"الموز المزيف".. شجرة تأمل إفريقيا أن تقضي على مخاوف المجاعة بالقارة

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة لوموند الفرنسية عن الوضع الغذائي في منطقة جنوب إفريقيا "التي تعيش على وقع أزمة غذائية شديدة القسوة".

وتطرقت في هذا السياق إلى تعويل الكثيرين من سكان المنطقة المذكورة على شجرة "الإنسيت" كقوت يومي هربا من المجاعة.

ووفقا لدراسة حديثة نشرت في مجلة "انفايرمانتول ريسيرتش ليترز"، يمكن لشجرة الإنسيت، بفضل صفاتها العديدة، إطعام ما يقرب من 110 ملايين شخص بحلول عام 2070.

تبدو الشجرة من بعيد، من بين العديد من الأشجار الأخرى، مثل شجرة الموز. ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، لا تنتج هذه الشجرة فاكهة الموز شأن الذي يوجد في أشجار الموز العادية. 

 تنتمي الإنسيت، مثل شجرة الموز، إلى فصيلة الموزيات، ولكن على عكس الشجرة العادية، ليس لديها ثمار لتقدمها.   

لكن من ناحية أخرى، فإن وفرة لُبَّ ثمارها وامتداد جذورها غالبا ما يجعل منها شجرة تتصف بأنها "نبات ضد الجوع"، لا سيما في شرق إفريقيا التي تواجه موجات شديدة من الاحترار العالمي والجفاف. 

تعد الإنسيت في جنوب إثيوبيا، بالفعل الغذاء الأساسي لـ 20 مليون شخص في المرتفعات الرطبة المشمسة على حدود الوادي المتصدع.  

وتقول لوموند: "هناك هي موجودة في كل مكان، على قوارع الطرق، في الحدائق، وبالطبع على الأطباق في المطاعم والمنازل".

ويوضح أديسو فيكيدو، أستاذ التكنولوجيا الحيوية في جامعة أربا مينش: "لقد كانت هذه النبوءة تنمو منذ أكثر من عشرة آلاف عام".

تهدف مهاتامي منغيشا، التي تواصل رغم بلوغها الـ 70 عاما، استخراج اللب من جذع الإنسيت في منطقة دورزي، وهي وجهة معروفة للسياح الذين يأتون لمراقبة المعيشة والطريقة التقليدية للحياة في الجنوب الإثيوبي العظيم.

وتقول إن "الإنسيت في قريتنا هي المحصول الأول. وبدونها ليس من المؤكد أننا نستطيع البقاء على قيد الحياة، لأن لنا فيها طعاما ومعاشا".

هذه السيدة الضعيفة الكادحة ليست استثناء في إثيوبيا، وتعد زراعة الإنسيت، وفقا للتقاليد، مجالا حصريا تقريبا للمرأة. وتتعرج مهاتامي منغيشا بمهارة بين مئات الأشجار التي تنمو جذعا على الجذع في حديقتها.  

مثلها، يحتفظ الجميع في منطقة دورزي بالعشرات، إن لم يكن المئات، من هذه النباتات الضعيفة التي يبلغ طولها مترا في ساحات منازلهم الخلفية، حتى تسد جوعهم. وتقول الصحيفة إن أكثر من خمس السكان الإثيوبيين يزرعون شجرة الإنسيت.

"الإمكانات المتميزة"

 إذا استغرق حصاد "ثمار" واحدة كاملة ثلاثة أيام، فهذا لأنه يعطي ما بين 70 و100 كجم من الغلة.

تبدأ مهاتامي منغيشا بقشر الجذع إلى حوالي عشرة سيقان وعصرها لاستخراج اللب، الذي يجري دفنه للتخمير ثم طهيه، في معظم الأحيان على شكل "كوشو" وهو خبز مسطح تقليدي.   

كما أن الجذوع التي تختبئ تحت الأرض تصبح صالحة للأكل بمجرد طهيها. أخيرا، الأوراق هي الغذاء الرئيس للماعز بينما يجري إعادة تدوير الألياف في أكياس أو أحيانا بناء أسقف مؤقتة من خلالها. 

يقول دكتور التكنولوجيا الحيوية أديسو فيكيدو: "يمكن للشجرة أن تعول أسرة لمدة شهرين تقريبا".

وهذا الشخص يضع ثقته الراسخة في شجرة الإنسيت، خاصة وقد كرس لها كل أبحاثه، ويقول: "أنا مقتنع بأن هذا النوع مقوم بأقل من قيمته الحقيقية وأنه سيساعد في محاربة الجوع". 

ويتابع: صحيح أن إثيوبيا قد عانت من المجاعات المتكررة، بما في ذلك "المجاعات الخضراء"، النقص المزمن في الغذاء في المناطق التي لا تزال مع ذلك خصبة، لكن مرونة نبتة مثل الإنسيت وهي التي تعود إلى فصيلة الزنجبيليات، حالة استثنائية.

يتابع أديسو فيكيدو بالقول إنه "يمكنك زراعتها في أي وقت، وحصادها في أي وقت، فهي ليست موسمية". 

ومن مختبره في جامعة أربا مينش، أجرى العالم "تجارب التحديث"، حيث يعمل على فحص جودة الدقيق الذي صنعه فريقه للتو. ويعرض نموذجا جديدا لمكبس اللب أو يختبر الخميرة التي طورها لتعزيز عملية التخمير.  

ويقول: "بعض الأواني البلاستيكية تتجنب فقد اللب أثناء التخمير التقليدي، والذي يصل أحيانا إلى 40 بالمئة".

يتابع الباحث مندهشا من عدم إجراء أي معهد غربي بحثا مكثفا حول هذا الموضوع "جوهر شجرة الإنسيت والمغزى من زراعتها أنها تتمتع بإمكانيات غير عادية، لكن لم ينظر أحد في أصولها خاصة وأن المجتمعات التقليدية كانت تستغلها".

تقول سابين بلانيل، المتخصصة في شؤون إثيوبيا في معهد البحث من أجل التنمية (IRD): "أصول زراعة هذه الشجرة قديمة جدا في الجبال الوسطى في جنوب إثيوبيا، ومع ذلك يمكننا أن نعد أنها التقليد الغذائي المحلي الأقل دراسة في إفريقيا".

وأضافت: "جرى تجاهلها على نطاق واسع من قبل المؤلفات العلمية، وبصرف النظر عن سياسات التحديث الزراعي التي تهتم أكثر بإنتاج الحبوب، وذلك حتى وقت قريب، نادرا ما يجري استهلاكها خارج مناطق الإنتاج".

حتى أنه قد جرى رفعها إلى مرتبة "المنتوج الوطني الفلاحي التقليدي" من قبل وزارة الزراعة الإثيوبية فقط في عام 1997. 

وأوضحت أن ميزتها الرئيسة مقاومتها للجفاف، بينما يشهد القرن الإفريقي أسوأ حلقة له منذ أربعين عاما فيما يتعلق بندرة التساقطات وتواتر موجات شديدة من الاحترار.

ويعاني الآن أكثر من 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في إثيوبيا والصومال وكينيا بعد الموسم الرابع على التوالي دون هطول الأمطار.  ويحتفظ نظام الجذر الخاص بالإنسيت بالمياه لفترات طويلة ويحد من تآكل التربة.

البروتين والسياسة

لماذا إذن لا يزال المجتمع العلمي يرفض استغلال هذا النبات المرن وغير الموسمي وخاصة وأنه كما وصفته مجلة "رسائل أبحاث البيئة" (ERL) "محصول غير مستغل بشكل كاف له سمات مفيدة لمكافحة الجوع"؟ 

 تكمن الإجابة جزئيا فيما بداخل هذه النبتة على مستوى التركيبة الغذائية التي لا تلبي الاحتياجات الغذائية اليومية.  

إذ إن محتواها من البروتين والسعرات الحرارية غير كاف. ويسير انتشارها في كل مكان بالمنطقة جنبا إلى جنب مع اختلال غذائي مزمن. 

بالإضافة إلى ذلك كما تشرح سابين بلانيل، "يميل الأشخاص الذين يقتاتون على هذه الشجرة، وهم قلة نوعا ما، إلى نظام التعمية (عدم حرث الأرض) بسبب خصوصيات هذا النبات وإهمال النظام الزراعي إلى حد ما الذي تجري فيه بالتحديد زراعة البذور".

وهذا النوع من المحاصيل الغذائية، الموجه إلى حد كبير نحو الاستهلاك العائلي المحلي، لا يسمح حقا للمزارعين بالتطور.  

وواجه أبراهام جلاي، وهو مزارع شاب يعيش في منطقة دورزي، صعوبة في بيع منتجه لمدة عامين في السوق ببلدة شينشا المجاورة.  

يقول أبراهام عن ذلك إنه "يمكنني الحصول على حوالي 40 يورو لكل شجرة"، لكنه يشير إلى وجود الحد الأقصى في السوق للمنتجات مثل الإنسيت، وهو ما يرجع أساسا إلى انخفاض الطلب عليها نظرا لأن كل أسرة تزرعها في البيت تقريبا.

إذن، ما هو مستقبل شجرة الموز الإثيوبية المزيفة هذه؟ خاصة أنها موجودة بكثرة في مناطق جنوب إثيوبيا، وفي البلدان المجاورة: أوغندا ورواندا وكينيا وتنزانيا وحتى في ماليزيا وأيضا في الغابات. 

 يقول الدكتور أديسو فيكيدو إن تدجين هذه الشجرة لم يحدث تاريخيا إلا في إثيوبيا، مبينا أن الإمكانيات في شرق إفريقيا وحول منطقة الوادي المتصدع لا تصدق، والشرط الوحيد هو زرعها على ارتفاع يزيد عن 2100 متر.

 تتوقع مجلة "رسائل أبحاث البيئة" أن ما بين 87 و111 مليون شخص يمكن أن يعتمدوا على شجرة الإنسيت على مدار الأربعين عاما القادمة في جنوب وشرق إفريقيا، بشكل أساسي "في جنوب أوغندا وشرق كينيا وغرب رواندا"، ثم في جميع أنحاء المناطق المجاورة.

على الرغم من كل التوقعات، فإن العقبة الرئيسة أمام نشرها ستكون سياسية. وتخلص دراسة مجلة "رسائل أبحاث البيئة" إلى أن "إثيوبيا تقيد حاليا النقل الدولي للمواد النباتية لحماية مواردها المحلية من الاستغلال غير العادل".