بزعم "التعافي المبكر".. الصليب الأحمر الدولي يرسخ إجرام النظام السوري
.jpg)
لإعادة تأهيل البنية التحتية لمناطق سيطرته المدمرة، يسعى النظام السوري إلى جر مزيد من الشركات الدولية، عبر "مناورة" يجريها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ووجد نظام بشار الأسد ثقبا ضيقا، يتيح العمل على مشاريع في مناطق سيطرته تحت بند "التعافي المبكر"، الذي يسبق مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، المؤجلة لحين تحقيق الانتقال السياسي للحكم في هذا البلد.
وفي هذا الإطار نجح النظام السوري عبر الصليب الأحمر الدولي، في إدخال شركات أوروبية إلى مناطقه، لتبدأ في إقامة عدد من المشاريع الخدمية والتأهيلية.
لعبة الشركات
وكشف موقع "إنتليجنس أونلاين" الفرنسي المتخصص في شؤون الاستخبارات، في تقرير نشره في 2 سبتمبر/ أيلول 2022، عن معلومات بشأن لعب شركات أجنبية دورا رئيسا في إعادة تأسيس البنية التحتية بمناطق الأسد تحديدا.
وأكد أن شركة "غاف إنجنيرينغ" (Gauff Engineering) الألمانية بدأت بالفعل العمل في سوريا، على الرغم من رفض برلين رسميا تمويل أعمال إعادة الإعمار في هذا البلد ما لم يكن هناك انتقال سياسي فيه.
كما لا تزال ألمانيا مثل جارتها فرنسا متمسكة بموقفها المناهض لرئيس النظام بشار الأسد جراء قمعه بالحديد والنار ثورة شعبية اندلعت ضده بمارس/ آذار 2011، وشرد نحو 13 مليون سوري، وقتل مئات الآلاف منهم.
ووفقا لـ"إنتليجنس أونلاين"، فإن شركة "غاف" الهندسية، التي يقع مقرها في نورمبرج منذ عام 2020، تعمل على إعادة تأهيل محطة كبيرة للصرف الصحي في بلدة الخفسة في حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
كما بدأت الشركة الألمانية منذ مايو/ أيار 2022، العمل في محطة ضخ عين التنور قرب حمص الخاضعة لسيطرة النظام أيضا.
وتأسست شركة غاف في عام 1988 وتقوم بتنفيذ مشاريع إعادة التأهيل الهيدروليكية في أكثر من 15 دولة، بما في ذلك العراق. ومع ذلك، فإنها لا تتحدث عن عملها في سوريا.
وأكد الموقع الفرنسي، أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تلعب دورا رئيسا في إنجاز تلك المشاريع، بينما تقول شركة غاف إنها تعمل لصالح تلك اللجنة، التي لها مكتب في دمشق وهي المسؤولة عن التنسيق مع النظام السوري.
وتعمل الشركة على إعادة تأهيل محطة الصرف الصحي في الخفسة، والتي من المفترض أن تخدم منطقة يقطنها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وذلك تحت إشراف هيئة مياه حلب التي تخضع لإشراف وزارة الموارد المائية برئاسة تمام رعد منذ استعادتها من قبضة تنظيم الدولة في مارس/ آذار 2017.
ومن المقرر الانتهاء في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، من أعمال إعادة تأهيل محطة الضخ بالقرب من حمص، والتي تخدم 1.5 مليون شخص.
تجاهل واضح
وأجرى رئيس البعثة الأوروبية إلى سوريا دان ستوينيسكو، زيارة إلى محطة مياه الخفسة في حلب، بصفتها جزءا من شبكة مياه الشرب الأوسع في سوريا.
وقال ستوينيسكو، في تغريدة عبر حسابه في تويتر، بتاريخ 8 أغسطس/ آب 2022، إن المحطة تؤمن المياه لـ 3.2 ملايين نسمة.
وأشار إلى أن إعادة تأهيلها كان جزءا من مشروع رعاه الاتحاد الأوروبي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، للاستثمار في البنية التحتية الضرورية للمياه في سوريا.
ورافق ستوينيسكو، في الزيارة منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا عمران رضا، ضمن الجهود المبذولة لإعادة تأهيل شبكة المياه في سوريا.
وشدد ستوينيسكو خلال زيارته على استعداد الاتحاد الأوروبي للمشاركة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار رغم تمسك بعض الدول الأوروبية بموقفها الرافض لمشاريع كهذه.
Today I visited together with @Imran_Riza Khafsa water station in Aleppo, part of the largest drinking water supply system in #Syria, providing drinking water to over 3.2 million people. The EU���� through @ECHO supports @ICRC_sy investment on critical water infrastructure. pic.twitter.com/63VCkHb1cm
— Dr Dan Stoenescu (@DanStoenescuEU) August 8, 2022
وتؤمن محطة الخفسة يوميا 100 ألف متر مكعب من المياه لمدينة حلب، والمضخات قادرة على تأمين 325 ألف متر مكعب من المياه في المستقبل للمدينة.
وتتألف محطة مياه الخفسة من أربع مضخات تضخ 18 ألف متر مكعب من المياه في الساعة الواحدة، وتؤمن مياه الشرب لنحو 6 ملايين نسمة، بحسب حكومة الأسد.
وبلغت كلفة مشروع محطة مياه الخفسة حوالي 4 مليارات و100 مليون ليرة سورية، وزعم النظام حينها أن المشروع رعته وزارة الموارد المائية التابعة له، دون أن يتطرق إلى الدعم الأوروبي للمشروع.
وللمفارقة، فإن نظام الأسد يقطع مياه محطة الخفسة عن المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي تعاني من نقص شديد في المياه الصالحة للشرب، وجفاف الآبار، وعلى رأسها منطقة الباب وما حولها المكتظة سكانيا، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
وكثيرا ما يحذر مختصون من حدوث أمراض عضوية، من تلوث مياه الشرب في مناطق المعارضة السورية.
ولهذا لم يقم الصليب الأحمر بوضع أي شروط على نظام الأسد، لمد مناطق المعارضة بكميات من المياه، لقاء إعادة تأهيل تلك المحطة الضخمة، خاصة أنه يجرى حاليا رفع كفاءتها في تصفية مياه الشرب وتنقيته.
إذ يلجأ سكان تلك المناطق على الصهاريج في التزود بالمياه، ما يزيد من الأعباء المادية عليهم.
نشاط مدروس
ويستغل نائب وزير خارجية النظام بشار الجعفري، والذي جرى تعيينه أخيرا سفيرا للنظام في روسيا، علاقاته لدعم مشاريع البنية التحتية بمناطق الأسد.
ففي 7 أغسطس 2022، وخلال لقاء له مع عمران رضا، تحدث الجعفري عن عمليات التنسيق المطلوبة لاستمرارية تنفيذ مشاريع كهذه.
ويكاد يكون نشاط الصليب الأحمر، مع نظام الأسد هو الأنشط من ناحية الاستفادة الفعلية، وتحقيق مكاسب منه نظرا لصلاته القوية مع المجموعات الدولية العابرة للقارات.
وسبق أن التقى بشار الأسد مع رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورير بدمشق في 9 مايو 2022، وبحثا حينها "عمل اللجنة في سوريا والاستجابات الإنسانية لتلبية احتياجات السوريين في القطاعين الإنساني والخدمي".
ورأى الأسد، حينها أن "الأولوية في العمل الإنساني يجب أن تتركز على المجالات التي تساعد على تحسين حياة السوريين في مناطقهم وقراهم وتسهم في خلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين كإعادة تأهيل البنية التحتية لشبكات الماء والكهرباء".
بينما أعرب ماورير عن "تقديره للتنسيق القائم مع الحكومة السورية لتذليل الصعوبات التي قد تعترض عمل اللجنة في بعض المناطق والتسهيلات التي تقدمها من أجل إنجاح مهمتها في مجال العمل الإنساني".
وعبر منظمة الهلال الأحمر التابعة للنظام السوري، ورئيسها تحديدا خالد حبوباتي المقرب من الأسد، يستفيد النظام في الالتفاف على العقوبات الدولية، فضلا عن استغلالها كمساحة في إجراء نشاطات مشبوهة تتعلق بتبييض الأموال.
والمنظمة عضو في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر وفي الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر في جنيف، والأمانة العامة العربية لجمعيات الهلال والصليب الأحمر العربية.
"التعافي المبكر"
وضمن هذه الجزئية يوضح الباحث السوري مدير موقع "اقتصادي"، يونس الكريم، لـ "الاستقلال"، أن تعاون الصليب الأحمر الدولي مع نظام الأسد يندرج تحت بندين".
الأول، وفق الكريم: "مشاريع التعافي المبكر الذي اعتمده الغرب كصيغة بدل إطلاق إعادة الإعمار بسوريا، وبالتالي تجاوز العقوبات الغربية والالتفاف عليها، ومحاولة المقاربة مع روسيا بحل وسط وحتى الإيرانيين بصفتهم داعمين للنظام، دون أن يقود هذا الأمر إلى رفع العقوبات عن النظام من ناحية".
والثاني، حسب الباحث: "أن ما يقوم به الصليب الأحمر له علاقة بملفات دولية سواء الملف النووي الإيراني أو روسيا فضلا عن الحل السياسي بسوريا، ولا سيما أن الأسد تلقف الأمر بدراسة حقيقية وعمل عليها لتجاوز المحددات التي وضعها الغرب بما يحقق له أكبر مصلحة".
واستدرك الكريم قائلا: "الغرب أيضا عمل على إعداد دراسة حول من يتاح له التعامل مع النظام السوري لإطلاق مشاريع التعافي المبكر في مناطق سيطرته تحديدا".
وأمام ذلك، أكد أن "نظام الأسد استطاع تطويع مشاريع التعافي المبكر لمصلحته من خلال التعاقد مع الطرف الثالث، حيث تأتي الشركات الأجنبية أو المانح الأجنبي لإنجاز الأعمال، وهو لا يظهر في الواجهة".
وألمح الباحث الاقتصادي إلى أن ما يجرى هو "ربط مشاريع التعافي المبكر بالمنظمات غير الحكومية سواء التابعة للنظام السوري أو الدولية كالصليب الأحمر وغيره".
ورأى الكريم أن "روسيا تهدف إلى جعل الهلال الأحمر التابع لنظام الأسد مسؤولا عن تلك المشاريع، مع الأمانة السورية للتنمية التي تشرف عليها أسماء زوجة بشار الأسد".
وأسماء الأسد، تشرف على مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" التي أطلقتها عام 2001، وتنفذ أعمالها بالشراكة مع المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية الأخرى والحكومة والقطاع الخاص.
وهذه المؤسسة، مكلفة حاليا بالمشاريع المحلية، عبر شخصيات عينتهم أسماء، وهم شادي الألشي، وفارس كلاس، المستشار السابق لأسماء الأسد، ويدير هؤلاء الأموال التي يتلقاها النظام كهبات أو مساعدات من دول معينة مثل الصين لإنجاز مشاريع خدمية ومجتمعية.
وذهب الكريم للقول إن "تلك الشركات الأوروبية العاملة حاليا في مناطق نظام الأسد لم تخرق العقوبات، بل هو يندرج تحت بند المصلحة العامة التي يقدرها الأوربيون، وليست بالضرورة أن تكون متوافقة مع رغبة الثورة السورية على اعتقاد أن الأموال تقدم لحكومة الأسد في هذا المجال لدعم بنيته التحتية وتدوير عجلتها من جديد".
ويتربص بنظام الأسد، قانون "قيصر" الأميركي الذي طبق في 17 يونيو/ حزيران 2020، وينص على معاقبة كل من يساند النظام ويمارس أنشطة اقتصادية، سواء على مستوى الدول أو الشركات والأفراد.
وختم الكريم بالإشارة إلى أن "مشاريع التعافي المبكر محصورة فقط بمناطق النظام السوري، ولا يوجد أي منها في مناطق المعارضة، أو حتى مناطق قوات سوريا الديمقراطية".
المصادر
- الرئيس الأسد لـ ماورير: الأولوية في العمل الإنساني يجب أن تتركز على المجالات التي تساعد على تحسين حياة السوريين
- Germany's Gauff Engineering plays key role in reconstruction of Syria's water infrastructure
- وضع محطة الخفسة بالخدمة لتأمين 100 ألف متر مكعب من مياه الشرب يومياً لمدينة حلب
- مشروع للنظام برعاية أوروبية.. أهمية “استراتيجة” لمحطة مياه الخفسة بحلب