بوفاة الملكة.. لماذا خرجت مطالبات بهدم "بقايا" عرش بريطانيا العظمى؟

12

طباعة

مشاركة

لم تمر 24 ساعة على وفاة الملكة إليزابيث الثانية، التي قضت أطول فترة في حكم المملكة المتحدة (70 عاما)، حتى انتشرت دعوات على مواقع التواصل تطالب بإلغاء النظام الملكي، وشكك مراقبون في بقاء دولة التاج البريطاني موحدة.

وانتشرت وسوم على منصات التواصل الاجتماعي، أبرزها "إلغاء الملكية"، و"هذا ليس ملكي"، وذهب البعض من خلال تلك الوسومات إلى أن عد "إليزابيث" هي آخر ملك لإنجلترا، ويجب إلغاء الملكية بعدها.

بالمقابل، انتقد آخرون الملكة الراحلة في 8 سبتمبر/أيلول 2022، وكتبوا على تمثال لها عبارة "Parasite" التي تعني "عالة على المجتمع" أو "كائن طفيلي كان يعيش على حساب غيره".

كما حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بالكثير من السخرية من الملك الجديد تشارلز الثالث، وكيف قضى معظم حياته عاطلا عن العمل، ومارس الزنا مع عشيقته والملكة المرافقة الحالية "كاميلا"، حتى وهو متزوج من الأميرة الراحلة ديانا.

وكانت السخرية من تشارلز الثالث أكثر صخبا، وتشير إلى أن الشعب لا يثق في قدراته على إدارة المملكة واستمرارها موحدة تحت التاج، بخلاف الغضب عليه لطلاقه الأميرة ديانا، وزواجه من كاميلا التي وصفوها بـ"الكلبة".

طيش الشباب

وفسر أستاذ التاريخ والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، داين كينيدي، ردود الفعل تلك لموقع "فوربس" الأميركي في 9 سبتمبر/أيلول 2022 بأنه "تشكيك في مستقبل النظام الملكي"، ونهوض متزايد "للمشاعر الجمهورية المناهضة للملكية".

وأشار كينيدي إلى أن "شخصية تشارلز الثالث ضعيفة، عكس والدته إليزابيث الثانية، ما سيشجع الداعين لإلغاء النظام الملكي".

لكن أستاذة التاريخ بجامعة نبراسكا الأميركية، كارول ليفين، عدت هذه الدعوات على منصات التواصل الاجتماعي "لن يكون لها صدى، لأن النظام الملكي مهم جدا لهوية الشعب البريطاني، ويؤدي أيضا دورا مهما في السياحة".

ووفقا لاستطلاع نشرته مؤسسة "يوجوف" العالمية في يونيو/حزيران 2022، فإنه "لا يزال 62 بالمئة من البريطانيين يؤيدون بقاء النظام الملكي".

ولم تكن هذه الدعوات لإلغاء الملكية جديدة، بل نادى بها سياسيون، بمن فيهم رئيسة الوزراء البريطانية الحالية، ليز تراس، في شبابها، قبل أن تعدل موقفها من الملكية لاحقا.

وفي عام 1994 وقفت تراس في مؤتمر لحزب الديمقراطيين الأحرار بجامعة أوكسفورد تطالب بإلغاء الملكية قائلة: "نحن الديمقراطيون الأحرار نؤمن بتساوي الفرص للجميع، لا نؤمن بأن هناك أشخاصا ولدوا ليحكموا".

وكانت تتكلم حينئذ بلهجة حزب "الديمقراطيين الليبراليين" (يسار وسط) الذي تأسس عام 1988 بعد اندماج الحزبين "الليبرالي" و"الديمقراطي"، ويعد حاليا ثالث أكبر الأحزاب بعد العمال والمحافظين.

وفي كلمتها دعت تراس إلى إلغاء النظام الملكي، وزعمت أن من قابلتهم من البريطانيين يطالبون جميعا بإلغاء الملكية كونه"نظاما عفا عليه الزمن".

وانضمت تراس لاحقا إلى حزب المحافظين عام 1996 وتلونت كـ"حرباء سياسية"، وفق وصف موقع "سي إن إن" البريطاني في 5 سبتمبر/أيلول 2022، وأصبحت بعد 28 عاما من خطابها الشبابي السابق (كانت 19 سنة)، تتبنى أفكارا مغايرة تماما.

وسخر بريطانيون منها عقب فوزها في 5 سبتمبر 2022 بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة مذكرين إياها بما قالته سابقا، ووصفوها بـ"المتحولة" أو "الحرباء".

وقالوا إنه "كان سيكون أمرا غريبا حقا إذا شاهدت الملكة خطابها عام 1994 عن إلغاء الملكية قبل أن تقلدها خطاب التكليف".

وعقب فوزها برئاسة الوزراء عن حزب المحافظين، وقفت أمام الملكة إليزابيث الثانية، تمتدحها وهي تتلقى منها خطاب التكليف للحصول على شرعيتها كرئيسة لوزراء بريطانيا رقم 16 وثالث سيدة تتولى هذا المنصب في عهد الملكة (الراحلة).

تراس، التي تبلغ 46 عاما، قالت إنها تعد الملكة وبقية أفراد العائلة المالكة هم "مفتاح" نجاح المملكة المتحدة، وكتبت عن وفاة الملكة قائلة: "كانت الصخرة التي بنيت عليها بريطانيا المعاصرة".

وحين سألها موقع "بي بي سي" البريطاني في 27 يوليو/تموز 2022 عن رأيها السابق في إلغاء الملكية، أشارت إلى "تأثرها في شبابها بنشأتها اليسارية بين أبوين يساريين".

وقالت تراس: "مع الوقت بدأت أفهم المزيد عن سبب نجاح بريطانيا وهو الملكية الدستورية التي تدعم الديمقراطية الحرة".

وبررت مواقفها السياسية قبل انضمامها إلى حزب المحافظين بـ"طيش الشباب"، وفقا لما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" في 6 سبتمبر 2022.

تشارلز الضعيف

ما يقلق البريطانيين أكثر ليس رئيسة الوزراء التي كانت تدعم سابقا إلغاء الملكية، ولكن ملكهم الجديد تشارلز الضعيف، الذي يكرهونه منذ تركه زوجته السابقة ديانا، ووفاتها.

ويقولون إن "مشكلة تشارلز الأخطر أنه صدرت عنه آراء لا تمانع في استقلال أجزاء من إنجلترا العظمى وتفكك ما تبقى منها".

ويتساءل بريطانيون: "هل سينهار عرش بريطانيا في ظل ولاية تشارلز وتراس وتتفتت المملكة التي كانت لا تغيب عنها الشمس، خاصة في ظل دعوات الحزب الوطني الأسكتلندي للانفصال والتي لم يصدها سوى كاريزما وقوة شخصية الملكة الراحلة؟".

وسبق للملك الجديد تشارلز الثالث أن أعلن مرارا أن "لكل شعب الحق في اختيار مصيره، وأنه لا يمانع في انفصال أي من الدول التابعة للتاج البريطاني، شريطة أن يتم ذلك بشكل يليق وبهدوء، وأنه لا يرغب في حدوث صراعات".

وانتقد بريطانيون اختيار "تشارلز الثالث" كاسم للملك الجديد، قائلين إنه اختيار "غير موفق"، فقد تم إعدام الملك تشارلز الأول، فيما نفي تشارلز الثاني.

وهزم تشارلز الأول ملك إنجلترا على يد القوات البرلمانية في الحرب الأهلية الإنجليزية، وتم إعدامه عام 1649، فيما هرب ابنه تشارلز الثاني ملك إنجلترا وتم نفيه عام 1651، لكنه عاد بعد وفاة غريمه أوليفر كرومويل، وتوج مجددا 1660.

وسخر بريطانيون من هذه المصادفة في تسمية "تشارلز الثالث"، قائلين "ربما هذه بشرى أو فرصة جيدة حقا لأن تنتهي الملكية معه".

مستقبل الملكية

بعد يوم من وفاة الملكة إليزابيث، كتبت أستاذة التاريخ بجامعة هارفارد، مايا جاسانوف، والتي ألفت ثلاثة كتب عن الإمبراطورية البريطانية تقول: "الآن بعد رحيلها يجب أن ينتهي النظام الملكي الإمبراطوري أيضا".

وفي افتتاحية نشرت عبر صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 8 سبتمبر، قالت جاسانوف: "أحزن على الملكة وليس إمبراطورتيها"، مشيرة إلى أن رؤيتها هي "انتهاء الملكية الإمبراطورية وترك ماضيها الاستعماري بالكامل وراءها".

ونشر موقع "جريد" الأميركي في 9 سبتمبر 2022 تحليلا يؤكد أن مستقبل الملكية مهدد لأن "الملك الجديد يعاني من كونه أقل شعبية، ليس فقط من والدته، ولكن أيضا من ابنه وليام، الذي هو الآن التالي في ترتيب العرش".

وبرر ذلك بأنه "عندما تكون هناك شكوك حول قوة وقدرة الملك، تزداد احتمالية التشكيك في بقاء النظام الملكي".

فيما شكك تقرير لمجلة "تايم" في 9 سبتمبر 2022 في مستقبل النظام الملكي البريطاني، عادا "بقاءه غير مؤكد أكثر من أي وقت".

وأرجع السبب إلى أن "حب دول الكومنولث للملكة السابقة لن ينتقل إلى ابنها الملك تشارلز، وستظهر دعوات مطالبة بالجمهورية".

ونقلت "تايم" عن خبراء ومراقبين أن وفاة إليزابيث "قد يعزز حركات المطالبة بالجمهورية في رابطة الدول التابعة للتاج البريطاني (الكومنولث)".

وأوضحوا أنه من المتوقع أن تشعل وفاتها النقاش حول ما إن كان خليفتها تشارلز الثالث يستحق أن يكون رأس الدولة.

وقبل وفاة الملكة كتب الباحث شون أوجرادي، لصحيفة "إندبندنت" في 2 يونيو/حزيران 2022 يرصد "خطة الأمير تشارلز طويلة الأمد لتقليص حجم النظام الملكي، والمقرر وضعها موضع التنفيذ عندما يحين الوقت (وفاة الملكة)".

وأوضح أن "مستقبل الملكية البريطانية في خطر، وسيقلص تشارلز الثالث حجمها، ما سيؤدي لانتعاش نشاط الحركات الجمهورية في أرجاء التاج البريطاني".

وتنبأ بأن "حكم تشارلز سيكون أقصر من فترة تولي أمه، لعدم قدرته على التكيف مع الأوقات المتغيرة والقيام بما يطلبه الشعب والسياسيون". 

وحين ظهرت فضائح الأمير أندور، شقيق تشارلز وأبعدته الملكة الراحلة عن القصر، كتبت صحيفة "الغارديان" افتتاحية في 20 فبراير/شباط 2022 عن "مستقبل الملكية البريطانية" أشارت فيه أيضا لـ"كاريزما الملكة في الحفاظ على المملكة وهو ما قد يفتقده خلفها تشارلز".

وقالت: "خلال معظم فترة حكمها أدى صمود الملكة إلى تماسك المؤسسة (الملكية) المتهالكة والتي عفا عليها الزمن".

لكن تشارلز، ورغم نواياه الحسنة، يقدم دليلا ضئيلا على امتلاكه صفات والدته، ما قد يجعل خلافته لها محفوفة بالمخاطر، بحسب الغارديان.

لكن ماذا سيحدث للعائلة المالكة إذا ألغت بريطانيا النظام الملكي؟ بحسب خبير الشؤون الملكية، مارلين كونيغ، "سيحتاج الأمر تشريعا وقانونا برلمانيا وموقعا من قبل الملك يقضي بإنهاء النظام الملكي".

وأوضح لموقع "إنسايدر" الأميركي في 8 سبتمبر 2022 أنه "لو حدث هذا (إنهاء الملكية)، سيترك الملك قصر باكنغهام، لأنه مقر رسمي للعمل واستضافة قادة العالم والمسؤولين، لكنه (الملك) لن يضطر إلى التخلي عن جميع قصوره الملكية".

لكن كونيغ شدد على أن "النظام الملكي لن يذهب إلى أي مكان ولن يلغى قريبا"، معللا ذلك بقوله: "لا توجد احتجاجات، وحركة الدعوة للجمهورية صغيرة"، و"النظام السياسي الملكي مستقر".

وأكد خبراء في شؤون الحكم الملكي أيضا لموقع "إنسايدر" عدم توقعهم تخلي بريطانيا عن الملكية، وعدوا "احتمالية إلغاء النظام الملكي منخفضة للغاية".

وقال محرر الشؤون الملكية لـ"إنسايدر"، روبرت جوبسون، إن "النظام الملكي كمؤسسة يتعلق بالملكة وورثتها المباشرين الذين يتمتعون بشعبية، ومن ثم فلن يتأثر النظام الملكي كثيرا، لأنهم لا يحكمون فعليا البلاد".

نهاية الكومنولث

مثلما يشكك بريطانيون ومراقبون في بقاء الملكية يخشون أن "ينفرط أيضا عقد دول الكومنولث البريطاني، أبرز مظاهر الاحتلال البريطاني للعالم".

وسائل التواصل الاجتماعي في بريطانيا لم تغفل ذلك، وناقشت ما تعنيه وفاة الملكة إليزابيث بالنسبة لمستقبل دول الكومنولث، الرابطة السياسية التي تضم 56 دولة، واحتمالات انفراط عقدها أو استقلال دولها.

ويواجه الملك تشارلز خطرا آخرا هو تحدي خفوت بريق التاج البريطاني في أعين الدول التي كانت رمزيا خاضعة له، ما جعل سيطرة العرش في المملكة المتحدة تتراجع خلال العقود الماضية.

ومع بداية حكم الملكة إليزابيث الثانية قبل 70 عاما، كانت هناك 32 دولة خاضعة رمزيا لحكم التاج البريطاني، وتدريجيا تراجع هذا الرقم بشكل كبير ليصل إلى 15، مع سعي دول للانسحاب من تحت العرش البريطاني.

وبتتويجه ملكا أصبح تشارلز الثالث رئيسا للكومنولث، وهي هيئة تضم 56 دولة مستقلة ويبلغ عدد سكانها 2.4 مليار شخص وبات في 14 من هذه البلدان، هو رأس الدولة، بالإضافة إلى المملكة المتحدة.

والدول الـ14 هي أستراليا وأنتيغوا وبرمودا وجزر الباهاما وبليز وكندا وغرينادا وجامايكا وبابوا غينيا الجديدة وسانت كريستوفر ونيفيس وسانت لوسيا وسانت فنسنت وجزر غرينادين ونيوزيلندا وجزر سولومون وجزر توفالو.

وكانت "باربادوس" آخر دولة تعلن انفصالها عن التاج البريطاني رسميا في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 والتحول إلى النظام الجمهوري لتصبح أحدث جمهورية في العالم.

وحضر الأمير تشارلز حينئذ احتفال تخليها عن النظام الملكي الذي كانت بموجبه الملكة إليزابيث الثانية الراحلة تمثل رأس النظام السياسي هناك.

وهناك دول من هذه الـ14 المتبقية تسعى للانفصال عن التاج، ففي يونيو/حزيران 2022 قالت مستشارة الرئيس الجامايكي للشؤون الدستورية، مارلين مالاهو فورت، إن "عملية التحول للجمهورية بدأت بشكل رسمي".

وكتب زعيم حزب الخضر في أستراليا، آدم باندت تعزية على تويتر للملكة الراحلة لكنه قال فيها "على أستراليا التحرك للأمام الآن.. نريد أن نصبح جمهورية".

وقالت أستاذة التاريخ بجامعة كانتبري في نيوزلندا، كيتي بيكلز، لمجلة "تايم"، في 9 سبتمبر 2022 إن بلادها "تمسكت بأهمية الملكية لاحترامهم الشديد للملكة الراحلة، لكن الملك تشارلز وزوجته كاميلا لن يكون لهما نفس الجاذبية".

فيما ذكرت أستاذة التاريخ بجامعة سيدني، سيندي ماكريري لـ"تايم" أن "رحيل الملكة سيزيد المشاعر الجمهورية ويعطي الجمهوريين في أستراليا مساحة واسعة للحديث وبشكل مفتوح عن المستقبل الدستوري وتحضير الطريق أمام الجمهورية".

ومع أن "الحركة الجمهورية الأسترالية" التي تريد استبدال الملك أو الملكة برئيس للجمهورية لم تعلق على وفاة الملكة، إلا أنها قالت في بيان "من الأرجح أننا لن نرى ملكا يحظى باحترام أو بإعجاب شعبنا مرة أخرى".

ويرى مراقبون أن دول الكاريبي أكثر المرشحين للاستقلال عن التاج البريطاني والتحول للجمهورية "بسبب الإرث المؤلم من العبودية البريطانية في الماضي"، مشيرين إلى "احتجاجات واجهت الأسرة الحاكمة خلال زيارات سابقة للكاريبي".

ويدعو بريطانيون للحفاظ على النظام الملكي كوسيلة للحفاظ على الكومنولث، فيما يعد آخرون أن نهاية النظام الملكي لا يعني بالضرورة نهاية الكومنولث، فهناك دول لا تعترف بالتاج البريطاني عضوا فيه، مثل الهند.