التطبيع نموذجا.. أدلة انفصال شعبي الإمارات والسعودية عن حكامهم
تركزت عيون الإسرائيليين على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية في 15 يوليو/ تموز 2022، عندما استقبله ولي العهد محمد بن سلمان في قصر السلام بجدة.
ويومها قال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين، في مقال بموقع "تايمز أوف إسرائيل": "يحتاج بايدن إلى تحقيق خطوة إلى الأمام في التطبيع الإسرائيلي مع السعودية ودول الخليج".
وأضاف الموقع العبري أنه يجب: "إذابة العلاقات مع محمد بن سلمان، ولتحقيق إنجاز في السياسة الخارجية كونه الشخص الذي استطاع توسيع دائرة السلام في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والخليجيين".
استطلاعات الرأي تؤكد عكس ما ينادي به عاموس، وما بشرت به المواقع العبرية مؤخرا من قرب التطبيع مع السعودية ونجاحه في الدول الأخرى.
فالشعوب الخليجية، لا سيما في السعودية والإمارات تناهض التطبيع بشتى الطرق، وتظل نظرتها إلى إسرائيل كدولة احتلال وكعدو تاريخي اغتصب أرضا عربية، ومقدسات إسلامية.
استطلاع صادم
وفي مارس/آذار 2022، نشر استطلاع أميركي صادم لمسار التطبيع العلني للدول العربية مع "إسرائيل".
ومن خلال إحصاء "معهد واشنطن" الأميركي، فإن أكثر من ثلثي المواطنين في البحرين والسعودية والإمارات ينظرون إلى "اتفاقيات أبراهام" بشكل غير إيجابي بعد أقل من عامين على توقيعها.
ووقعت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان تلك الاتفاقيات مع إسرائيل برعاية أميركية عام 2020، وسط رفض شعبي كبير.
وذكر المعهد أن النظام الإماراتي بقيادة الرئيس محمد بن زايد، عمد إلى فرض تعتيم كامل على نتائج الاستطلاع، الذي شكل صدمة له بشأن التطبيع العلني مع إسرائيل وإحراجا كشف تناقض سياسات تحالفاته مع الموقف الشعبي الإماراتي.
ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لمحمد بن سلمان، الرجل الأقوى في البلاد الذي يبشر بعهد جديد أكثر حداثة واختلافا، حيث تطلق حملات على موقع تويتر بين حين وآخر بعنوان "سعوديون ضد التطبيع".
وفي 23 سبتمبر/أيلول 2020، بدأت السعودية حملة مراجعة الكتب المدرسية التي كانت تنعت إسرائيل بـ "العدو الصهيوني"، كجزء من حملة ابن سلمان لفرض سياسة جديدة في التعليم.
ذكرت حينها المحللة السعودية نجاح العتيبي أن "الحكومة السعودية قررت أيضا منع إهانة اليهود والمسيحيين في المساجد".
وتابعت "الخطاب المعادي لليهود كان شائعا في صلاة الجمعة من قبل الأئمة" والآن انتهى هذا العهد.
لكن الشعب السعودي أدرك منذ سنوات أن بلاده تتجه للسقوط في فخ التطبيع، وهو ما ظهر في مواطن عدة تجاه تغير الخطاب والسماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور من المجال الجوي السعودي.
خلاف ملكي
رفض التطبيع السعودي مع إسرائيل لم يكن نابعا من الشارع والمواطن فقط، بل وصلت الخلافات إلى الأسرة الحاكمة، والقصر الملكي.
ففي 19 سبتمبر/أيلول 2019، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريرا عن مسارات التطبيع السعودي، قالت فيه إن "ابن سلمان أراد أن يوقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين، إلا أن والده الملك سلمان بن عبد العزيز عارض ذلك".
وتحدث التقرير عن "وجود جدل محتدم وخلافات بين ابن سلمان والعاهل السعودي بخصوص تطبيع العلاقات مع الاحتلال".
ولفتت الصحيفة الأميركية أن العاهل السعودي "ذهل بشدة" خلال إجازته عند إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن توقيع إسرائيل والإمارات اتفاقا لـ "التطبيع الكامل".
حتى أنه بعد إعلان اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي، طلب الملك سلمان من وزير خارجيته إعادة التأكيد على التزام بلاده بإقامة دولة فلسطينية.
وفي مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أشار المحلل السياسي ناحوم برنياع، في مقالة بتاريخ 18 سبتمبر 2020، إلى وجود خلاف عميق بين ابن سلمان ووالده وأفراد من الأسرة الحاكمة بخصوص التطبيع مع إسرائيل.
وأكد أن الملك سلمان، رفض التراجع عن مبادرة السلام السعودية (المبادرة العربية عام 2002)، التي اشترطت التطبيع بانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967.
إماراتيون ضد التطبيع
بعد أيام من توقيع "اتفاقيات إبراهام" بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، جرى تدشين أول رابطة إماراتية لمناهضة التطبيع.
وأعلن معارضون سياسيون إماراتيون، تأسيس "الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع" في أغسطس/ آب 2020.
وذيل البيان بتوقيع 6 معارضين سياسيين بارزين، هم "سعيد ناصر الطنيجي، سعيد خادم بن طوق المري، أحمد الشيبة، حميد عبد الله النعيمي، حمد محمد الشامسي، وإبراهيم محمود آل حرم".
ورفض "جميع أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، على الصعيد الاقتصادي والرياضي والأمني والسياسي والشعبي، وفقا للمبادئ التي تأسست عليها دولة الإمارات".
وأكد البيان أن "هذه الاتفاقية تمثل خيانة للأمة وتنكرا لتاريخها في رفض المشروع الصهيوني بالمنطقة العربية، حيث أضفت الشرعية للصهاينة في احتلالهم لأرض فلسطين".
وجاءت تلك المناهضة في وقت تعمل حكومة الإمارات بكل قوة على قمع جميع الأصوات المعارضة.
حتى أن منظمة "داون" لحقوق الإنسان والديمقراطية، تحدثت في الثاني من يونيو/حزيران 2021، عن الجو المليء بالخوف الذي فرضته الحكومة لمنع الإماراتيين من التعبير عن موقفهم الحقيقي من التطبيع مع إسرائيل.
واستشهدت بما حدث مع الكاتبة والشاعرة الإماراتية ظبية خميس، عندما منعتها السلطات من مغادرة مطار دبي إلى القاهرة بسبب معارضتها العلنية لاتفاق التطبيع مع إسرائيل.
وتعد ظبية خميس واحدة من الإماراتيين القلائل الذين انتقدوا التطبيع بصورة علنية، فيما أن معظم أصوات الشعب مكتومة تحت قبضة الأجهزة الأمنية الشرسة في البلاد.
العدو التاريخي
الباحث السياسي محمد ماهر، قال "إن لكل أمة عدوها التاريخي اللدود الذي تصنعه الأحداث، ولا يمكن تفكيكه بحال من الأحوال، وينطبق هذا على الصراع العربي الإسرائيلي، وما بين الأمة العربية والمحتل الصهيوني".
وأضاف ماهر لـ"الاستقلال" أن "الظرف الحالي ونتيجة هزيمة ثورات الربيع العربي، وسيطرة الأنظمة الاستبدادية على الأوضاع في الشرق، تراجعت مواجهة إسرائيل إلى حد ما أمام التحديات القائمة، لكنها لا ولن تختفي لأنها مسألة عقائدية وطنية ودينية".
واستطرد: "هل تستطيع مصر أن تمسح من تاريخها مثلا حروب 1948 و1956 و1967 و1973؟ هل يستطيع حكام دول السعودية والإمارات إقناع الشعوب بقبول إسرائيل كصديق ودولة طبيعية يمكن التعامل معها وتجاوز احتلالها للأراضي المقدسة ولأرض عربية؟".
وتابع: "الإجابة بالنفي قطعا، وأزيد عليها أن هذا يمثل خطرا حقيقيا مستقبليا على بنية تلك الأنظمة، لأنها تقوم بعملية إحلال لأهم قضية إسلامية وعربية على مدار قرن كامل من الزمن".
وأوضح أن "فخ التطبيع الذي فتحه ترامب بطريقة علنية، وهرعت إليه الإمارات ومن ورائها البحرين والآن تستعد الرياض للدخول فيه من أوسع الأبواب، حدث في غفلة، والشعوب التي عليها عاجلا أو آجلا أن تقود إرادة التحرر الوطني وتحقق استقلالها الداخلي، ستتجه بعد ذلك إلى مناجزة العدو التاريخي إسرائيل".
ومن المعلوم أن أي حكومة ديمقراطية وطنية ستجعل هذا الملف على رأس أولوياتها، وفق تقديره.
وضرب الباحث السياسي المثل بمصر، التي كانت حكومتها أول من أقام سياقا تطبيعيا مع إسرائيل عام 1976، وافتتحت سفارة إسرائيلية في قلب العاصمة القاهرة في وقت مبكر، وجاءت البشريات بتعاون سياسي واقتصادي، لكن بقي الشعب المصري على موقفه.
ومع قدوم أول حكومة ديمقراطية بقيادة الرئيس الراحل محمد مرسي، كان موقفها واضحا من إسرائيل ومناصرا للقضية الفلسطينية كما حدث في العدوان على غزة عام 2012. وشدد ماهر أن هذا هو النموذج الواضح والعام لكل الشعوب العربية.