تحول هوليوود من حب إسرائيل إلى الهجوم عليها عبر 75 عاما.. القصة كاملة
أثارت الانتقادات المتصاعدة من فنانين عالميين لـ"تل أبيب" تساؤلات عن مدى حدوث تغير في عاصمة السينما الأميركية (هوليوود) تجاه الدعاية الإسرائيلية.
هذه التغيرات رصدتها صحف عربية عقب إصدار نجوم هوليوود بيانات إدانة متكررة لجرائم إسرائيلية مثل الاعتداءات على الفلسطينيين، وقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وتصنيف جمعيات حقوقية فلسطينية أميركية على أنها إرهابية.
لكن الجديد هو انهيار جدار الخوف من اللوبي اليهودي في أوروبا وأميركا ورصد غربيين، بل وإسرائيليين، هذه الظاهرة المتمثلة في "سقوط وانتهاء حب إسرائيل في هوليوود"، بعد 75 عاما من الدعاية الكاذبة الموجهة.
هذا الرصد الغربي لظاهرة أفول هيمنة الدعاية اليهودية التقليدية على هوليوود وانقلاب نجومها وأفلامها على إسرائيل وتناول جرائمها، رصدته مجلة "فورين بوليسي" في تقرير مطول 28 مايو/أيار 2022.
أشارت إلى انتهاء عصر الدعم الكبير الذي كانت تحظى به دولة الاحتلال منذ قيامها عام 1948 من جانب صناعة السينما الأميركية، عبر أكاذيب وقصص ذات طابع ديني وثقافي وسياسي، تشوه العرب والمسلمين بالمقابل.
تحول في هوليوود؟
كما رصده كتاب "تاريخ هوليوود وإسرائيل"، الصادر عن جامعة كولومبيا مارس/آذار 2022، وكتبه أميركي وآخر إسرائيلي، يعترفان فيه بهذا الانقلاب الذي تشهده هوليوود وتآكل هيمنة الدعاية اليهودية على صناعة السينما منذ ذروتها عام 1947.
وفي كتابهما، يحقق توني شو وجيورا جودمان في الطرق العديدة التي دعم بها أباطرة هوليوود ومخرجوها وممثلوها إسرائيل لأكثر من سبعة عقود.
ويكشفون القصة المعقدة لعلاقة إسرائيل مع يهود أميركا ويبرزون كيف ساهم الإعلام والقوة الناعمة للسينما الأميركية في تشكيل الصراع العربي الإسرائيلي.
و"توني شو" هو أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة هيرتفوردشاير، و"جيورا جودمان"، مؤرخ، يرأس قسم الدراسات في كلية طبريا الإسرائيلية.
ورصد هيمنة هذه الدعاية الصهيونية على سينما هوليوود، والمتمثلة في عقيدة "هاسبارا" الدعائية، وأفولها، أيضا موقع "جويش كارنتس" Jewish currents اليهودي في تقرير مطول 22 أبريل/نيسان 2022.
وقبل هذا تناولته مجلة "لحظة" أو "مومنت" moment في عدد مارس/آذار-أبريل/نيسان 2018، من زاوية دينية حول كيفية كتابة قصة الأرض المقدسة (القدس) بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين في سينما هوليوود.
وكان كتاب "إمبراطورية خاصة بهم: كيف غزا اليهود هوليوود؟" An Empire of their Own: How the Jewish Invented Hollywood، الذي نشر في عام 1989 رصد كيف سيطر المهاجرون اليهود على استوديوهاتها.
ونشر أبرز أسماء يهود هذه الإمبراطورية مثل، هاري كوهن وويليام فوكس وكارل ليمل ولويس بي ماير وجاك وهاري وارنر وأدولف زوكر، ممن ابتكروا رؤيتهم الخاصة للحلم الأميركي مع ربط اليهود به.
محور ما جرى رصده في كل هذه التقارير المنشورة في مواقع وصحف وكتب غربية يدور حول الدعاية (البروباغندا) اليهودية التي زرعت وروجت في هوليوود منذ تكثيف هجرة يهود أوروبا والعالم لفلسطين عام 1947، وإعلان "دولة إسرائيل" 1948.
التقرير الذي نشره "شاول أوسترليتز"، في فورين بوليسي، تناول كيف لعب الإسرائيليون على مدى السنوات الـ 75 الماضية، على ما يسمى "هاسبارا" Hasbara وهي كلمة عبرية تعني "الشرح والتفسير".
وهي عقيدة دعائية تشير إلى الدعاية الإسرائيلية التي تمت في الخارج وخاصة عبر سينما هوليوود كونها الأكثر تأثيرا، تقوم على تصدير فكرة أن إسرائيل جنة وواحة للديمقراطية بين العرب.
وتبين هذه التقارير كيف كانت الدعاية الصهيونية "هاسبارا" تهدف إلى إظهار الإسرائيليين على شاشة هوليود "أبناء عمومة محبون للحرية الأميركية ومهندسون لديمقراطية متعددة الأعراق، وحماة ليهود عالم ما بعد الهولوكوست، ومدافعون عن للغرب ضد جحافل الإرهابيين" وفق الكتاب.
ويرصد تقرير فورين بوليسي بدايات ونهايات تأثير هذه العقيدة الدعائية، من سفر نجوم هوليوود لدعم إسرائيل في الأربعينيات وجمع التبرعات لها في الستينيات وتمثيل أفلام تمجد اليهود وتهاجم العرب.
وانتهاء برفض نجوم هوليود الحاليين السفر لإسرائيل بسبب جرائمها في فلسطين، وكيف أدت وقائع مثل قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة وغيرها لتغيير مزاج هوليود.
حتى أن فورين بوليسي تتساءل في العنوان: "هل انتهت فترة وقوع هوليوود في حب إسرائيل؟" للتدليل على حجم التحول في مزاجها.
وجاء كتاب "تاريخ هوليوود وإسرائيل"، لكل من "توني شو" و"جيورا جودمان"، ليرصد أيضا عزوف هوليوود عن دعم إسرائيل كما كانت تفعل منذ عام 1947، وتاريخ صعود ونهاية العلاقة بين صناعة السينما والدولة اليهودية.
واستعرض تاريخ هوليوود في دعم الكيان منذ ظهور نجمها بول نيومان في موقع تصوير فيلم الخروج Exodus في إسرائيل عام 1947، وسلسلة نجمة داوود تتدلى على صدره.
ويقدم الفيلم طرحا صهيونيا لتأسيس إسرائيل من خلال سرد قصة باخرة مهاجرين يهود أوروبيين من ضحايا المحرقة، تدعى "إكسدس" ترسو في فلسطين، ويستقر ركابها في مدنها وريفها بدل سكانها الأصليين.
وبعد إعلان الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، يهاجمهم العرب اليهود بوحشية ويقتلون نساءهم وأطفالهم، وفق مزاعم الفيلم.
وقدم الفيلم العرب بصورة سلبية وأظهرهم على أنهم مهاجمون لليهود الذين يدافعون عن أنفسهم وينتصرون في النهاية ويؤسسون دولة إسرائيل.
ويشير الكتاب إلى إحياء نجوم هوليوود الحفلات في إسرائيل ضمن هذه الدعاية، مثلما فعل المغني والممثل فرانك سيناترا في عرض ضخم أمام حشد كبير من الشباب في إسرائيل بالأول من مايو/أيار 1962.
ومثل سيناترا سلسلة أفلام أميركية لتمجيد الدولة اليهودية، تتبنى قصصا حول حق اليهود في فلسطين مثل فيلم "أجمل سنوات عمرنا" The Best Years of Our Lives لعام 1946.
وحصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم لمجرد أنه تناول قضية اللاجئين اليهود الأوروبيين للتعاطف معهم وتبرير احتلالهم لفلسطين كوطن بديل، رغم أن القصة الأصلية عن ثلاثة عسكريين عائدين من الحرب العالمية الثانية.
دلالات وشواهد
لكن انقلب السحر على الساحر وبدأ نجوم هوليود يهاجمون جرائم الاحتلال الآن ويظهرون عنصريته عبر أفلام حديثة.
ومنها فيلم "حراس البوابة" The Gatekeepers الذي رصد عام 2012 قصة جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) القمعي، وجرائمه، وترشح لجوائز الأوسكار وفاز.
وفيلم "خمس كاميرات محطمة" 5 Broken Cameras، الذي أنتج عام 2011 مع الربيع العربي، ويروي قصة المقاومة السلمية لقرية بلعين الفلسطينية ضد جدار الفصل والاستيطان الإسرائيلي.
ورفضت الممثلة الأميركية ناتالي بورتمان جائزة إسرائيلية مليون دولار من حكومة تل أبيب عام 2018، احتجاجا على تصرفاتها العنصرية، ثم نددت بقانون القومية اليهودية في مقابلة أجرتها معها نهاية عام 2019، واصفة إياه بـ "العنصري".
وفي عام 2016 امتنع 26 من كبار نجوم هوليوود عن تلبية دعوات لزيارة إسرائيل في رحلات سياحية مجانية وفاخرة؛ منهم: مات ديمون وليوناردو دي كابريو.
بل وأجبر نجوم هوليوود الذين أدانوا قتل الاحتلال الإسرائيلي للصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة صحف الولايات المتحدة على إدانة قتلها بعدما تناولت بعض الصحف الخبر بطريقة أفادت أنها «توفيت» ولم يتم "قتلها" برصاص جنود الاحتلال.
فقد هاجم عدد من نجوم هوليوود قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي للصحفية أبو عاقلة، التي تحمل أيضا الجنسية الأميركية، وانتقدوا تعامل صحف بلادهم منها "نيويورك تايمز" مع قتلها على أنه خبر عادي.
وفور نشر "نيويورك تايمز" الأميركية خبر قتل أبو عاقلة بعنوان "الصحفية شيرين أبو عقل تتوفى عن عمر 51 عاما"، هاجم ليام كانينجهام، نجم مسلسل "صراع العروش – Game of Thrones" الصحيفة بعنف.
وصحح كانينجهام عنوان الخبر على حسابه في إنستغرام مستخدما خاصية التعديل قائلا: "تم اغتيالها من قبل قناص إسرائيلي وهي ترتدي سترة الصحفيين وتغطي وحشية الجيش الإسرائيلي، ما أجبر الصحيفة على تغيير عنوانها.
وأدانت الممثلة الأميركية سوزان ساراندون جريمة اغتيال مراسلة قناة «الجزيرة» في الأراضي المحتلة، وانتقدت سياسة الصمت التي تتبعها بلادها.
وكتبت ساراندون في تغريدة عبر حسابها الخاص على موقع تويتر، قائلة: "تم إعدام شيرين أبو عاقلة برصاصة في رأسها من قبل قناصة إسرائيليين بينما كانت ترتدي خوذتها وسترة واقية من الرصاص كتب عليها صحافة".
وتساءلت: "إلى متى سنبقى صامتين بينما يقتل (حلفاؤنا الإسرائيليون)، الصحفيين، لقولهم حقائق مزعجة؟".
Shireen Abu Akleh was EXECUTED with a shot to the head by Israeli snipers while wearing her helmet & bullet proof vest that said PRESS on in.
— Susan Sarandon (@SusanSarandon) May 11, 2022
How long will we continue remaining silent while our “allies” kill journalists for telling inconvenient truths?#شيرين_ابو_عاقلة
وحين هاجم جنود الاحتلال جنازة "أبو عاقلة" وقع 126 ممثلا وعاملا في صناعة السينما في هوليوود بيانا ينتقد شرطة الاحتلال ويطالب بمساءلة إسرائيل، بحسب مجلة "هوليوود ريبورتر" 19 مايو/أيار 2022.
وتشير التقارير الغربية التي رصدتها "الاستقلال" حول انقلاب موقف هوليوود من إسرائيل، إلى أن أحد أهم المحفزات لتغيير نهجها ونظرة نجومها، اليهود وغيرهم، تجاه الفلسطينيين هي مواقع التواصل الاجتماعي.
وكسرت مواقع التواصل الحواجز الرسمية بين الحقائق والمتلقي، فزعزعت السرد الإسرائيلي السائد في وسائل الإعلام التقليدية مثلما زعزعت السرد العنصري تجاه السود في الولايات المتحدة وأجبرت هوليوود على تعزيز التعددية وتفادي الطرح النمطي للأقليات والمستضعفين في أفلامها.
وخلال اعتداءات 2022 الإسرائيلية على الفلسطينيين وآخرها قتل شيرين أبو عاقلة، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بحملات تضامن من نجوم هوليوود بصورة غير مسبوقة مع الفلسطينيين تندد بالتصعيد والقصف والقتل الإسرائيلي.
كان منهم مشاهير ونجوم هوليوود الكبار مثل مارك رافالو وفيولا ديفيس وحتى الإسرائيلية نتالي بورتمان.
فيما غابت للمرة الأولى التصريحات المؤيدة لإسرائيل من قبل نجوم هوليوود، باستثناء تغريدة الإسرائيلية غال غادوت، التي قوبلت بانتقادات لاذعة واضطرت لحذفها لاحقا.
ويعد هذا تغيرا كبيرا؛ فحتى وقت قريب كان أي تصريح مؤيد للفلسطينيين أو منتقد لإسرائيل يعرض نجوم هوليوود لاستنكار لاذع من معجبيهم وتوبيخ من مسؤولي صناعة السينما، وأحيانا ما كان يتسبب في دمار سيرتهم المهنية.
المصادر
- Has Hollywood Fallen Out of Love With Israel?
- Hollywood and Israel ..A History
- The Epic Battle in Hollywood over the Holy Land
- How Hollywood Wrote the Story of Israel
- Artists Demand “Full Accountability” of Shireen Abu Akleh126
- نجوم هوليوود يجبرون صحفا أمريكية على إدانة قتل الاحتلال الإسرائيلي لشيرين أبو عاقلة