"سيناريو اغتيال".. صحافة إيران تكشف ما يحيكه خامنئي لإقصاء مقتدى الصدر
لم تهدأ الصحافة الإيرانية منذ إعلان زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، وما خلفه من صدامات مسلحة بين أنصاره والمليشيات الموالية لطهران التي راح ضحيتها نحو 30 قتيلا، وأكثر من 600 جريح.
واعتزال الصدر في 29 أغسطس/آب 2022، جاء مباشرة بعد إعلان المرجع الشيعي العراقي المقيم في إيران كاظم الحائري (مرجع الصدريين)، اعتزال العمل المرجعي بسبب تقدم سنه، وهاجم الصدر ودعا "مقلديه" إلى اتباع المرشد الإيراني علي خامنئي.
وقال الصدر في بيانه إن اعتزال الحائري "لم يكن بمحض إرادته"، مضيفا: "إنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، وما أردت إلا أن أقربهم (القوى السياسية الشيعية) إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".
وألمح الصدر إلى احتمال تعرضه لل
"اغتيال الصدر"
وتركزت تغطية الصحافة الإيرانية للاضطرابات التي شهدها العراق على شخص مقتدى الصدر، مؤكدة أن طهران تتأثر بما يجري في بغداد، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها الأولى منذ عام 2018 بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها.
وفي تقرير بعنوان "هزيمة سياسة الصدر التصعيدية في العراق"، كتبت صحيفة "ستاره صبح" الإصلاحية في 31 أغسطس، أن إيران تتأثر بالأحداث والاضطرابات الأخيرة في العراق، مدعية أن "تصعيد الصدر الأخير لم يحقق أهدافه المرجوة".
من جانبها، وصفت صحيفة "كهيان" الأصولية التابعة لخامنئي موقف الصدر بـ"الانقلاب في المواقف"، وأنه جاء "متأخرا"، لافتة إلى أن "الاضطرابات التي شهدها العراق جرت بالنيابة عن الولايات المتحدة"، في اتهام للصدر بتنفيذ توجيهات واشنطن بالعراق.
وأفادت "كيهان"، بأن خطاب الصدر في 30 أغسطس أنهى "الفتنة" مؤقتا وليس على المدى البعيد، مشيرة إلى أنه "من المبكر الحكم على هذه الخطوة من الصدر، بل يجب التريث والاحتياط في تقييم الخطوة التي أقدم عليها".
وانتقدت الصحيفة تأخر الصدر في كلمته، وقالت: "يبدو أنه كان يجب أن تمر ساعات طويلة على هذه الفتنة لكي يتدخل الصدر بشكل مباشر ويلقي كلمته، وربما يكون قد أدرك خطأ انفعاله، وكيف أن العدو استغل هذه الانفعالات لتحقيق أهدافه في العراق".
بدورها، نشرت صحيفة "مستقل" الإيرانية، تقريرا في 31 أغسطس، تحدثت فيه عن سعي الصدر إلى نيل المرجعية ليحتل مكانة سياسية أكبر، مشيرة إلى أن "سيناريو
ونقلت عن سفير إيران السابق في لندن، سيد جلال ساداتيان، قوله إن "سعي الصدر للوصول إلى المرجعية لا يعني أنه يريد أن يصبح صاحب رسالة واجتهاد، وإنما يريد أن يحصل على نوع من القدسية، وينال مكانة دينية أرفع ليكون قادرا على أن يلعب دورا سياسيا أكبر".
وأضاف: "وقد بذل الصدر جهدا كبيرا في هذا السبيل، لكن استقالة الحائري أغلقت الطريق أمامه وحرمته من الوصول إلى هذه المكانة".
وعن احتمالية المواجهة بين التيار الصدري وإيران، قال ساداتيان إنه "من المؤكد أن طهران ستدافع عن مصالحها لو شعرت بأنها مهددة في العراق أو أن الزوار الإيرانيين تعرضوا للخطر من الصدريين".
وأشار السفير الإيراني السابق في لندن إلى أنه "ليس هناك وقت محدد لانتهاء هذه الأزمة، لأن الصدر قد دخل هذه اللعبة للتو ويهدف من ورائها الحفاظ على مكانته السياسية".
وأوضح أن "هناك عددا من السيناريوهات المطروحة في هذا الموضوع، الأول يقول إنه يجب
"خطوة تكتيكية"
وفي السياق ذاته حملت صحيفة "خراسان" الأصولية، خلال تقرير لها في 30 أغسطس، الصدر مسؤولية الاضطرابات في العراق، واصفة أنصاره بـ"الفوضويين"، كما شككت في أن يكون قرار الاعتزال من العمل السياسي يصدر عن نية صادقة.
وقالت الصحيفة: "لو كان اعتزال الصدر حقيقيا لأصدر أمرا لأنصاره بترك الشوارع، لكن ما قام به الصدر كأنه دعوة للفوضى".
من جهتها، رأت صحيفة "جوان"، الأصولية، في تقرير بتاريخ 30 أغسطس، أن "خطوة الصدر في اعتزال العمل السياسي هي تكتيك للهيمنة أكثر على المشهد السياسي في العراق".
ووصفت الصحيفة المقربة من الحرس الثوري، مقتدى الصدر بـ"المزاجي" الذي تتقلب مواقفه، وتسبب في تعطيل تشكيل الحكومة في الأسابيع الأخيرة.
ورأت "جوان" أنه من الخطأ الاعتقاد بأن اعتزال الصدر للمشهد السياسي سينهي الأزمة العراقية الراهنة، بل إن هذه الخلافات والاضطرابات ستمتد وتطول أكثر مما هي عليه الآن.
وادعت أن الاعتقاد بأن خطوة الصدر نابعة عن إخلاصه ووفائه للعراق هو اعتقاد "العوام من الناس"، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال الوثوق بما يصدر منه من قرارات، إذ سرعان ما يتغير في مواقفه، ويتراجع عنها أو ينقلب إلى الضد منها.
فيما تساءلت صحيفة "صداي إصلاحات" عما إذا كان الصدر قادرا على إسقاط النظام العراقي الحالي، ورأت أنه يريد أن يمضي قدما بما أسماه "ثورة محرم"، وأن خطوته تعني مزيدا من التصعيد والدماء.
أما صحيفة "وطن امروز"، التابعة للحرس الثوري، فتناولت استقالة الحائري من المرجعية، وانعكاسات ذلك على المشهد السياسي، واصفة هذه الخطوة بـ"العاصفة الكبيرة" التي ضربت النجف العراقية قادمة من "قم" الإيرانية، كما رأت أن الخطوة "تحول فقهي" وسياسي كبير في المشهد العراقي.
كما عدت الصحيفة ما وصفته بـ"ادعاءات" الصدر حول بيان الحائري وتشكيكه بأن يكون بيان الاستقالة صادرا عن رغبة صادقة من الحائري نفسه، نوعا من المحاولة للتقليل من حجم التبعات التي سيتحملها الصدر بعد دعوة الحائري أتباعه الصدريين بتقليد المرشد خامنئي.
وأشارت إلى "أنصار الصدر الذين ليس لدى الكثير منهم إدراك صحيح للأوضاع السياسية في العراق اقتحموا القصر الرئاسي وعددا من المراكز الحكومية"، مؤكدة أن خطوة الصدر الأخيرة كانت "تكتيكا" لمقاومة خطوة الحائري في الاستقالة من المرجعية.
وهي مقاربة اتفق معها الباحث الإيراني حسن هاني زاده، إذ قال في مقال بصحيفة "آرمان" الإصلاحية في 30 أغسطس، إن اعتزال الصدر السياسة "خطوة تكتيكية".
وأضاف أن "الصدر ينوي منع حصول فتنة جديدة في العراق، لأن الولايات المتحدة تريد إيجاد فتنة في البيت الشيعي في العراق"، مشيرا إلى أن "الصدر لا يزال يسعى لاستغلال الأجواء السياسية للعودة إلى السلطة، على الرغم من التكهنات بأن قرار الاعتزال قد يكون جديا هذه المرة".
تراجع التأثير
وتعليقا على ذلك، رأى الكاتب اللبناني علي هاشم خلال مقال نشره موقع "جادة إيران" في 30 أغسطس، أن "إعلان الصدر اعتزاله السياسة نهائيا بدا وكأنه مقدمة لعملية استعراض عضلات شعبية جرت وقائعها في مراكز الثقل الشيعي في العراق، وداخل بغداد".
وتابع: "سحب الصدر نفسه من الواجهة تاركا جماهيره المتدفقة من عشوائيات بغداد يتناثرون في العاصمة بلا ضابط لإيقاع أفعالهم، ويدخلون القصر الرئاسي ومجلس النواب الذي كانوا فيه منذ أسابيع والمنطقة الخضراء التي تزايد عددهم على أسوارها وداخلها".
وأشار هاشم إلى أن "التأثير الخارجي في العراق مسألة لا يمكن التعامل معها على أنها جانبية وهامشية، فجزء وازن من صراع الصدر مع خصومه لا يمكن فصله عن حقيقة أن خصومه متحالفين مع إيران، والصدر بات منذ فترة أكثر جرأة في المطالبة باحتواء النفوذ الإيراني في بلاده".
ولفت إلى أن "المسألة هنا تصبح أكثر تعقيدا مع معرفة أن الصدر يتلقى دروسه الدينية في حوزة قم في إيران، وجزء من عائلته الكبيرة يعيش في العاصمة الإيرانية. فيما تبدو إيران في موقف لا تحسد عليه وهي تشاهد القوى الشيعية تتصارع فيما بينها، في أخطر صراع داخلي شيعي منذ سنوات".
ورأى الكاتب أن "محدودية التأثير الإيراني في المشهد العراقي يعود بالدرجة الأولى إلى مرحلة ما بعد
وأردف: "صحيح أن الصدر ناشد جماهيره الانسحاب من الشوارع وأنه يدين ما قاموا به من إطلاق رصاص، لكن الصحيح أيضا أن حالة المفاجأة التي عكسها الصدر في خطابه والسخط على جماهيره وتهديده بأنه لن يستمر زعيما للتيار الصدري في حال عدم خروج أنصاره من الشارع خلال 60 دقيقة، حملت رسائل متعددة الاتجاهات".
وأوضح الكاتب اللبناني أن "أولها (الرسائل) أنه إذا ما ترك الشارع على غاربه فلن يكون بإمكان أحد السيطرة على ما يجري، وأنه يبقى قادرا على سحب رجاله من الشارع إذا ما اتخذ قرارا بذلك، وأنه وإن اعتزل السياسة نهائيا كما قال، يبقى الرجل الأقوى بين رجال السياسة في بلاده".
وكان الصدر قد أمهل خلال مؤتمر صحفي من النجف في 30 أغسطس أنصاره مدة 60 دقيقة فقط للانسحاب من الشوارع وساحات الاعتصام قرب البرلمان العراقي وسط المنطقة الخضراء في بغداد.
وقال الصدر خلال مؤتمره الصحفي: "أحزنني وأتعبني كثيرا ما يحدث في العراق، وبغض النظر عمن بدأ الفتنة (...) فأنا أعتذر للشعب العراقي المتضرر مما يحصل، والقاتل والمقتول في النار بغض النظر عن البادئ".
وتابع: "كنت آمل أن تكون هناك احتجاجات سلمية دون استخدام أسلحة (...) وهذه الثورة التي شابها العنف والقتل فهي ليست بثورة أصلا"، ملوحا لأنصاره بالتبرؤ من أنصاره في حال لم يتمثلوا لأمره وينسحبوا خلال 60 دقيقة من الشوارع.
ويصر الصدر على إجراء انتخابات جديدة بعد إقالة نوابه من البرلمان (73 نائبا) في يونيو/ حزيران 2022 حتى يتسنى له تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" التي عرقل تشكيلها الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران.
بينما يعتزم الإطار تشكيل حكومة توافقية قائمة على نظام المحاصصة الطائفي، ما دفع أتباع الصدر للاعتصام بمبنى البرلمان لمدة شهر كامل منذ 30 يوليو/ تموز 2022، لقطع الطريق على ذلك.
المصادر
- صحف إيران: هزيمة سياسية للصدر وسيناريو اغتياله وارد
- مقتدى الصدر أمام معضلة البديل عن آية الله المتقاعد
- حزب الله يُنزل مقتدى الصدر عن الشجرة
- الصحف الإيرانية تتناول التطورات في العراق
- صحيفة تابعة للحرس الثوري الإيراني: انسحاب مقتدى الصدر من السياسة خطوة تكتيكية
- الصدر يعلن اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي
- هذا سر توقيت الصدر اعتزال السياسة.. ما علاقة الحائري؟
- العراق: مقتل عدة أشخاص جراء اشتباكات بين فصائل شيعية متناحرة وسط استمرار الأزمة السياسية