"كسر العزلة".. لهذا يحاول بوتين نقل المباحثات السورية من أستانا إلى روسيا

12

طباعة

مشاركة

رغم تعثر المفاوضات السياسية السورية في جنيف، وعدم تحقيق جلساتها لأي تقدم على مدى سنوات، تمهد روسيا لنقل مباحثات "أستانا" العسكرية من كازاخستان إليها.

و"أستانا" مسار عسكري، وله نتائج تفيد في المسار السياسي السوري، يضم الدول الضامنة الثلاث (روسيا تركيا إيران)، ووفدي المعارضة ونظام بشار الأسد.

وتشارك في نسخ المسار الذي بدأت أولى جولاته في 23 و24 يناير/كانون الثاني 2017، بعض الدول العربية، بدور المراقب فقط، كالأردن ومصر والعراق ولبنان.

اقتراح روسي

وفي 19 يوليو/تموز 2022، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقد قمة "أستانا" المقبلة حول سوريا في موسكو، داعيا نظيريه التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني إبراهيم رئيسي، لحضورها.

وجاء كلام بوتين خلال القمة الثلاثية السابعة لمسار أستانا لبحث تطورات سوريا، التي جمعته مع أردوغان ورئيسي، في العاصمة طهران.

وقرأ مراقبون في الشأن السوري، أن تصريح الرئيس الروسي يحمل في طياته محاولة تمهيدية لنقل مباحثات أستانا لبلاده؛ نظرا للظرف الدولي الحاصل عقب حرب أوكرانيا، والذي بدأ يزيد من عزلة موسكو.

وينبع التلميح الروسي في "الاستفراد" بالمسار العسكري السوري، للدفع نحو رؤية موسكو للحل السياسي في هذا البلد، والقائمة على إعادة تأهيل نظام الأسد دون الإطاحة به.

ونجحت روسيا في الوصول لقرار تشكيل "اللجنة الدستورية" السورية المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد، ضمن مخرجات مؤتمر "الحوار السوري"، الذي انعقد في مدينة سوتشي الروسية يومي 30 و31 يناير 2018، برعاية الدول الضامنة الثلاث.

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عقدت "لجنة الصياغة" أولى اجتماعاتها بجنيف بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، لكن على مدار ثماني جولات فشلت الجلسات في التوافق على مادة واحدة من الدستور، بسبب تعنت ومماطلة وفد نظام الأسد.

كما أن انعقاد الجولة التاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية المقرر سلفا نهاية يوليو 2022 في جنيف "بات غير ممكن"، وفق ما أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، عبر بيان في 17 يوليو 2022.

واستبقت موسكو الجولة التاسعة، بالدعوة على لسان الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في 16 يونيو 2022، لنقل موقع المفاوضات واجتماعات اللجنة الدستورية السورية من جنيف.

وقال لافرنتييف، إن "القضية هنا ليست تقنية أو لوجستية بحتة، بل تتسم بالفعل بدلالة سياسية، لأن سويسرا تتهافت أكثر من الآخرين بشأن العقوبات والخطاب المناهض لروسيا وهو ما يجعل العمل هناك صعبا في مثل هذه الظروف"، حسب وصفه.

مسار عسكري

ويعد مسار "أستانا" الأطول من ناحية اللقاءات حول الملف السوري، وبلغت نسخ اجتماعاته حتى الآن 18، آخرها يومي 15 و16 يونيو/حزيران 2022 في مدينة نور سلطان (أستانا).

وفي سبتمبر/أيلول 2018، توصلت أنقرة وموسكو إلى اتفاق حول مذكرة تفاهم إضافية لتعزيز وقف إطلاق النار في إدلب المشمولة باتفاق مناطق خفض التصعيد بين تركيا وروسيا وإيران خلال اجتماعات "أستانا" عام 2017.

وفي 5 مايو/أيار 2020، توصلت موسكو وأنقرة إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في إدلب.

لكن رغم ذلك، فإنه وصل عدد الفارين بين 2017 و2020 من هجمات النظام السوري إلى مليوني مدني نزحوا إلى الأماكن القريبة من الحدود التركية

وانحصرت مناقشات جولات "أستانا"، بـ آلية إيصال المساعدة الدولية، واستئناف عمل اللجنة الدستورية السورية.

وشكل المسار الأكثر تفاعلية في سوريا، خاصة حول الوجود العسكري للدول الضامنة الثلاث (روسيا – تركيا – إيران).

لكن هناك اتجاه روسي لحصر المناقشات حول سوريا ضمن مسار "أستانا" في ظل تعليق محادثات جنيف المفتوحة.

وكثيرا ما جرت مناكفات بين الولايات المتحدة وروسيا حول مسار "أستانا"، إذ ترى واشنطن أن "صيغة جنيف" التي ترعاها الأمم المتحدة هي أنسب عملية للحل في سوريا.

وسبق أن قال السفير الأميركي لدى كازاخستان، وليم موزير، في 22 أبريل 2021، "لا نريد أن نكون مراقبين في عملية أخرى بعد الآن".

ويواجه مسار "أستانا" انتقادا من سوريين، لحسابات كثيرة، أولا، أن روسيا بوصفها طرفا ضامنا، لم تلتزم بوقف إطلاق النار، ولا باتفاق "خفض التصعيد" الموقع بأستانا في مايو 2017.

وتشن مقاتلات روسيا الحربية غارات جوية على مناطق خفض التصعيد في ريفي حلب وإدلب، مسببة سقوط عشرات القتلى والجرحى بين العسكريين وصفوف المدنيين.

كما قامت روسيا والمليشيات الإيرانية، بالهجوم العسكري على مناطق للمعارضة السورية وسيطرت على مناطق بريفي حلب وإدلب وحماة كانت مدرجة بتلك الاتفاقات.

سحب الرعاية

وتنطلق عبثية مسار "أستانا" رغم اختصاصه بالمواضيع العسكرية والأمنية، في الفشل في تحقيق إنجازات ذات قيمة عالية ويطالب السوريون بحلها قبل أي مفاوضات.

وهي، ملف المعتقلين بسجون نظام الأسد على خلفية الثورة، بوصف ذلك عاملا مهما يساعد على بناء الثقة بين النظام والمعارضة.

إضافة إلى أن المسار لم يسهم في وقف عمليات التهجير القسري التي قامت بها قوات الأسد والمليشيات الإيرانية برعاية روسية، كما حصل في ريف دمشق عام 2018.

وحافظ كل من مساري "أستانا" و"جنيف" بضغط روسي، في تجنب المناقشات الخوض في قضايا الحل النهائي لسوريا والمتمثل بتطبيق القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، والممهد للحل عبر سلال العملية السياسية الأربع وهي، الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

ومازالت هناك تباينات كبيرة في مواقف تركيا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى من مسار أستانا.

فأنقرة تنظر إلى مسار أستانا، على أنه سيسهم في دفع مسار جنيف لتطبيق قرارات الأمم المتحدة لاسيما القرار 2254.

لكن روسيا رغم قبولها ظاهريا بالقرار 2254 الذي تزعم أنه يسير نحو المحافظة على مؤسسات الدولة السورية من الانهيار، إلا أنها تعمل على كل ما من شأنه "تثبيت" الأسد في الحكم.

ويرى القيادي في المعارضة السورية، فاتح حسون، أنه "عندما يدعو بوتين لتكون مباحثات أستانا المقبلة في بلاده فهو يحاول إن حدثت استجابة لذلك، أن يسحب العملية السياسية برمتها للرعاية الروسية".

وأضاف حسون لـ"الاستقلال"، أن "نتاج العملية السياسية حاليا هو اللجنة الدستورية، وروسيا هي من أوعزت للنظام لإعاقة جولاتها، وقد تذرعت بالقرارات السويسرية تجاه دبلوماسييها لإيقاف جولات اللجنة، وتواجد الدول الغربية الداعمة لها، وبالتالي سيكون مكان التفاوض الوحيد الذي توافق عليه روسيا هو (مباحثات أستانا) وقد تطلب توسيعها لتشمل جلسات متعلقة باللجنة الدستورية".

ورأى القيادي أن "الطرح الروسي هذا يأتي في ظل الحرب الروسية الغربية، ومحاولات روسيا الانتقامية من موقف الغرب تجاه حربها على أوكرانيا".

ومضى حسون يقول إن "جرى هذا الطرح فسيكون ممنوع على العديد من الدبلوماسيين الغربيين السفر لمواكبتها في روسيا؛ بسبب عدم السماح لهم بذلك، وستكون المرحلة القادمة من أكثر المراحل خطورة في تاريخ الثورة السورية".

نصر معنوي

وأمام كل ذلك، تحاول روسيا إعادة تأكيد أهمية الملف السوري في سياساتها الخارجية، رغم انشغالها في غزو أوكرانيا، وتأثير ذلك على حضورها الدولي.

ووفقا لمركز "جسور" للدراسات، فإن مسار "أستانا" بات يعبّر أكثر من قبل عن تلازم المسار السياسي والميداني.

و"أصبح تقييم عمل اللجنة الدستورية وتحديد الجدول الزمني لعقد جولاتها في جنيف يقرر بين دول "أستانا" الثلاث، وبشكل أدق بين تركيا وروسيا مع المراقبة الحذرة من إيران، وهو ما يعني مزيدا من انزياح العملية السياسية نحو مسار "أستانا"، وفق جسور.

وألمح تقرير المركز الذي نشره في ديسمبر/كانون الأول 2021، إلى أن روسيا ومن خلال منصة "أستانا"، تحاول إعادة تعريف عمل اللجنة الدستورية وحصره بالعمل على الإصلاح الدستوري وليس كتابة دستور جديد، وإعادة الترويج إلى المصالحات على أنها النموذج الأنجح في تحقيق الاستقرار بسوريا.

وفي هذا الإطار، رأى الباحث في مركز "عمران" للدراسات الإستراتيجية، نوار شعبان، أن "ما كسبته روسيا في اجتماع طهران الأخير ضمن مسار أستانا، أنها كسرت العزلة عن نفسها واجتمعت مع تركيا المنضوية تحت حلف الناتو والفاعلة والمهمة فيه، وهذا يشكل نصرا معنويا لموسكو".

وأضاف شعبان لـ"الاستقلال"، أنه "إذا ما جرى نقل اجتماعات أستانا إلى روسيا يعد نصرا آخر لموسكو، لأنها تعي أهمية المسار لدى الجانبين التركي والإيراني، كونه يتمكن من ضبط الأمور العسكرية بسوريا والتي تفيد المصالح الدولية في ناحية".

وذهب الباحث للقول: "لا أظن أن الجانب التركي والإيراني سيتخليان عن مسار أستانا إذا ما نقل إلى روسيا رغم أنها محاربة ومقاطعة دوليا".

واستدرك شعبان قائلا: إن "بوتين يريد من اقتراح نقل اجتماعات مسار أستانا إلى روسيا تحقيق نصر معنوي وتعزيز تدمير كسر العزلة عنه وزيادة شعبيته داخليا".

وكثيرا ما انتقدت المعارضة السورية خروقات روسيا لاتفاقات "أستانا"، وشن هجمات على مناطق "خفض التصعيد".

وتساءل الأمين العام للائتلاف الوطني السوري، هيثم رحمة، فيان صادر عنه في 22 يوليو 2022، عن "جدوى استمرار العملية السياسية سواء في أستانا أو جنيف، في ظل التقاعس الدولي والزعم بأن الحل سياسي في سوريا، في حين أنّ الجرائم المرتكبة كلها تشير لسيطرة الحل العسكري والأمني فقط".