الهدف يبتعد.. كيف يمكن الخروج من المأزق الليبي بعد تعقد الحل السياسي؟

12

طباعة

مشاركة

حلقة دائرية يشهدها الملف الليبي بتفاصيله وتعقيداته، أحدثها استقالة ستيفاني ويليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، وزيارة رئيسي البرلمان عقيلة صالح ومجلس الدولة خالد المشري إلى تركيا، وسط تهميش لدور رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، بعد اشتباكات بالعاصمة طرابلس.

ويتصاعد الانقسام الليبي مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي قبل عام ونصف، يرأسها الدبيبة الذي يصر على تسليم السلطة لحكومة منتخبة، والثانية عينها البرلمان برئاسة فتحي باشاغا فبراير/شباط 2022 وتتخذ من سرت (وسط) مقرا لها بعد منعها من دخول العاصمة.

ومع هذه التحركات والزيارات تطرح تساؤلات عن إمكانية وجود تفاهمات جديدة في الساحة لمرحلة أخرى، يجري فيها تجاوز الدبيبة.

وساطة سياسية

وفي 31 يوليو/تموز 2022، غادرت المستشارة الأممية مهمتهما، من دون الكشف عن بديل لها، في حين جرى تجديد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لثلاثة أشهر فقط.

وتولت ويليامز الإشراف على عملية سياسية متعثرة، مع انقسام ليبيا إلى حكومتين متنافستين، وقالت في بيانها الأخير مع مغادرة منصبها إن "القادة الليبيين تقع على عاتقهم مسؤولية جلية تجاه مواطنيهم والأجيال القادمة لتقديم التنازلات التاريخية اللازمة لإتاحة الفرصة من أجل تحقيق الإنجاز المنشود".

وأكدت المستشارة الأممية أنه لا يمكن التغلب على الجمود السياسي وأزمة السلطة بالبلاد، "إلا عبر إطار دستوري توافقي".

بعدها دخلت تركيا للتوسط بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي من أجل الاتفاق على "قاعدة دستورية" كمقدمة للتوجه نحو الانتخابات، بعد فشل الاجتماعات السابقة للمجلسين.

وفي الثاني من أغسطس/آب 2022، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، وعضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي.

وقال المكتب الإعلامي لمجلس النواب الليبي، في بيان، إن اللقاء بين أردوغان وصالح "تناول مستجدات الأوضاع في ليبيا"، و"التأكيد على وحدتها ودعم إرساء الاستقرار والسلام"، بالإضافة إلى "التعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب الآجال".

بدوره، أوضح اللافي، في تدوينة على فيسبوك، أن اللقاء تطرق إلى "التطورات السياسية، واتفقت وجهات النظر على الحفاظ على وحدة ليبيا، والإسراع في إجراء الانتخابات من خلال التشريعات اللازمة، عبر حكومة واحدة قوية، والتأكيد على استبعاد الحل العسكري".

ويأتي هذا في سياق تأكيد أنقرة بأنها "تنتهج مقاربة شاملة تجاه ليبيا"، وأنها لا تفرق بين شرق البلاد وغربها.

وقال الصحفي أبو بكر البغدادي: "المؤكد أن لا تفاهمات. وإلا لما كان كل هذا التصعيد الإعلامي (الفارغ)، لنقل أن هناك محاولات، لكنها لا تستند على توافقات بقدر ما هي مغالبة، لا يزال الدبيبة يمسك بزمام الأمور، وخصومه يحاولون سحب البساط من تحت أقدامه".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "من بين هذه المحاولات تأتي زيارة صالح لتركيا، فالمعلوم أن الوجود التركي في غرب ليبيا رقم حاسم في معادلة من يحكم طرابلس، ولن يدخلها أحد دون ضوء أخضر تركي، جميع الأطراف تعلم ذلك".

وتابع: "فبعد أن رفض أردوغان استقبال (اللواء الانقلابي خليفة) حفتر في حال زيارته لتركيا، يبدو أن الوساطات توصلت إلى الاكتفاء بزيارة عقيلة صالح".

وبين البغدادي أن "الواضح من خلال التسريبات، وحتى التصريحات، أن الزيارة فشلت في انتزاع الضوء الأخضر لدخول طرابلس بالقوة".

واستطرد: "تبقى في جعبة صالح مناورة وهي أن تنسحب حكومتا الدبيبة وباشاغا، وتكلف حكومة توافقية مصغرة، قد يكون اللافي (العضو الرئاسي ورفيق صالح إلى أنقرة) لاعبا رئيسا فيها، وربما رئيسها، ولا يزال بعيدا الحديث عن نجاح المناورة، وبعيدا جدا.

من جانبه، قال جوناثان وينر المبعوث الأميركي السابق إلى ليبيا، والخبير بالشؤون الليبية في معهد الشرق الأوسط، إن الدبيبة يواجه "تهديدا متزايدا من فقدان السلطة، بسبب الاقتتال الداخلي بين المليشيات المتمركزة في طرابلس"، إذ "أضعفت" هذه الصراعات سيطرته على العاصمة.

وخلال الفترة ما بين 20 و24 يوليو 2022، وقعت اشتباكات في العاصمة طرابلس بين قوات من "حرس المجلس الرئاسي" وأخرى من "جهاز الردع" أسفرت عن 16 قتيلا، و52 جريحا، حسب ما أعلنته وزارة الصحة.

وفي مقاله الذي بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أكد وينر أن مغادرة الدبلوماسية الأميركية إلى جانب إصرار روسيا على أن تظل بعثة الأمم المتحدة الخاصة محدودة لمدة 90 يوما "تترك ليبيا في وضع مضطرب بشكل خاص".

مواجهات جديدة

وتحدث وينر عن إمكانية اندلاع مواجهات عسكرية جديدة، قائلا إن انتزاع باشاغا السلطة من الدبيبة، يعد "تهديدا متزايدا".

وأشار إلى أن الصراعات الأخيرة بين المليشيات في طرابلس "أفقدت الدبيبة سيطرته على الأرض"، وفق قوله.

وقال إن هذه الاشتباكات انتهت باستيلاء جهاز الردع على الأراضي التي كان يسيطر عليها الحرس الرئاسي، "وبالتالي جرى إضعاف الموقف الأمني لرئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، ما خلق فرصة متجددة لباشاغا لمحاولة دخول المدينة والاستيلاء عليها".

وأعلن باشاغا، المدعوم من الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في منتصف مايو/أيار 2022، دخول طرابلس مع حكومته، لكنه انسحب بعد ساعات إثر وقوع اشتباكات في العاصمة بين مجموعتين مسلحتين مواليتين لكل من رئيسي الحكومة وأحبطت محاولته.

وفي هذا السياق، عد  وينر أن من المؤشرات الأخرى الدالة على احتمالية تجدد الصراع على طرابلس هو تحشيد عسكري مدعوم بالمدفعية الثقيلة لمليشيات منطقة الزنتان (جنوب غرب العاصمة) في 24 يوليو، بقيادة أسامة جويلي (رئيس المخابرات العسكرية الذي أقاله الدبيبة).

وأوضح أن هذا التطور الجديد أدى إلى "خلق خطر اندلاع مواجهة عسكرية بين الزنتان والقوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية".

وإلى جانب المواجهات بين الفينة والأخرى، يؤدي الانقسام الدولي حول تسمية المبعوث الأممي على الوضع الداخلي، بما يزيده تأزيما.

فكلما سارعت الأمم المتحدة لتعيين ممثل لها في البلاد، كلما ساهم ذلك في تقليص الاحتقان الداخلي وتجنب انزلاق البلاد في مواجهات شاملة.

وتحاول أطراف ليبية ودولية البحث عن خيارات للخروج من حالة الانسداد، والتي تهدد بالعودة إلى العنف، في ظل عدم وجود أي خريطة طريق جدية تقود للانتخابات واستبدال الأجسام السياسية الحالية.

وقال الصحفي البغدادي: "لا شك أن تعقيد المشهد الليبي، بفعل التداخلات الإقليمية والدولية، ألقى بظلاله على البعثة الأممية، وغياب رئيس للبعثة (حقيقي) منذ استقالة غسان سلامة، فحتى يان كوبيتش لم يستطع العمل ولم ينجز شيئا".

وتابع: "أما ممثل إفريقيا في البعثة، ريزيدون زينينغا، فقد كان دوره واضحا في إجهاض محادثات القاعدة الدستورية في جنيف، حين تركتها ويليامز على وشك النضوج في 2021".

وشدد البغدادي على أن "أي مبعوث أممي لا تكون خلفه دولة قوية (مثل ويليامز) لا يمكنه العمل في ظل كل هذه التداخلات الدولية".

أما وقد فشلت ويليامز فغالبا سيهمش دور البعثة مؤقتا، وقد تلعب دول إقليمية مثل تركيا والإمارات وقطر ومصر وربما الجزائر، أدوارا في خلق توازن بالمشهد يمنع الصدام في حده الأدنى، بحسب تقديره.

وتحدثت وسائل إعلام محلية ودولية عن أن أي اجتماع جديد لخالد المشري وعقيلة، من المرجح أن ينتج عنه توافق حول ملفات مرحلية، من المستبعد أن تفضي إلى انتخابات، إلا إذا كان هناك ضغط شعبي ودولي قويين، ليس فقط عليهما ولكن أيضا على "قوى الأمر الواقع"، للوصول إلى خريطة طريق تنتهي بانتخاب رئيس وبرلمان جديدين.

فبعد فشل اجتماعات مجلسي النواب والدولة في القاهرة، ثم لقاء رئيسي المجلسين في جنيف، نهاية يونيو/حزيران 2022، بشأن القاعدة الدستورية، دون إحداث تقدم، انتقلت الكرة إلى المجلس الرئاسي، عقب مظاهرات شعبية في مدن عدة تطالبه بإسقاط الأجسام السياسية الحالية.

لكن المجلس الرئاسي لم يكن حاسما، فعادت المبادرة إلى البعثة الأممية، التي تسعى لجمع رئيسي مجلسي النواب والدولة لبعث مسار جديد يفضي إلى انتخابات، رغم أن هذه الاجتماعات، التي استغرقت سنوات لم ينتج عنها أي انتخابات.

وعد البغدادي أن "الحل في ليبيا يبتعد أكثر من أي وقت مضى، ومن ينتظر من الطبقة السياسية المتصدرة حاليا للمشهد أن تأتي بحل أو تتوافق فيما بينها، فهو حقا بعيد عن المشهد الليبي".

وأوضح أن "نقطة واحدة كفيلة بإجهاض أي محاولة للتقارب، فكيف وهذه الطبقة تمنع الاستفتاء على مسودة الدستور الجاهزة منذ خمس سنوات، فقط لأنها تمنع مزدوجي الجنسية والعسكريين من الترشح للانتخابات الرئاسية؟ ثم تجهض الاتفاق حول قاعدة دستورية مؤقتة لنفس السبب؟"

واستطرد: "حتى حين تعطي المفاوضات مخرجا لهؤلاء، كأن يتنازل المترشح عن جنسيته الأخرى ويستقيل العسكري من الجيش، يرفضون ذلك، كل هذا إرضاء لشخص واحد وهو حفتر، فما بالك الآن وقد خرج علينا (نجل رئيس النظام السابق) سيف القذافي كمترشح مدعوم من روسيا، ليطول الخيط وتضيع الإبرة..".

وختم البغدادي حديثه بالقول: "عموما، الحل لن يكون بوصفة جاهزة، ولو جاء فسيكون عبر عمل طويل وإنجاز تراكمي، لكن البداية قد لا تبتعد عن الاستفتاء على الدستور واستبعاد المعوقات من طريقه".