انقلاب على الصدر.. لماذا رفض السنة والأكراد الانسحاب من برلمان العراق؟
في تطور جديد طرأ على الأزمة السياسية بالعراق، أعلن حليفا التيار الصدري، تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني رفضهما دعوة الأخير للانسحاب من البرلمان، بل أكدا تأييدهما تشكيل "الإطار التنسيقي" حكومة جديدة.
وأصدر تحالف "السيادة" بقيادة خميس الخنجر و"الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني بيانا في 11 سبتمبر/ أيلول 2022، بعد اجتماع الطرفين في أربيل، بحضور رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
البيان أكد أهمية إجراء انتخابات مبكرة بعد تهيئة المتطلبات القانونية ومستلزماتها وفق الآليات الدستورية يسبقها تشكل حكومة كاملة الصلاحيات.
وكان ما يعرف بـ"وزير الصدر" صالح محمد العراقي، قد أصدر بيانا في 8 سبتمبر، قال فيه إن "حل البرلمان ممكن بلا عودة الكتلة الصدرية، ولا سيما مع وجود حلفائها وبعض المستقلين بالبرلمان".
ودعا صالح العراقي خلال البيان إلى إبقاء "رئيس الجمهورية برهم صالح في منصبه بعد حل البرلمان، بينما يقود مصطفى الكاظمي حكومة لتصريف الأعمال والإشراف على الانتخابات المبكرة".
معطيات جديدة
إعلان حلفاء الصدر تأييدهم تشكيل "الإطار التنسيقي" حكومة جديدة تتمتع بكامل الصلاحيات، جاء بعد تحرك غير مسبوق للولايات المتحدة على الأزمة العراقية، حيث أجرت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف زيارة إلى العراق لمدة 6 أيام أجرت خلالها 13 لقاء.
شملت لقاءات باربرا ليف منذ وصولها إلى العراق، في 4 سبتمبر، الرئاسات الأربع (الجمهورية، الحكومة، البرلمان، القضاء الأعلى)، وعددا من القادة السياسيين، ثم انتقلت إلى إقليم كردستان والتقت برئيسي الإقليم والحكومة، وقادة الحزبين الكرديين الرئيسين، الحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني.
ليف طالبت خلال لقائها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بالاستماع للصدر، بالقول، إن زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر لديه أتباع وجمهور كبير، وصوته مع القيادات الأخرى يجب أن يسمع، لكن بالحوار، وخلاف ذلك سيكون الذهاب إلى منزلق".
وأضافت: "تابعنا الأسبوع الماضي عمليات العنف والقتل في العراق. ذلك هو جرس إنذار للقادة السياسيين إذا لم يسيروا نحو الحوار والحل"، في إشارة منها إلى الصدامات المسلحة التي حصلت في المنطقة الخضراء ببغداد بين التيار الصدري والحشد الشعبي في 29 أغسطس/ آب 2022.
بالتزامن مع ذلك، أفادت حسابات عراقيين على "تويتر"، منهم الكاتب والمحلل السياسي هلال العبيدي العراقي، بأن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني وصل إلى بغداد في 6 سبتمبر، والتقى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، قبل يوم رد المحكمة الاتحادية العليا دعوى حل البرلمان التي قدمها التيار الصدري.
#فائق_زيدان اجتمع يوم امس
— هِلالْ العُبَيدِي Hilal AL ABIDI (@hilalAlabidi) September 7, 2022
صباحا مع مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى #باربارا_ليف و ليلا بقائد الحرس الثوري الايراني #اسماعيل_قاآني والشعب صاير فرجة ويريد الفرج، عاد منين يجي فرج، هاي بس #ابو_علي_الشيباني يگدر يحلها او المحروسة #جوى_عياد بالنسبة لي فرج هاجر وترك العراق. pic.twitter.com/txsl9YXEEm
وقبل يوم من لقاء قادة تحالف "السيادة" السني بزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، وصل رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان إلى بغداد في 11 سبتمبر، والتقى بزعيم "السيادة" خميس الخنجر، بعد سلسلة لقاءات شملت الرئاسات الثلاث (جمهورية، حكومة، برلمان)، ورئيس هيئة الحشد الشعبي.
وذكرت وكالة "المعلومة" القريبة من الإطار التنسيقي، في 12 سبتمبر أن "اجتماع فيدان بالخنجر في بغداد استمر 12 دقيقة، حيث أبلغهم المسؤول التركي بضرورة التوجه لعودة البرلمان للانعقاد، الأمر الذي دفع الأخير للذهاب إلى أربيل".
رسالة أميركية
وبخصوص ما إذا كانت كل هذه المعطيات سببا في تخلي حلفاء الصدر عنه، قال السياسي العراقي أحمد الأبيض إن "مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية باربرا ليف كان لها دور أساسي في إيصال رسالة للقادة السياسيين بأن تعطيل تشكيل حكومة سيضر بالجميع، ويجب أن تجدوا مسارا توافقيا".
وأكد لـ"الاستقلال" أن "باربرا ليف أوصلت رسالة تهديد من الإدارة الأميركية، لأنها تريد الوضع العراقي هادئا من هنا وحتى الانتخابات النصفية للكونغرس، المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهذا يحتاج عدم وجود اقتتال حتى لا ترتفع أسعار النفط".
الأمر الآخر، يرى الأبيض، أن "إيران تريد أن تصعد في العراق بسبب الاتفاق النووي، بينما بدأت الولايات المتحدة بإعادة تحالفاتها في الخليج خصوصا مع السعودية، وهناك مؤشرات على أن إسرائيل قد توجه ضربة لإيران، وكل ذلك يؤثر في الملف العراقي".
ولفت الأبيض إلى أن "واشنطن تعتقد أن وجود حكومة في العراق تجمع عليها القوى السياسية أفضل من حكومة ليس لديها أي وجود، والتي يرأسها الكاظمي حاليا، وذلك ليضمنوا مسألتين أساسيتين: الأولى استقرار أمني محدود في العراق، والثانية استمرار في تجهيز النفط للأسواق العالمية".
لكن السياسي العراقي مشعان الجبوري، قال إن "اتفاق اليوم بين الديمقراطي الكردستاني والسيادة على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة عام 2022 على أن يسبقها تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات يعني مغادرتهم لتحالف إنقاذ وطن الذي كان يضمهم مع التيار".
وكشف الجبوري خلال تغريدة عبر تويتر في 11 سبتمبر، أن "الأهم وغير المعلن هو اتفاقهم على أن يكون من يشكل الحكومة الجديدة هو الرئيس مصطفى الكاظمي"، في إشارة إلى أن السيادة والديمقراطي الكردستاني سيفاوضان الإطار التنسيقي على ذلك.
اتفاق اليوم بين الديمقراطي الكوردستاني والسيادة على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة عام ٢٠٢٣ على أن يسبقها تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات يعني مغادرتهم لتحالف انقاذ وطن الذي كان يضمهم مع التيار .
— مشعان الجبوري (@mashanaljabouri) September 11, 2022
الاهم وغير المعلن هو اتفاقهم على ان يكون من يشكل الحكومة الجديدة هو الرئيس #مصطفى_الكاظمي
"تصعيد الإطار"
رغم دعوات التهدئة وخفض حدة الخطابات السياسية في العراق بين مختلف أطراف الأزمة، عاود رئيس الوزراء الأسبق القيادي في "الإطار التنسيقي"، نوري المالكي، إلى تصعيد خطابه مجددا.
إذ دعا عبر بيان إلى المضي بتشكيل الحكومة الجديدة، وعدّ أنه لم يعد هناك داع للحديث عن حل البرلمان بعدما رفضت المحكمة الاتحادية في 7 سبتمبر النظر بالشكوى، التي عدها خارج إطار صلاحيتها الدستورية.
وقال المالكي خلال بيانه في 11 سبتمبر، إن "القوى السياسية أبدت موقفها الداعم لقرار القضاء، وأعلنت رفض حل البرلمان والانتخابات المبكرة المقترحة، وهذا يعني ألا داعي بعد للحديث في هذا الموضوع المحسوم دستوريا وقضائيا وسياسيا، ويجب مغادرته".
ودعا المالكي في بيانه إلى ما وصفه بـ"تكريس الكلام والجهود حول كيفية تفعيل البرلمان، والإسراع في تشكيل حكومة ائتلافية لتحقيق أفضل الخدمات والاستقرار السياسي والأمني"، وفقا لقوله.
— Nouri Al-Maliki (@nourialmalikiiq) September 11, 2022
من جهته، أكد الباحث بالشأن السياسي العراقي مهند الجنابي عبر "تويتر"، في 11 سبتمبر، أن المالكي (خصم الصدر) يطمح لتشكيل حكومة بعمر أربع سنوات.
وقال الجنابي: "الانتخابات المبكرة عند المالكي هي مقترح وليست قرارا نهائيا بعد تشكيل الحكومة المقترحة، وسياسة فرض الأمر الواقع لديه لا تتوقف عند تشكيل الحكومة فقط، إنما تمتد إلى الطموح بحكومة عمرها أربع سنوات".
وأكد أن "قوى الإطار تصر على الرهان الخاسر أمام إرادة الجماهير وقوى الاحتجاج".
الانتخابات المبكرة عند المالكي هي مقترح، وليست قراراً نهائياً بعد تشكيل الحكومة "المقترحة".
— د. مهند الجنابي (@moaljanabi10) September 11, 2022
سياسة فرض الامر الواقع لدى المالكي لا تتوقف عند تشكيل الحكومة فقط، انما تمتد الى الطموح بحكومة عمرها اربع سنوات.
تصر قوى الاطار على الرهانٌ الخاسر أمام إرادة الجماهير وقوى الاحتجاج.
ولم يقتصر الأمر على المالكي، إذ كشف الإطار التنسيقي في بيان في 12 سبتمبر عن "وصوله إلى تفاهمات متقدمة مع القوى الوطنية"، مؤكدا تمسكه بمرشحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني الذي تسبب ترشحه في أزمة كبيرة متواصلة مع التيار الصدري.
وقال إنه سيواصل الحوار لحين "عودة المؤسسات إلى أداء مهامها، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، حرصا على تجنيب البلاد مزيدا من الأزمات"، معلنا "تقديره الكبير للموقف الوطني والدستوري لتحالف السيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بعد اجتماعهم في أربيل".
فيما لم يصدر تعليق فوري من قبل تيار الصدر على خطوة حليفيه السني والكردي.
وعقب الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أعلنت كتلة التيار الصدري (73 مقعدا) وتحالف السيادة السني (60 مقعدا) والحزب الديمقراطي الكردستاني (31 مقعدا) تحالفا برلمانيا باسم "إنقاذ وطن" لتشكيل حكومة أغلبية.
وعجز التحالف الثلاثي في عقد جلسة للبرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية جديد، الذي يكلف بعدها التحالف لتشكيل الحكومة، وذلك بسبب عدم الوصول للنصاب الذي يتحقق بحضور 220 نائبا من أصل 329، لتعلن الكتلة الصدرية الانسحاب من البرلمان في يونيو/ حزيران 2022.
وأخرج التيار الصدري مظاهرات تعارض عزم "الإطار" تشكيل الحكومة، وسيطر على مبنى البرلمان لمدة شهر، حتى انتهى بصدامات مسلحة بين الطرفين في 29 أغسطس، قتل خلالها العشرات، قبل أن يأمر الصدر أتباعه في اليوم التالي بإنهاء الاقتتال.
المصادر
- موقف ’مفاجئ’ من حلفاء الصدر: نحو حكومة جديدة بصلاحيات كاملة.. والتنسيقي يرحب
- الصدر يدعو حلفاءه للانسحاب من البرلمان ويرفض "حكومة توافقية"
- المالكي يُصّعد مجدداً بوجه الصدر: لا داعي للحديث عن حلّ البرلمان
- حراك أمريكي مكثف تجاه الأزمة السياسية بالعراق.. ما وراءه؟
- 12 دقيقة تنهي مصير تحالف الصدر وتوبخ "السيادة" وتستنفر بارزاني
- العراق.. المحكمة الاتحادية ترد دعوى حل البرلمان لعدم الاختصاص