انقلاب وتبدل وتنظيم.. رسائل ظهور ماهر الأسد مع قائد القوات الروسية بسوريا

12

طباعة

مشاركة

ظهر "ماهر" شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد، لأول مرة إلى جانب العماد أول أليكساندر تشايكو قائد القوات الروسية العاملة في سوريا خلال مناورات عسكرية تكتيكية بريف دمشق.

الصورة أعادت ماهر الأسد، الذي يقود مليشيا "الفرقة الرابعة"، ويعد رجل إيران الأول وحليفها الإستراتيجي في سوريا، إلى الواجهة من جديد.

هذه المرة ظهر ماهر إلى جانب الروس، ما يعطي مؤشرا على رغبة موسكو في تطويع "الفرقة الرابعة" داخل جيش النظام، في ظل أعمالها المشبوهة التي يغلب عليها الاستقلال، وفق مراقبين.

كما أن الخطوة تحمل رسائل بشأن تنظيم الجيش قبل العملية الانتقالية المرتقبة في سوريا وتطورات الحرب الروسية في أوكرانيا.

ظهور مدروس

وذكرت وكالة إعلام نظام الأسد الرسمية "سانا"، بتاريخ 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أن بشار الأسد وجه تشكيلات قوات النظام المقاتلة لتنفيذ مشروع تكتيكي عملياتي بالذخيرة الحية على مدى عدة أيام.

وشاركت، وفق الوكالة، مختلف صنوف القوات البرية والجوية في المشروع ضمن ظروف تحاكي في طبيعتها المعركة الحقيقية.

ورغم أن ماهر الأسد ظهر في المشروع التكتيكي مرتديا بدلته العسكرية، إلا أن "سانا" لم تورد اسمه في متن الخبر الذي نشرته عن المناورات.

واكتفت الوكالة بذكر اسم العماد عبد الكريم محمود إبراهيم رئيس هيئة الأركان العامة، وأشارت إلى أن المشروع حضره العماد أول أليكساندر تشايكو، و"عدد من كبار ضباط القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة".

اللافت أن ماهر الأسد لم يبد عليه علامات الارتياح خلال حضوره للمناورات، وبدا كأنه أجبر على الحضور، فقد كان حسب التسجيلات المصورة "متجهما" وكأنه يجلس على كرسي من "مسامير".

كما لم يضع ماهر الأسد البالغ من العمر 54 عاما، رتبا عسكرية على كتفيه، بخلاف بقية ضباط قوات الأسد، وقائد القوات الروسية العاملة في سوريا، الذي كان ماهر يجلس على يمينه.

ومنذ عام 2011 أخذت مليشيا "الفرقة الرابعة – مدرعات" إحدى مكونات "الجيش السوري"، خطا مغايرا عن قوات النظام، بحيث أصبحت مرتهنة لإيران وتسير معها في المعارك.

وعقب التدخل الروسي لم تبد "الفرقة الرابعة" أي ميل إلى الجانب الروسي، ولم تسر تبعا لتوجيهات قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية مركز تحكم الوجود الروسي بسوريا.

إذ ركزت "الفرقة الرابعة"، التي ينحدر غالبية عناصرها من الطائفة العلوية والموالين لماهر شخصيا، دورها في حماية عائلة الأسد والسيطرة على التجارة الداخلية بين المحافظات السورية، فضلا عن التعامل الوثيق مع حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية.

وماهر الأسد المولود عام 1967 متزوج من منال جدعان من الطائفة السنية، وهو شخصية غامضة ونادر الظهور ويلقب بـ"المعلم"، وله شعبية كبيرة داخل الطائفة العلوية تكاد تتفوق على شقيقه الأكبر بشار.

وماهر حاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة دمشق، والتحق بعد ذلك بالكلية الحربية، ليخدم لاحقا في الفرقة الرابعة المدرعة.

ولطالما عرف الشارع السوري ماهر الأسد بأنه يحمل رتبة "عميد"، قبل أن تتحدث أوساط عسكرية عام 2017 إلى ترفيعه إلى رتبة لواء.

وجاء إدراج ماهر الأسد في قوائم العقوبات البريطانية والأوربية والكندية والأميركية منذ عام 2011، نتيجة الجرائم التي ارتكبتها الفرقة الرابعة في بحق السوريين في درعا وحمص وريف دمشق.

استمالة الفرقة الرابعة

وتأسست "الفرقة الرابعة" على أنقاض وبعض بقايا "سرايا الدفاع"، وهي تشكيل عسكري أسسها وقادها رفعت شقيق حافظ الأسد من عناصر وضباط من الطائفة العلوية.

وحلت "سرايا الدفاع" بعد نجاح حافظ عام 1984 في إبعاد شقيقه رفعت خارج سوريا؛ تجنبا لصدام عسكري مسلح بينهما بعد فشل رفعت في الانقلاب على أخيه حافظ الذي كان رئيسا للنظام السوري بموجب انقلاب عسكري منذ 1971 وحتى وفاته عام 2000.

ومليشيا "الفرقة الرابعة" متورطة في عمليات قتل المتظاهرين وتنفيذ مجازر بشعة خلال اقتحام المدن السورية لوأد الثورة.

ويتهم ماهر الأسد بالوقوف وراء الحدث المحلي الذي هز سوريا والعالم، حينما وقع تفجير غامض استهدف اجتماعا لـ"خلية الأزمة" لقمع الثورة، في مبنى مكتب الأمن الوطني بحي الروضة الراقي وسط دمشق في 18 يوليو/ تموز 2012.

وقتل في التفجير حينها رئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء هشام اختيار، إلى جانب أربعة من أعمدة النظام السوري بينهم نائب وزير الدفاع آنذاك آصف شوكت، صهر بشار الأسد، وكان بين هؤلاء من كان يدفع نحو تسليم الأسد السلطة.

كما تقود "الفرقة الرابعة" صناعة المخدرات، خاصة أقراص "الكبتاغون" في سوريا، وفق تحقيق أصدرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وفي تحقيق نشرته المجلة الألمانية دير شبيغل، في 23 يونيو/حزيران 2022، كشف تورط النظام السوري عبر وحدات عسكرية وعلى رأسها "الفرقة الرابعة" في تجارة مخدرات تجاوزت قيمتها في عام 2021 فقط 5.7 مليارات دولار.

ووجد المحققون حسب المجلة كذلك أدلة على جني "الفرقة الرابعة"، التي يقودها ماهر الأسد، أموالا من هذه الشحنات، ويعتقدون أنها تحصل على 300 ألف دولار عن كل حاوية تشحن من اللاذقية الساحلية نحو البحر المتوسط.

رجل إيران

وأمام تلك المعطيات، يبدو أن روسيا المسيطرة على كامل الفرق العسكرية بسوريا باستثناء "الفرقة الرابعة" تسعى لاختراق نهج ماهر في البقاء خارج قوس باقي الفرق العسكرية.

وتحاول روسيا تقوية كيانات عسكرية تدين بالولاء لها وخاصة "الفرقة الرابعة" التي تعد أهم قطعات قوات النظام السوري، فضلا عن كون قائدها ماهر محسوبا على الولاء لإيران.

إذ يؤكد مراقبون سوريون أن روسيا تحاول دمج الفرقة مجددا بـ "جيش النظام"، بعدما خرجت عن عباءته منذ عام 2012، وفي ذلك ترابط مع مسار تنشيط الحل السياسي بسوريا وتشكيل هيئة حكم انتقالية، بحيث لا تكون هناك قوة خارج مظلة الجيش.

ولهذا يرى بعض المراقبين أن ماهر الأسد له ثقل كبير في دفع الحل السياسي بسوريا، كونه ما يزال مقتنعا بالحل العسكري واستخدام القوة في إعادة السيطرة على المناطق التي ما تزال بيد المعارضة.

ولهذا فإن حضور ماهر الأسد إلى جانب الضابط الروسي الكبير، في هذا التوقيت "كي ينفي عنه تهمة التبعية الكاملة لإيران"، وفق ما يرى فراس طلاس، وهو نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، في منشور له على فيسبوك.

وفي هذا السياق، علق الاستشاري في إستراتيجيات الأمن والدفاع محمود إبراهيم على ظهور ماهر الأسد بقوله:"‏ماهر ليس معزولا ولا مترهلا، ودلت هيئة ظهوره الأخير أنه يتمتع بوضع استثنائي داخل هيكل النظام السوري".

وأضاف إبراهيم عبر فيسبوك: "‏أما عدم ارتدائه رتبا أو قبعة أو حزام البدلة فهو عمل مقصود يحرره من الانضباط والقيافة العسكرية كي لا يضطر إلى تأدية التحية لأي رتبة أعلى منه في المكان".

تبدل الولاء

وفي هذا السياق، يؤكد الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد لـ "الاستقلال"، أن "الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد استدرات استدارة كاملة بالموالاة من إيران إلى الجانب الروسي نتيجة نصائح جاءت من أركان وقيادة الفرقة 25 الموالية لروسيا بأن الموالاة لطهران ليست ذات فائدة كما هي لموسكو".

وأضاف الأسعد، أن "ظهور ماهر إلى جانب قائد العمليات الروسية بسوريا يدلل على التقارب مع روسيا، وهي رسالة وجهها ماهر إلى الداخل السوري وإلى المقاتلين الذين يعملون معه، كون ماهر استبدل الكثير من عناصر الفرقة الرابعة أخيرا".

وحول المناورات وتوقيتها قال العميد إن "المعارك في أوكرانيا تشتد وبالتالي هي رسالة من الفرقة الرابعة بجاهزيتها للقتال إلى جانبهم هناك، وخاصة أنه يجري حاليا تسجيل أسماء الراغبين في القتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا من قبل نائب قائد إحدى الفرق في قوات الأسد".

يذكر أن ماهر الأسد كان على خلاف سابق مع رجل روسيا الأول في سوريا العميد سهيل الحسن الملقب بـ "النمر"، والمنحدر من الطائفة العلوية أيضا، والذي يقود "الفرقة "25- مهام خاصة" والتي أحدثتها روسيا ضمن تشكيلات قوات الأسد، بعدما اعتمدت تسميتها في أواخر أغسطس 2019 بدلا عن "قوات النمر" التي يقودها الحسن.

وبرزت الخلافات على شكل اشتباكات على النفوذ في بعض مناطق الساحل السوري معقل الطائفة العلوية بين قوات ماهر الأسد وسهيل الحسن، الأمر الذي أدرج تحت صراع الأجنحة الإيرانية والروسية في البلاد.

ويجمع خبراء عسكريون على أن روسيا دعمت سهيل الحسن وفرقته؛ لضمان نفوذها في المؤسسة العسكرية السورية، واحتواء نفوذ إيران العسكري بسوريا.