مقترح لتقنين الإجهاض في المغرب.. هل تسمح حكومة أخنوش بولادته؟

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من الشد والجذب، عاد النقاش من جديد في المغرب بشأن قضية "الإجهاض" بعد تقديم حزب سياسي معارض مقترح قانون جديد يتعلق بـ"الإيقاف الطبي للحمل"، وذلك للحد من الظاهرة وتقنينها.

ويرى حزب "التقدم والاشتراكية" أن القانون سيحد من ظاهرة الإجهاض السري المنتشرة بشكل كبير في البلاد، حيث تشير الإحصائيات إلى إجراء المئات من الحالات يوميا، في ظروف عشوائية وغير سليمة تشكل خطرا على صحة المجهضات.

ناهيك عن عدد مهول من حالات المواليد المهملين الذين يتخلى عنهم في الشوارع، أو ترمى أشلاؤهم في حاويات النفايات، بحسب معدي المقترح.

نقاش قديم جديد

ويسعى المقترح الحزبي إلى إفراد نص قانوني خاص بـ"الإجهاض"، وإخراجه من مجموعة القانون الجنائي، وإدراجه ضمن قوانين "الأخلاقيات البيوطبية" للمواطنات والمواطنين.

كما يهدف إلى الحد من وفيات الأمهات الناجمة على الإجهاض السري، وتمكين الأطباء من العمل في إطار قانوني شفاف؛ للقيام بعمليات بشكل يحترم مقومات السلامة الصحية.

ويشترط المقترح ضرورة أن يقوم بالإجهاض طبيب(ة) مؤهل(ة)، وأن يتم في المؤسسات الصحية ومستشفيات القطاع العام والخاص، مع ضمان متطلبات الرعاية والسلامة الصحية، وكذا الإجراءات الصارمة.

كما يحدد الحالات والقواعد والشروط والإجراءات التي يتم فيها الإيقاف الطبي للحمل، وينص أيضا على ضرورة احترام الكرامة الإنسانية، والحفاظ على حياة الفرد وسلامته البدنية والنفسية وخصوصياته، واحترام سرية البيانات الشخصية الواجب مراعاتها في حالات الإيقاف الطبي الآمن للحمل.

وعاد هذا النقاش القديم الجديد، بعد سحب حكومة عزيز أخنوش لمشروع "القانون الجنائي" من مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والذي يشير في بنوده للحالات التي يسمح فيها  بالإجهاض.

ولم تعلن الحكومة إلى حد الآن نيتها إدخال تعديلات على المقتضيات التي تضمنها مشروع القانون المسحوب؛ لكن وزير العدل عبد اللطيف وهبي، تعهد في تصريحات سابقة، بـ"الانفتاح أكثر والإتيان بقانون يساير المستجدات العصرية".

ورغم المشاورات الواسعة التي حظي بها موضوع الإجهاض في نهاية ولاية حكومة عبد الإله بنكيران، حيث شكل الملك محمد السادس لجنة لهذا الغرض عام 2015، وتم تضمين خلاصاتها في مشروع القانون الجنائي؛ فإن بعض الجمعيات ما زالت تطالب بتوسيع حالات السماح بالإجهاض.

وكانت الاستشارات التي قادتها "اللجنة الملكية"، قد خلصت إلى إباحة الإجهاض "عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها، وفي حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، والتشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين".

ويجرم القانون المغربي الإجهاض، وتتراوح عقوبته بين 6 أشهر و5 سنوات سجنا، ولا يقتصر فقط على المرأة التي أجهضت، بل يعاقب أيضا كل من قام بفعل الإجهاض.

غير أنه في يونيو/ حزيران 2016، أقرت الحكومة المغربية، مشروعا لتعديل القانون الجنائي، يتم بموجبه وضع قيود على الإجهاض.

وتنص تعديلات الحكومة على "وضع القيود والشروط الدقيقة للإجهاض في إطار المرجعية الإسلامية، في حالات زنا المحارم والاغتصاب والتشوه الخلقي للجنين فقط".

وحالت خلافات كبيرة بين الأحزاب حول عدد من البنود، دون تمريره في البرلمان طوال تلك الفترة، حيث تطالب بعض الأحزاب بتوسيع الحالات التي يسمح فيها بالإجهاض.

وجود خطر

في هذا الصدد، قال رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، شفيق الشرايبي، إن "الحالات التي يسمح فيها مشروع القانون الجنائي المسحوب بإجراء الإجهاض قليلة جدا، ولا تعكس الواقع".

وذكر لموقع "هسبريس" المحلي في 2 يونيو/ حزيران 2022، أن هذه الحالات "لا تشكل سوى 10 بالمئة من مجموع الحالات التي يتم فيها اللجوء للإجهاض".

وعد الشرايبي أن "سحب مشروع القانون الجنائي يعد فرصة لتوسيع حالات السماح بإجراء الإجهاض، خاصة أن الأحزاب المشكلة للحكومة ليس لديها مشكل مع إباحة الإجهاض".

وأكد أن "الإجهاض يجب أن يسمح به في حالة وجود خطر على صحة المرأة الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية".

ولفت الشرايبي إلى أن "الجمعية التي يترأسها بصدد عقد لقاءات مع فرق برلمانية ومسؤولين في الحكومة من أجل الترافع مجددا حول هذا الموضوع".

كما دعا الحكومة إلى "التسريع بالمصادقة على هذا المشروع وإحالته على البرلمان في أقرب وقت".

لكن رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، بثينة قروري، عدت أن "ما توصلت إليه اللجنة الملكية بشأن الإجهاض كان نتاج حوار واسع، حيث تلقت مذكرات من مختلف الأطياف واستمعت لآراء الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والمجلس العلمي الأعلى".

وشددت قروري خلال تصريحات صحفية في 8 ديسمبر/كانون الأول 2021 على أن "الحالات التي يسمح فيها بالإجهاض، والتي تضمنها مشروع القانون الجنائي، تعكس ما تم التوافق حوله بين الجميع"، محذرة من "تجاوزها".

وقالت إن "أي تجاوز لما تم التوافق بشأنه قد يفتح باب جهنم"، مضيفة أن "القاعدة القانونية هي قاعدة اجتماعية ويجب أن تعكس ثقافة المجتمع، وإذا كان هناك تفاوت بينها وبين المجتمع، فيجب أن يكون معقولا لتفادي أي شرخ في المجتمع".

وذهبت قروري إلى أن "سحب مشروع القانون الجنائي فوت على المغرب فرصة المصادقة على السماح بتوسيع حالات الإجهاض"، مشددة على أن "المجتمع في حاجة إلى هذا المشروع".

وأضافت المتحدثة ذاتها أن "هناك حاجة إلى هذا المشروع، لأن القانون الحالي يضيق حالات السماح بالإجهاض بشكل كبير، وهو ما أصبح متجاوزا".

ظاهرة مقلقة

ويشترط مشروع القانون الجنائي، الذي سحب من مجلس النواب، أن يقوم بالإجهاض طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل اليوم الـ90 من الحمل.

وبخصوص السماح بالإجهاض في حالة إصابة الحامل بخلل عقلي، فإن المشروع نص على تحديد لائحة الأمراض العقلية بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالصحة.

كما فتح مشروع القانون الباب أمام إمكانية اللجوء إلى الإجهاض في حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج وقت التشخيص بواسطة شهادة طبية تسلمها لجنة طبية يعينها وزير الصحة بكل جهة من الجهات، على أن يتم قبل مرور 120 يوما من الحمل.

وسيتم تحديد لائحة الأمراض الجينية والتشوهات الخلقية غير القابلة للعلاج بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالصحة.

وتشير "الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري" (أهلية)، في دراسات سابقة، إلى أن عدد عمليات الإجهاض السري بالمغرب تتراوح بين 50 ألفا إلى 80 ألف حالة، بمعدل 200 عملية يوميا، فيما تسبب هذه العمليات وفيات لأمهات بنسبة تصل إلى 4.2 بالمئة، ونسبة 5.5 بالمئة من الوفيات بسبب مضاعفات بعد الوضع.

وقالت الناشطة في المجال النسوي، فاطمة البكري: "نحن أمام ظاهرة اجتماعية مقلقة للغاية، ويتم التعامل معها بشكل ثانوي بدل التسريع في إقرار مشروع القانون الذي صادقت عليه حكومة 2016، وظل وقف التنفيذ في البرلمان دون تقديمه للمصادقة عليه".

وأضافت لـ"الاستقلال" أن "المئات من النساء يوميا يلجأن إلى الإجهاض في شروط غير صحية، والمشرع يجب أن يقر قوانين لإصلاح أي أعطاب، خاصة أن سيرورة التحول المجتمعي تفرض تعديلات القوانين القديمة".

ولفتت البكري إلى أن "المثير في هذه المعادلة أن الطبقة الغنية من المجتمع تجد حلا سريعا باللجوء إلى الإجهاض خارج البلاد، فيما المحسوبون على الطبقة الفقيرة مضطرات للبحث عن أرخص وأسوأ الشروط لإيجاد حل لمعضلاتهن، وبالتالي القانون الحالي يكرس التمييز بين المواطنات".

وعدت أن "سحب الحكومة لمشروع القانون الجنائي الذي يتضمن تقنين الإجهاض فرصة للمطالبين بتوسيع الحالات المسموح بها بإسقاط الجنين لاعتبارات تراها أطراف محافظة أنها حرام شرعا، لكن اللجنة الملكية بخبرائها درست مضامينه، وما أقرته يدعونا في البداية للمصادقة البرلمانية عليه، والتعامل مع ما جاء فيه".

وشددت البكري على أنه "بعد التقييم للمجتمع المدني وفي حال ظهور حالات تقتضي تقنينها يمكن الترافع بشأنها والمطالبة بتعديلها، خاصة أن هذا الموضوع إنساني يدخل فيه الديني بشكل كبير، مما يستوجب على كل الأطراف الفكرية اختيار نقطة مشتركة تكون في صالح الحالة الماثلة (المجهضة)".

ونبهت البكري إلى أن "الكثير من النساء أمام تجريم الإجهاض يخترن البحث عن أدوية خاصة لإسقاط الجنين يتم شراؤها عبر الإنترنت ما يدفع السلطات المعنية إلى التدخل لإيقاف نزيف الجنين والأم".