طموح أبعد من الدعم العسكري.. لماذا يلجأ نظام الأسد إلى كوريا الشمالية؟

12

طباعة

مشاركة

منذ غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 من قبل روسيا حليفة النظام السوري، اتبع الأخير إستراتيجية الاستفادة من الدول التي يحتفظ بعلاقات جيدة معها، في دعمه بتأهيل بنيته التحتية التي تضررت خلال العقد الأخير.

وراحت لجان النظام السوري تكثف لقاءاتها مع عدد من الدول من أجل إمكانية الاستفادة من خبراتها، لإعادة تأهيل شركات بحاجة لقطع غيار أو تأهيل وحتى رفدها بتكنولوجيات حديثة.

وفي أحدث مستجد بهذا السياق، بحثت اللجنة الفنية المشتركة السورية الكورية الشمالية للتعاون الصناعي، إمكانية الاستفادة من الخبرات الفنية لـ"بيونغ يانغ"، في إعادة تأهيل خطوط الإنتاج وآلات شركات المؤسسة العامة للصناعات الهندسية المتضررة.

وترأس الاجتماع الذي عقده الطرفان في مبنى وزارة الصناعة التابعة لنظام الأسد في 11 أغسطس/آب 2022، وزير الصناعة زياد صباغ والقائم بالأعمال في السفارة الكورية الشمالية بدمشق، كيم هاي ريونغ.

واستعرض الطرفان الحالة الراهنة لشركات المؤسسة العامة للصناعات الهندسية المطروحة للاستثمار، واتفقا على رسم خارطة طريق للتعاون المشترك بينهما.

وكذلك الاطلاع ميدانيا على وضع الشركات الفني والقانوني لسبر احتياجاتها من الآلات والتجهيزات وخطوط الإنتاج لإعادة إقلاعها إنتاجيا من جديد.

وبحسب ريونغ، فإن كوريا الشمالية مهتمة بالمشاريع التي طرحتها وزارة الصناعة التابعة لحكومة نظام بشار الأسد للاستثمار، وخصوصا في مجال الصناعات الدوائية والطاقات البديلة وصناعة الألمنيوم.

دعم عسكري

ويتماشى دخول كوريا الشمالية على خط مساعدة النظام السوري اقتصاديا مع علاقة وثيقة بين نظامي البلدين منذ عهد رئيس النظام السابق حافظ الأسد مع الزعيمين السابقين كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل.

ولهذا فإن لكوريا الشمالية باعا قديما في مساعدة نظام الأسد، إذ أسهمت في ثمانينيات القرن العشرين في تأهيل وتحديث مئات الأسلحة سوفيتية الصنع التي يمتلكها النظام.

وطبقا لتقارير صحفية، فإن كوريا الشمالية ساعدت سوريا على بناء مفاعل نووي في دير الزور دمرته غارة إسرائيلية عام 2007.

وكثيرا ما تحدثت وسائل إعلام غربية، عن توفير كوريا الشمالية لنظام الأسد خلال العقد الأخير تقنيات عسكرية، وأخرى استخباراتية، وأيضا صواريخ وتكنولوجيات الأسلحة الكيمياوية لقمع ثورة الشعب السوري.

إذ إنه عقب تفكيك البرنامج الكيماوي لسوريا عام 2013 بعد ارتكاب نظام الأسد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، والتي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص، تحدثت تقارير أممية عن الدور الكوري في ذلك.

إذ ربط خبراء تابعون للأمم المتحدة، بين كوريا الشمالية والأسلحة الكيماوية في سوريا، بعد أن وجدوا أن بيونغ يانغ أرسلت شحنات من مواد إلى نظام الأسد، من الممكن استخدامها في إنتاج هذا النوع من الأسلحة.

وأفاد تقرير لمحققين في الأمم المتحدة، في 27 فبراير 2018، أن كوريا الشمالية أرسلت المواد الكيماوية إلى سوريا، منها بلاط مقاوم للأحمضة، وصمامات، وأجهزة لقياس الحرارة.

وتأتي هذه المواد ضمن 40 شحنة لم يعلن عنها أرسلت من كوريا الشمالية إلى سوريا بين عامي 2012 و2017، تتضمن أجزاء صواريخ باليستية وغيرها من المواد المحظورة.

كما لوحظ عمل تقنيين خاصين بنظام الصواريخ الباليستية الكوري الشمالي، وهم يوجدون في منشآت لإنتاج أسلحة كيماوية وصواريخ في سوريا، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وفي هذا الإطار أكد المحلل العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد، "أن التعاون والتنسيق بين نظام الأسدين مع كوريا الشمالية قديم بمجال الأسلحة الكيماوية منذ عهد حافظ واستمر عقب عام 2011".

وأضاف الأسعد لـ "الاستقلال"، أنه "جرى عام 2011 افتتاح مصنع جديد للأسلحة الكيماوية في الساحل السوري بمشاركة بين نظام الأسد وإيران وكوريا الشمالية". 

توطيد العلاقة

وكان حافظ الأسد وطد علاقته مع كوريا الشمالية، حينما زارها عام 1974، والتقى بمؤسس الدولة الأكثر شمولية وانغلاقا في العالم، كيم إيل.

ووفقا لمركز جسور للدراسات، فإن حافظ الأسد عمل على استيراد "إستراتيجية الولاء المفرط"، وخاصة من كوريا الشمالية، وأعجب بنموذج كيم إيل في الحكم.

وتقوم الإستراتيجية على ضرورة تقديم كل مكونات الدولة الولاء المبالغ فيه لشخص القائد، دون استثناء جهة أو شخص مهما كان.

وتقديم المكافأة إلى أولئك الذين يبدعون في إنتاج أشكال جديدة من الولاء، وعقاب أولئك الذين لا يقدمون الولاء بما يكفي من الخضوع.

ووجد رئيس النظام بشار الأسد في كوريا الشمالية متنفسا وداعما عقب عام 2011، واجتهد في إبقاء العلاقة السياسية والاقتصادية على ذات الرتم الذي سار عليه والده.

فبحسب موقع أخبار كوريا الشمالية “NK NEWS” الأميركي المتخصص بتحليل وسائل الإعلام الكورية والحصول على بيانات منها، فإن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أونغ، وبشار الأسد تبادلا المراسلات 12 مرة خلال عام 2021.

ويجمع نظامي كوريا الشمالية وسوريا العقوبات دولية، بيونغ يانغ بسبب برنامجها للتسلح النووي، ونظام الأسد جراء قمعه ثورة شعبية انطلقت ضده عام 2011.

وحدد بشار الجعفري نائب وزير خارجية النظام السوري طبيعة العلاقة مع النظام الكوري الشمالي بقوله إنها: "علاقات شراكة غير قابلة للامتحان".

ومضى يقول من داخل سفارة كوريا الشمالية بدمشق في 13 أبريل/نيسان 2022: "هناك تماثل في التحليل السياسي والجيوبولتيكي لمعظم الأحداث في العالم آخرها تصويت الدولتين بنفس الطريقة على مشروع القرار الغربي ضد روسيا".

نقل التجربة

ويؤكد مهتمون بالشأن السوري، أن نظام الأسد الذي يمر في وضع اقتصادي متهالك، لا سيما بعد دخول حليفته روسيا حربا مفتوحة مع جارتها أوكرانيا واستنزافها هناك، بات أكثر احتياجا لتأمين بدائل لاقتصاده على أكثر من صعيد.

ويؤكد هؤلاء أن نظام الأسد يحاول الاستفادة من تجربة كوريا الشمالية في تجاوز الحصار المفروض عليها، والاستفادة من خبراتها في إعادة إقلاع المنشآت المتضررة بشكل تدريجي ولا سيما محطات الكهرباء.

وسبق لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك "عمرو سالم"، أن اجتمع في 8 فبراير 2022 بسفير كوريا الشمالية بدمشق، واستمع حينها إلى شرح مفصل عن تجربة بيونغ يانغ في تجاوز الحصار المفروض عليها وترقية معيشة الشعب الكوري رغم الضغوطات.

وحاليا تؤكد المعطيات، أن النظام السوري يصب اهتمامه في إعادة تشغيل المصانع المملوكة للقطاع العام، إذ يوجد نحو 45 منها في مناطق نفوذه بحاجة لإعادة تأهيل.

ولهذا فإن نظام الأسد يحاول أن ينمي علاقته الاقتصادية مع كوريا الشمالية أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما أنهما وقعا سابقا على عدد من الاتفاقيات.

ففي عام 2014، وقع الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، التي تغطي مجالات مثل الصناعة والبنوك والنفط والطيران والسياحة.

وكانت "اللجنة الاقتصادية السورية الكورية الشمالية" أبرمت في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019 اتفاقية تعاون في عدة مجالات، تضمنت الاستعانة بالشركات الكورية في إعادة الإعمار، والإنشاء السريع والاستثمار العقاري وتصميم المنشآت والحماية الزلزالية.

كما وقع النظام السوري وكوريا الشمالية في 8 يونيو/حزيران 2022 اتفاقا على الخدمات الجوية، ومذكرة تفاهم في مجال النقل الجوي بين الجانبين.

وبموجب الاتفاق يحق لسلطتي الطيران في البلدين تعيين شركات الطيران لغرض تشغيل الخطوط المتفق عليها وتقديم الإعفاءات المتبادلة في الجمارك والضرائب غير المباشرة، بما في ذلك رسوم استيراد قطع الغيار والاعتراف بالشهادات والتراخيص الصادرة عن طرفي العقد.

وينص الاتفاق أيضا على عدة بنود تعاونية مثل المرور وتحويل الإيرادات والتعرفة المالية، والنشاطات التجارية وتبادل المعلومات وتقديم المشاورات والخبرات.

عقلية مستوردة

وتبع ذلك في 16 يونيو 2022 توقيع وزارة الإعلام في حكومة الأسد، مع اللجنة الإعلامية في كوريا الشمالية، اتفاقية تعاون في المجال الإعلامي.

وتضمنت الاتفاقية التعاون بين مختلف المؤسسات والوسائل الإعلامية في مجال خدمات الأخبار والبث الإذاعي والتلفزيوني والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

ولهذا يعول النظام السوري في ظل تراجع الإنتاج الصناعي المحلي لإقامة مشاريع صناعية مشتركة بالاستفادة من كوريا الشمالية ببعض المجالات.

وحتى الآن يعاني النظام السوري من عجز كبير في تشغيل مصانع تضررت وتدمرت خلال العقد الأخير؛ جراء العقوبات وغياب الأيدي العاملة وقطع الغيار وعدم توفر المواد الأساسية للإنتاج.

ويعد الاقتصاد الكوري الشمالي أحد أكثر الاقتصادات مركزية، وانغلاقا حول العالم ويواجه إشكالات مزمنة ومتنامية.

وتشمل الصناعات الكورية الشمالية، المنتجات العسكرية، والآلات، والطاقة الكهربائية، والكيماويات، والتعدين والمنتجات المعدنية، والمنسوجات، والغذائيات والسياحة.

ويرى مختصون اقتصاديون، أن النظام السوري اضطر خلال الثماني سنوات الأخيرة إلى تقليد نموذج الاقتصاد الكوري الشمالي.

ويهدف من ذلك إلى إدارة اقتصاده بشكل يتجاوز العقوبات المفروضة عليه وهروب الصناعيين وارتفاع كلفة الإنتاج والحظر على المواد الأولية المستوردة. 

وضمن هذه الجزئية يؤكد الأكاديمي والباحث الاقتصادي السوري كرم شعار، أن "الطرح الاقتصادي الذي تبناه نظام الأسد خلال السنوات الماضية هو محاولة أن يستفيد اقتصاديا من أي شيء يمكن الاستفادة منه، وكذلك إدارة الاقتصاد بعقلية كوريا الشمالية".

وبين شعار أن ذلك يجرى من خلال "فرض ما يجب إنتاجه على منتجي السلع، والإيعاز لمستورديها بما يجب استيراده، وعلى البائعين الأسعار التي يجب البيع بها وهو ما يعكس عدم فهم قوة الاقتصاد الحر"، وفق تصريح لموقع "اقتصاد" في 8 يونيو 2021.