رغم برودة العلاقات منذ سنوات.. ما سر توقيت زيارة خالد مشعل إلى الأردن؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار وصول رئيس حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" في الخارج، خالد مشعل، إلى العاصمة الأردنية عمان، بعد أسبوع من وقف هجمات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تساؤلات عدة عن دلالات الزيارة بهذا التوقيت.

وتأتي الزيارة التي بدأها مشعل في 11 أغسطس/آب 2022، في ظل علاقة باردة بين حماس والأردن استمرت لأكثر من عشرين سنة، منذ إغلاق الأخير جميع مكاتب الحركة عام 1999.

دخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "الجهاد الإسلامي" حيز التنفيذ بغزة في 7 أغسطس/آب 2022 بعد 3 أيام من بدء العدوان على القطاع المحاصر، راح ضحيتها أكثر من 40 شهيدا، بينهم 15 طفلا، و4 سيدات، إضافة إلى نحو 360 شخصا مصابا.

"زيارة عائلية"

كانت الزيارة تحت عنوانها المعلن: "عائلية لا سياسية"، بدأها فجر اليوم التالي بالذهاب إلى قبري والديه، وتأدية صلاة الجمعة في جامع الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين في العاصمة الأردنية عمّان.

ونقلت وكالة "عمون" الأردنية في 12 أغسطس عن رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل قوله: "بعد فجر اليوم الجمعة أكرمني ربي بزيارة قبري الوالدين الكريمين".

وكانت الوكالة قد نقلت قبل ذلك بيومين، عن قيادي فلسطيني بارز (لم تكشف عن هويته)، قوله إن "زيارة مشعل ستكون عائِلية ودون أن أي هدف أو مغزى سياسي"، مشيرا إلى أنه سيلتقي خلال وجوده في عمّان "عددا من أصدقائه المقربين فقط".

ولم تذكر وسائل الإعلام أي لقاءات أجراها مشعل في الأردن، سوى ما نشرته مواقع أردنية في 15 أغسطس، حين زار مع عدد من قادة حماس، منزل راكان المجالي وزير الإعلام الأسبق والناطق الرسمي باسم الحكومة، لتقديم واجب العزاء بوفاة نجله محمد.

ومنذ عام 1999 لم يعد بإمكان قيادات "حماس" دخول الأردن إلا بموافقة مسبقة من السلطات، وجرى إبعاد مشعل وعددا من قادة الحركة بعد إغلاق جميع مكاتبها في المملكة، بسبب خلافات وقعت بين الجانبين.

وتأتي زيارة "مشعل" هذه، بعد عام كامل من زيارة مماثلة في أغسطس/آب 2021، حضر خلالها رئيس حماس في الخارج، تشييع جنازة القيادي في الحركة المقيم في عمّان إبراهيم غوشة.

وفي عام 2016، زار مشعل الأردن لتشييع جثمان والدته التي قضت هناك، إذ صرّح وقتها مسؤول أردني رفيع لوكالة "الأناضول"، بالقول إن "السلطات الأردنية لن تمانع من دخوله لحضور جنازة والدته لأسباب إنسانية، في حال تقدم بطلب بذلك، كما حدث مع والده (عام 2009)".

وفي يناير/كانون الثاني 2012 انضم "مشعل" للقاء عقد بين الملك عبدالله الثاني، وأمير قطر تميم بن حمد، حينما كان يشغل منصب ولي العهد.

وكان هذا اللقاء هو الأول لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" وقتها مع الملك الأردني منذ الخروج من عمان عام 1999.

أبعاد أخرى

رغم أن الزيارة لم تحمل أي صفة سياسية، فإن صحيفة "رأي اليوم" رجحت خلال تقرير لها في 12 أغسطس، أن "الجانب الأردني بدأ يحاول الدخول على خطوط الأطراف الفاعلة في المكونات السياسية والمنظماتية الفلسطينية وحتى ملف منظمة التحرير".

وهنا برزت، بحسب الصحيفة، إشارات على أن "الأردن في حالة تواصل أيضا مع قيادات أو يرغب بإجراء مشاورات مع قيادات المكون العربي في مدن فلسطين المحتلة عام 1948".

ولفتت بالقول "يبدو أنه جرت اتصالات هنا مع شخصيات بارزة في المجتمع العربي في إسرائيل المحتلة تاريخيا مثل الدكتور أحمد الطيبي وأعضاء آخرين في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بينهم عباس منصور، وقد يحصل قدر من التواصل أيضا مع زعيم الحركة الإسلامية في فلسطين لعام 1948 الشيخ رائد صلاح ونوقش هذا الأمر أكثر من مرة".

ورجحت الصحيفة أن "الحكومة الأردنية والسلطات فيها تحاول تتبع المستجدات المهمة على صعيد الملف الداخلي الفلسطيني والاعتقاد جازم- حسب مصادر فلسطينية- بأن حركة حماس عينها في المرحلة المقبلة وخلال مسألة التخطيط لما بعد الرئيس محمود عباس، والتي دخل فيها تماما المزاج الأردني أخيرا وبصورة ملموسة".

ونقلت عن مصدر فلسطيني لم تسمه قوله إن "حماس لا تريد منازعة حركة (التحرير الوطني) فتح ولا أي من الفصائل الفلسطينية الأخرى على النفوذ الأساسي في ساحة الضفة الغربية، لكن عيونها على موقع متقدم في قيادة منظمة التحرير" التي تعد الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين لدى دول العالم.

وخلص تقرير "رأي اليوم" إلى أنه "يبدو أن الاتصالات الأردنية خلف الستارة جرت على أكثر من صعيد"، لافتة إلى أنه "من المرجح أيضا أن هذه الاتصالات هدفها الاحتياطي الحرص على المصالح الأردنية في حال حصول مستجدات في العمق الفلسطيني".

وخلال حلقة برنامج "الجانب الآخر" التي بثتها قناة "الجزيرة" القطرية في 13 أغسطس، أشار مشعل إلى زيارته الأردن عام 2012 رفقة الشيخ تميم بن حمد في زيارة رسمية، لافتا إلى أنها كانت فاتحة للعلاقة مع الملك الأردني عبد الله الثاني، متمنيا أن تتطور إلى علاقة أكثر وضوحا واستقرارا.

انفتاح مدروس

وعلى الصعيد ذاته، نشرت صحيفة "القدس العربي" مقالا للكاتب الأردني بسام البدارين، في 13 أغسطس، تحدث فيه عن انفتاح أردني على الشيخ رائد صلاح  رمز الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948، ورئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل، وقوى وشخصيات أخرى من خارج السلطة الفلسطينية.

وأوضح الكاتب أن السلطات الأردنية وسّطت الإخوان المسلمين في الأردن للانفتاح على الشيخ رائد صلاح، حتى يزور عمان، بالقول: إنهم اقترحوا على الحركة الإسلامية "أحضروا الرجل واستضيفوه، وسنتحدث وإياكم معه إن شئتم".

وبين البدارين بأن هذه التحركات هدفها إحداث معادلة جديدة في العمق الأراضي المحتلة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقررة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وذلك بجمع الشيخ صلاح مع المختلفين معه من بقية التلوينات الإسلامية في فلسطين التاريخية المحتلة.

ولفت الكاتب إلى أن الانفتاح، ظهر في الزيارة المفاجئة للقيادي في حماس خالد مشعل، وكذلك ينفتح الأردن الأمني فجأة أيضا على ألوان أخرى في معادلة حركة فتح.

ورأى أن "الانفتاح الأردني المتعدد ينطوي ولأول مرة منذ سنوات طويلة على رغبة بإرادة سياسية تحركت في توفير حضن وملاذ لقادة المجتمع العربي في إسرائيل وإن توفرت الفرصة لغيرهم".

وتابع: "قيل لعضو الكنيست البارز جدا أحمد الطيبي ولزميلين له، بأن عمان تفتح لهم ذراعيها، وأن المشاورات معهم قد تتطور قريبا".

وأردف: "وضعت قوائم وتقارير أولية تتضمن تحديد أسماء شخصيات مؤثرة في المجتمع العربي ستقول عمان لها أولا (ألو – مرحبا)، وفي الخطوة اللاحقة (مرحبا بكم ضيوفا أعزاء.. ما الذي ينقصكم ونستطيع تقديمه؟)"

وأوضح الكاتب أنه "قد يسمع مسؤولون أردنيون تلك النواقص دون توفر شرط موضوعي لتوفيرها إذا ما قيست الأمور بطريقة الماضي. لكن على كل حال، انتقل الحراك الأردني إلى مستوى علني أكثر في السياق ويتجاوز حساسيات الماضي ببطء".

وأكد البدارين أن "العنوان الأعرض معروف تماما اليوم، وهو العمل ضد عودة بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) قدر الإمكان. قد يتطلب ذلك تقديم تنازلات أردنية للإسلاميين في المجتمع العربي الذين لا تحب عمان الاتصال بهم. وقد يتضمن تشكيل خلية أزمة تتابع لتحقيق الهدف أو أي جزء منه".

ويتزعّم نتنياهو حزب "الليكود" لخوض الانتخابات المقبلة للكنيست، في وقت تعمل عدد من القوائم الانتخابية على إعاقة عودته إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.