حكمت الهجري.. زعيم درزي دفعته الأزمات الاقتصادية للانقلاب على الأسد

12

طباعة

مشاركة

بدأ رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية، الشيخ حكمت الهجري، بالتخلي عن سياسة الإمساك بالعصا من المنتصف في علاقته مع نظام بشار الأسد التي انتهجها منذ تسلمه المشيخة عام 2012.

إذ يحظى الهجري بثقل وإجماع شعبي محلي بالسويداء التي تبعد عن العاصمة دمشق مسافة 110 كم، وهي ذات أغلبية درزية، ويقتصر نفوذ النظام السوري فيها على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها.

فمنذ اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/آذار 2011، واجه الهجري مطالبات شعبية بإعلان براءته من نظام الأسد على خلفية ممارسات أجهزته الأمنية بحق أبناء الطائفة والشعب السوري.

لكن الهجري بعد وفاة أخيه أحمد عام 2012، وتسلمه المشيخة، بقي صامتا ولم يعاد الأسد بمواقفه، بل دعم رئيس النظام وقواته، في الوقت الذي يواجه فيه ثورة شعبية على امتداد سوريا واجهها بالقتل والاعتقال والتشريد. 

وفي موقف جريء طالب حكمت الهجري، في 10 يونيو/حزيران 2022 بعزل رؤساء الأفرع الأمنية التابعة لنظام الأسد من مناصبهم في محافظة السويداء؛ واصفا إياهم "بالمغتصبين لتلك المناصب، بعدما تسببوا بالفوضى وزرع الشقاق داخل البيت الواحد".

وجاء حديث الهجري في وقت تعيش فيه السويداء أوضاعا معيشية قاسية وتضييقا متعمدا من حكومة الأسد نظرا لمواقف الأهالي المناوئة له.

إضافة لاستفحال عمليات الخطف لأبناء المحافظة بقصد الفدية المالية، والتي تتهم أجهزة الأسد الأمنية بتنفيذها، بهدف إثارة الاقتتال والنزاعات بين أبناء المحافظة، وتأليب العائلات على بعضها، وإعادتها لسلطة النظام. 

وأكد الهجري لشبكة "الراصد" المحلية، أنه "لن يقبل بخدش الموروث الاجتماعي بين أهالي محافظة السويداء؛ بكل مكوناتهم الوطنية".

ومضى يقول: "إن رأس الأفعى والمدبر لفتنة الاقتتال بات مكشوفا للجميع، ويجب وضع حد له، ولو كان يحمل صفة رسمية أو أمنية"، في إشارة صريحة من الهجري لأجهزة مخابرات الأسد.

النشأة والتكوين

ولد حكمت الهجري في 9 يونيو 1965، بفنزويلا، حينما كان والده الشيخ سلمان يعمل هناك، ثم عاد إلى سوريا وأكمل دراسته الابتدائية والإعدادية، ودرس الحقوق في جامعة دمشق بين العامين 1985 و1990.

وفي عام 1993، انتقل الشيخ حكمت مرة أخرى إلى فنزويلا ليستقر هناك بقصد العمل، قبل أن يعود عام 1998 مجددا إلى السويداء، وتحديدا إلى بلدته قنوات شمال شرقي المحافظة.

وتسلم حكمت منصب الرئاسة الروحية للموحدين الدروز خلفا لشقيقه الشيخ أحمد الذي قضى بحادث سير في العام 2012، كون المنصب تتوارثه العائلة منذ عشرات السنين، حيث تسلم أحمد المولود عام 1953 المشيخة عام 1989 بعد وفاة والده.

ومنذ تسلم حكمت المنصب أعلن تأييده لرئيس النظام السوري بشار الأسد، في العديد من البيانات والخطابات؛ ما تسبب في تراجع شعبيته بشكل كبير والتي امتلكها هو وأسلافه من آل الهجري في المحافظة.

ويوجد في السويداء حاليا مشايخ العقل الثلاثة وهم حمود الحناوي ويوسف جربوع، وحكمت الهجري، لكن الأخير لديه خلافات مع الأولين حول الزعامة.

ونتيجة لذلك الخلاف، انقسمت الهيئة الروحية للدروز إلى هيئتين، الأولى تتمثل فيما يعرف بـ"الرئاسة الروحية ببلدة القنوات ويقودها الهجري"، والثانية، "مشيخة العقل في منطقة عين الزمان والتي يمثلها جربوع والحناوي.

وشكلت حادثة وفاة أحمد شقيق حكمت الذي كان يشغل منصب شيخ العقل الأول لطائفة المسلمين الموحدين بسوريا، أولى الاختبارات لوضع الهجري على المحك في موقفه من نظام الأسد عقب الثورة.

ووفق الرواية الرسمية للنظام، فإن الشيخ أحمد توفي إثر حادث سير بعد اصطدام سيارته بسيارة أخرى على طريق عام مردك - شهبا القديم بالسويداء في 24 مارس 2012، ولقي حتفه على الفور.

لكن ناشطين دروزا حملوا أجهزة مخابرات الأسد المسؤولية عن تدبير حادث السير للشيخ الهجري، وفهموا أن فيها "رسالة مليئة بالدم"، إذا استمر أبناء الطائفة الدرزية في الانخراط بالثورة، وإذا تم منع الشباب من الالتحاق بالخدمة العسكرية، وتمت دعوتهم إلى الانشقاق عن قوات الأسد وعدم التورط بقتل السوريين.

كما يرجع تربص النظام بالشيخ أحمد، لموقفه من عمليات انشقاق أبناء الطائفة الدرزية عن قوات الأسد عام 2011، وانضمام بعضهم إلى كتائب الجيش السوري الحر المعارض وقتها.

رحلة الصمت

وآنذاك طالبت أجهزة مخابرات الأسد، الشيخ أحمد بإصدار فتاوى بالولاء لبشار الأسد، لشق صف أبناء الطائفة، الأمر الذي دفعه لرفض ذلك وتسليم السيارة الممنوحة له من الدولة، مما أغضب الأجهزة الأمنية منه وقاد لاغتياله وفق ناشطين محليين.

وعند ذلك، كانت الأضواء مسلطة على الشيخ حكمت، بوصفه الوريث للمشيخة عن أخيه وأبيه، وكانت المطالبة له من الناشطين "إما أخذ موقف صريح والمطالبة بتحقيق نزيه في حادث مقتل أخيه أحمد، أو التنحي جانبا وترك هذه المهمة لغيره".

ولاحق الناشطون حينها حكمت الهجري وانتقدوا صمته على تطور مجريات الأحداث في سوريا، ووقوع قتلى من المتظاهرين على يد أجهزة النظام.

إذ كانت المظاهرات ضد النظام في السويداء مشتعلة، تخللها تحطيم التماثيل الخاصة ببشار الأسد ووالده حافظ.

لم يستجب الهجري لكل تلك الدعوات وبقي على موقفه، قبل أن يقدم مع مشايخ آخرين على خطوة استفزت الشارع المناهض للأسد في السويداء.

إذ كان الهجري من ضمن ثلاثة مشايخ أصدروا قرارا من مشيخة عقل الطائفة الدرزية بمعاقبة الشيخ وحيد البلعوس وآخرين بإبعادهم عن الدين، واتهمتهم بالخروج عن مسار الطائفة.

والبلعوس أحد أهم مشايخ الطائفة "الدرزية" في سوريا، وهو مناهض لنظام بشار الأسد منذ بداية الثورة، وكان قائد حركة "رجال الكرامة"، قبل أن يتعرض لعملية اغتيال وصفت بـ"السياسية" في 4 سبتمبر/ أيلول 2015، إثر انفجار سيارة ملغومة في مدينة السويداء، تبعه استهداف آخر بالمستشفى الذي نقل إليه.

وحينها اتهمت مخابرات الأسد وإيران بتدبير عملية الاغتيال للبلعوس، قبل أن يخرج ابنه ليث، ويتهم طهران و"حزب الله" اللبناني، في أغسطس/آب 2021، بأنهما المسؤول الأول عن التفجيرات ومقتل والده ورفاقه عام 2015.

ولم يلتزم الشيخ حكمت الصمت، بل راح يمدح شخصيات من الطائفة الدرزية تدعم نظام الأسد في قتل السوريين.

وفي مقابلة عام 2016، وصف الهجري، اللواء عصام زهر الدين المنحدر من الطائفة الدرزية ويتبع لقوات الحرس الجمهوري، بأنه "متفان في خدمة وطنه وجيشه" رغم جرائمه بحق السوريين.

واعتمد نظام الأسد على زهر الدين في إبادة الثورة وإخماد صوت المدن الثائرة، حيث ارتكب مجازر بشعة وإعدامات ميدانية بحق المتظاهرين، وخاصة عام 2012 في مسرابا بريف دمشق والجورة بدير الزور وفي باب عمرو بحمص.

وأرسل الأسد زهر الدين قائدا لحامية دير الزور منذ سنة 2015، وقتل في انفجار غامض في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017.

تحول الموقف

لكن الضربة المفصلية في آراء الشيخ حكمت الهجري من نظام الأسد، كانت حينما تعرض للشتيمة والتقليل من مكانته، في 25 يناير/كانون الثاني 2021، من قبل لؤي العلي رئيس فرع مخابرات الأسد العسكرية بالمنطقة الجنوبية.

وحدث ذلك حينما كان الهجري يحاول عبر مكانته الروحية سؤال العلي عبر اتصال هاتفي عن مصير أحد المعتقلين من أبناء السويداء، ولا سيما أنه تربطه علاقة قوية بنظام الأسد، وينظر إليه بصفته الأقرب له من بين مشايخ الطائفة الدرزية الكبار.

وأحدثت تلك الإهانة للهجري صعقة كبيرة للشارع في السويداء، وسادت حينها فوضى وحالة من الغضب، إضافة لتسجيل كتابات جدرانية ضد بشار الأسد فضلا عن تمزيق صور الأخير بشوارع المحافظة وريفها.

وطالب أنصار الهجري وقتها بإقالة العلي، قبل أن يصدر بيان عن رئاسة الطائفة الدرزية في الثاني من فبراير/شباط 2021، أعلن فيه "طي صفحة الخلاف مع النظام".

وقيل وقتها إن بشار الأسد اتصل شخصيا بالهجري للتهدئة.

كما شكل اللقاء السري الذي كشف عنه في 13 أبريل/نيسان 2021 بين وفد روسي والشيخ حكمت الهجري، انعطافا كبيرا وتأزما جديدا بين النظام والدروز.

وخاصة أن "الهجري" وفقا للمعلومات التي رشحت عن اللقاء، أعلن رفضه لاستمرار وجود بشار الأسد في الحكم، كحل نهائي لمنع انزلاق البلاد نحو التقسيم، وفتح الباب أمام عودة المهجرين، وإعادة الإعمار، حسب ما نقل موقع "حرية برس".

وابتعاد "الهجري" وفسخ علاقته القوية بنظام الأسد رغم تقرب الروس منه وزيارته بشكل دوري، يأتي نتيجة ضغوط بدأ يتعرض لها من قبل أجهزة مخابرات الأسد وعلى رأسها محاولة دفعه لإصدار بيان ينفي فيه تصريحه برفضه بقاء بشار في السلطة، لكنه لم يفعل.

كما أن الهجري امتعض من تعيين بشار الأسد لأحد أبناء أخواله وهو نمير مخلوف محافظا للسويداء في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في توقيت حساس تشهد فيه المحافظة نقمة ضد النظام.

لكن ما كان لافتا هو أن مخلوف فور وصوله للمحافظة أطلق تصريحات توعد فيها بـ "تأديب السويداء" الخارجة عن طاعة النظام.

وهو الأمر الذي دفع الهجري للرد عليه بالقول: "هناك جهات أعادت زرع الإرهاب من داخلكم وحرموكم لذة العيش بمقدرات وخيرات الوطن".

وتطور الموقف مع الهجري في عدم الالتفاف لنظام الأسد، حينما دعم الاحتجاجات التي اندلعت ضد النظام السوري في فبراير/شباط 2022 بالسويداء رفضا للواقع المعيشي.

إذ قرأها ناشطون محليون على أنها خطوة متقدمة ضد الأسد، أضيفت لرصيده الأول، حينما أجبر بشار على الاتصال والاعتذار منه بعد حادثة إساءة لؤي العلي.

ومنذ ذلك الوقت بقيت عين الأجهزة الأمنية حمراء من الهجري، ودلل على ذلك رفض النظام دخول وفد طائفة المسلمين الموحدين الدروز القادم من لبنان للتعزية بوفاة "رمزية عز الدين" والدة الشيخ حكمت في أواخر مارس 2022.