وفيات وبلطجة وانهيارات.. هكذا افتتح نظام السيسي العام الدراسي الجديد
شهدت المدارس في مصر الخاضعة لحكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، بداية مروعة للعام الدراسي الجديد 2022/ 2023، شملت حوادث متنوعة بينها وفيات بين التلاميذ، وانهيار مبان، واقتحام بلطجية لمدارس، وتكدس الفصول.
هذه الحوادث التي راح ضحيتها عدد من الأرواح البريئة، فتحت من جديد ملف التعليم الذي ينهار تحت وطأة نظام السيسي، وتدني مستواه بصورة لافتة وفق المعايير الإقليمية والدولية.
وتنوعت أسباب هذا الانهيار، من ميزانية التعليم غير الكافية، إلى التخطيط الجزافي غير العلمي، مرورا بعامل الأمن المتراجع، وإهمال ترميم المدارس، وعشوائية الإشراف، أما النتيجة فمعروفة، خيبة أمل كبيرة.
حوادث مفزعة
"ودوني لماما" (خذوني لأمي) كانت آخر ما تلفظت به الطالبة المصرية منة تامر (8 سنوات)، بعدما سقطت من الطابق الثالث بمدرسة سيد الشهداء، في منطقة ميت عقبة التابعة لإدارة العجوزة التعليمية، بمحافظة الجيزة، مما أدى إلى وفاتها يوم 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عقب وصولها للمستشفى.
وجاءت هذه الواقعة بعد يوم واحد من فتح النيابة المصرية تحقيقا في حادث انهيار سور مدرسة المعتمدية الإعدادية (بنات)، التابعة لإدارة كرداسة التعليمية في الجيزة، والذي أسفر عن إصابة 15 تلميذة، ووفاة أخرى في الصف الأول الإعدادي تدعى ملك محمد.
حينها قرر وزير التربية والتعليم رضا حجازي صرف دعم مادي لأسرة ملك بقيمة 100 ألف جنيه (5 آلاف دولار تقريبا).
وتزامنا مع بداية العام الدراسي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أعلنت هيئة الأبنية التعليمية التابعة لوزارة التربية والتعليم، توقف العمل بترميم 1450 مدرسة حكومية، بسبب عدم وجود مخصصات مالية كافية للعملية.
وكان تعديل وزاري أجراه السيسي في أغسطس/ آب 2022 قد شمل تعيين رضا حجازي، بمنصب وزير التربية والتعليم خلفا لطارق شوقي، الذي أثار مشروعه لإصلاح أحوال التعليم الكثير من الجدل خلال السنوات الماضية، وسط مطالبات بتغيير الوزير، أملا في إصلاح المنظومة التعليمية.
ونقل موقع "مدى مصر" المحلي عن مصدر مطلع لم يسمه قوله، إن الخطة التي اعتمدتها الوزارة استعدادا للعام الدراسي الجديد تضمنت قائمة بـ2800 مدرسة حكومية، تم ترميم 1350 منها فقط، بتكلفة مليار و800 مليون جنيه (نحو 92 مليون دولار).
وهو مبلغ غير كاف لإنقاذ المدارس المتهالكة، كما صرحت النائبة في البرلمان المصري مها عبد الناصر.
وفي 6 أكتوبر 2022، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بمنشورات وصور ومقاطع فيديو، تتحدث عن اقتحام عدد من "البلطجية" لمدرسة في حي البساتين بالعاصمة القاهرة، واختطاف عدد من الطلاب، وهو ما نفته وزارة الداخلية.
وتداول نشطاء منشورات تتحدث عن "حالة فوضى واستخدام أسلحة بيضاء" داخل مدرسة عباس العقاد في البساتين، بعد انتهاء اليوم الدراسي.
وظهر في مقطع فيديو متداول، تدافع للأهالي والطلاب داخل المدرسة ما تسبب في حالة من الفوضى.
"في مسجلين خطر دخلوا المدرسة"
— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 6, 2022
فوضى عارمة في مدرسة عباس العقاد بحي البساتين بعد انتهاء اليوم الدراسي pic.twitter.com/Wjj8MkqiEe
تكدس ومبادرات
كما شهدت المدارس المصرية مع بداية العام الدراسي الجديد، تكدسا شديدا للتلاميذ داخل الفصول في أغلب المدارس الحكومية.
وصل الوضع في إحداها إلى 119 تلميذا في الفصل الدراسي الواحد، وذلك في مدرسة "الشهيد عبد الله عيسوي" التابعة لإدارة الخانكة التعليمية في محافظة القليوبية.
وقد اشتكى أولياء الأمور، من عدم توفر أماكن محددة لأبنائهم، ما اضطرهم إلى افتراش الأرض لنقص المقاعد الدراسية.
وذلك رغم أن الوزارة رفعت من قيمة مصروفات المدارس الحكومية إلى 305 جنيهات لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية.
وصولا إلى 520 جنيها للمرحلة الثانوية، وإلى 1258 جنيها لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية في المدارس الرسمية (لغات).
و1132 جنيها للمرحلة الثانوية بها، وإلى 2616 جنيها للمرحلة الابتدائية في المدارس الرسمية المتميزة (لغات)، و1349 جنيها للمرحلة الثانوية.
هذا الوضع داخل القاهرة، وبالخروج منها إلى أماكن بعيدة مثل محافظة شمال سيناء، التي تعاني من ويلات المعارك بين الجيش والجماعات المسلحة، كان الأمر أسوأ كثيرا.
ففي قرية "نجع الشيبانة" برفح، قرر الأهالي إعادة الحياة لقريتهم، ببناء مدرستين لطلاب وطالبات المنطقة نتيجة عدة المبادرات.
وذلك بعد تأخر الجهات الحكومية في معالجة آثار مكافحة الهجمات المسلحة، وتوفير أساسيات الحياة للمواطنين العائدين إلى قراهم التي هجروا منها قبل سنوات.
وتم بناء المدرستين، إحداهما ابتدائية والأخرى إعدادية لاستقبال أكثر من 300 تلميذ في مناطق جنوب رفح التي عاد إليها أهلها أخيرا.
وتضمنت المدرستان 10 صفوف دراسية، وشيد سور يحيط الصفوف والفناء، في ظل تقاعس حكومي عن ترميم وتشييد مدارس شمال سيناء التي تقوم على خدمة نحو 110 آلاف طالب وطالبة.
أرقام صادمة
تلك الوضعية للمنظومة التعليمية، كانت نتاج سنوات طويلة من الإهمال والتخبط، عضدتها أرقام صادمة وغير مناسبة لموقع مصر الإقليمي والتاريخي.
حيث احتلت مصر المرتبة السابعة على مستوى الدول العربية والـ23 إفريقيا والـ32 عالميا في معدلات الأمية، وفقا لآخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، الصادر نهاية 2021.
وبلغت نسبة الأمية في مصر، بحسب التقرير، 25.8 بالمئة، حيث بلغ عدد الأفراد الأميين 18.4 مليون أمي.
وبحسب موقع البنك الدولي لعام 2022، أنفقت مصر 2.5 بالمئة فقط من ميزانيتها على التعليم، واحتلت المرتبة الـ53 عالميا في التعليم ما قبل الجامعي.
وفي 13 مايو/ أيار 2022، احتلت مصر المرتبة 42 عالميا في جودة التعليم، بحسب تصنيف مجلة "يو إس نيوز" الأميركية، المتخصصة في التصنيفات التعليمية.
وفي 23 أبريل/ نيسان 2022، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، معلومات عن نسبة التسرب من التعليم بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية.
إذ بلغ إجمالي المتسربين نحو 150 ألف طالب خلال عام، منهم 28 ألف طالب بالمرحلة الابتدائية و121 ألف طالب متسرب خلال المرحلة الإعدادية.
يذكر أن السيسي، أكد في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2017، بعدم وجود تعليم جيد في مصر.
وذكر جملة "ينفع التعليم في أيه مع وطن ضايع"، ما عرضه لجملة من الانتقادات، وتحميله مسؤولية تردي تلك المنظومة بأكملها.
وفي رؤيته للمشهد، قال الخبير التعليمي المصري خالد خيري، إننا جميعا نتذكر صورة المعلم الذي يقف مع تلاميذه وسط الحطام وخراب الحرب العالمية الثانية (1945)، يعلمهم ويؤسسهم من جديد، بعد أن قذفت بلاده بالقنابل الذرية ودمرت أكبر مدنها.
وأضاف لـ"الاستقلال": "تعد تلك الصورة من أشهر الصور وأوقعها أثرا، فهي لوحة رسمت مستقبل اليابان رغم الخراب والدمار، ولننظر أين اليابان اليوم من جميع دول العالم، ولننظر إلى وضعنا المتردي والبائس، نتيجة إهمال التعليم".
ومضى خيري يقول "إنه التعليم يا سادة، الذي يرفع الله به الأقوام والأمم، ويهوي بآخرين، فإذا رأيت دولة تقيم سجنا وتشيد المعسكرات العسكرية، وتتقاعس عن ترميم المدارس، ولا تهتم بإرسال الطلاب إلى فصولهم بينما ترسل الجنود إلى ثكناتهم، فاعلم أن لا مستقبل لها ولا أمل ينتظر".
ولفت إلى أن "مصر كانت رائدة التعليم في الشرق الأوسط والعالم العربي، وكانت دول الجوار، ترسل أولادها للتعليم في مصر، ومن يحصل على شهادة جامعية مصرية أو ماجستير ودكتوراة، يكون محل تقدير ورفعة في بلاده".
وكم من رئيس ووزير عربي تعلم في مصر، مثل الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وملك العراق فيصل الثاني، والرئيس العراقي السابق صدام حسين، وملك الأردن الحسين بن طلال، يتابع الخبير المصري.
كما أشار خيري إلى أنه خلال الحرب العالمية الثانية تلقت الملكة صوفيا، زوجة الملك الإسباني خوان كارلوس الأول، ووالدة العاهل الإسباني فيليب السادس، قسطا من تعليمها في مصر، حيث التحقت بمدرسة (الكلية الإنجليزية للبنات) المرموقة بمحافظة الإسكندرية.