الدفعة الرابعة.. لماذا سرع العراق عملية استعادة مواطنيه من مخيم شرقي سوريا؟

12

طباعة

مشاركة

مع تعرض قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لتهديدات بشأن وجودها، بات التحالف الدولي الداعم لها يدفع أكثر باتجاه حث الدول لاستعادة مواطنيها من مخيم الهول شرقي محافظة الحسكة ومن السجون هناك.

ويدور الحديث عن تكثيف العراق استعادة مواطنيه بينهم عوائل لتنظيم الدولة وعناصر للأخير تحتجزهم "قسد" في مخيم الهول أو في سجون تديرها.

ويضم مخيم الهول، الذي أقيم في الأصل لإيواء اللاجئين العراقيين أوائل عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية، نحو 56 ألف شخص، أكثر من نصفهم دون الـ 18 عاما موزعين على تسعة أقسام أو قطاعات، وفق آخر بيانات الأمم المتحدة.

ويمتد المخيم على مساحة 1.5 ميل مربع، ويضم نحو 13 ألف خيمة أقيمت بدعم من الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية.

ويصل عدد العراقيين المحتجزين فيه إلى 28 ألفا و806 أشخاص ضمن 7 آلاف و850 أسرة، حسب آخر إحصاء جرى منتصف مايو/أيار 2022، ممن فروا من بلدهم خلال معارك مدينة الموصل عام 2017.

ولا يتبع جميع العراقيين الموجودين في مخيم الهول إلى تنظيم الدولة، وإنما هناك عائلات ذهبت إلى سوريا بغية الوصول إلى تركيا إبان سيطرة التنظيم على الموصل عام 2014 إلا أنها منعت من ذلك.

بينما يصل عدد السوريين حاليا فيه إلى 19 ألفا بين شباب ورجال ونساء وأطفال بمعدل 4 آلاف و998 أسرة، إذ يجري بين الفينة والأخرى مغادرة بعض العوائل إلى مناطق أخرى.

أما عدد عائلات عناصر تنظيم الدولة من جنسيات أوروبية وروسية وآسيوية فيبلغ نحو عشرة آلاف.

الدفعة الرابعة

وتمكنت حكومة بغداد خلال عام 2022 من نقل الدفعة الرابعة من العراقيين المحتجزين في "الهول" بتاريخ 13 أغسطس من العام المذكور.

وشملت الدفعة الجديدة نقل نحو 700 شخص غالبيتهم من أقارب عناصر تنظيم الدولة بواقع 620 شخصا يحملون الجنسية العراقية باتجاه الأراضي العراقية، وفق ما أفادت وكالة "سبوتنيك" الروسية.

وبرفقة القوى الأمنية التابعة لحكومة بغداد، جرى نقل هؤلاء عبر حافلات إلى الأراضي العراقية عبر معبر "الفاو" البري الحدودي شرقي بلدة الهول السورية، باتجاه مخيم الجدعة جنوبي مدينة الموصل بالقرب من بلدة القيارة.

ويشكل الخارجون أفراد 150 عائلة، غادروا المخيم على دفعات، وبينهم نساء وأطفال ورجال، وبعضهم مرضى.

كما جرى إخراج نحو 50 آخرين من قيادات تنظيم الدولة وعناصره، الذين كانوا معتقلين لدى قوات "قسد" ونقلهم عبر الأمن العراقي إلى داخل الأراضي العراقية.

وفي مطلع يونيو تسلم العراق 50 عنصرا من تنظيم الدولة من قوات قسد ودخلوا عبر منفذ ربيعة الحدودي.

وسلم هؤلاء حينها إلى وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية العراقية لغرض التحقيق معهم، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.

كما جرى الإفراج عن نحو 690 لاجئا عراقيا كانوا محتجزين منذ سنوات في مخيم الهول ضمن الدفعة الثالثة منذ بداية عام 2022.

ويأتي استعادة هؤلاء من قبل الحكومة العراقية ضمن إطار إخراج رعاياها وإعادتهم إلى البلاد.

وخلال الأشهر الماضية غادر مخيم الهول مئات العراقيين من أفراد عائلات يشتبه بارتباطها بالتنظيم.

وغالبا ما تنقل السلطات العراقية هؤلاء إلى مخيم الجدعة في جنوب مدينة الموصل، قبل أن يجري إعادة بعضهم في وقت لاحق إلى المناطق التي ينحدرون منها.

ملف حساس

بخلاف بقية الدول العربية والأجنبية التي ينحدر منها مقاتلون انضموا لتنظيم الدولة منذ بداية ظهوره للعلن عام 2014، يتميز العراق بوجود قانون يحاكم هؤلاء على الجرائم التي ارتكبوها.

وتجري محاكمة عناصر التنظيم في العراق من قبل محاكم الجنايات في بغداد والمحافظات بموجب المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، والتي تتراوح عقوبتها بين السجن المؤبد والإعدام شنقا حتى الموت.

ويواجه العناصر والقادة المعتقلون تهما من قبل السلطات العراقية بقتل مئات المدنيين المناهضين لحكم التنظيم خلال فترة سيطرته على مناطق شرق وغرب وشمال البلاد بين عامي 2014-2017.

ويدرك العراق أن أي تهديد يطال مواقع احتجاز عناصر تنظيم الدولة شرقي سوريا، سيؤثر على الأراضي العراقية المجاورة.

وهذا يعني التحام هؤلاء السجناء بخلايا التنظيم التي تنتشر حاليا في مناطق من محافظات ديالى وكركوك والأنبار ونينوى وصلاح الدين وأخرى قريبة من العاصمة بغداد.

إذ ما تزال تلك الخلايا تشكل تهديدا أمنيا لحكومة بغداد، ولا سيما أنهم ينفذون بين الفينة والأخرى هجمات تستهدف في الغالب القوات الأمنية وقوات البيشمركة الكردية ومليشيا الحشد الشعبي، ما يسفر عن سقوط قتلى وجرحى.

وتبلغ طول الحدود العراقية السورية، والتي يصعب غالبا السيطرة عليها لأنها منطقة صحراوية 610 كيلومترات.

لكن حركة غير متوقعة أربكت حسابات بغداد حينما تمكن تنظيم الدولة من تجميع قواه من خلاياه ونفذ هجوما في 20 يناير/كانون الثاني 2022 على سجن في محافظة الحسكة يقبع فيه الآلاف من سجناء التنظيم من أسرى المعارك، واستطاع حينها تحقيق خرق أمني عبر تمكن عشرات السجناء من الفرار.

وبالتوازي مع ذلك كانت الحسابات الأمنية العراقية قائمة وبالتنسيق مع قوات النظام السوري من أجل ضبط الحدود، قبل أن تعلن بغداد في 27 مارس/آذار 2022 الانتهاء من بناء حاجز خرساني بمحافظة نينوى غرب البلاد على الحدود مع سوريا.

ويبدأ الجدار من قضاء سنجار العراقي، المقابل للأراضي السورية من ناحية شرق مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، على أن يمتد إلى كامل الحدود.

أحداث إقليمية

وفي هذا الإطار، يرى الخبير العسكري حاتم الفلاحي أن "العراق ليس هو من سرع قضية استعادة المواطنين المتهمين بالانتماء لتنظيم الدولة والموجودين في مخيم الهول بل هناك ضغوطات من التحالف الدولي بقيادة واشنطن التي بدأت تضغط بشكل كبير لإعادة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية وذلك لأسباب كثيرة".

أولها، وفق ما قال الفلاحي الباحث بمركز "راسام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، لـ "الاستقلال"، أن "هؤلاء باتوا يشكلون عبئا على قوات قسد إضافة إلى أن الأخيرة غير مجهزة للتعامل مع أمثال هؤلاء من المحتجزين والمتهمين بجرائم الإرهاب".

ومضى الفلاحي يقول: "إن الأحداث الإقليمية والضغوطات التركية لإجراء عملية عسكرية في الشمال السوري تستهدف قوات قسد عجلت من تسليم هؤلاء إلى القوات الحكومية في بغداد".

ومنذ مايو/أيار 2022 تحدثت تركيا عن عزمها بمساندة من الجيش الوطني السوري المعارض، شن العملية العسكرية الثالثة لها ضد قوات قسد.

وتهدف العملية لتوسيع المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية بعمق 30 كيلومترا، للسوريين الفارين من بطش نظام بشار الأسد.

وذهب الخبير للقول: "إن تسليم هؤلاء إلى بلدانهم هو الحل الأنسب لقوات قسد والتحالف الدولي، إذ يكون هناك خشية من هروب هؤلاء خلال الفترة المقبلة مما يزيد من تعقيدات الساحتين العراقية والسورية".

ولفت الفلاحي إلى أنه في "الفترة السابقة كانت الحكومة العراقية والفصائل المسلحة هي من تسيطر على القرار الأمني في العراق وترفض استلام هؤلاء المعتقلين لدى قسد، وهو ما أدى لتأخير فترة استلامهم سابقا".

وكانت السلطات العراقية أطلقت في بغداد، بالتعاون مع منظمات أممية، سلسلة برامج نفسية وتعليمية تستهدف الأسر التي أعيدت واستقرت في مخيم الجدعة الواقع في ضواحي مدينة الموصل.

ويستمر أحيانا تأهيل هؤلاء لمدة تصل إلى أربعة أشهر قبل السماح لهم بالعودة إلى مناطقهم الأصلية في العراق.

تهديد جديد

وكثيرا ما أثيرت قضية استهداف مليشيا الحشد الشعبي لهؤلاء العائدين وارتكاب عمليات انتقام بحقهم.

بينما تؤكد السلطات العراقية أن العائلات التي أعيدت من مخيم الهول نزحت بفعل المعارك والعمليات العسكرية في المدن العراقية المجاورة لسوريا وليسوا من عوائل التنظيم.

وأواخر عام 2017 طرد التنظيم من كل المدن الرئيسة التي سيطر عليها عام 2014 في العراق، بعد إعلان ما تسمى "دولة الخلافة" المزعومة بظهور أبو بكر البغدادي.

والبغدادي الزعيم الأول للتنظيم (قتل في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بسوريا) ظهر لأول مرة في جامع النوري بالموصل في يوليو/تموز 2014 ونصب "نفسه خليفة".

وقبل عام 2022 كانت إيران ومن ورائها مليشياتها المسلحة تمنع إعادة هؤلاء العراقيين من مخيم الهول ودمجهم من جديد في مجتمعهم.

لكن الساحة السياسية العراقية حاليا باتت مفتوحة على كل احتمالات التصعيد، ولا سيما عقب تعثر تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، نتيجة خلافات القوى الفائزة بمقاعد البرلمان على اسم المرشح لرئاسة الوزراء العراقي.

وأمام ذلك، تحدث المحلل السياسي العراقي عمر عبد الستار، عن وجود ترابط بين ما يجري في العراق، وإعادة حكومة بغداد عناصر تنظيم الدولة من الهول.

ويقول عبد الستار لـ"الاستقلال"، إن "العراق جزء من محور إيران، وقد يتعامل مع هؤلاء بما يتناغم مع فكر المليشيات في أي مرحلة قادمة قد يجري فيها الاحتياج لتنظيم الدولة، لا سيما أن هناك تمردا على العملية السياسية حاليا في العراق وقد تذهب المحافظات الشيعية إلى حالة تمرد ضد الحكومة".

وألمح المحلل السياسي بالقول: "وبالتالي فإن الاحتياج لتنظيم الدولة يبقى واردا في هذا الإطار وقد تسقط محافظات كما حدث مع الموصل قبل سنوات".

وأرجع ذلك إلى أن إيران لا تقبل بخروج أحد عليها من ساسة العراق كما يفعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر "رغم أن الأمور لم تذهب بعد إلى حالة صدام مسلح".

ووفق تقرير للأمم المتحدة نشر في فبراير/شباط 2022، فإن تنظيم الدولة يحافظ على وجود سري كبير في العراق وسوريا.

وقال التقرير إن التنظيم ما زال يحتفظ بما مجموعه عشرة آلاف مقاتل نشط في هذين البلدين وحدهما.