قضاء وحكومة وبرلمان.. لماذا أجمعت سلطات العراق على التنكيل بالصحفيين؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت قضية إيقاف أحد البرامج التلفزيونية على قناة "العراقية" الرسمية، الضوء على حرية الصحافة في العراق، التي شهدت تراجعا في عام 2022 إلى المركز 172 بين 180 دولة ومنطقة، بفارق تسع نقاط إلى الوراء عن عام 2021.

وبعد ساعات من بث مباشر لحلقة من برنامج "المحايد" الذي يقدمه الإعلامي "سعدون ضمد"، في 2 يونيو/ حزيران 2022، أوقفت قناة "العراقية" البرنامج. وفي الوقت ذاته صدرت مذكرة قبض بحق الضيف الكاتب العراقي سرمد الطائي، بـ "تهمة الإساءة للرموز".

"دكتاتورية جديدة"

وفي تفاصيل الحلقة التي أثارت الأزمة، اتهم سرمد الطائي خلال حديثه عن الأزمة السياسية القائمة في البلاد، رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بـ"الانحياز" لحلفاء طهران في العراق.

وقال الطائي إن "وجود زيدان يمثل ظهور دكتاتورية جديدة في البلاد، حيث تطال مذكرات الاعتقال أي معترض على رئيس مجلس القضاء"، مضيفا: "لابد لمجلس القضاء أن يعيد النظر في مواقفه، فالأمور كانت أفضل حتى في زمن حكومة نوري المالكي".

 وأكد أن "فائق زيدان لا يمكن أن يستمر باللعب في النار، إذ سيواجه محاكمة تاريخية وثقافية وفكرية، وهو واهم إذ اعتقد أن مذكرات الاعتقال ستخيف النخبة والشباب".

وأرفد الطائي: "وقفنا بوجه خامنئي (المرشد الإيراني) والقاتل سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني السابق) وقد ذبحونا، وقلنا رقابنا في المشنقة وفخامة العراق أكبر منهما، والآن أكبر من فائق زيدان الذي يلعب بالمحكمة الاتحادية ويستخدم القضاء ليمارس انقلابا سياسيا مفضوحا على نتائج الانتخابات".

وبعد حملة شنها موالون لمليشيات مسلحة قريبة من إيران، أصدرت شبكة الإعلام العراقي اعتذارا في 2 يونيو، قالت فيه إن الطائي "استغل مساحة الحرية" في برنامج يبث على الهواء مباشرة"، وكذلك أقدمت القناة على حذف حلقة البرنامج التي استضافت الطائي.

وأضاف البيان، أن "شبكة الإعلام العراقي غير مسؤولة عن استغلال الضيوف لسقف الحرية الذي تتمتع به، وخطابها الإعلامي، كما أنها تحتفظ بحقها القانوني لمقاضاة كل من يستغل هذه الحرية بالإساءة للرموز الوطنية، والمؤسسات الدستورية، ولا سيما القضاء، الذي تعده الشبكة الحصن المنيع وآخر حصون الديمقراطية في العراق".

وأكد أن "الشبكة غير مسؤولة عن آراء ضيوفها في البرامج السياسية ونشراتها الإخبارية، وكانت حريصة طوال تغطيتها للأحداث المختلفة في البلد، أن يكون ضيوفها بمستوى الحدث والمسؤولية".

"قمع للرأي"

من جهته، رأى الصحفي العراقي عدي العزاوي في حديث لـ"الاستقلال" أنه "لا يوجد حرية رأي وتعبير ولا حرية صحفية في العراق، وإنما كل ما هناك هو مجموعة نصوص على ورق أدرجت ضمن الدستور الجديد للبلاد الذي أقر عام 2005، ولا يطبق منها حرف واحد".

وتابع: "الصحفي بات يدفع ضريبة كل معلومة يقدمها للشارع العراقي حول الفساد المستشري وانتهاك سيادة الدولة وحقوق الإنسان، وسيطرة المليشيات الموالية لإيران، وكذلك سطوة المسؤولين وحاشيتهم في المؤسسات والبلد بشكل عام، حيث تحول إلى اقطاعيات لهم".

وأوضح العزاوي أن "غالبية القوى السياسية والمسؤولين يمارسون القمع ضد الصحفيين والناشطين جراء أي رأي يعارضهم وينتقد قضايا تمسهم، سواء كانت هذه القوى شيعية أو سنية أو حتى كردية، لكن بتفاوت كلٌ حسب السلطة التي يمتلكها".

وأشار إلى أن "القضاء يتعامل بازدواجية، فرغم أنه غضب بعد انتقاد رئيس السلطة القضائية، لكن لم يفعل شيئا حينما أهان كاتب- يعمل في نفس القناة- رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في الفضائيات، ذلك لأن الأول ينتمي إلى قوى الإطار التنسيقي الشيعي القريب من إيران".

وتابع: "كذلك أصبح لدينا مسؤولون يحركون دعاوى كيدية ضد أي صحفي أو ناشط ينتقدهم، لا سيما رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، فهو يقمع كل من يحاول انتقاده وخصوصا من أبناء محافظة الأنبار التي ينتمي إليها".

وبيّن العزاوي أن "زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أصبح غير قابل للانتقاد في العراق، ليس من الإعلام فحسب وإنما حتى من النواب والمسؤولين، والأمر نفسه بالنسبة للحزبين الكرديين في إقليم كردستان (الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني) لا أحد يجرؤ على انتقادهم هناك".

ولفت إلى أن الإعلام صار مقيّدا في العراق، حيث شاهدنا ما حصل مع مقدمي أحد البرامج التلفزيونية العراقية وضيفه بعدما انتقد الفساد المالي المتفشي بين كبار الضباط في وزارة الدفاع، فلم تلجأ الأخيرة إلى متابعة هذه الحالات، وإنما إصدار مذكرة قبض بحق الإعلامي وضيفه، إضافة إلى أن هيئة الإعلام والاتصالات أوقفت البرنامج".

استهداف ممنهج

وعلى الصعيد ذاته، يقول الكاتب العراقي إياد الدليمي خلال مقال نشرته صحيفة "العربي الجديد" في 7 يونيو، إن استهداف الصحافة والصحفيين في العراق تحول إلى استهداف ممنهج، تقوده أعلى سلطة في البلاد، وهي سلطة القضاء التي يبدو أنها باتت الواجهة الفعلية لقيادة العراق، على الرغم من تعدد الواجهات القيادية والمرجعية والدينية".

ورأى الدليمي أن ذلك "يؤشّر إلى حالة كارثية لم يسبق لها مثيل من تنميط القضاء، وجعله قاطرة لسحق كل رأي معارض، بدلا من أن يكون هو الحامي الأصيل لحرية التعبير".

واسترسل الكاتب قائلا: "تبكي سماء العراق اليوم على ما كان حلما طرّزته في لحظة مجنونة من عمر الزمن؛ أقلام صحفيين كانوا يحلمون يوما بأن يوفر لهم عراقهم الجديد سقفا لا حدّ له، ليقولوا فيه ما يعتقدون أنه صواب، من دون ترهيب أو تكميم أو خوف، فتبدّد الحلم سريعا، وباتت حرية التعبير تواجه مستقبلا أشدّ قتامة من قتامة وقوعها تحت سلطة الأحزاب ومليشياتها".

وعلى نحو مماثل، أصدرت "جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق" بيانا في 2 يونيو، قالت فيه إن "شبكة الإعلام العراقي أوقفت برنامج (المحايد) على خلفية اعتراضات سياسية على رأي أحد ضيوف البرنامج وإطلاقه رأيا إزاء مجلس القضاء الأعلى".

وأعربت الجمعية عن استغرابها من بيان صدر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان إثر وصفه مقدم البرنامج بالمتطرف السلبي، وإطلاقه أحكاما مسبقة إزاء ضمد المعروف بمهنيته وموضوعيته طيلة فترة عمله كمقدم للبرامج منذ أكثر من عقد من الزمن، وجميع الأسرة الصحفية تشهد بذلك.

وذكّرت الجمعية أن "شبكة الإعلام الممولة من أموال الشعب يجب أن تمثل جميع الآراء، وتستضيف كل الأشخاص، مهما كان رأيهم وقناعاتهم، لأن الشعب العراقي ذو اتجاهات وقناعات مختلفة، ولا يمكن تحديد الضيوف بلون واحد، بناء على رغبات سياسية، فضلا عن ان استضافة البرنامج لأية شخصية مهما كانت جدلية أو معارضة، فلن يتحمل البرنامج أية آراء يطلقها الضيوف على الهواء، وهذه قاعدة من أبجديات الإعلام الفضائي".

وأدانت "الجمعية" قرار إيقاف برنامج "المحايد" فقط لاستضافته كاتب صحفي أطلق رأيا لا ينسجم وقناعات أعضاء هيئة الأمناء والسلطة القضائية.

وعدت هذا الإجراء مؤشرا على تضييق مساحة حرية التعبير والصحافة في العراق، ونكوصا جديدا في تاريخ شبكة الإعلام العراقي، التي تسيطر عليها أحزاب السلطة وتنعكس صراعاتها على زملاء المهنة من العاملين في الشبكة بين الفينة والأخرى.

تراجع الحريات

وفي 7 يونيو 2022، أكد مجلس القضاء الأعلى، "إجراء تحقيق في قضية تتعلق ‏بالإهانة المتعمدة بحق المؤسسة القضائية بغية إضعاف ثقة المواطنين بالقضاء ‏وما يصدر عنه خصوصا في الاختصاص الدستوري بهدف إرباك المشهد السياسي خارج ‏حدود حرية التعبير عن الرأي والنقد الموضوعي البناء الذي كفلته المادة 38 من ‏الدستور".

وأوضح المركز في بيان، أنه "تبين من نتائج تلك التحقيقات أن هناك شبكة ممن يصفون أنفسهم ‏‏(إعلاميين) لديهم مصالح خاصة أو (خبراء وفقهاء قانون) لديهم خصومات شخصية مع القضاء امتهنت إشاعة الأكاذيب وتحوير المفاهيم الدستورية والقانونية بشكل مقصود باتجاه عدم الاطمئنان لما يصدره القضاء باستغلال عدم فهم الجميع بالقانون عبر صفحات التواصل ‏الاجتماعي وقنوات يوتيوب".

وادعى المجلس أن هذه "الشبكة لها ارتباطات في داخل العراق وخارجه وكذلك بعض القنوات الفضائية المحسوبة على جهات سياسية معينة اختارت طريق ‏الإساءة الى القضاء كرد فعل على بعض القرارات التي صدرت بخلاف مصالحها".

ولفت إلى أن "هذه الممارسات غير القانونية جزء من مشروع عدم الاعتراف بالنظام السياسي القائم وبتحريك أجندات دولية وعلى أثر ‏ذلك صدرت قرارات باستقدام المتورطين بهذه الجريمة التي يعاقب عليها قانون العقوبات".

وفي تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود"، حول حرية الصحافة العالمية، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو 2022، احتل العراق المرتبة المركز 172 بين 180 دولة ومنطقة سنويا، متراجعا 9 نقاط إلى الوراء، وكان العراق احتل المركز 163 في المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي عام 2021.

وفي مؤشر آخر، رصد التقرير السنوي لجمعية الدفاع عن "حرية الصحافة" في العراق "نكوصا مماثلا لما سجلته في 2021، في أعداد الانتهاكات التي تطول الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، من خلال الرصد اليومي لمجمل الانتهاكات".

وخلال الفترة التي غطاها التقرير فإنه رصد "280 حالة انتهاك طالت الصحفيين والصحفيات على حدٍ سواء، حيث شملت محاولات اغتيال، اقتحام وهجمات مسلحة، اختطاف، تهديد بالقتل، إصابات أثناء التغطية، رفع دعاوى قضائية وفق قوانين صيغت أثناء الحقبة الديكتاتورية، اعتقال واحتجاز، فضلا عن الاعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية، وإغلاق القنوات وتسريح العاملين".

وخلص التقرير إلى أن "الأرقام المسجلة في اليوم العالمي لحرية الصحافة عام 2022 ارتفعت نسبيا عما تم تسجيله خلال نفس اليوم في 2021، وهو ما يؤكد عدم اكتراث الجهات الحكومية لمعالجة المشاكل التي تواجه الصحفيين العراقيين".