بذريعة كورونا.. ما السر وراء تمديد عباس المتواصل لحالة الطوارئ بالضفة؟
منذ 5 مارس/آذار 2020، يواصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تمديد حالة الطوارئ بالضفة الغربية شهريا لـ"مواجهة تداعيات فيروس كورونا"، في خطوة تثير حفيظة الشارع.
وجرى آخر تمديد في 25 أغسطس/ آب 2022، في مرسوم جاء فيه: "تستمر جهات الاختصاص باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر الناتجة عن فيروس كورونا، وحماية الصحة العامة وتحقيق الأمن والاستقرار".
وفي جميع التمديدات، لم تُعلن المراسيم الرسمية ماهية الإجراءات الطارئة التي سيتصرف بموجبها الفلسطينيون بالضفة الغربية على أثر حالة الطوارئ.
مخالفة قانونية
بحسب القانون الأساسي الفلسطيني، فإنه يمكن لرئيس السلطة فرض حالة الطوارئ لمرة واحدة للضروريات القصوى وضمن حالات محدودة جدا وتمدد بموافقة المجلس التشريعي.
ورغم ذلك، استمر عباس بتجديدها في ظل عدم وجود مجلس تشريعي بالضفة الغربية، بعد أن حله في ديسمبر/كانون الأول 2018، ودعا لإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة شهور، وهو ما لم يحدث.
وأكد رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي النائب محمد فرج الغول، أن عباس ينتهك القانون الأساسي الفلسطيني والقوانين ذات الصلة بشكل غير دستوري، داعيا لإيقافه عند حده ومحاسبته.
وأوضح الغول في تصريحات صحفية في 16 يوليو/ تموز 2020، أن عباس منتهي الولاية والشرعية منذ 9 يناير/كانون الثاني 2009 ولا يملك هذه الصلاحية، مشيرا إلى أن أي رئيس شرعي لا يملك تمديد حالة الطوارئ دون عرضها على المجلس التشريعي وبشروط مشددة حسب القانون الأساسي الفلسطيني.
وشدد أن المجلس التشريعي حسب القانون الأساسي هو المؤسسة الرسمية والشرعية حتى يأتي مجلس منتخب جديد يؤدي القسم القانونية، مطالبا بضرورة تجديد الشرعيات بانتخابات جديدة سريعة لإنقاذ النظام السياسي الفلسطيني بدءا بالمجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة.
من جانبه، قال النائب عن محافظة الخليل نايف الرجوب، إنه ليس هناك في الضفة ما يسمى بالقانون أو حتى مؤسسات أو مرجعية دستورية، فهناك استفراد بالقرار الفلسطيني من قبل عباس، ولم يلتزم بالقانون الأساسي، الذي ينص على أن مدة الرئاسة 4 سنوات.
وبالتالي فهو منتهي الصلاحية والشرعية ولا يملك إصدار مراسم ولا قرارات بقانون ولا يملك كذلك أن يفرض حالة الطوارئ، وفق ما أضاف الرجوب.
وتابع بحسب ما نقل عنه موقع المجلس التشريعي في 16 يوليو، أن استمرار جائحة كورونا والظروف التي تمر بها محافظات الوطن من عزل وتباعد اجتماعي لمنع انتقال المرض، هو السبب الأساسي لالتزام المواطنين بقرار تمديد حالة الطوارئ.
ودعا الرجوب لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن في أقرب فرصة ممكنة لتجديد الشرعيات والخروج من حالة الانقسام والبدء الفوري في توحيد المؤسسات الوطنية في جناحي الوطن.
وترى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، أنه يجب إلغاء تمديد حالة الطوارئ "نظرا لانتفاء الحاجة التي دفعت لإعلانها وتحسن الحالة الوبائية بشكل كبير".
وقالت الهيئة في بيان سابق لها في يونيو/حزيران 2021، إنه "يمكن مواجهة الطوارئ الوبائية لبقايا انتشار الفيروس بالاعتماد على قانون الصحة العامة لعام 2004 وقانون الدفاع المدني لعام 1998".
أهداف خفية
وتشكك أطراف فلسطينية في أهداف عباس من تمديد حالة الطوارئ وتقول إنه يتخذها ذريعة لتصعيد القبضة الأمنية في الضفة الغربية وكسب الوقت للإبقاء على حالة الجمود السياسي والاستمرار في السلطة.
ويواجه عباس معضلتين رئيسيتين، الأولى تصاعد الاشتباكات والعمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال خاصة في مدينتي نابلس وجنين اللتين تعجز قوات السلطة عن الدخول إليهما.
وهذا الأمر يضرب في عمق التعاون والتنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي، والذي يعده عباس "مقدسا" رغم توقف العملية السياسية وتجميد المفاوضات منذ عام 2014 على أثر استمرار الاستيطان ورفض الإفراج عن أسرى قدامى.
والمعضلة الثاني تتمثل في الاحتقان المستمر في الشارع ومطالبة ناشطين وأطراف سياسية بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تنهي حالة الجمود والانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتحضر هنا منافسة شرسة بين شخصيات عديدة ترى نفسها أحق من غيرها في خلافة عباس (86 عاما) الذي اتخذ من الانقسام الداخلي ذريعة للاستمرار بالسلطة. ولذلك تشكل حالة الطوارئ حلا لعباس لمحاولة السيطرة على الحنق السياسي والتوتر الأمني.
ويرى الناشط السياسي عامر حمدان أنه "في ظل تردي الحالة العامة أصبح إعلان حالة الطوارئ بذريعة كورونا مخرجا للسلطة وخاصة لسطوة الأجهزة الأمنية".
ويقول حمدان لـ"الاستقلال": "لمسنا هذا التغير من خلال القضاء، فيجرى استدعاء الناشطين على خلفية التجمهر والتجمع ومخالفة النظام العام وحالة الطوارئ واعتقالهم".
ويضيف: "شخصيا جرى اعتقالي أخيرا أنا و14 شابا على خلفية مخالفة حالة الطوارئ وعدم ارتداء الكمامة والتجمهر غير المشروع علما أن هذه الاتهامات كانت باطلة".
ويشير إلى أن الهدف الأول من حالة الطوارئ، محاولة ضرب كل ألسن المعارضة والأقلام الحرة والأصوات التي تنادي بالتغيير وعقد الانتخابات وإجراء المصالحة الداخلية ووقف الاعتقالات السياسية والتعسفية.
بدوره، أكد الحقوقي صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، أنه "لا مبرر لتمديد حالة الطوارئ سوى لتغييب المؤسسات الفلسطينية وفرض وقائع للانقضاض على الخصوم السياسيين وانتهاكات حقوق الإنسان".
وبين عبد العاطي لصحيفة الرسالة المحلية في يوليو 2021، أن "حالة الطوارئ تعد بابا للكثير من التجاوزات والفساد، وهي بمثابة تفرد من عباس في إدارة الشأن العام، كما يتفرد في كل شيء مرتبط بالقضية الفلسطينية".
نتائج كارثية
وتحدثت مصادر حقوقية عديدة عن ازدياد حالات الاعتقال والاستدعاء في الضفة الغربية بعد إلغاء عباس في أبريل/نيسان 2021، الانتخابات العامة التي كانت مقررة في الشهر الذي يليه.
وتواصل أجهزة السلطة بالضفة ملاحقاتها وانتهاكاتها بحق المواطنين، واختطاف أكثر من 25 شخصا على خلفية انتماءاتهم السياسية، معظمهم أسرى محررون، وفق وسائل إعلام محلية.
وينظم أهالي المعتقلين السياسيين وقفة احتجاجية أسبوعية وسط رام الله، للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم، ووقف الظلم الذي يتعرضون له في زنازين السلطة.
وكانت مجموعة "محامون من أجل العدالة"، قد قالت في بيانات عديدة عام 2021، إن أجهزة السلطة تستخدم حالة الطوارئ لمواصلة انتهاكاتها بحق الناشطين والمواطنين من خلال تنفيذ الاعتقالات السياسية.
وأوضح رئيس المجموعة المحامي مهند كراجة، أن السلطة التنفيذية استغلت حالة الطوارئ للتغول على السلطتين التشريعية والقضائية، كما استغلته الأجهزة الأمنية لتنفيذ اعتقالات تعسفية على خلفية حرية الرأي والتعبير.
ولفت إلى أن هذا التغول يأتي رغم تأكيد رئيس الحكومة محمد اشتية، أن قانون الطوارئ الذي جاء لمواجهة فيروس كورونا، لن يمس بالحريات، ولن يُستخدم لقمع الآراء المعارضة، لكن ما جرى على الأرض مخالف لذلك تماما.
وطالب كراجة بإلغاء قانون الطوارئ، لأن الحالة الوبائية لم تعد تتطلب بقاء هذا القانون، أو على الأقل تقييد استخدامه، كما يمكن اللجوء لقانون الصحة العامة وغيره من القوانين.
وأوضح الناشط حمدان لـ"الاستقلال"، أن "السلطة التنفيذية تشدد سطوتها بناء على حالة الطوارئ التي أصبحت بلا معنى وربما الشعب الفلسطيني يحذو حذو الحكومة المصرية في عهد حسني مبارك عندما اعلنت حالة الطوارئ واستمرت لأكثر من 3 عقود".
وعن نتائج الوضع الحالي، لفت النظر إلى أن "الأحكام خلال الطوارئ تختلف كليا عن الإجراءات السليمة أو الطبيعية، وتؤثر بشكل كبير جدا على الناشطين".
ومنها أيضا إصدار عباس قرارات بقانون لتتوافق مع هذه الحالة التي تفتح المجال للأجهزة الأمنية والقضاء والنيابة لتطبيق المطرقة على الشعب، كما قال.
وأصدر عباس بالفعل خلال الشهور الأخيرة عدة قرارات بقانون تخص القضاء احتجت عليها نقابة المحامين وقالت إنها تنتهك حق المواطن الفلسطيني في محاكمة عادلة، ليضطر رئيس السلطة لتجميدها.
كما أصدر عباس قرارات أخرى تخص التقاعد والعمل والمكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والمسؤولين وغيرها.
ووفق المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني؛ فإن "لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون، ويجب عرضها على المجلس في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات وإلا زال ما كان لها من قوة القانون".
أما إذا عرضت على المجلس التشريعي على النحو السابق ولم يقرها زال ما يكون لها من قوة القانون، بحسب المادة.
يذكر أن فلسطين سجلت منذ بداية جائحة كورونا نحو 700 ألف إصابة بكورونا في الضفة وغزة، بينها 5706 وفيات، وفق موقع إحصاءات الجائحة بتاريخ 10 سبتمبر/ أيلول 2022.
بينما لم يعد كورونا يؤثر على مناحي الحياة بصورة لافتة بالبلاد، وجرى رفع غالبية قيود الفيروس.