تخفيف أم تهجير؟.. دلالات سفر الفلسطينيين من مطار رامون الإسرائيلي
رغم المعارضة الفلسطينية الرسمية، أعلنت سلطة المطارات الإسرائيلية في 10 أغسطس/آب 2022 عن فتح مطار رامون في النقب (جنوب) للرحلات الجوية أمام الفلسطينيين بشكل رسمي، على أن تكون أولى الرحلات في 22 من الشهر ذاته.
صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أكدت أن الفلسطينيين سيسافرون إلى الخارج من مطار رامون الإسرائيلي بدلا من الأردن.
وحدد الجيش الإسرائيلي سفرهم وحدهم عبر شركتي "أطلس جلوبال" و"بيغاسوس إيرلاينز" التركيتين إلى أنطاليا وإسطنبول.
وبحسب ما نشرت الإذاعة الإسرائيلية في اليوم التالي للإعلان، فإن رحلات الطيران في البداية ستركز على سكان بيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية، نظرا لقرب المسافة من المطار.
الإجراء الإسرائيلي بفرض سفر الفلسطينيين مريب جداً، لأنه يعني "ترانسفير (ترحيل) ناعم"، وخطوة جديدة ضمن عملية إلغاء مبدأ حل الدولتين، وانسحاب إسرائيلي تدريجي وكامل من اتفاقيات أوسلو 1993، ما يثير التساؤل عن النوايا الحقيقية.
مصلحة إسرائيلية
كما يتعارض مع رفض الاحتلال مطالب السلطة الفلسطينية بتشغيل مطار قلنديا في مدينة القدس المحتلة، وإعادة تشغيل مطار ياسر عرفات في قطاع غزة وفق الاتفاقيات ذاتها.
ويتزامن مع تضييق إسرائيلي على السفر عبر معبر الكرامة إلى الأردن ومنها للخارج وفشل رسمي فلسطيني في إدارة هذه الأزمة.
إذ يرفض الاحتلال تمديد العمل في المنفذ الوحيد لأهالي الضفة الغربية إلى الخارج على مدى 24 ساعة يوميا، و7 أيام في الأسبوع.
ويقع مطار رامون الإسرائيلي في جنوب فلسطين المحتلة، ودشنته تل أبيب في يناير/كانون الثاني 2019، كثاني أكبر مطار لها بعد مطار "بن غوريون".
أما مطار قلنديا في القدس فكان يعمل حتى قبل احتلال المدينة عام 1967، فيما جرى إنشاء مطار ياسر عرفات في قطاع غزة، بعد قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، لكن إسرائيل دمرته عندما اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000.
مع اشتداد أزمة السفر والازدحام التي اتهمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بافتعالها عبر معبر الكرامة، عرض الاحتلال فكرة السفر عبر مطار رامون وفق ما نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية في 21 يوليو/تموز 2022.
طُرحت هذه الفكرة لأول مرة خلال لقاء وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 7 يوليو 2022، حين عرضها ضمن حزمة من "التحسينات" مقابل وقف إجراءات مقاضاة الاحتلال بالمحكمة الجنائية.
وعززتها زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل والضفة، كأنها تسهيلات للفلسطينيين الذين يعانون الأمرين على الجسور البرية مع الأردن، فيما هي تبتزهم وتستغل حاجتهم للسفر لإنقاذ مطارها الخاوي على عروشه والمتعثر.
في 4 مايو/أيار 2022، نشرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية تقريراً صحافياً يتحدث عن كساد مطار رامون وقلة تردد المسافرين عليه أو على محاله التجارية.
ووصفته بأنه: "لا يكاد أحد يرتاد محاله التجارية ولا يعرف معنى الاكتظاظ"، وقالت: "20 مسافراً في 9 رحلات دولية: لماذا لا ينهض مطار رامون؟"، والفترة المقصودة هي الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي 2022.
وفكرة تقديم الخدمات إلى الفلسطينيين، حتى لمجرد تحسين صورة الاحتلال، ليست جديدة، وسبق أن عرضت إسرائيل منح مليون جرعة من لقاحات كورونا للسلطة الفلسطينية تبين أن صلاحيتها كانت على وشك الانتهاء.
وهناك هدف آخر تكهنت به تقارير إعلامية، بعضها بثته هيئة البث الرسمية (مكان) في 17 يوليو 2022 وهو "اشتراط" إسرائيل ألا تتخذ السلطة الفلسطينية أي إجراء ضدها في محكمة العدل الدولية.
وعند افتتاح مطار رامون عام 2019، قيل إن من المتوقع أن يستقبل سنوياً في مرحلته الأولى 1.5 مليون مسافر في رحلات داخلية، و350 ألف مسافر في رحلات دولية، على أن تزداد وتيرة الرحلات الجوية فيه ليستقبل 4.25 ملايين مسافر.
ومرت السنة الأولى من عمل المطار مع أعداد مسافرين قريبة جداً من التوقعات، لكن الإغلاقات التي فرضها فيروس "كورونا" عامي 2020 و2021 خفضت الأرقام إلى أقل من ذلك بكثير في العامين التاليين لافتتاحه.
وللترويج للمطار، تلعب إسرائيل على مشكلة مرور فلسطينيي الضفة الغربية بثلاث محطات للوصول إلى الأردن ما يكلفهم وقتا ومالا، من مدينة أريحا، ثم عبر حافلة إلى منطقة جسر اللنبي التي تسيطر عليها إسرائيل، ثم جسر الملك حسين في الأردن.
تروج أنه من الأسهل للفلسطينيين الوصول إلى مطار رامون، خاصة أنه سيسافر من دون الحاجة للمبيت في الأردن خلال الذهاب والإياب ويمر بأكبر عملية ترانزيت تستنزفه.
لكن المحلل المتابع للشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوشة قال في 23 يوليو 2022 إن بُعد المطار الإسرائيلي جغرافيا سيؤثر على استخدامه رغم كل التسهيلات الإسرائيلية المعلنة.
أوضح أنه يبعد مسافة تصل إلى 450 كيلومترا، أي 6 ساعات للمسافر من مدينة رام الله وهي المنطقة الأقرب بالضفة، بخلاف التوقف للتفتيش الأمني، وفق "الجزيرة نت".
خدعة جديدة
كما يندرج هذا ضمن سياسة الاحتلال عبر محاولة ضبط الفلسطينيين وقمع مقاومتهم عن طريق تقديم ما يُسمى "تسهيلات اقتصادية" لهم، كزيادة تصاريح العمل وفتح بعض الحواجز".
مصلحة إسرائيلية أخرى من وراء العرض المقدم للفلسطينيين باستخدام المطار هو تسريع تشغيله اقتصاديا ليكون بديلا لمطار بن غوريون حال استهدافه من قبل المقاومة في غزة.
فخلال العدوان الأخير على غزة في أغسطس 2022، حولت إسرائيل مسار الطائرات القادمة إلى مطار بن غوريون.
وعام 2014 دكت صواريخ المقاومة المناطق القريبة من المطار في منطقة "غوش دان"، فألغت عشرات شركات الطيران الدولي رحلاتها إلى تل أبيب وحول الاحتلال الرحلات الدولية إلى مطار "عوفدا" العسكري في الجنوب.
لكن حالة الفوضى والاكتظاظ التي شهدها مطار "عوفدا" أظهرت أنه لا يصلح كمطار دولي بديل، فأمرت وقتها بإطالة مسار الهبوط في مطار رامون حين كان في طور البناء، ليصبح 3600 متر بدلاً من 3100 متر، مما يُتيح هبوط كل الطائرات.
ومع هذا طالت صواريخ المقاومة "عياش" التي يصل مداها إلى 250 كيلومترا، في معركة "سيف القدس" عام 2021، مطار رامون أيضا.
وحين بدأ الحديث الإسرائيلي عن فتح مجال السفر للفلسطينيين في الضفة الغربية عبر مطار رامون في يوليو 2022، لم يكن الأمر مفاجئا للفلسطينيين لأنهم كانوا على قناعة أن أزمة السفر إلى الأردن كانت مفتعلة لتمرير مخطط جديد للاحتلال.
السياسي الأردني طاهر المصري، أبدى ارتيابه الشديد من أي خطوة إسرائيلية تدعي فجأة أن هدفها تيسير تنقل الفلسطينيين والتسهيل عليهم، مبينا أن "العدو لا يفعل ذلك مجاناً".
أوضح في 10 أغسطس أن "الخطوة الصهيونية لها علاقة على الأرجح بالهجرة الاقتصادية وتفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها، أي سيناريو ترانسفير ناعم، ضمن مسلسل تصفية القضية ببطء شديد على مدار سنوات طويلة"، وفق ما نشرت صحيفة "القدس العربي".
ويؤكد أستاذ الدراسات الشرق أوسطية بجامعة حيفا محمود يزبك أن الهدف الأساسي من سماح الاحتلال باستخدام مطار رامون "هو تحويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من سياسي إلى قضية ذات إنجازات اقتصادية واجتماعية".
ووصف في 11 أغسطس استعداد سلطات الاحتلال الإسرائيلي لانطلاق أولى الرحلات الدولية لمسافرين فلسطينيين من مطار رامون إلى تركيا بأنها "خدعة من حكومة الاحتلال لتضليل العالم بتسهيلات كاذبة"، بحسب ما نشرت صحيفة فلسطين المحلية.
عدها "خطوة ضمن استراتيجية إسرائيلية متكاملة تسعى لربط الاقتصاد الشخصي الفلسطيني بالمجتمع الإسرائيلي"، منبها إلى أن الاحتلال سيعمل عند أي مواجهة عسكرية أو تصعيد على وقف سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون، بهدف معاقبة الناس بشكل جماعي.
لذا أعربت السلطة الفلسطينية علناً عن رفضها المخطط الإسرائيلي على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل موسى رحال.
وقال رحال في 9 أغسطس: "الموقف الرسمي يرفض هذا المخطط، لأنه يعزز سياسة الفصل العنصري بحق الفلسطينيين".
وبين أن السلطة سبق أن طالبت إسرائيل بتسليمها مطار قلنديا بالقدس، وإعادة إعمار مطار غزة، والسماح ببناء مطار ثالث في الضفة الغربية لتسهيل حركة الفلسطينيين لكن الطلبات لم تتحقق.
وكانت حكومات إسرائيلية سابقة طرحت عدة مشاريع لتسهيل سفر الفلسطينيين عبر خطوطها الجوية، ولكن أيا منها لم تترجم على أرض الواقع، لأسباب سياسية وأمنية.
منها اقتراح تقدم به وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بمنح الفلسطينيين جزءاً من مطار قلنديا الواقع بين مدينتي رام الله والقدس، كجزء من مشروع الحفاظ على حل الدولتين.
ولكن جرى عرقلة هذا المشروع ولم ير النور، لأنه يضمن وصول الفلسطينيين مباشرة إلى هذا المطار دون المرور بأي نقطة تفتيش إسرائيلية.
ووفقا للخطة الإسرائيلية سينتقل الفلسطينيون في الضفة الغربية عبر ممر آمن إلى وادي عربة، ومنه سيتم نقلهم عقب تفتيشهم عبر حافلات إلى مطار "رامون"، لأن إسرائيل تحظر عليهم استخدام مطاراتها للسفر إلى الخارج لظروف أمنية.
صمت أردني مريب
وبحسب الإحصاءات الرسمية يسافر من معبر الكرامة ما يقرب من 3 ملايين مسافر سنويا، حيث يعد المنف٫ذ البري الرسمي الوحيد الذي يستخدمه سكان الضفة الغربية للخروج منها إلى دول العالم المختلفة.
ويستفيد الأردن اقتصاديا وسياحيا من سفر الفلسطينيين عبر أراضيه، بسبب اضطرارهم للمبيت في الأردن في الذهاب والإياب، بسبب تحديد ساعات عمل المعبر، وسيتضرر بالتالي من عدم مرورهم عبر أراضيه.
ويرى فلسطينيون وناشطون في الحملة الشعبية التي تحمل اسم "كرامة" أن تشغيل مطار رامون بمقدار ما يسلب السلطة من أي مظاهر سيادة، سيوجه ضربة للأردن لأن منع سفر مليون فلسطيني من مطاراته يعني ضربة اقتصادية له.
عبر عن هذه المخاوف أصحاب مكاتب السياحة والسفر الأردنية، الذين قالوا لصحف أردنية إن القطاع السياحي سيتضرر من تسهيل سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون والاستغناء عن المرور بالمعابر الأردنية.
باحثون أردنيون انتقدوا صمت الأردن على أخطار وتداعيات الخطوة الإسرائيلية، وطالبوا الجهات الرسمية باتخاذ موقف جاد بخصوص تشغيل مطار رامون الدولي في جنوب فلسطين المحتلة.
هل يعرف السيد ايمن الصفدي وزير حارجية الاردن اخطار وتدعيات خطط الكيان الص هي وني بالسماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار "رامون" على الاردن وفلسطين ؟
— Ahmad .A.RWASH (@AHRWASH) August 9, 2022
هل لدى وزارة الخارجية جماعة تفكير استراتيجية خاصة بالاراضي الفلسطينية المحتلة تحلل وتفسر وتقدم توصيات ومقترحات .ام هي نظام الفزعة فقط
الصمت البيروقراطي في عمان على هذه الخطوة يأتي وقت تتجاهل فيه إسرائيل الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية وترفض طلبات الأردن بشأن تعيين حراس أو إدخال مواد بناء لترميم أجزاء منهارة من المسجد الأقصى.
وكانت القدس تحت السيادة الأردنية منذ احتلالها عام 1967 بموجب اعتراف دولي، ولكن الاحتلال عطل هذه السيادة، كما بدل الوضع القائم القانوني والسياسي والديني، وأصبح المستوطنون يصلون في ساحة المسجد بدل الزيارة فقط.
صحفي أردني رفض الكشف عن اسمه قال لـ "الاستقلال": "الشيطان يكمن في التفاصيل"، وهذا المقترح جاء "تحت عنوان مساعدة الأردن لوجستياً في تخفيف ازدحام المعابر والجسور".
أشار إلى أن موقف بلاده غامض، ورد فعلها "بارد حتى الآن" كأن هناك جهات أمنية أردنية تفضل ابتعاد الفلسطينيين عن الأردن لعدم ربط الضفة به.
كما ألمح إلى وجود رشوة قدمت لعمان قبل الإعلان الإسرائيلي المثير، على شكل السماح لنحو ألفي عامل أردني بالتوجه إلى إيلات يوميا لأغراض العمل والوعد بالسماح لأكثر منهم مستقبلا.
لكنه أكد رفض أوساط أمنية أردنية المقترح الإسرائيلي "لأن وجود مسار بديل لتنقل الفلسطينيين عبر المطارات الإسرائيلية سيضعف موقف الأردن من الناحية السياسية"، ويدمج السلطة في تحالف اتفاقيات أبراهام للتطبيع بعيدا عن عمان.
أيضا وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في 21 يوليو 2022 عن تسريع تنفيذ مشروع منطقة صناعية مشتركة مع الأردن، يمكن أن يجري توظيف 10 آلاف أردني فيها، تعود فكرتها لعام 1998، وكانت إسرائيل تماطل في تنفيذها.
وشهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل جفاءً واضحا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو (2009-2021)، لدرجة وصف العاهل الأردني عبد الله الثاني لها خلال جلسة حوارية بالولايات المتحدة، سبتمبر/أيلول 2019، بأنها "في أسوأ حالاتها".
ورغم الموقف الأردني الضعيف، غرد فلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين: "ننفق أموالنا في مطارات الأردن أفضل من المحتل"، و"لن ندعم اقتصاد الاحتلال".