مجردة الصلاحيات.. ماذا وراء تهميش وزارتي الدفاع والداخلية في العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

فتح وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي، ملفا طالما بقي معطلا ولم تحسمه الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003، ألا وهو تجريد وزارتي الدفاع والداخلية من الصلاحيات الفعلية بالمخالفة للدستور.

وتحدث الغانمي خلال مقابلة تلفزيونية في 30 مايو/ أيار 2022، عن عدم امتلاكه ووزير الدفاع جمعة عناد، أي صلاحيات أمنية، ولا يستطيعان تحريك قوات قتالية داخل البلاد، وإناطة الأمر بقيادة "العمليات المشتركة"، التي تضم جميع صنوف القوات العراقية.

وتضم "العمليات المشتركة" قوات الجيش والشرطة، وجهاز مكافحة الإرهاب، وجهاز الأمن الوطني، وجهاز المخابرات، والشرطة الاتحادية، ووحدات التدخل السريع، والحشد الشعبي، حيث تدير الواقع الأمني بالمدن العراقية، مثل: "قيادة عمليات بغداد"، و"قيادة عمليات البصرة".

مكتوف الأيدي

تصريحات وزير الداخلية، عدها سياسيون ومراقبون عراقيون بأنها خروج عن الصمت لم يسبقه بها أحد من الوزراء السابقين الذين تولوا المسؤولية من قبل في ذات المنصب، وأنها تدل على تغلغل الفساد، ووجود دولة عميقة تدير المشهد في العراق.

وقال الغانمي إن "وزيري الدفاع والداخلية لا يستطيعان تحريك حاجز أمني أو فوج قتالي واحد من دون اللجوء إلى قيادات عمليات بغداد وأخذ موافقة قائدها"، مؤكدا أنه "مكتوف الأيدي".

وأضاف الوزير أن "تعدد القرارات الأمنية والارتباطات أوجدت تعقيدا في الوضع الأمني، وأن قيادة عمليات بغداد لديها فرقتان من الشرطة الاتحادية وثلاث فرق من الجيش، وهي مرتبطة بقائد عمليات بغداد والقائد العام للقوات المسلحة".

وشدد الغانمي على أن "لا دور للوزارتين (دفاع، داخلية) إلا بالتسليح والتدريب فقط"، مشيرا إلى أن "المناورات والتحركات، وتنفيذ واجبات، والمداهمات، وقطع الشوارع وغيرها، والدخول بالإنذار ورفع الإنذار، تأتينا برسالة من قيادة العمليات، وننفذها".

وتفاعل عديد من الناشطين والسياسيين مع تصريحات الغانمي، وقال الباحث العراقي حيدر الجابري: "حينما يصرح وزير الداخلية العراقي بأنه مكتوف الأيدي وليس له صلاحية تحريك سيطرة فهذا أوضح تصريح أن لا دولة في العراق".

وأضاف في تغريدة بتاريخ 1 يونيو/ حزيران 2022: "إنما الدولة العميقة أو اللادولة بتعبير أصح هي التي تحكم، الرؤساء والوزراء والقضاة كلهم ديكور وألعوبة".

وعلى الصعيد ذاته، غرد النائب والوزير السابق محمد شياع السوداني، عبر "تويتر" في 2 يونيو، بالقول، إن " تصريح وزير الداخلية بعدم امتلاكه أية صلاحية أمنية (...) صور من مسلسل الفشل والفساد".

وفي المقابل، انتقد الإعلامي العراقي ريناس علي على "تويتر" تصريحات الغانمي، قائلا: "وكأنه لم يكن يدري أن قيادات العمليات هي السلطة العسكرية والأمنية الأعلى، فهل عندما تسلم الوزارة وأصبح وزيرا اكتشف ذلك؟"، مطالبا إياه بتقديم استقالته.

حصر القرار

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، حامد العبيدي إن "قيادات العمليات في العراق تأسست في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي 2006- 2014، حتى يهيمن على جميع الوزارات والأجهزة الأمنية في البلاد ويمنع القوى السياسية والمكونات الأخرى المشاركة فيها".

وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أنه "في ولايته الثانية 2010 إلى 2014، أصبح هو وزيرا للدفاع والداخلية ورئيسا لجهاز المخابرات بالوكالة، إضافة إلى كونه رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة، وكان يدير ذلك عن طريق مكتب عسكري مرتبط به مباشرة".

ولفت إلى أن "تشكيل قيادة العمليات المشتركة غايته في وقتها حصر كامل القرار الأمني بيد المالكي، وكان هذا خلافا للدستور إذ لم ترد هذه التشكيلات ضمن الهيكل الحكومي، ولم يصوت عليها البرلمان، وبالتالي ليست قانونية، كونها تجرد الصلاحيات من وزارات منصوص عليها دستوريا".

وأشار الباحث إلى أنه "بعد مدة من إنشاء هذه التشكيلات الأمنية، أصبحت إحدى أبرز أبواب الفساد وفرض الإتاوات على أصحاب المحال التجارية، إذ يتمسك قائد كل منطقة بمنصبه لأنه يدر عليه مئات آلاف الدولارات من فرض الإتاوات على أصحاب المحال التجارية".

ونوه العبيدي إلى أن "إرادات سياسية تحول دون تفكيك هذه التشكيلات وتسليم زمام القرار بيد وزارتي الداخلية والدفاع، وأن أي رئيس وزراء يأتي يترك الأمر على ما هو عليه وتستمر هذه التشكيلات على حالها، من دون مسوغ قانوني أو دستوري".

مطالب بالإلغاء

وخلال السنوات الأخيرة، طالبت جهات سياسية وهيئات مستقلة عدة بإلغاء قيادات العمليات في العراق، وتوزيع الصلاحيات بين وزارتي الدفاع والداخلية.

وقال عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق علي البياتي، إنه "حان الوقت لدراسة إلغاء قيادات العمليات في المحافظات وتسليم الملف الأمني داخل المدن إلى وزارة الداخلية حصرا".

وأضاف البياتي خلال بيان له في 25 مايو 2020، أن هذا الأمر سيساعد في "توحيد القرار ومرجعية القوات الأمنية الماسكة للملف الأمني داخل المدن ولضبط التزامها بالتعليمات والقرارات الصادرة من الجهات العليا".

وكان النائب في البرلمان العراقي فالح الخزعلي قدم طلبا مضمونا بتوقيع 51 نائبا في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أغلبهم من تحالف "الفتح" التابع لمليشيات الحشد الشعبي، لمناقشة إلغاء قيادات العمليات في البرلمان، لكنهم لم يفلحوا في ذلك.

وبرر النواب طلبهم بأن قيادات العمليات لا تخضع لرقابة البرلمان ولا يمتلك السلطة في اختيار قياداتها، وهو أمر مخالف للقوانين النافذة، مشيرين إلى أن العراق يشهد أمنا نسبيا وهو ما ينفي الحاجة لوجود تلك القيادات.

وفي 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، عن رفضه إلغاء قيادات العمليات في بغداد والمحافظات، مشددا أن المرحلة الحالية تتطلب بقاء هذه التشكيلات.

وقال العبادي خلال زيارته مقر قيادة عمليات بغداد، إن قيادة عمليات بغداد لعبت دورا أساسيا في حفظ أمن العاصمة، مشددا على عدم إلغائها في المرحلة المقبلة، وضرورة الاستمرار بتطهير المؤسسة الأمنية من المسيئين.

وبحسب بيان المكتب الإعلامي للعبادي، إن قيادة عمليات بغداد لهم دور في حفظ الأمن بالعاصمة، ويجب أن نفصل بين المطالب السياسية والحفاظ على الأمن.

وأشار البيان، إلى أن "الأمن أساسي في بغداد ولكن أيضا راحة المواطنين يجب أن نضعها في أذهاننا"، مضيفا أنه "تم إلغاء حظر التجوال في بغداد، في وقت كانت هناك حرب على تنظيم الدولة، لأن لدينا ثقة بأجهزتنا الأمنية والاستخبارية وكنا بصدد تأمين الحرية اللازمة للمواطن وقد نجحنا بذلك".

وأضاف العبادي، قائلا إن "الجهد الاستخباري تطور كثيرا وأصبحنا نرى العدو وهو لا يرانا وهذا من أسس الانتصار الذي تحقق في بغداد"، مؤكدا استمرار الحاجة لقيادة العمليات وأهمية عدم إلغائها خلال المدة المقبلة لأن التنسيق بين مختلف الأجهزة مهم جدا.

وكانت المطالبات تصاعدت بإلغاء قيادة عمليات بغداد عام 2017 بعد عدة خروقات شهدتها العاصمة، حيث طالب "اتحاد القوى" (السني) بإلغائها وحصر أمن المحافظة بيد جهة أمنية واحدة.

وفي عام 2016، قدم وزير الداخلية محمد الغبان، مقترحا إلى العبادي، بتسليم مهام الملف الأمني لوزارة الداخلية، لإصلاح ما أسماه التخبط في إدارة قيادة العمليات للأمن في العاصمة، لكن طلبه جوبه بالرفض، ليقدم استقالته إثر ذلك على خلفية تفجير الكرادة الذي خلف 350 قتيلا و250 جريحا.

وكان الغبان ذكر سبب استقالته في مؤتمر صحفي حينذاك، بأن الحكومة العراقية لم تنجح في تنظيم عمل الأجهزة الأمنية والاستخبارية، مشيرا إلى أن تعدد الجهات الأمنية وتداخل صلاحياتها ساهم بتوتر الوضع الأمني وعدم السيطرة عليه.