دعوات في العراق لإسقاط الطبقة الحاكمة.. هل تتكرر احتجاجات 2019؟
فتح الانسداد السياسي الذي يمر به العراق منذ سبعة أشهر والمتمثل بعدم القدرة على تشكيل الحكومة، الباب مجددا أمام حركات وتنسيقيات لإطلاق دعوات إعادة الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع للإطاحة بالبرلمان المنتخب في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
لم تستطع القوى السياسية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية التي جاءت تلبية لاحتجاجات شعبية اندلعت في أكتوبر 2019، وأطاحت بحكومة عادل عبد المهدي، وسقط خلالها نحو 800 قتيل وأكثر من 30 ألف جريح برصاص قوات الأمن العراقية.
ونادت الاحتجاجات بإسقاط الطبقة الحاكمة منذ عام 2003، ومحاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية ومعالجة البطالة المتفشية والخدمات المنهارة، وتردي الأوضاع المعيشية، وإلغاء نظام المحاصصة السياسية.
"غضب قادم"
وأطلق ناشطون وتنسيقيات حركات احتجاجية دعوات للخروج في مظاهرات مطلع يونيو/حزيران 2022، هدفها الإطاحة بالبرلمان الحالي، وتغيير النظام.
وقال رئيس حراك البيت العراقي محيي الأنصاري إن "كل المؤشرات الحالية تؤكد أن الغضب الشعبي قادم، ولا تعد احتجاجات تشرين السابقة فيه إلا مرحلة من سلسلة التغيير التي بدأت في العام 2011 وستستمر لحين تغيير النظام السياسي الحالي".
وأوضح الأنصاري خلال تصريح في 21 مايو/أيار 2022 أن "الغاية من الاحتجاجات المقبلة ليس فقط تغيير النظام الحاكم، وإنما تذكير الطبقة السياسية بالحاجة إلى تعديلات دستورية تنتج نصوصا تراعي المتغيرات التي مرت بالبلاد بعد عام 2003، لأن إخراج البلاد من أزماتها يبدأ بتعديل الدستور".
وفي السياق ذاته، أكد إياد العراقي المستشار الإعلامي في حركة "أبناء الشعب العراقي" الاحتجاجية أن الشعب العراقي لا خيار أمامه سوى "ثورة عارمة.
ولفت خلال مؤتمر صحفي في 17 مايو 2022 أنه يجب "تغيير هذا النظام البرلماني الذي لا يخدم أحدا ولم يحقق سوى الفشل منذ عام 2003 وحتى يومنا الحاضر".
وفي هذا الصدد، انتشرت عبر مجموعات "واتساب، وتلغرام" بطاقات تحمل اسم "تمرد" تدعو إلى سحب الثقة من البرلمان العراقي وإجراء انتخابات مبكرة، بسبب عدم شرعية السلطة التنفيذية والتشريعية بانتهاء المدة الدستورية والخرق الدستوري الحاصل، مشيرة إلى أن السلطة القضائية هي الوحيدة صاحبة الشرعية.
وأشارت البطاقة المتداولة في 25 مايو 2022 إلى أن الشباب ما زال عاطلا وبلا مستقبل، وأن أزمة الكهرباء والخدمات لم تحل، وكذلك البلد بلا دعم للزراعة والصناعة والمنتج الوطني، وأيضا ما زال النازحون في المخيمات والمغيبون مجهولي المصير.
وجددت "تمرد" مطالب حراك تشرين، بالكشف عن قتلة المتظاهرين، ووضع حد للسلاح المنفلت وانتهاك هيبة الدولة، والإفراج عن المعتقلين الأبرياء في السجون والمعتقلات، وإنهاء الفساد في المؤسسات الرسمية.
وبالتزامن مع ذلك، غزت شوارع محافظة بابل في 24 مايو 2022 لافتات علقها مجهولون كتب عليها "بدء التغيير"، عد مراقبون أنها تحمل دلالات سياسية تشير إلى العودة للاحتجاجات الشعبية لإنهاء الأزمة السياسية.
ظروف مهيأة
وعن مدى إمكانية عودة المظاهرات إلى الشارع، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق إحسان الشمري إن هناك سيناريوهات عدة لحل الانسداد الراهن، أبرزها اختيار التيار الصدري أخذ دور المعارضة في البرلمان.
وأوضح الشمري خلال تصريح له في 21 مايو 2022، أن "هذه المعارضة ستسقط الحكومة التي تتشكل كونها تمتلك تأثيرا واسعا في الشارع، وهو ما يجعل الفريق الوزاري الجديد أمام أزمات جديدة".
ولفت إلى أن السيناريو الثاني هو حل البرلمان بعد فشله في إتمام الاستحقاقات الدستورية، أبرزها انتخاب رئيس الجمهورية.
أما الحل الثالث فهو أن تتقدم الأمم المتحدة بمبادرة لحل حالة الانغلاق السياسي في العراق، وإلا فإن السيناريو الأخير سيكون عودة الاحتجاجات.
وعلى الوتيرة ذاتها، قال الباحث والمحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، إن "جميع الظروف مهيأة لعودة الاحتجاجات.
إذ إن الوضع الذي طالب به المحتجون في أكتوبر 2019، لم يطرأ عليه أي تحسينات، وبالتالي فإن عودة الانتفاضة واردة ومنطقية، لا سيما مع الاستهتار السياسي الحاصل حاليا من قبل جميع الكتل والأحزاب السياسية.
وشدد الشريفي، خلال تصريح له في الأول من مايو على أن "قادة الأحزاب والفصائل المسلحة عادة ما يستخفون بالاحتجاجات ويجدون أن القمع هو الحل مع المتمردين على تغولهم، لكنها في نفس الوقت الحدث الذي قض مضاجع قادة الأحزاب، وهي الخيار السلمي الأبرز لإعلان حالة الرفض الشعبي".
من جهته، قال عمار النعيمي عضو حركة "نازل آخذ حقي"، خلال تصريح له في ذات اليوم إن "الاحتجاجات الشعبية كانت سببا في كل ما يجري وفي تراجع شعبية الأحزاب السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة، لذلك نحن نؤمن بها كوسيلة للتغيير مع ضرورة العمل السياسي في نفس الوقت".
ولفت النعيمي إلى أن "التيارات السياسية والفصائل المسلحة لا تزال تعيش في مساحة غياب عن متطلبات العراقيين، وأن زيادة الاستهتار بالفترات الدستورية لتشكيل الحكومة الجديدة على طريقة المحاصصة المرفوضة ستؤدي إلى تنامي الغضب، كما أن الأسابيع المقبلة ستشهد عودة للحركات الشبابية والاحتجاجية".
الموقف السياسي
تعود أسباب تأخر تشكيل الحكومة في العراق إلى إصرار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر مع حلفائه تحالف السيادة (السني) والحزب الديمقراطي الكردستاني، على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، رافضا العودة إلى حكومات التوافق القائمة على المحاصصة ووفقا للأوزان الطائفية في البلاد.
في المقابل، يرفض تحالف "الإطار التنسيقي" (الشيعي) وحلفاؤه من الاتحاد الوطني الكردستاني وتحالف عزم (السني)، هذا الطرح، ويؤكد أيضا رفضه تشكيل أي حكومة لا تكون من خلال كتلة سياسية للمكون الشيعي.
وعلى ضوء ذلك، صدرت مؤخرا مواقف سياسية عدة تؤكد أن حل البرلمان وإعادة الانتخابات سيكون الخيار المتاح والأفضل من سيناريو الفوضى، في ظل مخاوف من تأثر الملف الأمني بالأزمة السياسية الحالية.
وقال النائب علاء الركابي الرئيس السابق لحركة "امتداد" المنبثقة عن حراك تشرين، خلال تصريحات لوكالة الأنباء العراقية في 26 أبريل/نيسان 2022 إن حل البرلمان خيار يلوح في الأفق، بعد تجاوز المهل الدستورية وعدم وجود أي ملامح لحل للأزمة.
من جانبه، أكد عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني"، فائق يزيدي، خلال تصريحات صحفية في 22 مايو، أن "حل البرلمان هو أحد السيناريوهات المحتملة للخروج من الأزمة".
وعلى الصعيد ذاته، نقلت قناة "آي نيوز" العراقية في 23 مايو عن عضو بارز في التيار الصدري (لم تكشف هويته)، إن "حل البرلمان وإعادة الانتخابات أفضل من ولادة حكومة مشوهة". وأكد مناقشة هذا الخيار في اجتماعات مختلفة بينها لأعضاء تحالف "إنقاذ وطن".
ورأى عضو التيار الصدري أن "إعادة الانتخابات ستكون في صالح القوى المؤيدة لمشروع حكومة الأغلبية وكذلك المدنيين والمستقلين، لانكشاف ظهر القوى التي أسندت التفاوض مع أبناء الوطن لشخصيات من الخارج"، في إشارة إلى تحالف "الإطار التنسيقي".
وعد أن تحالف "إنقاذ وطن" (التيار الصدري، تحالف السيادة، الحزب الديمقراطي الكردستاني) يمتلك قرار حل البرلمان.
وأردف: "لدينا 180 نائبا، ومتى ما رأينا أن حل البرلمان في صالح العراقيين، سنفعل ذلك بلا تردد، ولن نواجه صعوبة بتحقيق نصاب هذه الجلسة حتى إذا قاطعت قوى الإطار التنسيقي".
في مقابل ذلك، أكد القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي" الشيعي، محمد الصيهود، ارتفاع حظوظ خيار حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة في الأيام الأخيرة، مؤكدا أنه "قد يكون أفضل من الخيارات الأخرى إذا استمرت الأزمة فترة أطول".
وأضاف الصيهود خلال تصريحات صحفية في 23 مايو أن "خيار حل البرلمان والتوجه نحو إعادة الانتخابات بات مطروحا كأمر واقع الآن من قبل أطراف سياسية مختلفة، خصوصا لما للانسداد الحاصل حاليا من تأثير على مجمل الأوضاع في العراق".
واتهم عضو "الإطار التنسيقي" مفوضية الانتخابات وحكومة مصطفى الكاظمي بـ"الفشل في إجراء انتخابات نزيهة".
وبين أن "التوجه نحو خيار حل البرلمان وإجراء الانتخابات مشروط بتغيير مفوضيتها، وربما يطال الأمر تعديل قانون الانتخابات، خصوصا فيما يتعلق بآلية عد وفرز الأصوات".
المصادر
- "إنقاذ وطن" يمتلك القرار ... إعادة الانتخابات وحلّ البرلمان خياران يلوحان في أفق الأزمة السياسية العراقية
- هل يشهد العراق إطلاق "تشرين ثانية" ضد حالة الانسداد السياسي؟
- "حراك أبناء الشعب العراقي" يلوح بالعودة إلى التظاهر لتغيير النظام السياسي في البلاد
- العراق: النزاعات السياسية تهيئ الظروف لعودة الاحتجاجات
- غزت شوارع بابل.. ما قصة لافتات "بدء التغيير"؟
- تحالف إنقاذ وطن: حل البرلمان وإعادة الانتخابات أفضل من ولادة حكومة مشوّهة
- الركابي: الانتخابات ستعاد خلال 6 أشهر عند حلّ البرلمان