واشنطن ترفض المسودة الإيرانية.. هل تنهار مفاوضات الاتفاق النووي؟
تراجعت الآمال بشأن إبرام اتفاق نووي مع إيران قريبا في العاصمة النمساوية فيينا، بعد الرفض السريع الذي أبدته الولايات المتحدة الأميركية تجاه اقتراح قدمته طهران أخيرا ووصفها إياه بأنه "غير بناء".
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية إن "رد فعل واشنطن السريع على المسودة الإيرانية المقترحة للاتفاق التي سلمت في الثاني من سبتمبر/أيلول 2022، يتناقض بشكل مباشر مع مزاعم طهران بأن النص الذي قدمته يعد بمثابة مقاربة بناءة تهدف إلى إنهاء المفاوضات بنجاح".
وأوضحت أنه بعد دقائق فقط من استلام الاتحاد الأوروبي لمقترحات إيران وإحالتها إلى واشنطن، رفضتها الأخيرة بشكل مبدئي ومفاجئ.
ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم الخارجية الأميركية قوله: "نؤكد أننا تلقينا رد إيران من خلال الاتحاد الأوروبي، نحن ندرسه وسنرد عليه عبر الاتحاد أيضا، لكنه للأسف غير بناء".
وأشارت إلى ما نقلته صحيفة بوليتيكو الأميركية عن مسؤول في واشنطن لم تكشف عن هويته، أنه قال: "بناء على رد الإيرانيين هذا، يبدو أننا نرجع إلى الوراء".
وأكدت الصحيفة الأميركية أن محل الخلاف في مسودة الاتفاق ليس واضحا بالضبط، إلا أنها أشارت إلى تاريخ التعديلات التي أدخلت على هذه المسودة.
وبحسب الغارديان، قدم الاتحاد الأوروبي مسودة للاتفاق في 8 أغسطس/ آب، ردت إيران عليها في الخامس عشر من ذات الشهر، لتعقب بعدها الولايات المتحدة على الرد الإيراني.
أما المسودة الإيرانية الأخيرة، التي هي محل الحديث، فقد جاءت بدورها ردا على التعقيب الأميركي.
تفاؤل حذر
وترى الصحيفة أن المسؤولين في كل من واشنطن وطهران أبدوا تفاؤلا حذرا بشأن احتمالية التوصل إلى اتفاق نهائي يحيي الاتفاق النووي الموقع عام 2015، الذي قبلت فيه إيران بقيود صارمة على أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات.
وللتدليل على هذا، نقلت الصحيفة تصريحين للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، الأول أشاد فيه بما وصفه بـ"التنازلات الإيرانية".
بينما عاد المسؤول الأميركي نهاية أغسطس ليدلي بتصريح آخر مفاده أن البيت الأبيض لا يزال "يأمل" في التوصل إلى اتفاق.
كما أوردت الغارديان تصريحا للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني قال فيه إن "النص الأخير الذي قدمته إيران يقدم نهجا بناء بهدف إنهاء المفاوضات بنجاح".
وتضيف الصحيفة أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تحدث بنبرة متفائلة قبلها بأيام في خطاب إلى دبلوماسيين فرنسيين في باريس، قائلا إنه يأمل في التوصل إلى اتفاق جديد "في الأيام القليلة المقبلة".
لكن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، علي علي زاده، قلل من هذا التفاؤل، وحذر من أن موقف الولايات المتحدة لا يتسق مع المسودة الأولى التي قدمها الاتحاد الأوروبي.
وقال علي زاده إن موقف الولايات المتحدة "بدد آماله السابقة في أن الاتفاق كان على بعد أيام". وألمحت الغارديان إلى تخوف إيران من أن يلغى بانتهاء فترة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ونقلت عن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان: "إيران لا تزال بحاجة إلى ضمانات أقوى بأن رفع العقوبات الأميركية سيكون له تأثير ملموس، وأنه لن يمكن تغييره بسهولة من قبل الإدارات المستقبلية".
وأكد أن إيران "بحاجة إلى نص أقوى فيما يخص التطمين، والحصول على ضمانات أوثق".
بدوره، قال بايدن إن بإمكانه ضمان امتثال الولايات المتحدة للاتفاق تحت رئاسته، ولكنه لا يستطيع ضمان امتثال الإدارات المستقبلية للاتفاق.
وتعلق الصحيفة على تصريح بايدن أن ذلك "في الواقع يمنح إيران ضمانا لمدة عامين فقط فيما يخص تخفيف العقوبات".
وتضيف أن واشنطن مقابل ذلك حاولت إرضاء طهران عبر تعهدها بأن أي صفقات تجارية أو استثمارية موقعة تحت إدارة بايدن ستكون محصنة بحكم القانون من العقوبات الأميركية لمدة تصل إلى خمس سنوات.
إسقاط التحقيقات
علاوة على ذلك، تسعى إيران للحصول على ضمانات أنه بمجرد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بشكل كامل، فإن الدول الغربية ستتخلى تماما عن تحقيقاتها بخصوص الأدلة التي تشير إلى سعيها لتطوير قنبلة نووية قبل عام 2003.
وذلك لأن الجانب الإيراني يخشى أن يستخدم هذا التحقيق كذريعة للإبقاء على العقوبات أو إعادة فرضها.
وتضيف الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي منفتح على إمكانية إسقاط التحقيق، شريطة أن تقدم طهران "إيضاحات معقولة".
كما حث كبير المفاوضين الروسيين في محادثات إحياء الاتفاق النووي، ميخائيل أوليانوف، الدول الغربية على إبداء مرونة بهذا الشأن، قائلا إنه "لا توجد أنشطة غير قانونية هناك في الوقت الحالي".
وتشير الغارديان إلى أن إحدى أصعب القضايا هي كيفية التعامل مع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتقدمة والمخزون الفائض من اليورانيوم، الذي خصبه الإيرانيون عندما انتهكوا الاتفاق الأصلي الموقع عام 2015.
فمن ناحية، ترغب الدول الغربية في تدمير أجهزة الطرد المركزي هذه أو نقلها من إيران. ومن ناحية أخرى، تريد الأخيرة تفكيك هذه الأجهزة فقط وتخزينها داخل أراضيها.
وفي هذا، تحتج طهران بأن تخزين أجهزة الطرد المركزي على أراضيها في مبنى تشرف عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكون بمثابة ضمانة لها بأن الولايات المتحدة ستلتزم بالاتفاق.
وفي السياق ذاته، يريد الجمهوريون الأميركيون أيضا أخذ ضمانات بعدم إرسال فائض اليورانيوم المخصب إلى روسيا دون إشراف الأمم المتحدة.
وتختم الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى التخوف الإسرائيلي من العودة لاتفاق نووي مع إيران.
ونقلت تصريحات عن مسؤولين إسرائيليين أن الاتفاق من شأنه أن يفتح الطريق أمام طهران لامتلاك سلاح نووي.
فهو سيسمح لها ببدء تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة بحلول عام 2026 ثم تخصيب المزيد من اليورانيوم بمستويات أعلى بحلول عام 2031.
وفي المقابل، يرى المدافعون عن الاتفاق أن وجوده أفضل من عدم التوصل لاتفاق بتاتا، وأنه بالإمكان تمديد هذه التواريخ بالمفاوضات.