حزب الله يتنازل عن "صوره ورموزه".. هل تعود السياحة الخليجية إلى لبنان؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يعول اللبنانيون كثيرا على موسم السياحة في صيف عام 2022، لما له من أثر كبير على الوضع الاقتصادي للبلد الذي يعيش منذ عام 2019 أزمة خانقة تدهورت خلالها قيمة الليرة إلى مستوى غير مسبوق، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة اللبنانيين المعيشية.

ويأتي التراجع المستمر في قيمة العملة الوطنية (29000 ليرة لكل دولار)، في ظل انهيار اقتصادي صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850، ما أدى إلى أزمة سيولة حادة وتوقف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.

ووسط تفاؤل حكومي بعودة السياحة إلى سابق عهدها، يعقد اللبنانيون آمالا كبيرة على قدوم مواطني دول الخليج إلى بلادهم وقضاء عطلة الصيف في "باريس العرب" كما يحلو للبنانيين تسمية بلدهم، إذ تسببت مقاطعة هذه الدول للبنان في شلل واضح بهذا القطاع الحيوي.

وتشهد العلاقة بين دول الخليج وتحديدا (السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين) ولبنان توترا بسبب هيمنة حزب الله حليف إيران على السلطة بالبلد، ما حدا بهذه الدول إلى سحب سفرائها لأكثر من مرة منذ عام 2016، ومنع مواطنيهم من زيارة بيروت.

إجراءات حكومية

وفيما يبدو أنه خطوة تطمينية للخليج، وافق حزب الله على طلب وزارة السياحة اللبنانية بإزالة صور قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، والشعارات الخاصة بالحزب من طريق مطار بيروت.

وأفادت وزارة السياحة اللبنانية خلال بيان لها في 17 يونيو/حزيران 2022 بوضع صور تعكس جمال بيروت وهويتها الفعلية، بدلا من هذه الشعارات الحزبية، في "محاولة لإنعاش لبنان وإنقاذه من الانهيار".

وتوجه وزير السياحة اللبناني وليد نصار إلى جميع اللبنانيين، بالقول: "لا تتكلموا سياسة بل تكلموا سياحة"، مكررا شعار وزارة السياحة "أهلا بهالطلة مشتاق للبنان"، "طل هالصيفية".

وهذه المرة الأولى التي تزال فيها الصور وتوضع أخرى تعكس طبيعة لبنان. 

وطالب وزير السياحة اللبناني المحسوب على "التيار الوطني الحر" حليف حزب الله، وثنائيه الشيعي حركة أمل، بـ"تخفيف الصور والرموز الموجودة على طريق المطار، وأن يتم وضع صور معالم لبنان السياحية مكانها".

وقال وليد نصار في الثاني من يونيو 2022 إن "هذه هي المرة الأولى التي أطلب فيها ذلك بكل موضوعية ومحبة واحترام".

وبدا نصار حذرا جدا في تصريحاته؛ إذ أكد أنه "يحترم ويجل الرموز والصور المعلقة على طريق المطار".

ورأى وليد نصار "أن المؤشرات التي حصلت عليها الوزارة من القطاع الخاص تشير إلى أن فصل الصيف سيكون واعدا جدا من الناحية السياحية وعدد الوافدين سيكون كبيرا"، معولا على "وعي المجلس النيابي (البرلمان) الجديد والسياسيين في استقرار لبنان من أجل استقطاب السياح".

وأطلقت وزارة السياحة اللبنانية حملات ترويج سياحية تستهدف المغتربين والسياح وحثتهم على السفر إلى بيروت هذا الصيف في محاولة لتحفيز اقتصاد لبناني مستقر. والشعارات التي ظهرت في الحملة هي "أهلا بكم، أهلا بها الطلة، وهل اشتقت إلى لبنان؟".

ووعد الوزير اللبناني الذي زار طريق مطار رفيق الحريري ببيروت في 17 يونيو 2022 بأن "الحملة السياحية ستغطي جميع الأراضي اللبنانية الأسبوع المقبل بأكثر من 150 لوحة إعلانية".

آمال شعبية

وعلى الصعيد الشعبي، فإن العديد من اللبنانيين يرون أن قطاع السياحة إذا استعاد نشاطه من جديد، وأرسلت دول الخليج مواطنيها إلى لبنان فإن الوضع الاقتصادي سينتعش وتعود جميع القطاعات إلى الحياة، وخصوصا الفنادق والمطاعم والنقل، وبذلك تدور عجلة الاقتصاد كليا.

وقال المواطن اللبناني، وليد الأيوبي، من محافظة الشمال (عاصمتها الإدارية طرابلس) في حديث لـ"الاستقلال" إن "جميع اللبنانيين يعولون على عودة نشاط السياحة في البلد، لأننا نعيش ظرفا اقتصاديا لم نشهد له مثيلا من قبل، والشباب اللبناني بدأ يهاجر إلى بلدان أخرى".

وأوضح الأيوبي أن "لبنان بلد يعتمد بالأساس على السياحة، لكن بسبب سيطرة إيران عليه عن طريق حزب الله، فقدنا أهم رافد لهذا القطاع وهم مواطني دول الخليج، الذين كانوا في مثل هذا الوقت يملؤون البلاد، لكننا لا نرى اليوم أحدا سوى الطلبة العراقيين".

وأشار إلى أن "انحسار السياح في لبنان يعني توقف مصدر الرزق لأغلب سكان البلد، إذ لم يعد لدى اللبنانيين سوى ما يرسله المغتربون في الخارج من عملة صعبة، لأن المصارف أعلنت إفلاسها ولا يوجد سياح في البلد، فكيف يعيش الشعب؟".

من جهته، يقول المواطن اللبناني كاظم (أبو حسن) من الضاحية الجنوبية في بيروت (معقل حزب الله) في حديث لـ"الاستقلال" إننا نتوق كثيرا لعودة السياح الخليجيين إلى لبنان من جديد، ونلاحظ حاليا حركة أنشط قليلا من السابق في مطار رفيق الحريري.

وأضاف "أبو حسن" الذي يعمل سائق تاكسي، أن "مناطق مثل الروشة والحمرا وزيتونة باي وغيرها من الأماكن الراقية في بيروت، كانت تذخر بالسياح الخليجيين، إذ إن إيجار الشقة يصل فيها إلى نحو ثلاثة آلاف دولار للشهر الواحد، وهم تقريبا وحدهم قادرون على السكن فيها".

ولفت المواطن اللبناني إلى أنه "خلال المدة التي كان يقضيها السياح الخليجيون في لبنان والتي تمتد من شهر إلى ثلاثة أشهر، كنا في قمة الانتعاش الاقتصادي، فالمطاعم مفتوحة تقريبا على مدار الساعة، لكن اليوم تغلق أبوابها مبكرا بسبب قلة السياح وأزمة الكهرباء".

وأشار "أبو حسن" إلى أن "اللبنانيين لوحدهم من يدفعون ضريبة الخلافات السياسية بين لبنان ودول الخليج، فالناس هنا ضاقوا ذرعا بكل من كان سببا في قطع أرزاقهم ووصول البلد إلى الحال الذي نحن فيه حاليا".

خطوة مؤقتة

وفي هذه الأثناء، قال الوزير السابق أحمد فتفت، رئيس "المجلس الوطني لإنهاء الاحتلال الإيراني للبنان" في بيروت (معارض) إن "حزب الله وافق على هذا الطلب لأنه يعلم أن الناس ضاقوا ذرعا بالوضع الاقتصادي الذي أتى به الحزب لهم، ونتائج الانتخابات النيابية أظهرت ذلك".

وأوضح فتفت خلال تصريحات لموقع "عرب نيوز" في 20 يونيو 2022 أن "ما حدث تم تنسيقه بالفعل بين الوزير نصار وحزب الله وأكثر من خطوة مؤقتة".

وقال فتفت الذي كان وزيرا للداخلية عام 2006: إن "حزب الله يمكن أن يوافق على هذا الطلب لأنه يعلم أن الناس ضاقوا ذرعا بالوضع الاقتصادي الذي أتى به الحزب لهم، ونتائج الانتخابات النيابية تسببت في هذا الانزعاج".

وتابع: "إذا لم يعتقد حزب الله أنه يفقد الدعم، فلن يوافق على إزالة الصور ويكرر بدلا من ذلك ما فعله في صيف 2006 عندما حرض على العدوان الإسرائيلي الذي دمر لبنان أثناء ظهور السياح والمهاجرين. كانت البلاد في ذروتها".

من جهتها، عدت الإعلامية اللبنانية سوسن مهنا على "تويتر" في الثاني من يونيو 2022 طلب وزير السياحة بأنه استجداء، بالقول: "الدولة تستجدي الدويلة.. بحس هيك وصل طلب وليد نصار. نرجوكم يا حزب الله تخفيف الصور والرموز الموجودة على طريق المطار. على فكرة تخفيفها مش نزعها".

بدوره، قال الناشط السياسي فارس سعيد على "تويتر" في الثاني من يونيو إن "طلب وزير السياحة بمحبة واحترام من حزب الله إزالة الصور الحزبية على طريق المطار يلخص الحياة السياسية في لبنان".

ويستقبل طريق مطار رفيق الحريري في العاصمة بيروت السياح والمغتربين، إذ إن هذا الطريق ظل لسنوات خاضعا لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية المحسوب على حزب الله، ولذا ترفع فيه صور وشعارات الحزب وإيران تحت ما يسمى بـ"محور المقاومة".

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن اسم "الخميني" المرشد الإيراني السابق لإيران مرفوع على أهم شوارع البلاد الذي يربط المطار الوحيد بوسط العاصمة بيروت، وسمي "شارع الإمام الخميني".

"سعادة مزيفة"

وعلى الوتيرة ذاتها، رأت الكاتبة اللبنانية منى فياض أنه التمس وزير السياحة من الحزب رفع صور سليماني وخامنئي المعلقة على طريق المطار، ولو للثلاثة الأشهر السياحية فقط؛ الأمر الذي عده البعض شجاعة، لأن أحدا لم يتجرأ من قبل على مجرد "ذكر" الصور الإيرانية هناك. أما البعض الآخر فترحم على السيادة. 

وأضافت الكاتبة خلال مقال نشره موقع قناة "الحرة" الأميركية في 19 يونيو 2022: لكن المدهش كان ردة فعل جمهور الحزب، والمرجح جيوشه الإلكترونية، على طلب الوزير.

فبرأيهم: "لكل منطقة رموزها!  فإذا أردتم، بحسبهم، إنزال الصور الإيرانية فلماذا لا يتم إنزال سيدة حاريصا (مزار مسيحي) ورمزها الديني". 

ورأت الكاتبة أن ذلك "رد طائفي - غرائزي ومتعصب، قياس صور سليماني، المتهم بالإرهاب والقتل، على رمز ديني معادل لسيدة حريصا؟؟ في خلط للسياسي بالديني وفي ضرب مباشر للعيش المشترك".

وأردفت: "لا يعبر ذلك إلا عن الاستقواء وضرب مصلحة لبنان عرض الحائط بما فيها مصلحة الجمهور الحزباللوي (حزب الله) نفسه، معلنين ولاءهم لسلطة دولة أجنبية تهدد مصلحة الدول العربية والمصلحة اللبنانية". 

ولفتت إلى أن "لسان حال اللبناني، الذي استفاق أخيرا وبدأ يتجرأ على مواجهة السلاح غير الشرعي المؤتمر بأوامر خامنئي: متى سيستفيق الشيعي غير المتحزب من سباته؟ متى سيعود إلى كنف الدولة اللبنانية ويساعد على استعادتها للسيادة وبنائها من جديد؟

وتابعت: "إلى متى سيسكت عن البؤس الذي يغرق فيه كسائر اللبنانيين بسبب الحدود المشرعة والفلتان والفساد المحمي من السلاح؟".

من جهتها، قالت الكاتبة اللبنانية هدى الحسيني خلال مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في 23 يونيو إن "سقوط المشروع الإيراني في لبنان مر على طريق المطار".

وأوضحت أن "اللبنانيين سعدوا لأن جماعة (حزب الله) المدعومة من إيران وافقت على إزالة اللافتات واللوحات الإعلانية لقادة الجماعة الشيعية وأعضائها المتوفين، والشعارات من طريق مطار بيروت".

ونوهت الكاتبة إلى أن "طريق المطار، الذي أطلق عليه الحزب اسم الإمام الخميني تكريما لمؤسس الجمهورية الإسلامية، هو الطريق الذي سلكه دبلوماسيون وشخصيات سياسية قادمة إلى لبنان وعلى حدود الأحياء التي تستضيف مكاتب حزب الله وحركة أمل، الحزبين الشيعيين الرئيسين في لبنان. ولا يزال حتى الآن سبب استفزاز الكثير من اللبنانيين".

ووصفت الحسيني خطوة حزب الله برفع لافتاته من شارع المطار بأنها "رشة سعادة مزيفة أعطاها الحزب للبنانيين قبل مجيء السياح مع دولاراتهم، مع العلم أنه لا يزال المسيطر على كل مفاصل الدولة".

ويأتي رفع لافتات حزب الله، رغم إعلانه بدء الاحتفال بذكرى أربعين عاما على تأسيسه والتي تستمر لمدة شهرين بدءا من 20 يونيو 2022، ما يشير إلى اضطرار حليف إيران الأبرز إلى اتخاذ هذه الخطوة حتى يبعث برسائل تطمين للسياح، ولا سيما الخليجيين منهم، وفقا لمراقبين.