باسم الكربلائي.. منشد شيعي من أصول إيرانية ينفث سمومه الطائفية بالعراق

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

غضب كبير بين السنة في العراق، أثاره المنشد الشيعي الشهير باسم الكربلائي، جراء إساءته لصحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أحد "الأناشيد الحسينية" التي ألقاها بمناسبة ما يعرف بـ"ذكرى أربعينية الإمام الحسين" حفيد الرسول، المقدسة لدى الشيعة.

الكربلائي (55 عاما) وصف الصحابة بأنهم "عصابة"، الأمر الذي استدعى قوى وشخصيات سياسية وبرلمانية، إضافة إلى فعاليات شعبية ودينية، بمطالبة السلطات باعتقاله ومعاقبته وفقا للقانون العراقي الذي يحاسب من يتعرض للرموز الدينية ويثير النعرات الطائفية.

رغم أن القصيدة ذاتها التي تحمل عنوان "حبر الصحيفة" منشورة بالصوت والصورة على قناة الكربلائي على يوتيوب منذ يناير/كانون الثاني 2022، إلا أن إعادة "الرادود" (منشد شيعي) قراءتها في 10 سبتمبر/أيلول 2022 بمناسبة الأربعينية، لفت انتباه العراقيين السنة.

بوق للفتنة

ردود فعل كثيرة ضد ما صدر من إساءة الكربلائي بحق الصحابة، حيث نددت لجنة الأوقاف البرلمانية بـ"أشد العبارات وأقساها بما صدر في أحد المجالس الحسينية على لسان الرادود (باسم الكربلائي) وتجرئه بالتهجم على أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وتشبيههم بمفردات لا يمكن السكوت عليها لأنها تثير الفتن والنعرات الطائفية بين أبناء البلد الواحد".

وأضافت اللجنة خلال بيان في 11 سبتمبر 2022 أن "الأمة الإسلامية تواجه أزمات وتحديات كبيرة وما أحوجنا اليوم إلى رصّ الصفوف ونبذ الطائفية وتجنب إثارة الخلافات الطائفية والمذهبية، وكما هو معلوم للقاصي والداني أن هذه الخلافات لا تمس أصول الدين ولا أركانه".

وطالبت اللجنة ديوان الوقف الشيعي بـ"تحمل مسؤوليته القانونية والشرعية بالتدخل السريع لإيقاف مثل هذه التجاوزات التي تحدث بين الحين والآخر، والتي تسعى لتكريس الفرقة والانقسام وتعميق هوة الخلافات الطائفية بين المسلمين ومتابعة تلك المجالس وحثهم على الوحدة".

ديوان الوقف السني أصدر هو الآخر بيانا غاضبا طالب فيه بـ"التحقيق في القضية وتقديم المتسببين بالإساءة إلى القضاء، وتعميم الفتاوى الشرعية التي تحرم الإساءة لصحابة النبي محمد، وتشديد الرقابة على محتوى القصائد من النواحي الشرعية والقانونية والمجتمعية".

من جهته، علق رئيس تحالف "السيادة" (أكبر كتلة للسنة بالبرلمان)، خميس الخنجر، عبر "تويتر" في 12 سبتمبر 2022، على قصيدة الكربلائي بالقول إن "الأمة لن تسمح لأبواق الفتنة المأجورة أن تعبث بوحدتنا وأخوتنا، ونطالب جميع المؤسسات المختصة بضرب المفتنين".

وقال المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة)، في بيان: "معلوم أن من مقتضيات التعايش بين مكونات المجتمع، احترام المعتقدات، ولا يحق لأحد التجاوز على عقائد المكون الآخر ورموزه الدينية".

وناشد المجمع، "مرجعيات المسلمين كافة، الوقوف بوجه هذه الأصوات، وإنكار هذا المنكر ومحاسبة أولئك الذين يستغلون الشعائر الدينية للتجاوز على مقام الصحابة"، مطالبا الحكومة بـ"اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق من ينتهك القانون ويزرع الفتنة".

وعلى ضوء ذلك، رفع المحاميان إحسان سعدون عبيد وسيف عباس حمود دعوى قضائية ضد الكربلائي، واتهماه بـ"الاعتداء على طائفة دينية في العراق، ما يشكل خطورة على الوحدة الوطنية"، بحسب ما ورد في وثيقة الدعوى التي تداولها ناشطون.

وأوضحت الوثيقة أن "هذا الفعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون استنادا إلى أحكام المادة 372 من قانون العقوبات، وعليه نطلب من عدالتكم الشكوى ضده واتخاذ جميع الإجراءات القانونية بحقه".

ودعا النائب البرلماني، رعد الدهلكي، إلى "إصدار مذكرة قبض ومنع من إقامة المجالس الحسينية للمنشد الكربلائي لإساءته للرموز الدينية وتهجمه على صحابة رسول الله".

ولم تكن هذه الحادثة الأولى للكربلائي، فقد سبق أن أثار حفيظة الكويتيين عام 2016، بقصيدة حملت عنوان "الجبت والطاغوت"، مُنع على أثرها من ممارسة أي نشاط داخل الكويت بعد أن عدت قصيدته مثيرة للنزعة الطائفية والتفرقة بين السنة والشيعة.

"إيراني الأصل"

باسم إسماعيل محمد الكربلائي، ولد في مدينه كربلاء العراقية عام 1966 وعاش طفولته فيها، هاجر مع عائلته إلى إيران، حيث رحّلت السلطات العراقية الأشخاص الذين تعود أصولهم إلى إيران عام 1980 مع اندلاع الحرب الإيرانية العراقية والتي استمرت لمدة ثماني سنوات.

انتقل الكربلائي الذي يمتلك الجنسية الإيرانية إلى الإقامة في مدينة أصفهان، وهناك وتحديدا في الحسينية الكربلائية وخلال حضوره لمجالس العزاء بدأ قراءة القصائد في المناسبات الشيعية المختلفة.

وبعدما عاش باسم الكربلائي 13 عاما في إيران، تنقل بين دول الخليج العربي وتزوج بفتاة عُمانية واستقر في الكويت لمدة 10 سنوات، ثم للأسباب ذاتها التي أخرجته من الكويت أصدرت عُمان قرارا باستبعاده وسحب إقامته نهائيا من السلطنة.

ومع ازدياد شعبيته عبر شرائط الكاسيت في تسعينيات القرن الماضي، تنقل الكربلائي حول العالم، وأقام مجالس عزاء في الولايات المتحدة وبريطانيا وكثير من دول أوروبا، وصولا إلى الصين، فهو يقيم حاليا في العاصمة البريطانية لندن التي افتتح فيها مطعم "السلام" عام 2014.

يعد الكربلائي "الرادود" الأكثر شهرة وشعبية في العالم الشيعي، فقد عرف في قراءة النعي خلال طقوس عاشوراء التي يحييها سنويا الشيعة حول العالم، في ذكرى مقتل الإمام الحسين ومركزها في محافظة كربلاء.

وعلى قدر شهرة الرجل، تأتي إثارته للجدل بقصائد أو سلوكيات تعرضه لانتقادات شعبية حادة من حين لآخر، أحدثها كان ظهوره في 10 سبتمبر 2022 بمجلس عزاء أقامه زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، بحضور لافت لعدد من قادة الفصائل المسلحة وأعضاء من "الإطار التنسيقي الشيعي".

قبلها بثلاثة أعوام، أثار الكربلائي الكثير من ردود الفعل بعد منحه لقب "سلطان المنبر الحسيني"، وتتويجه بتاج ذهبي أُطلق عليه اسم "تاج الولاية"، ووضْعِ عباءة مطرزة على كتيفيه في حسينية قصر الزهراء بمدينة الكاظمية وسط بغداد.

أثار هذا الأمر موجة من الانتقادات بسبب ما عد خرقا من الكربلائي للتحريم الشرعي لارتداء الرجال للذهب، ناهيك عن تاج ذهبي مرصع، ما اضطر إلى إهداء التاج إلى "العتبة العباسية".

لم يغير الكربلائي فقط الأطوار السائدة في إلقاء القصائد، لكنه غير أيضا من مهنة "الرادود الحسيني".

قبل سنوات، طرح عطرا يحمل أول حرفين من اسمه باللغة الإنجليزية (BK) ليتعرض من جديد إلى موجة انتقادات تتعلق هذه المرة بالتشبه بالمشاهير والخلط بين التجارة وخدمة المنبر، وبالاسم ذاته يمتلك الكربلائي قناة فضائية على قمر النايل سات.

وطالت الانتقادات أيضا أجور عمله في "المجالس الحسينية" التي تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، لكن عند سؤاله في أحد اللقاءات التلفزيونية عن المبالغ التي يتقاضاها مقابل حضوره مجالس العزاء والإنشاد فيها، أنكر طلبه للمال أو تحديده أي مبلغ مقابل مشاركته في الإنشاد بمجالس العزاء الحسينية.

ويحظى الكربلائي بشعبية كبيرة على مواقع التواصل التي ينشط فيها بشكل لافت، فقناته على يوتيوب حققت ثلاثة مليارات و200 مليون مشاهدة، ويتابعها أكثر من 9 ملايين شخص، فيما يتابع حسابه على فيسبوك أكثر من ثلاثة ملايين، وعلى تويتر يتجاوز متابعوه المليون شخص.

شيرازي الفكر

وينتمي الكربلائي فكريا إلى التيار الشيرازي الذي جرى تأسيسه في كربلاء من قبل محمد الشيرازي (1924-2001)، وهو من التيارات الشيعية التي تتهم بالمغالاة، وتنشط إعلاميا عبر عدد كبير من الفضائيات ووسائل الإعلام، واجتماعيا عبر منظمات وجمعيات دينية حول العالم.

ويجهر التيار الشيرازي بتكفير الصحابة، وكذلك يدافع عن طقوس دينية تثير الخلاف بين فقهاء الشيعة، مثل الدفاع عن التطبير (ضرب الرأس بالسيف في مراسم عاشوراء وإدماؤه) الذي يؤيده الكربلائي نفسه.

وغرّد المحلل السياسي العراقي، مازن الزيدي، عبر "تويتر" في 13 سبتمبر 2022 قائلا: "على هامش الجدل حول باسم الكربلائي أود توضيح نقطة: الرجل ينتمي للمدرسة الشيرازية التي تتبنى خطاب لعن الصحابة ممن لهم موقف معاد لأهل البيت".

وأوضح الزيدي أن "هذه المدرسة (الشيرازية) محظورة رسميا في إيران، لكن يتم التعاطف معها، عربيا ودوليا، بوصفها ضد الإسلام السياسي الشيعي أولا، وضد ولاية الفقيه ثانيا (في إيران)".

في السياق ذاته، غرّد الكاتب العراقي رشيد خيون على "تويتر" في 13 سبتمبر قائلا: "الملحن المسيحي اللبناني ميشال فاضل يشارك المنشد الحسيني باسم الكربلائي، في بث سموم الجماعة الشيرازية، الذين يعبثون بعقول الشباب العراقي، باسم الحسين".

وتابع: "هناك مليار مسلم ويزيد ممن يقدسون الصحابة ويأتي الكربلائي إيراني الجنسية وميشال فاضل لتحويل الكراهية إلى ألحان تُطرب الطائفيين".

وفي 16 سبتمبر 2022، نظم عدد من المصلين السنة في مساجد العاصمة العراقية بغداد، وقفة احتجاجية بعد صلاة الجمعة تنديدا بالإساءة التي صدرت عن الكربلائي بحق الصحابة.

وقال رئيس رابطة أئمة وخطباء مدينة الأعظمية في بغداد، مصطفى البياتي، إن "مئات من المصلين خرجوا بعد صلاة الجمعة في عدد من جوامع الأعظمية وبغداد تنديدا لما تناوله الرادود باسم الكربلائي ضد صحابة النبي".

وأوضح البياتي لوكالة "بغداد اليوم" أن "المجمع الفقهي لم يدع إلى هذه الاحتجاجات، بل إنها خرجت عفوية ودون أي دعوة من أية جهة".

ودعا رئيس رابطة أئمة وخطباء مدينة الأعظمية في بغداد، "جميع أبناء الشعب العراقي إلى نبذ خطاب الكراهية والفتنة، لأنه لا يمثل منهج أهل البيت والصحابة وجميع الصالحين".

ورغم الجدل السياسي والشعبي الكبير الذي أثاره الكربلائي في العراق، ورفع دعاوى قضائية عليه بتهمة إثارة النعرات الطائفية، إلا أن الحكومة وأجهزتها الأمنية، وكذلك السلطات القضائية، التزمت الصمت ولم يصدر عنها أي تعليق.