رغم الأزمات.. موقع بريطاني: شعبية أردوغان تتصاعد والمعارضة تتشتت
رصد موقع ميدل إيست آي البريطاني آخر استطلاعات الرأي في تركيا بشأن الانتخابات الرئاسية المصيرية المزمع عقدها في غضون 10 أشهر، وبالتحديد في 18 يونيو/حزيران 2023.
ورأى الكاتب رجب صويلو أنه مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، ظهر أن الرئيس رجب طيب أردوغان، لن يستسلم من دون قتال، بالرغم من الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
إذ تجاوز معدل التضخم السنوي في تركيا 80 بالمئة في أغسطس/آب 2022، واستمرت قيمة الليرة في الانخفاض مقابل الدولار الأميركي، حتى خسرت 27 بالمئة من قيمتها خلال العام.
لكن في المقابل، تُظهر استطلاعات الرأي، الصادرة عن مؤسسات مستقلة أو مراكز تابعة لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم أيضا، زيادة شعبية حكومة أردوغان خلال الأشهر القليلة الماضية.
وأشار الكاتب، وهو مراسل للموقع معروف بقربه من مراكز صنع القرار في تركيا، إلى أن التغير الأخير في مزاج الناخب التركي زاد من ثقة الحزب الحاكم أن باستطاعته الفوز في الانتخابات المقبلة.
ويوضح "صويلو" أن بعض المراقبين للوضع السياسي في تركيا الذين استبعدوا فرص أردوغان في الفوز، باتوا يعتقدون الآن أن بإمكان الرئيس الاحتفاظ بمنصبه.
ويقول الكاتب إن أردوغان معروف بتصرفه فائق المهارة في أحلك الأزمات، وبقدرته على التألق في فترات الانتخابات.
ويعتقد الكاتب أن الرئيس التركي يلعب هذه المرة على الورقة الشعبوية التقليدية، عبر زيادة الرواتب والإنفاق على الخدمات الاجتماعية، وتحقيق إنجازات تمس مختلف شرائح المجتمع.
ففي يوليو/تموز 2022، رفع أردوغان الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 بالمئة، مما أثر إيجابيا على ما يقرب من نصف القوة العاملة في البلاد البالغ عددها 30 مليونا.
تبع ذلك قرار بزيادة رواتب الموظفين العموميين بنحو 42 بالمئة، ليستفيد منه حوالي 5 ملايين موظف عام، ثم ما لبث أن حذا القطاع الخاص حذو الحكومة.
وبعد ذلك، شرعت حكومة أردوغان في تحسين رواتب العاملين بالقطاع الصحي، وأسقطت الفوائد على قروض الطلاب، وأطلقت مخططا أكبر مشروع للإسكان الاجتماعي في تاريخ الجمهورية.
كما أنشأت نظاما يوفر قروضا رخيصة للشركات، وكلها خطوات إستراتيجية تهدف لاستمالة كتل انتخابية بعينها، وفق الكاتب.
دور خارجي
ويعتقد أن إصرار أردوغان على خفض نسبة الفائدة كلفه ثمنا باهظا، لكنه في المقابل تمكن من تأمين ما بين 7 إلى 10 مليارات دولار من روسيا، لتضاف لاحتياطيات البنك المركزي الآخذة في النقص.
كما أكد "صويلو" أن أردوغان يسعى للحصول على 20 مليار دولار من المملكة العربية السعودية لتمويل عجز الحساب الجاري، المتأثر بارتفاع أسعار الطاقة عالميا.
ويضيف الكاتب أن "أردوغان لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أعلن عن حزمة مساعدات أخرى لمحدودي الدخل، ستدفع بموجبها الحكومة 30 مليار ليرة تركية (1.6 مليار دولار) لسداد قروض نحو خمسة ملايين مواطن.
كذلك، ستواصل وزارة الطاقة دعم فواتير الكهرباء والغاز، الأمر الذي سيكلف الدولة على الأرجح 200 مليار ليرة (11 مليار دولار) هذا العام. علاوة على ذلك، ستزيد وزارة المرأة والمجتمع مساعداتها لغير القادرين على سداد فواتيرهم.
وسيُصَدَّق على قانون جديد يسمح لذوي "سن التقاعد المتأخر" بالتقاعد، مما يرضي شريحة قوية تطالب بالأمر منذ سنوات.
هذا بجانب تحويل الحكومة لمئات الآلاف من الوظائف التعاقدية إلى أخرى دائمة.
في غضون ذلك، وبالرغم من الارتفاع الحاد في التضخم، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بنسبة 7.6 بالمئة في الربع الثاني من عام 2022.
وترجع أسباب هذا النمو إلى الإيرادات الكبيرة من قطاع السياحة، وزيادة الصادرات والضخ النقدي المباشر من روسيا والخليج، وإن كان ذلك مصحوبا بعجز كبير في الميزان التجاري.
وتقول مصادر مقربة من الحكومة إن الحزب الحاكم سيواصل زيادة الحد الأدنى للأجور ورواتب الموظفين في العام 2023.
إذ صرح مصدر مسؤول لموقع "ميدل إيست آي" أن الناس "اعتادوا على التضخم الذي سيتباطأ بدوره في فصل الشتاء. وبمرور الوقت سيقل تأثيره تدريجيا، ومع كل هذه الخطوات، سيشعر المواطنون بتحسن أوضاعهم المالية".
مرشح المعارضة
ويعتقد الكاتب أن أردوغان يسعى لتلبية كل مطلب مالي واقتصادي شعبوي للناخبين، على أمل الحفاظ على قاعدته الشعبية، مؤكدا أن عشرة أشهر مدة طويلة بالفعل، لكنها ضرورية لبقاء الرئيس الحالي في السباق.
على الجانب الآخر، بدأ مرشح المعارضة المحتمل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، الرد على تحركات الحكومة من خلال تسليط الضوء على جملة من القضايا التي تهم رجل الشارع.
ويرى "صويلو" أن الحكومة أُجبرت على التفاعل مع تصريحات كليتشدار أوغلو، واتخاذ بعض الإجراءات، بعد أن انتقد الأخير ارتفاع فواتير الكهرباء، ونقص السكنات الطلابية، وارتفاع أسعار المركبات، والمشكلات المتعلقة بنظام التقاعد.
ويذكر "صويلو" تصريحا لأردوغان قال فيه: "كليتشدار أوغلو يتحدث فقط، لكنني أفي بوعودي"، مستدلا على أن الحكومة تتأثر بتصريحات زعيم المعارضة، الذي تتصاعد شعبيته لتتقارب مع شعبية أردوغان.
ويؤكد الكاتب أنه بعيدا عن إثارة بعض القضايا على الرأي العام، لا يملك كليتشدار أوغلو إمكانات مالية مثيلة كي يوفرها للشعب، إلا من خلال البلديات التي تديرها المعارضة، لكنها في الأصل تعاني من مشكلات في الميزانية.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك خلاف عميق داخل المعارضة بشأن تقديم مرشح مشترك. فالقوميون يرفضون التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ضد أردوغان.
وهذا الأمر يقطع الطريق أمام الاستفادة من أصواتهم البالغة 10 بالمئة من أصوات الناخبين، وهي نسبة حاسمة في الفوز بالسباق.
وثبة ذهبية
وأمام مشكلات المعارضة الداخلية، نفذ أردوغان في الجانب المقابل "وثبة مذهبية" من خلال تواصل ذي دلالة مع الطائفة العلوية، المنضوي تحتها 5 ملايين فرد.
ويوضح الكاتب أنه من المعروف عن طائفة العلويين أنهم في عمومهم معارضون لأردوغان، ويميلون للتصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري والأحزاب اليسارية.
لكن ولأول مرة منذ 20 عاما، زار أردوغان في أغسطس/آب 2022 "بيت جمع"، وهو المكان الذي يتعبد فيه العلويون في جماعات.
والتقى الرئيس بمخاتيرهم، ثم حضر مهرجانا لتكريم أحد أبطال طائفتهم. وفي الوقت نفسه، منحت وزارة الداخلية ترقيات لبعضهم.
ويرى "صويلو" أنه لطالما كانت لـ"أردوغان السني المتدين" مشكلات مع العلويين، لكنه كان يسعى أيضا لتلبية مطالبهم.
وأشار إلى أن الكثيرين فسروا خطوات أردوغان الأخيرة على أنها محاولة لتفكيك المعارضة، ولتخفيف حدة معارضة العلويين له. وهي بالطبع شهادة على براغماتية الرئيس.
ويؤكد كاتب المقال أن من الصعب التنبؤ بقدرة أردوغان على الفوز بالانتخابات وسط كل التحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة في البلاد.
لكن هناك شيء واحد مؤكد –وفق صويلو- وهو أن أردوغان قادر على الإبداع، ومستعد لأن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، بينما لا تزال المعارضة تفتقر إلى التوحد والإستراتيجية.
ويشير الكاتب في ختام مقاله إلى أن الكارثة التي تحيق بأوروبا بسبب أزمة الطاقة قد تمثل فرصة أخرى لأردوغان.
ففي حين أن ذلك قد يضر بالاقتصاد التركي، إلا أنه قد يساهم من ناحية أخرى في تعزيز السياحة، وزيادة الطلب الأوروبي على الصادرات التركية.
وهذا بدوره، سيساعد تركيا على الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي، وسيكون بمثابة منحة تساعد الحكومة في استراتيجيتها الرامية لضخ الأموال في القطاع العام، بحسب تقديره.