن يصرفها".