بسيطرة الصدريين على البرلمان.. السيناريوهات المتوقعة للأوضاع في العراق

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام يقتحم الآلاف من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر المنطقة الخضراء في بغداد، رفضا لترشيح قوى الإطار التنسيقي الموالية لإيران النائب محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، معلنين اعتصاما مفتوحا داخل مبنى البرلمان.

الصدر وصف دخول المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء بالمرة الأولى في 27 يوليو 2022 بأنها "جرة أذن" أرعبت الفاسدين، فيما طالب زعيم التيار الصدري أنصاره بعد اقتحامهم الخضراء مرة ثانية بعد ثلاثة أيام بعدم التعرض إلى المقرات والبقاء في مبنى البرلمان.

وتضم المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد مقرات الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء الأعلى، وعددا من السفارات والبعثات الدبلوماسية، في مقدمتها السفارتان الأميركية والبريطانية، وكذلك قصور ومكاتب كبار المسؤولين والسياسيين في البلد.

"عقد وطني"

الأزمة السياسية الحالية، دفعت الرئيس العراقي برهم صالح وعددا من القوى والشخصيات السياسية إلى دعوة جميع القوى في البلد لإيجاد "عقد وطني"، وعدته المخرج الوحيد للحفاظ على البلد.

وقال صالح خلال بيان في 30 يوليو/ تموز 2022، إن "الظرف الدقيق الذي يمر ببلدنا اليوم يستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة العقل والحوار وتقديم المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار وحماية الوطن بسواعد كل أبنائه ليظل قويا ومنيعا وعصيا لا تفرقهم خلافات داخلية".

وأكد على "الحاجة الملحة لعقد حوار وطني صادق وحريص على مصلحة المواطنين هادف لضمان حماية أمن واستقرار البلد وترسيخ السلم الأهلي والاجتماعي وتحصين البلد أمام المتربصين لاستغلال الثغرات لإقحام العراقيين بصراعات جانبية".

وعد الرئيس العراقي أن الحوار المطلوب بين الفرقاء السياسيين "يجب أن يبحث في جذور الأزمة التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية، وإيجاد الحلول المطلوبة لتجاوزها والوصول بالبلد إلى بر الأمان والاستقرار".

من جهته، دعا رئيس تحالف "السيادة" (سني) خميس الخنجر إلى عقد وطني جديد، بالقول: "آن الأوان لطي صفحة النظام السياسي الذي تسبب بكل هذه الويلات، وأن نجلس كعراقيين فقط من أجل صياغة عقد وطني جديد". 

وأضاف الخنجر عبر تويتر في 30 يوليو، أنه "لن نتوقف عن بذل كل الجهود من أجل حلول عاجلة لوقف التصعيد وتهدئة المواقف؛ فالعراق أغلى ما نملك ولا يمكن للعملية السياسية أن تكون سببا في تخريب ما تبقى من الوطن". 

وفي السياق، قال رئيس تحالف "المشروع الوطني العراقي" (سني) جمال الضاري، إنه "منذ أكثر من 6 أعوام أكدنا ضرورة قيام حوار وطني شامل لإعادة صياغة العملية السياسية وكتابة عقد اجتماعي جديد وتعديل الدستور"

وأضاف الضاري خلال تغريدة على تويتر في 30 يوليو، قائلا: "ها هي الأحداث تؤكد أهمية دعوتنا وضرورتها الملحة بعدما وصلت العملية السياسية لطريق مسدود يهدد بشكل جدي استقرار العراق ووحدته".

"طي النظام"

وبخصوص ما ستؤول إليه الأوضاع الحالية في العراق وفرص إيجاد مخرج ينهي الأزمة، قال السياسي العراقي حامد المطلك لـ"الاستقلال" إن "الذهاب لانتخابات  مبكرة أو كتابة عقد وطني جديد يغير النظام، كل هذه حلول بالإمكان الذهاب إليها لإنهاء الأزمة".

ورأى البرلماني العراقي السابق أنه "إذا لم يتفق طرفا المشكلة الحالية في العراق فإن الأمور ذاهبة إلى ما هو سيء، لكن بالإمكان تجنب هذه التوترات عن طريق جلوس الإطار التنسيقي والتيار الصدري ليضعوا خطة لإنقاذ البلد وتهدئة الأمور".

وأوضح المطلك أن "الأهم حاليا هو اللجوء إلى لغة الحوار والتفاهم وليس التصعيد والتخويف فيما بينهم، لأنه لا يمكن الوصول إلى حل بحكومة توافقية أو حكومة طوارئ أو غيرها في ظل وجود السلاح والتلويح به، لأنه لا ينتج إلا مزيدا من التصعيد".

وتابع: "الوضع الحالي بحاجة إلى حكومة انتقالية مستقلة بعيدة كل البعد عن هذه الأحزاب، لأن الأخيرة فشلت بمهمتها أمام الشعب العراقي، ولا يرتجى أي تغيير نحو الأفضل من هؤلاء".

وأيد المطلك ما جرى طرحه من أن العراق بحاجة إلى عقد وطني جديد، حتى ينتج عنه نظام سياسي ينهي حالة المحاصصة الطائفية والعرقية التي لم يجن منها الشعب العراقي سوى الدمار والخراب طيلة عشرين عاما منذ عام 2003 وحتى اليوم".

وتساءل السياسي العراقي قائلا إن "أمنية الشعب العراقي الوصول إلى نظام سياسي جديد، لكن هل يمكن ذلك في ظل عدم إيمان الأطراف المتنازعة بلغة الحوار، لذلك كيف يمكن أن نصل إلى هذا الحل؟".

وتابع المطلق قائلا: "أمل العراقيين جميعهم أن تصل هذه الأطراف إلى عقد اجتماعي وسياسي جديد، لأننا بحاجة إلى رسم خارطة جديدة تنقذ البلد، لكن لم نشاهد أي خطوات تذهب في هذا الاتجاه".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال الكاتب العراقي عامر القيسي خلال مقال نشره موقع "كتابات" في 30 يوليو، إن "طي صفحة النظام السياسي وعقد وطني جديد، مطلب يتجنب الكثير من القيادات السياسية طرحه رغم القناعة التامة من أن هذا النظام السياسي قد مات سريريا منذ سنوات، وفشلت كل الجهود لإعادة الحياة إليه رغم وضعه في غرفة الإنعاش".

لكن الكاتب العراقي تساءل: "عن الطرق التي تؤدي إلى تغيير النظام، على يد هذه الطبقة السياسية نفسها أم على يد جيل جديد يبث الحياة في عملية سياسية جديدة؟".

سيناريوهات محتملة

وعلى الصعيد ذاته، قال الخبير في الشأن العراقي، باسل حسين خلال تصريح لموقع "الجزيرة نت" في 28 يوليو، إن "العراق قد يشهد سيناريوهات عدة خلال المرحلة المقبلة، من بينها انسحاب السوداني من سباق الترشح، وبقاء الكاظمي لفترة معينة مع إجراء انتخابات خلال عام واحد".

وحذر حسين من أنه مع "عدم انسحاب السوداني وبقاء الكاظمي، فإن العراق مقبل على مزيد من الأزمات السياسية إذا أصر الإطار التنسيقي على خططه دون الالتفات لاعتراضات الصدر، أو عدم الاستغناء عن السوداني ومحاولة البحث عن خيار وسطي باختيار شخصية توافقية لإدارة حكومة مهمتها إجراء انتخابات مبكرة أخرى".

وتابع: "على رغم بيان الإطار التنسيقي الذي تضمن الإصرار على المضي قدما بتشكيل الحكومة، والتمسك بترشيح محمد السوداني، لكن هذا البيان أمر طبيعي، لإدراك التنسيقي أن تراجعه سيعني انكساره في صراعه مع الصدر".

واستدرك: "لكن الإطار حتما سيفتح الباب لاحقا بالتراجع، من خلال ترك الأمر منوطا بإرادة المرشح محمد شياع، والقول إن انسحابه تم وفقا لرغبته وليس بطلب من الإطار التنسيقي رفعا للحرج".

وكان لافتا خلال اقتحام المتظاهرين لمقر البرلمان العراقي ترديدهم هتافات مضادة لإيران، قائلين: "إيران برة برة"، مطالبين بإجراء إصلاح في العملية السياسية والقصاص من الفاسدين.

وفي انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حازت الكتلة الصدرية على 73 مقعدا نيابيا، حيث تبنى الصدر تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" بالتحالف مع كتل سياسية سنية وكردية بنهج إصلاحي وطني لمكافحة الفساد واستعادة هيبة مؤسسات الدولة وحصر السلاح بيدها.

وتبنى خصومه في الإطار التنسيقي تشكيل "حكومة توافقية" على مبدأ المحاصصة السياسية في اقتسام السلطة والموارد، يرى الصدر فيها أنها المتسبب الأول في الفساد المالي وغياب الرقابة.

وبعد ثمانية أشهر من إخفاقه مع حلفائه السنة والأكراد في تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نوابه لتقديم استقالاتهم من البرلمان في 12 يونيو/ حزيران 2022.

واشترط الصدر سابقا على الإطار التنسيقي ألا يكون المالكي جزءا من الحكومة، رغم بوادر إيجابية بين الجانبين برزت بعد اتصال هاتفي بين المالكي والصدر في مارس/ آذار 2022، أشاد بها الرئيس برهم صالح وأطراف عدة رأت فيها بداية لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة وخروجا من حالة الانسداد السياسي.

وفتحت استقالة نواب الكتلة الصدرية الباب أمام قوى الإطار التنسيقي لإعلان مرشحهم لرئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

فيما رفض التيار الصدري صراحة القبول بتسمية "الإطار" أي مرشح لرئاسة الوزراء لا تنطبق عليه المعايير التي وضعها الصدر بتسمية شخصية مقبولة من المرجعية الدينية، وغير جدلية، ولم يسبق أن اتهمت بملفات فساد، وهو ما لا ينطبق على السوداني.