عبر الاستفتاء.. صحيفة فرنسية: قيس سعيد يحكم قبضته على تونس "اليائسة"
توجه التونسيون صباح 25 يوليو/ تموز 2022، إلى صناديق الاقتراع للتصويت على مشروع الدستور الجديد الذي يمنح صلاحيات غير مسبوقة للرئيس قيس سعيّد، وسط مقاطعة واسعة من المعارضة ومخاوف من أنه سيعيد البلاد رسميا إلى عهد حكم الفرد من جديد.
ولاستطلاع آرائهم بشأن الاستفتاء، التقت صحيفة لوموند الفرنسية مع شباب تونسيين يعيشون في أحياء وبلدات فقيرة ومتوسطة بأطراف العاصمة، اختلفت مواقفهم بين اليأس من التغيير والغضب من الديمقراطية والحلم بالهجرة.
المربع صفر
وذكرت الصحيفة أنه مع ارتفاع معدل الفقر في تونس منذ وباء كورونا، يعد الاقتصاد أحد نقاط ضعف الرئيس قيس سعيد، خاصة أنه هو الذي وعد التونسيين بمزيد من العدالة الاجتماعية.
وفي وسط مدينة مرناق، وهي منطقة شعبية تقع في جنوب شرق العاصمة، يبدو أن الاستفتاء الدستوري بعيد كل البعد عن الاهتمامات اليومية المواطنين وخاصة الشباب.
فقط الملصقات المؤيدة لفرضية "نعم"، التي تم لصقها على جدران المدينة بجانب شعارات "الأولتراس" المؤيدة لكرة القدم.
وبعيدا عن هذا الحدث السياسي فإن الجاذبية موجودة في مكان آخر: تحديداً عند زاوية الشارع الرئيس، بين مركز ثقافي تم تجديده حديثا ومحطة النقل العام.
حيث يندفع الشباب لتذوق ساندويش صلصة الشيدر من عند المواطن الشاب لسعد برُّوطة، البالغ من العمر 32 عاما.
يؤكد الشاب في وسط عبير رائحة الشرائح المشوية "إنها وصفة خاصة، الساندويتش أغلى قليلاً من الوجبة الخفيفة العادية، لكنه لذيذ جدا" .
يقف لسعد هناك وسط آلات مستعملة وزجاجة غاز، هناك حيث بنى له محلا متنقلا خاصة به بعيداً عن المشاق الإدارية.
يقول بسخرية "لقد بدأت قبل شهر. ليس لدي إذن من البلدية، بالطبع، لكن إذا طلبت ذلك، فلن يعطوه لي. لكن عليك أن تكسب عيشا جيدا ".
في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 61 ألف نسمة مقسمة بين الوسط الحضري والريفي مع غلبة الأخير يعيش 11.2 بالمئة من السكان في حالة من الفقر، بحسب المعهد الوطني للإحصاء لعام 2020.
ويقترب معدل الانقطاع عن المدرسة في منطقة مرناق من 10 بالمئة بحسب إحصاءات نفس المعهد.
لسعد برُّوطة هو أحد أولئك الذين يكافحون من أجل العيش، يقول إنه استوحى فكرة المحل المتنقل من قصة "حبيب الباي".
وهو أيضا بائع متجول في شاحنة طعام متنقلة والذي على الرغم من نجاحه في حي شعبي في تونس العاصمة صادرت الشرطة شاحنته في أبريل/ نيسان لأنه كان يعمل دون تصريح بلدي.
وأثارت مغامرة الباي التعاطف على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استذكر النشطاء مشاجرة البائع المتجول محمد البوعزيزي مع الشرطة في سيدي بوزيد قبل أحد عشر عاما، ما أدى إلى اندلاع الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي.
وبالنسبة إلى حبيب الباي، كانت النتيجة مختلفة تماما: فقد تمكن الطاهي الشاب من الحصول على ترخيص، وبفضل سمعته الطيبة، قام بإنشاء عروض طهي في العاصمة.
واليوم، يحتشد المتفرجون أمام شاحنة الطعام الخاصة به لرؤيته وهو يتفنن في أواني الطعام ومنتجاته الغذائية على أنغام الموسيقى.
يقول لسعد بروطة، الذي قام بالعمل في عدة وظائف خاصة في مجال بيع الملابس المستعملة: "منحني حبيب الباي حقا الدافع للبدء، درست الهندسة الميكانيكية، لكن كان عليّ أن أتخلى عنها بسبب قلة المال لتمويل دراستي.
حيل قسرية
وأوضحت الصحيفة أن شباب المناطق المهمشة في تونس يبتكرون ما في وسعهم، بين الحيلة وروح المبادرة الذاتية، لمحاولة الخروج من الركود الاقتصادي والاجتماعي الذي يؤثر على البلاد.
تفاقمت الأزمة مع انتشار جائحة كوفيد -19، ويوجد في تونس الآن ما يقرب من 4 ملايين فقير، وهو ما يمثل ثلث السكان.
وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 2019، تم إغراء جزء من هؤلاء السكان الذين خفضوا جناحهم لشخصية رجل بعيد كل البعد عن الفساد وعد بمزيد من العدالة الاجتماعية وهو أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، الذي أصبح الآن رئيسا بصلاحيات غير مسبوقة.
لذلك أصبحت هذه الأحياء اليوم مستهدفة بشكل كبير من قبل حملة الاستفتاء على فرضية "نعم" على المشروع الدستوري لقيس سعيد، والتي يقدمها النشطاء كرد على الرغبة في التغيير.
في استطلاع أجراه الباروميتر العربي، وهي شبكة بحثية غير سياسية، يعتقد ما يقرب من 70 بالمئة من التونسيين الذين شملهم الاستطلاع أن الأداء الاقتصادي لبلد ما يكون ضعيفا عندما يعيش في ظل نظام ديمقراطي.
وقد كان هؤلاء الـ 70 بالمئة يمثلون فقط 17 بالمئة في عام 2011، والنتيجة جاءت في الوقت المناسب بالنسبة للمدافعين عن الدستور الذي يؤسس نظاما رئاسيا مفرطا.
لكن أستاذ العلوم السياسية محمد صحبي خلفاوي يرى أن "الشرائح الشعبية والمتوسطة هي أول من يستفيد من آليات التعويض والدعم من قبل الدولة، لذلك حتى لو دعموا قيس سعيد فإنهم سرعان ما سوف ينقلبون عليه إذا تدهور وضعهم لأنه سيكون حينذاك تجسيدا لقوة الدولة".وبدأت حكومة قيس سعيد تدريجيا بإلغاء الإعانات على المواد الضرورية الأساسية، في ظل تفاوضها منذ شهور على قرض جديد مع صندوق النقد الدولي.
ويجب استبدال المساعدة الحالية على المنتجات الغذائية - التي تفيد الجميع - بدفع الأموال فقط للأسر الأكثر حرمانا.
"إذا بدأ التغيير بشكل جيد فإنه لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى زيادة مستويات الفقر، لأنه سيساعد الطبقات الأقل ثراءً"، تقول الخبيرة الاقتصادية فاطمة مراكش الشرفي.
وتحذر مع ذلك من كيفية إدراك هذا التغيير، لأن هناك في الواقع زيادة في الأسعار، بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا على الأسعار العالمية، والغاز على وجه الخصوص، الذي تعتمد عليه تونس بشدة.
فوضى متواصلة
وأضافت الصحيفة أنه إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، فإن لسعد برُّوطة سيعتمد فقط على نفسه كالعادة.
في وقت تفشي الوباء، كان قد باع شاحنته، التي كان يستخدمها لتخزين البضائع المستعملة، لتمويل هجرة سرية إلى أوروبا، مثل مئات الشباب من حيه.
يقول: "لكنها لم تنجح، لم تكن لدي الخطة الصحيحة". بينما غادر العديد من جيرانه مرة أخرى هذا الأسبوع وكما يقول فإن : "الطقس جيد، وسيكون هناك آخرون، نحن نعاني هنا على أي حال".
وبعيدا عن الانخفاض منذ وصول قيس سعيد إلى السلطة، ارتفع عدد التونسيين الذين وصلوا بشكل غير قانوني على الشواطئ الإيطالية في مايو/ أيار 2022 بنسبة 57 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، وفقًا لأرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومية).
وأكدت الصحيفة أنه بعد مرور عشر سنوات على الثورة، لا يزال شباب هذه الأحياء يواجهون إقصاء اجتماعيا شديدا.
يقول لسعد بروُّطة إنه "بمجرد أن تصبح مراهقا، تدرك أنه عليك أن تحاول التعامل مع الأمر بمفردك، وإلا فسيكون لديك خياران فقط بسرعة، الحشيش أو الكحول، وغالبا ما ينتهي الأمر بمرور عبر غرف السجن".
وفقا لدراستين أجرتهما المنظمة غير الحكومية إنترناشيونال آلرت، فإن الشباب الذين يجدون أنفسهم في السجن غالبا ما يكون لديهم استهلاك مفرط للمخدرات أو الكحول، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى الإدمان.
وبحسب هذه التقارير، فإن الإدمان ثاني أكبر خطر اجتماعي بعد البطالة، بينما يأتي الانحراف في المرتبة الرابعة في الأحياء الشعبية في دوار هيشر، في تونس، والقصرين (الوسط الغربي).
في مرناق، استغرق سيف الدين الجلاصي، 34 عاما، أكثر من عشر سنوات لتأسيس فضاء ثقافي مع جمعية "فنِّي رغما عنِّي" التي تعمل على دمج الشباب من خلال الفن.
إنه يأسف لعدم حدوث تغيير، حتى بعد انقلاب قيس سعيد في 25 يوليو 2021. ويقول سيف الدين إنه "لا يمكن لسعيد إصلاح بيروقراطية الدولة العميقة".
ويضيف: "كم عدد الشباب الذين لديهم الرغبة في إطلاق مشروعهم الخاص ولا يتمكنون من الحصول على تمويل؟ ناهيك عن الأوراق الإدارية التي تثبط عزائمهم، إنها ببساطة وصمة العار التي تلصق بشرتنا، وقلة الاستثمار في الشباب".
ويقول سيف الدين إنه لن يشارك في الاستفتاء، "هذه هي المرة الأولى منذ الثورة التي لم أمارس فيها حقي في التصويت".
ويضيف: "لقد كنت حتى أحد أولئك الذين يثقفون الشباب الآخرين حول التصويت، لكنني أشعر أنه لا فائدة منه الآن".
لكن في المقابل لسعد برُّوطة أكثر تفاؤلا ويقول: "أنا أؤمن بالتغيير الذي يقوده قيس سعيد، لذا نعم، سأصوت، حتى لو لم أفعل في العادة".