أرعبهم حيا وميتا.. لماذا أطلقت أنظمة عربية ذبابها الإلكتروني لتشويه القرضاوي؟

12

طباعة

مشاركة

تميز بشمولية علمه، ونذر عمره لخدمة الإسلام، وكان صرحا من صروح الوسطية والاعتدال، وخطيبا مفوها، وكاتبا فذا، وشاعرا وأديبا، وفقيها وواعظا، ومجاهدا ثابتا، أزعج الطغاة وأعوانهم، كل تلك السمات وغيرها دونت في رثاء العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.

القرضاوي توفي في 26 سبتمبر/أيلول 2022، عن عمر ناهز 96 عاما، وهو عالم مصري أزهري ومؤسس ورئيس سابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يحمل الجنسية القطرية، وكان مقيما بالدوحة، ولديه أكثر من 170 مؤلفا، وأحد أعلام الدعوة الإسلامية.

أثارت وفاته ردود فعل واسعة على تويتر، حملت تذكيرا بمواقفه وكلماته وإعادة نشر لمؤلفاته، وتداول فيها ناشطون مقاطع فيديو يعلن فيها اجتهاداته الفقهية والسياسية ودعمه لقضايا الأمة؛ مما دفع بعض الأنظمة لتحريك رجالها وأذنابها وذبابها الإلكتروني لشن هجوم واسع عليه.

وسعى الذباب الإلكتروني لتحريف الوسوم الفعالة والنشطة التي برز تفاعل الناشطين عليها ورثاؤهم للقرضاوي وتذكيرهم بمآثره، ومنها #يوسف_القرضاوي، #القرضاوي_رجل_بأمة، بتدشين وسم #مفتي_الإرهاب للتشكيك في سيرته وتشويه مسيرته والتعدي عليه زورا وبهتانا.

 واستنكر ناشطون كل محاولات التشويه والتنكيل التي مر بها القرضاوي طوال فترة حياته وحتى بعد وفاته، متهمين بعض الأنظمة الحاكمة بالوقوف وراء ذلك، ومنها النظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي، والإمارات بقيادة محمد بن زايد، والكيان الإسرائيلي.

 نعي ورثاء

وبرز حديث ناشطين عن دعم القرضاوي لثورات الربيع العربي وتأييده لحراك الشعوب ضد طغيان وظلم وديكتاتورية حكامها، ومساندته للقضية الفلسطينية، مؤكدين أنه كان منافحا عن حق الشعوب في تحديد مصيرها وانتزاع حريتها وصون كرامتها.

وانتقدوا الحكومات والأنظمة العربية ووزارات الأوقاف والأزهر ومشايخهم، بسبب عدم تعزيتهم في وفاة الإمام القرضاوي، بينما سارعوا بإرسال التعازي عند موت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية؛ وركزوا غضبهم على شيخ الأزهر أحمد الطيب.

وأوضح مغردون أن سبب استيائهم من الطيب أن الأزهر يفترض أنه مؤسسة مستقلة ومنفصلة بذاتها ولا تخضع لأي وصاية من الحكومة، فيما أرجع آخرون تجاهل المشيخة لتعزية القرضاوي إلى خشيته من النظام المصري الذي يصنف الشيخ الراحل إرهابيا، وفق مزاعمه.

وقدمت شخصيات بارزة واجب العزاء في وفاة القرضاوي، مدونة كلمات تحمل مواساة لذويه والأمة الإسلامية وتتحدث عن مآثره.

وترحم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن على القرضاوي وقدم خالص التعازي لأسرته ومحبيه وللأمة الإسلامية جمعاء، مشيرا إلى أنه أفنى عمره في خدمة دينه وأمته، سائلا الله أن يسكنه فسيح جناته.

وقال رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم بن جبر: "نعزي أنفسنا والأمة الإسلامية بوفاة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي والذي كرس حياته في خدمة الإسلام، وأحد أعلام الوسطية والاعتدال".

وأضاف: "نسأل الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة وأن يدخله فسيح جناته"، متقدما بخالص التعازي والمواساة إلى أسرة الفقيد.

وكتب الرئيس العام لحزب المستقبل التركي أحمد داود أوغلو: "تلقيت ببالغ الأسى وفاة صديقي الغالي الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، الذي وهب حياته لخدمة الإسلام، أسأل الله الرحمة لفقيدنا، ولعائلته ومحبيه الصبر والسلوان، أكرم الله روحه الطاهرة وجعل مأواه الجنة".

تجاهل الأزهر

وأعرب ناشطون عن استيائهم من تجاهل الأزهر الشريف وشيخه أحمد الطيب لرثاء ونعي القرضاوي، رغم تقديمه واجب العزاء قبل أسابيع إلى الملك البريطاني تشارلز، والعائلة الملكية، وشعب المملكة المتحدة في وفاة الملكة إليزابيث.

واستنكروا منع وزارة الأوقاف المصرية إقامة صلاة الغائب على الشيخ #يوسف_القرضاوي في المساجد.

وكشفوا عن نشرها تبليغا لأئمة وخطباء المساجد بمنع إقامتها حتى صلاة يوم الجمعة القادم مع تكثيف المرور والاتصال الفوري بقيادات المديرية، وغلق المساجد والزوايا عقب كل صلاة.

وتعقيبا على التحركات المصرية، قال عضو مجلس الأمناء باتحاد علماء المسلمين محمد الصغير، إن التصرف ينم على قلة العقل والفهم، وقلة القيمة، إذ انشغلت وزارة الأوقاف في مصر بالتحذير من صلاة الغائب أو تناول خبر وفاة الإمام القرضاوي من قريب أو بعيد.

وبين الصحفي السعودي المعارض تركي الشلهوب أن النظام المصري ما منع صلاة الغائب على القرضاوي إلا لأنه يعرف أن ملايين الناس ستصلي على هذا الإمام المجدد.

وحينها ستذهب جميع حملات التشويه التي نظمها طوال هذه السنوات سدى، وسينفضح كذبهم على الشيخ أمام العالم، وفق تقديره.

واستنكر المجلس الثوري المصري امتناع الإعلام المصري عن الإشارة لوفاة القرضاوي وصمت شيخ الأزهر عن نعيه، بدلا من أن تفتخر مصر بأنها أنجبت عالما فذا، نال في حياته أعظم مكانة بين أبناء أمة الإسلام.

وأكد أن عداء نظام السيسي للقرضاوي شهادة له يقابل بها ربه، مذكرا شيخ الأزهر أحمد الطيب بقول الله تعالى في الآية 13 من سورة التوبة "أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ".

ارتباط بالأمة

وأشاد ناشطون بمواقف القرضاوي السياسية وعدم غضه الطرف عن قضايا الأمة وإغفاله آلامها ووقوفه بحزم معها، ودفع على إثر ذلك ثمنا من حياته في المعتقل، فضلا عن أنه أمضى عمره في خدمة الإسلام والمسلمين، مشيرين إلى دفاعه عن ثوابت الدين ودعوته للوسطية ورفضه الغلو.

وقال الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض عبدالله العودة، إن العلامة القرضاوي رحمه الله كان فقيها انحاز للشعوب والحقوق، ودعم انتفاضات الشعوب المهمشة، مما جعله محط سهام الاستخبارات القذرة للمستبدين، وجعل من فكره خطرا على أصحاب العروش والكروش.

ولذلك سخروا أبواقهم للنيل منه وشتيمته ومحاولة تشويه إرث علمي وفقهي وفكري زاخر، كما قال.

وأوضح الناشط أدهم أبو سلمية أن القرضاوي بارك جهاد المجاهدين في فلسطين، وحث الأمة على دعمهم بكل ما تملك، وزار غزة فقال: "أتمنى لو تقبض روحي الآن، فهنا أعظم ثغور الإسلام اليوم".

وأضاف أن القرضاوي كان لا يترك مجلسا إلا ويذكر الأمة بالمسجد الأقصى المبارك ويدعوها للنفير دفاعا عن مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وكتب الناشط محمد المدهون: "رحم الله الشيخ العلامة يوسف القرضاوي الذي أفنى عمره في خدمة دينه، ونصرة القضايا العادلة والوقوف إلى جانب المستضعفين والمظلومين، كان صادعا بالحق لا يجامل على حساب دينه ولا يخشى في الله لومة لائم".

وأكد أن القرضاوي كان عاشقا للقدس وفلسطين، وتمنى أن يلقى الله شهيدا في ظلال الأقصى.

وترحم الكاتب الفلسطيني رضوان الأخرس على القرضاوي، الذي أحب فلسطين ودافع عن قضيتها وشعبها وتمنى الشهادة في ساحات المسجد الأقصى المبارك، وكان إلى جانب أمته وشعوبها، وقد تحرى دروب الخير ومشى فيها ونشد الصلاح وحث عليه، داعيا الله أن يغفر له ويرحمه ويرفع درجته.

وذكر الناشط السوري عمر مدنية بمساندة القرضاوي لثورة السوريين ضد الطاغية بشار الأسد (رئيس النظام السوري).

وقال الكاتب السوري أحمد موفق زيدان: "رحيل علامة الأمة الشيخ #يوسف_القرضاوي 96 عاما قضاها في العلم والدعوة، لم يمنعه الحق أن يتراجع قبل حياته؛ فيكشف عوار الطائفيين في إيران؛ سيذكره الربيع العربي، ونذكره في سوريا داعما لإخوانه، ويكفيه الغيظ الذي خلفه في صدور الطائفيين".

هجوم الذباب 

وأشار ناشطون إلى أن مواقف القرضاوي المشار إليها كانت سببا في سعادة بعض الأنظمة الحاكمة المعروفة بديكتاتوريتها عند وفاته، فحركت أنصارها لتشويه سيرته والتعدي عليه عبر أدواتها وذبابها الإلكتروني، وبمشاركة الكيان الإسرائيلي.

وأشار رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان إلى أن حملات السب والشماتة في وفاة العالم الجليل الدكتور القرضاوي تصدر من ثلاث "دول" في المنطقة: "الإمارات، ومصر، وإسرائيل".

وأوضح الصحفي والباحث محمد المختار الخليل، أن القرضاوي رجل بأمة، فرح أنصار إيران والسيسي والأسد والسعودية والإمارات والصهاينة بموته، مضيفا أن "هذا مما كتب له ربه من الأجر، يأبون إلا أن تستمر حسناته".

وبين الناشط السياسي خالد الجهيني أن المجتمعين على عداوة القرضاوي رحمه الله أصناف من الناس، كلهم يراه خطرا على مشروعه، وهم شبيحة نظام سوريا وطابوره الخامس، العدو الصهيوني، سوائم الانقلابيين، قائلا: إن من النعمة ودلائل الخير وأنك على الحق أن يكون هؤلاء خصومك.

ورأى الكاتب والصحفي الأردني ياسر أبو هلالة أن هجوم الذباب الإلكتروني من أهل الثورات المضادة على الشيخ القرضاوي بعد وفاته يؤكد انحدارهم الأخلاقي بقدر ما يعكس فضل الشيخ الذي أرعبهم حيا وميتا.

ورصد الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي تغريدة لرئيس قسم الشؤون العربية في قناة "كان" الرسمية الإسرائيلية روعي كيس، بعد الإعلان عن وفاة الشيخ القرضاوي، يشير فيها إلى أنه من "كبار المحرضين على إسرائيل" والتركيز على فتاويه التي شرعت العمليات الاستشهادية ضد الكيان الصهيوني.

وأضاف أن معظم الصهاينة في تعليقاتهم على تغريدة كيس، عدوا وفاة الشيخ بمثابة "أفضل منحة في عيد السنة العبرية"، الذي يحتفل به اليهود اليوم، قائلا إن تشابه موقف الصهاينة وأذناب الثورات المضادة من القرضاوي يقول كل شيء.