عرين الأسود.. مقاومون فلسطينيون أربكوا جيش الاحتلال وسلطة عباس
منذ معركة "سيف القدس" والعدوان على المسجد الأقصى في مايو/أيار 2021، تشهد مدن الضفة الغربية خروج مجموعات مقاومة جديدة، بدأت بـ"كتيبة جنين" ثم "عرين الأسود" في نابلس، ثم طولكرم وصولا إلى طوباس.
هذه المجموعات تردد مصادر فلسطينية وإسرائيلية أن أغلب شبابها من الفصائل الإسلامية (حركتا المقاومة الإسلامية "حماس"، والجهاد الإسلامي) لكنها تضم شبانا من فصائل أخرى خاصة من حركة التحرير الوطني "فتح"، وبعضهم لا ينتمي لأي فصيل.
مجموعة "عرين الأسود" كانت الأبرز والأكثر ظهورا وتنظيما وإزعاجا للاحتلال، وفرضت حضورها ونشاطها العسكري ضد جيشه في نابلس، حيث تتخذ من البلدة القديمة مقرا لها، بعد سلسلة عمليات قاتلة ضد الإسرائيليين.
تحرص المجموعة على الاستقواء بشعبها في نابلس وجنين، عبر المشاركة في المناسبات الوطنية، مثل حفلات استقبال الأسرى المفرج عنهم من السجون، ومواكب جنازات الشهداء وكذلك مراسم زفاف المحررين.
وتعلل ذلك في أحد بياناتها على "تلغرام" بالقول إنه "لا مقاومة بدون حاضنة شعبية". وصهر أولئك الشبان خلافات الفصائل الفلسطينية وانقسامها في البنادق الموجهة نحو الاحتلال، وأعلنوا عن بدء سلسلة عمليات "أيام الغضب" في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
اندماج المقاتلين
صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية قالت 30 سبتمبر/أيلول 2022 إن "كتيبة جنين"، و"عرين الأسود"، تضمان مسلحين من جميع الفصائل وهم المقاتلون الجدد الذين يواجهون إسرائيل بالكفاح المسلح في الضفة الغربية.
قالت إن المجموعتين تحظيان بشعبية كبيرة في صفوف الفلسطينيين، وينتمي إليهما يوميًا عشرات الشبان وتحتل مكانة كبيرة في مواجهة اقتحامات الجيش الإسرائيلي وتنفيذ عمليات إطلاق نار ضد قواته والمستوطنين في مناطق الضفة.
وشهدت الضفة الغربية ارتفاعا في أعمال المقاومة خلال سبتمبر 2022، منها 833 عملا مقاوما، أدت لمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 إسرائيلي بجراح خطرة، حسب ما قال مركز المعلومات الفلسطيني "مُعطى" في 3 أكتوبر.
وأكد المركز أن أبرز ما يميز موجة المقاومة الحالية هو اندماج مقاتلي حركات حماس والجهاد الإسلامي وشهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في مجموعات مسلحة موحدة، هي "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" و"مخيم بلاطة" في نابلس.
ويشكل ظهور هذه المجموعات تطورا جديدا في المشهد السياسي في الضفة الغربية والتي غابت عنها المظاهر المسلحة منذ أن أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما في 26 يونيو/حزيران 2007 بحظر حركات المقاومة المسلحة كافة.
يتخذ شبان "عرين الأسود" من القتال الموحد تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" شعارا لهم، مؤكدين أنهم يحترمون كل الفصائل لكن لا ينتمون لإحداها.
وتحترم المجموعة الرموز الفلسطينية كافة، مثل الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومؤسس حركة حماس الشهيد أحمد ياسين، ومؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد فتحي الشقاقي، وأمين عام الجبهة الشعبية الشهيد "أبو علي مصطفى".
وفي أحد بياناتها التي تشير لهذا التوجه، قالت: "ندعو فصائلنا الكرام ورجالها المقاومين لتنفيذ عمليات نوعية في كل مكان واتجاه".
قالت: "ندعو حركة فتح أبناء الياسر وحركة حماس أبناء الياسين وفصائل الشرف والجهاد الإسلامي أبناء الشقاقي والجبهة الشعبية أبناء أبو علي مصطفى في الضفة الغربية لتغطية أيام الغضب".
وبدأ ظهور اسم "عرين الأسود" رسميا في 27 أغسطس/آب 2022 حين دشنت حسابا لها على موقع "تلغرام" معلنة بدء المقاومة المسلحة في الضفة الغربية رسميا عبر كتائبها هناك التي تستهدف جنود الاحتلال بالرصاص، وعمليات التفجير.
بدأت بلاغاتها بالآية الكريمة: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"، ثم توالت البيانات التي تزف أعمال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال والشهداء.
وكان آخرها وأبرزها قتل جندي إسرائيلي قرب مستوطنة شافي شومرون شمال نابلس في 11 أكتوبر 2022.
في أوائل سبتمبر 2022 ظهروا في قلب نابلس القديمة، بزيهم الأسود الموحد، وبنادقهم المشرعة أم-16، وحشدهم المهيب، وفيه ردوا على تهديدات العدو باستهدافهم معلنين في بيان: "دقّت طبول الحرب واحنا رجالها".
ما أزعج الاحتلال هو أن فدائيي "عرين الأسود" شبان في مقتبل العمر في العشرينيات من أعمارهم، لا يهابون الموت وتحولوا لتنظيم بزي موحد باللون الأسود، يحمل بنادق قتالية لم تظهر من قبل.
وتعتمد هذه المجموعة العسكرية، وفق بياناتها، على نهج متطور يسبق الاحتلال بالتهديد والمباغتة وعدم الاكتفاء بالدفاع وخاصة في نقاط التماس في نابلس.
ويلجأ شبابها لمهاجمة نقاط وتجمعات الاحتلال قبل تحركهم لاقتحامهم الضفة الغربية، كما يبادرون بتهديد المستوطنين وتحذيرهم من اقتحام نابلس وقبر يوسف، وتهديدهم بالقتل.
عوامل ظهورهم
دفع غياب مسلحي حركة "فتح" عن مواجهة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وملاحقة الأمن الفلسطيني عناصر "حماس" الشبان الفلسطينيين لتولي عبء التصدي لهجمات الاحتلال ومستوطنيه.
مع تصاعد الاعتداءات والاقتحامات الصهيونية، بدأ شبان تشكيل مجموعات منظمة مسلحة تستهدف منع الإسرائيليين من استباحة مدنهم، في ظل تلاشي أي أفق سياسي وخنوع السلطة الفلسطينية.
شجعهم على ذلك قتل الاحتلال خلال ما تسمى عملية "كاسر الأمواج" في الضفة الغربية، أكبر عدد من الفلسطينيين منذ سنوات.
إذ سقط أكثر من 110 منذ بداية العام 2022، ردا على قتل 15 إسرائيليا في هجمات فلسطينية خلال مارس/ آذار 2022.
هناك نظريتان تفسران ظهورهم: الأولى ترجح أنه مرتبط بخطط المقاومة في غزة، خاصة حماس المتمثلة بـ "تثوير الضفة" لتدافع عن القدس والأقصى، والثانية، الرد العفوي على ارتباط السلطة الفلسطينية بالاحتلال.
يقول المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف إن ظهورهم مرتبط بالإستراتيجية المعتمدة من حماس وهي "تثوير الضفة وتزويدها بكل أدوات المقاومة".
أوضح لـ "الاستقلال" أن "حماس تعمل بكل ما لديها من جهد في دعم والعمل على تشكيل مجموعات تدعم المقاومة والمقاومين مهما كان انتماؤهم، المهم هو دعم المقاومة، وإيقاع الألم في الاحتلال وجنوده ومستوطنيه".
أما منسق الفصائل الوطنية الفلسطينية في نابلس نصر أبو جيش فيرجع سبب ولادة "عرين الأسود" إلى "تصاعد عمليات الاستيطان الإسرائيلي واعتداءات المستوطنين والجيش على الفلسطينيين دون ردع".
قال خلال تصريح له في 6 أكتوبر 2022 إن العدوان والاستيطان "يولد ضغطا كبيرا على الشبان في ظل غياب خيار العمل المسلح لدي "فتح".
ويقول الأكاديمي الفلسطيني أحمد جميل عزم إن من أسباب ظهور هذه المجموعات المسلحة من الشباب هو عدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بقرار عدم الدخول لمناطق السلطة بين عامي 1995 و2000 وفق اتفاقات أوسلو.
أوضح في مقال بموقع "العربي" 24 أغسطس/آب 2022 إنه بعد 22 عاما من خرق هذا الالتزام، والدخول المستمر للجنود والمستوطنين، من دون إستراتيجية رسمية فلسطينية أو دولية لوقف ذلك، قرر الشباب الفلسطيني أخذ الأمر على عاتقهم.
أشار إلى أن مسؤولي المخابرات الإسرائيلية، يتصلون بالشبان وبأهاليهم ويهددونهم، لكنهم يتحصنون في أماكنهم ويتحدون الاحتلال أن يدخلها ويكونون على أهبة الاستعداد للمواجهة.
قلق مشترك
هذه الظاهرة خطيرة وتقلق إسرائيل فهي تضرب عمقها الأمني، كما أن هؤلاء الشبان يهدرون ماء وجه وهيبة السلطة الفلسطينية، التي تحول دورها إلى "شرطي للاحتلال"، ولذلك بدأت السلطة محاولة احتوائهم وتهديدهم.
كشفت "القناة 12" العبرية في الثاني أكتوبر 2022 أن السلطة الفلسطينية، التي يضغط عليها الاحتلال "لضبط" الوضع في الضفة، عرضت على هؤلاء المقاومين دمجهم في أجهزة السلطة وشراء الأسلحة التي بحوزتهم.
كما عرضت عليهم صرف رواتب لهم، لكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.
واهتمت "جيروزاليم بوست" العبرية في 10 أكتوبر 2022 بقول "وديع الحوح"، الذي قالت إنه أحد أعضاء عرين الأسود، إنهم رفضوا طلب السلطة الفلسطينية تسليم أسلحتهم وتصميمهم على متابعة "طريق المجد حتى النصر أو الاستشهاد".
وكشف محافظ نابلس إبراهيم رمضان في 6 أكتوبر عن وجود مفاوضات مع "عرين الأسود" لتسليم أنفسهم، بدعوى "حمايتهم بعدما أهدرت إسرائيل دماءهم".
وبين أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس اجتمع مع محافظي الضفة الغربية وقادة الأجهزة الأمنية وشدد على "ضرورة محاربة التطرف وحفظ الأمن" في الأراضي الفلسطينية.
ولفت المحافظ إلى أن "نشاط حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية ممنوع"، وأن الأمن الفلسطيني "سيعتقل هؤلاء الشبان، كما فعلوا مع مصعب اشتية، عضو العرين المحسوب على حماس".
وترفض "عرين الأسود" سياسة التسويات والمقايضة التي انتهجتها حركة فتح والسلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق "أوسلو" عام 1993.
وسبق أن طالبت رئيس السلطة محمود عباس بإعلان القتال، ردا على الاغتيال المستمر للشبان في مدن الضفة الغربية.
ويؤكد المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف أن وحدة المقاومة بدأت تتحقق في مجموعة عرين الأسود فهم مجموعة من المقاومين تضم مختلف الانتماءات.
شدد على أن حماس مع المقاومة وتدعم المقاومين حتى لو لم يكونوا من عناصرها وهذا أمر لا تخفيه الحركة، بل وتؤكد عليه في كل الأحوال.
وقد عرفهم عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، هارون ناصر الدين، في 12 أكتوبر 2022 بأنهم "مجموعات تشكل نموذجا وحدويا يمثل الكل الفلسطيني".
كيف تراهم إسرائيل؟
وصفتهم القناة 11 العبرية 11 أكتوبر 2022 بأنهم "مجموعة مُنظمة ترعاها الفصائل الفلسطينية"، وأكدت أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مقتنعة بأن حماس ترعى "عرين الأسود" وتقدم أموالا وسلاحا لشبابها.
نقلت القناة عن الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرنوت" اليؤور ليفي، تحذيره أن عرين الأسود هي أخطر مجموعة في الضفة الغربية، واحتمال اندلاع انتفاضة ثالثة".
نشرت عنهم صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريرا في 8 أكتوبر 2022 بعنوان "نجوم تيك توك الذين أصبحوا مقاومين"، يشير إلى بث الشباب الفلسطيني فيديوهات عملياتهم بشكل مكثف حتى باتوا مشاهير ويعدهم الجميع "أبطالا".
وأكدت صحيفة "معاريف" 9 أكتوبر أن جيش الاحتلال ومخابراته عاجزون عن فهم هذه المجموعة من المسلحين في نابلس، وصياغة خطوات فعالة لمواجهتها.
أضافت في التقرير، الذي كتبه معلق الشؤون العسكرية "تال ليف رام"، أن "هذه المجموعة صعبة للغاية بالنسبة للمنظومة العسكرية والاستخبارية، لأنها على عكس المنظمات القائمة والمعترف بها".
قالت إنها "ليست كالخلايا التنظيمية، التي يمكن التعامل معها وإحباط عملياتها، وهي تُشكل مفهوما جديدا وغريبا من ناحية اتساع نطاقها".
أكدت أن "هؤلاء الشباب الذين لا يعملون تحت راية معينة، يسعون إلى قيادة خط وطني متشدد جديد ضد إسرائيل".
وحتى هذه اللحظة لم تنجح المنظومة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية في التعرف على البنية التحتية والتسلسل الهرمي لقيادتهم لأنه ليس لديهم عنوان واضح، وفق معاريف.
ويرى ليف رام أن "عرين الأسود" تشكل خطرا أكبر لقرب نابلس من المستوطنات، كما يخشى جيش الاحتلال ومخابراته استنساخ هذه الظاهرة في أماكن أخرى في الضفة الغربية.
لذا دعت صحيفة يديعوت أحرونوت في 12 أكتوبر السلطات الاسرائيلية لمُهاجمة "عرين الأسود" وعدم الاعتماد على السلطة الفلسطينية.
أشارت الصحيفة إلى أن تلك المجموعات النشطة في نابلس المسؤولة عن سلسلة الهجمات الأخيرة، يتراوح عددهم ما بين 30 إلى 50 ولا يرتبطون بأي تنظيم.
وقالت صحيفة "هآرتس" 12 أكتوبر إن مجموعات "عرين الأسود" أصبحت واحدة من المشاكل الرئيسة للأجهزة الأمنية في إسرائيل، وكذلك للسلطة الفلسطينية.
أوضحت أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تعتقد أن معظم أعضاء عرين الأسود ينتمون لحركة "فتح" وكثير منهم من أبناء عائلات أعضاء في أجهزة الأمن الفلسطينية.
وحول مستقبل هذه المجموعة وغيرها، يقول "كوبي مايكل" الباحث في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) لصحيفة يديعوت أحرونوت 30 سبتمبر/أيلول 2022 أن الأمر يتوقف على دعم حماس وبقية الفصائل لهم.
قال مايكل: "إن الأمر يعتمد إلى حد كبير على درجة مشاركة حماس، فإذا تولى الذراع العسكري لها (كتائب القسام) قيادة المجموعة وعمل على تدريبهم وتشغيلهم، وستفعل ذلك بشكل مؤكد، سيصبحون (العرين) بنية تحتية مسلحة قوية في الضفة الغربية".
المصادر
- تنظيم "عرين الأسود".. من هم المقاومون الجدد في فلسطين؟
- مسلحو نابلس أكثر خطرًا.. "عرين الأسود" كما تراهم "إسرائيل"
- "كتيبة جنين"، و"عرين الأسود".. من هم المقاومون الجدد بالضفة ؟
- "عرين الأسود": سنجر الاحتلال إلى مذبح انتخابي..وتؤكد: لانتبع لأي فصيل وليس لنا خلاف مع أحد
- "كتيبة جنين" و"عرين الأسود": الفدائيون الجدد
- السلطة الفلسطينية تحاول تفكيكك "عرين الأسود"