عندما يكون "الحوار" غير جاد ولا يستهدف الحل.. تجربة موريتانيا نموذجا
بعد أشهر من اجتماعات لجنة التحضير للحوار الوطني الموريتاني، التي تضم أطرافا من المعارضة والأغلبية الحكومية، أعلنت السلطات الموريتانية تعليق الحوار الوطني، إلى أجل غير مسمى، لتلوح أزمة سياسية جديدة في الأفق.
وفي الثاني من يونيو/حزيران 2022، أعلن الأمين العام للرئاسة الموريتانية ورئيس اللجنة التحضيرية يحيى ولد الوقف، تعليق الحوار مع الأحزاب السياسية، حتى إشعار آخر، بسبب انسحاب بعض أطراف المعارضة.
وفي مؤتمر صحفي بنواكشوط، أكد ولد الوقف أن اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني، وبعد تقييم للأوضاع الحالية ومواقف بعض القوى السياسية، وحفاظا على جو التهدئة بالبلد، رأت أن اللحظة تتطلب تعليق العملية بالكامل لأن الظروف الحالية غير مواتية للتشاور أو الحوار بين الأطراف.
وأضاف ولد الوقف أن قرار التعليق جاء بسبب "مصاعب واجهت جلسات التحضير، إثر انسحاب بعض الأطراف السياسية من المعارضة المشاركة في التشاور الوطني (الحوار)".
وأعلنت عدة قوى من المعارضة انسحابها من جلسات التحضير للحوار، وعدم مشاركتها فيه، من بينها كتلة التناوب الديمقراطي، وحزب التحالف الشعبي، الممثلان في البرلمان، بالإضافة إلى حزب المستقبل.
مطالب تعجيزية
وشدد ولد الوقف على أن "تعليق التشاور لا يعني إلغاءه، وإنما إعادة الكرة إلى الطيف السياسي للاتفاق على مسار شامل يشمل جميع الأطراف، دون استثناء، لتظل التهدئة قائمة دون إقصاء أي طرف".
وفي فبراير/شباط 2021، طرحت الأحزاب الممثلة في البرلمان (12 حزبا من المعارضة والأغلبية) وثيقة تضمنت خريطة طريق لتنظيم حوار مع الحكومة.
وتعهد الغزواني، في سبتمبر/أيلول 2021، بتنظيم حوار سياسي شامل قال حينها إنه "لن يستثني أحدا ولن يحظر فيه أي موضوع".
وفي أبريل/نيسان 2022، كلف ولد الغزواني، أمين عام الرئاسة يحيى ولد أحمد الوقف، بالإشراف على لجنة مكلفة بالتحضير لهذا الحوار، وعقدت بالفعل أولى جلساتها في 16 من الشهر نفسه.
وكان من المقرر أن يركز الحوار على ملفات منها المسار الديمقراطي والإصلاحات الدستورية والتشريعية وتعزيز دولة القانون ومعالجة إشكالية الرق ومخلفاته ومكافحة الفساد وإصلاح القضاء والإصلاح الإداري والعقاري.
وإذا كانت الحكومة قد عزت أسباب تعليق الحوار الوطني إلى انسحاب أحزاب من المعارضة، فإن مراقبين يرون أن "السلطة لجأت لتعطيل مسار التشاور، خوفا من تداعيات فتح ملفات يصر الطرف الآخر على مناقشتها".
وتتعلق هذه الملفات بالهوية الوطنية وأسس الدولة، وبعض القضايا التي تخشى السلطة أن تبث الفرقة بين مكونات المجتمع العرقية والثقافية والاجتماعية.
وهو نفس ما ذهب إليه، سيدي محمد بلعمش، مدير صحيفة مراسلون (موقع إلكتروني محلي) الذي أكد أنه جرى تداول "مطالب تعجيزية" لبعض الأقليات الإفريقية بموريتانيا.
وأضاف بلعمش، في تصريحات تلفزيونية بالثاني من يونيو 2022، أن من بين هذه المطالب "تقاسم الثروات والمناصب على أساس شرائحي (عرقي)، واعتماد اللهجات المحلية في بعض المناطق في الإدارة والتدريس".
وفي الوقت الذي عد بلعمش، أن النظام الموريتاني لم يكن جديا في إطلاق حوار وطني يضم كافة الأطراف السياسية الموريتانية، سجل وجود خلاف داخل أقطاب المعارضة.
وأوضح مدير صحيفة مراسلون، أن المعارضة الموريتانية غير متفقة بشكل تفصيلي على النقاط التي ينبغي مناقشتها خلال الحوار الوطني.
في 3 يونيو 2022، عبرت أحزاب المعارضة الرئيسة، عن اعتراضها وغضبها من قرار تعليق الحوار، محملة السلطات المسؤولية الكاملة عن "انهيار الحوار والعواقب التي قد تترتب على ذلك".
وجاء الاعتراض من قبل الأحزاب الستة في بيان مشترك لها وهي: "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية"، و"اتحاد قوى التقدم" و"تكتل القوى الديمقراطية" و"التحالف من أجل العدالة والديمقراطية" و"ائتلاف العيش المشترك" و"القوى التقدمية للتغيير".
وشدد بيان الأحزاب المعارضة على أنها "شعرت بطعنة في الظهر، جراء وضع حد للاستعدادات للحوار بصفة قسرية، عشية افتتاح ورشاته، مما يقضي على عامين من الجهود الحثيثة والنيات الحسنة على الجانبين".
وأكدت أن موريتانيا "تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تقوية اللحمة الوطنية وتعزيز الاستقرار في مواجهة التهديدات الناجمة عن المشاكل المتعددة والمرتبطة بوحدتها وتنميتها، في سياق تطبعه تحديات كبرى على المستويين الإقليمي والعالمي".
انتكاسة سياسية
وصف الحقوقي والمرشح السابق للرئاسة بيرام الداه اعبيد، ما حدث بأنه "انتكاسة للمكاسب السياسية التي تحققت خلال الفترة الأخيرة"، محملا السلطات التنفيذية مسؤولية القرار.
وعد الداه اعبيد، في 3 يونيو 2022، خلال مؤتمر صحفي، أن تعليق الحوار سيقوي ما سماه "جناح الصقور" في النظام والذي كان يدفع لإفشال المحادثات.
ودعا من سماهم "عقلاء النظام" إلى تنظيم مبادرة عاجلة لعلاج الأعطاب التي لحقت بجو التهدئة السياسية.
من جهته، قال سيدي ولد عبد المالك القيادي بحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، "نحن كمعارضة من أكثر الناس حرصا على تنظيم حوار سياسي شامل".
ويعود ذلك إلى "قناعتنا أن البلد يحتاج لتشخيص لأوضاعه الاجتماعية والمجتمعية المتفاقمة ولوضع ضوابط شفافة تحكم المسار السياسي وتعزز القيم الديمقراطية"، وفق قوله.
وأضاف ولد عبد المالك، في حديث لـ"الاستقلال"، أن حزب "تواصل" كان أول من طالب بالحوار وحرص على تهيئة الظروف الملائمة لتنظيمه في أجواء نقية.
وبين أن "السلطة بدت مترددة في موضوع الحوار أثناء جميع المحطات التحضيرية له، قبل أن تجهز عليه بقرار أحادي معلنة وقف مساره".
وشدد على أن تأجيل حسم النقاش في موضوعات مهمة، كالمسار الديمقراطي والحريات، ومحاربة الفساد والمسار الانتخابي، وإصلاح العدالة، وتعزيز اللحمة الاجتماعية، إضافة إلى إنهاء العبودية ومخلفاتها لن يزيدها ذلك إلا تعقيدا في المستقبل.
وتحذر أحزاب المعارضة مما قد تؤول إليه الأوضاع السياسية والاجتماعية بموريتانيا بسبب تعليق الحوار الوطني لأجل غير مسمى.
ويرى المصطفى ولد المصطفى رئيس لجنة شباب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحزب الحاكم)، أن موريتانيا "ليست فيها أزمة ولا مشكلة تستدعي الحوار أبدا".
وأضاف ولد المصطفى في حديث لـ"الاستقلال"، أن رئيس الجمهورية يمد يده للجميع وبالتالي فلن تتأثر البلاد بأي شيء من هذا القبيل.
وفي جوابه عن سؤال: ما المطلوب لانطلاق قطار الحوار الوطني، قال القيادي بالحزب الحاكم بموريتانيا، إنه "حين تكون أطراف المعارضة جاهزة للتشاور سينطلق بحول الله ليشمل الجميع".
وتابع قائلا: "نحن من بادر بالدعوة للتشاور انطلاقا من برنامج رئيس الجمهورية، ولكن نريده تشاورا عاما لا يستثني موضوعا ولا أحدا".
وبعض المسؤولين والسياسيين، خاصة من جانب أحزاب الأغلبية الحكومية، لا يرون وجود مشكلة حقيقية بين السلطات والقوى المعارضة، بل هناك تشاور دائم بين الرئيس الموريتاني ومعارضيه والأحزاب.
ولذا فلا يوجد ما يستدعي تسريع وتيرة عقد حوار وطني دون مشاركة كافة الأطراف السياسية.
ولكن في المقابل، ترى أطراف أخرى خاصة من المعارضة الموريتانية، أن الأمل كان معقودا على أن يشكل الحوار فرصة لمعالجة الإشكالات الاجتماعية التي يعاني منها المواطن الموريتاني والتأسيس لمرحلة جديدة في التجذير للديمقراطية.