انخفاض عالمي وارتفاع محلي.. هل تطيح أسعار الوقود بحكومة المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

لم يكن يتصور أكثر المتشائمين أن يُرفع شعار "ارحل" في وجه رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، في قلب مدينة أكادير، التي يشغل منصب رئيس بلديتها/عمدة المدينة.

ورفع هذا الشعار في وجهه خلال إحدى سهرات مهرجان أكادير الفني المعروف باسم "تيميتار" الذي يعد أخنوش أكبر رعاته ومحتضنيه.

الموجة الجديدة من الهجوم على أخنوش، تزامنت مع انخفاض أسعار المحروقات في الأسواق العالمية، وطالبت بتخفيض الأسعار إلى مرحلة ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت في 24 فبراير/ِشباط 2022.

وتراجعت أسعار النفط في العالم، حيث انخفض سعر البرميل إلى ما دون 100 دولار للبرميل الواحد، فيما لم ينعكس هذا التراجع على أسعار المحروقات في المغرب.

وهو ما حدا بالمواطنين إلى التحرك ضد أكبر مستثمر في قطاع المحروقات داخل المغرب، ممثلا بعزيز أخنوش.

أرقام مقلقة

ومنذ 14 يوليو/تموز، انطلقت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، اختارت ثلاث وسوم هي #7dh_gazoil، #8dh_Essence، و #dégage_akhannouch للتعبير عن غضبها من ارتفاع الأسعار، وعدم انخفاضها تبعا للسوق الدولية.

واستطاعت هذه الوسوم الثلاث تجاوز عتبة ثلاثة ملايين تدوينة وتغريدة في 5 أيام فقط، على موقع فيسبوك وحده، بينما تجاوزت 40 ألفا على إنستغرام.

وكتب الناشط محمد كمال، على حسابه في فيسبوك، "البرميل من 120 دولارا لـ93 دولارا (22%-)، اللتر من 16 درهم لـ15 درهما (6%-) إنها السرقة باختصار..".

شركات المحروقات وحزب رئيس الحكومة لم تقف مكتوفتة الأيدي، حيث أعلنت الشركات تخفيض أسعار البنزين والغازوال (المازوت)، وهو الأمر الذي استمر يومين فقط من 16 إلى 18 يوليو، لتعود الأسعار إلى سابق عهدها.

أما حزب أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) فقد خرج بعض قياديه للدفاع. ورد الوزير السابق وعضو المكتب السياسي للحزب أنيس بيرو، على بعض الانتقادات الموجهة للحكومة، ورأى أنها تتعرض للتشويش، في إشارة منه للحملة الافتراضية.

وأثرت المحروقات بشكل كبير على أسعار السلع والخدمات، كما كان لها انعكاس سلبي على قدرات المواطنين المالية، إضافة إلى أن التوقعات المتشائمة حول الاقتصاد العالمي، أظهرت خوفا كبيرا من تدهور الأوضاع.

في هذا الإطار، قالت المندوبية السامية للتخطيط، خلال نشرة أصدرتها في 22 يوليو، إن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 7.2 بالمئة في يونيو/حزيران 2022.

وأضافت المندوبية (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء): "ارتفعت أسعار المواد الغذائية 10.6 بالمئة بينما زاد التضخم في السلع غير الغذائية 4.9 بالمئة. وارتفع المؤشر 0.5 بالمئة على أساس شهري".

وتابعت النشرة: "صعد مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستثني السلع الخاضعة لتقلب الأسعار، بنسبة 6.4 بالمئة على أساس سنوي و0.8 بالمئة على أساس شهري".

وسبق لذات المؤسسة الرسمية أن نشرت في بحث لها أصدرته 14 أبريل/نيسان، أن أزيد من 47 بالمئة من الأسر بالمغرب، اضطرت للاستدانة من أجل الاستجابة للإنفاق خلال الربع الأول 2022.

وقال البحث إن "47.4 بالمئة من الأسر المغربية، صرحت بأنها تلجأ إلى الديون من أجل الاستجابة للإنفاق، فيما بينت 75.6 بالمئة من الأسر بتدهور مستوى معيشتها خلال 12 شهرا السابقة".

بينما وجد نحو 76.5 بالمئة من الأسر المغربية في الربع الأول 2022، أن الوقت غير مناسب لاقتناء السلع.

ورصد البحث أن "87.4 بالمئة من الأسر تتوقع ارتفاعا في عدد العاطلين عن العمل خلال 12 شهرا المقبلة؛ بينما 87.4 بالمئة من الأسر تتوقع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المستقبل". 

ديكاج/ارحل

ظلت الحكومة المغربية في كل تصريحاتها تربط بين ارتفاع أسعار المحروقات، وبين السوق الدولية، وهذا ما جعلها مستهدفة في شخص رئيسها من قبل الغاضبين من عدم مراجعة أسعار المحروقات بعد الانخفاض التاريخي للبترول.

وكتب زكرياء كارتي، الخبير الاقتصادي، ورئيس حركة معا (جمعية سياسية) أن "هامش الربح ارتفع إلى أكثر من درهمين في النصف الأول من يوليو 2022.

ونشر على فيسبوك وتويتر، قائلا: "يظهر التوجه الملاحظ في تحليلنا الارتفاع المهم في كلفتي تكرير المنتجات النفطية والنقل، والذي يتزامن مع ارتفاع سعر الدولار أمام الدرهم وباقي العملات، وبالتالي عدم توافق تغير أسعار الغازوال (مازوت) مع أسعار النفط الخام بنفس الدرجة".

وقال في تدوينته نشرها في 14 يوليو "في ظل هذه المعطيات، فإن الأسعار الحالية والمتوقعة في السوق العالمية تتنبأ بحد أدنى لسعر الغازوال نهاية يوليو، لن يقل عن 14.10 درهم للتر بدون احتساب أي هامش ربح للموزعين".  

 

من جانبه كتب يونس مسكين الصحفي، ومدير نشر جريدة أخبار اليوم (موقوفة)، في تدوينة على فيسبوك، 14 يوليو "لا علاقة للأمر بجودة التدبير من عدمه، ولا بجائحة (كورونا) ولا حرب ولا قحط ولا حرائق".

وأردف: "الكارثة العظمى في كل ما يجرى أن يكون المسؤول الأول عن التدبير الحكومي تاجر يجني الأرباح من كل ما يحصل، والدليل الأوضح هو أرقام فوربس حول حجم الثروة".

وتابع في تدوينة أخرى نشرها في 16 يوليو "أكثر ما يسيء للمغاربة في ما يحصل ليس الأرباح الفاحشة لشركات والمحروقات، ولا التضارب الصارخ في المصالح عند عزيز أخنوش... ما يسيء فعلا وفي العمق هو هذا الاحتقار الذي يتعامل به المسؤولون مع المغاربة".

من جهته كتب صانع المحتوى والناشط السياسي، عبد المنعم البيدوري، تدوينة على فيسبوك، 14 يوليو قال فيها، "أخنوش أبرز أنه لا يتمتع بخصال رجل الدولة!.. للأسف راكم الأرباح في ذروة الأزمة من موقعه الجديد كرئيس للحكومة، وأصبح عبئا على الدولة والمجتمع ولا يمكن له إلا أن يرحل".

وقال الكاتب والباحث إدريس الكنبوري في تدوينة على فيسبوك في 14 يوليو: "الزيادات المهولة في الأسعار التي سارت بوتيرة تصاعدية في الأسابيع الأخيرة تبين أن هناك طبقة من الجشعين الذين يعتقدون أنهم انفردوا بالمغاربة فاستغلوا صمتهم؛ بعد أن اشتروا كل شيء وبعد أن بيعت النقابات بثمن بخس".

 

انتخابات مبكرة؟

في تفاعل له مع هذه الهبة الشعبية الافتراضية، دعا رئيس الحكومة الأسبق، وأمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران، عزيز أخنوش وحكومته للتحرك تجاوبا مع مطالب الناس.

ابن كيران قال في كلمة له يوم 16 يوليو: "لن أشارك معكم في الهاشتاغ (ديكاج أخنوش)، ولا أمنعكم من التعبير بواسطته، لكن الحكومات لا ترحل بالهاشتاغات ولا بالاستفتاءات".

وأردف ابن كيران: "عليكم أن تعلموا أن الملك (محمد السادس) يراقب، وإذا رأى أن الشعب لم يعد يتحمل هذه الحكومة، ولم يعد يريدها فسيعلن عن انتخابات سابقة لأوانها، وهذا مطلوب في وقت معين".

وأعاد التذكير بالمطالب التي أعلن عنها فور إعادة انتخابه على رأس حزب الإسلاميين، من خلال التأكيد على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة لحل مشكلة عجز الحكومة.

من جهته، يعتقد القيادي في حزب العدالة والتنمية المعارض حسن حمورو، أن "حملة ارحل أخنوش مظهر من مظاهر الرفض الشعبي لهذه الحكومة وضد الجمع بين المال والسلطة".

وتابع حسن حمورو في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، "الحملة الحالية تشارك فيها على نطاق واسع فئات عريضة من مختلف أطياف الشعب، وعرفت مواقع التواصل الاجتماعي ملايين المشاركات بوسم الحملة".

وأضاف "هذه الحملة بالإضافة إلى كونها تعبيرا شعبيا عفويا عن رفض غلاء الأسعار، فإنها في الحقيقة احتجاج على صمت الحكومة وعدم اتخاذها أي إجراء أو مبادرة للتخفيف من وطأة غلاء الأسعار، خاصة المحروقات".

وزاد المتحدث نفسه، "الحملة كذلك يمكن وصفها بأنها رفض لهيمنة رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبيرة، على المناصب السياسية. حكومة أخنوش تمثل هذا التوجه المرفوض شعبيا". 

وعن مستقبل الحكومة في ظل هذه الموجة من السخط، قال حمورو، "لم يعد أمامها أي مجال للاستمرار".

وتابع: "ينبغي التفكير في صيغة لوقف هذا المسار إما بتعديل حكومي ذي معنى سياسي، أو البدء في التفكير في انتخابات مبكرة لطي صفحة النتائج السياسية للانتخابات الأخيرة التي لم تحظ بالمشروعية السياسية اللازمة". 

وأفاد أن "ما أجج هذه الحملة واستقطب إليها العديد من المواطنين من مختلف في الفئات والطبقات الشعبية، هو صمت رئيس الحكومة وباقي أعضائها، وعدم تدخلهم ولو بالتواصل من خلال الإعلام العمومي أو غيره لشرح أسباب هذه الزيادات للمواطنين". 

ومضى يقول إن أزمة التواصل عند هذه الحكومة أججت هذه الاحتجاجات التي ما تزال افتراضية لكنها تشهد مشاركة واسعة وغير مسبوقة في تاريخ الحكومات السابقة.