نزار الخزرجي.. قائد عراقي "هزم إيران" وهمشه صدام تطارده جرائم الأنفال
"حرر الفاو من قبضة إيران، ثم غادر العراق معترضا على غزو الكويت"، إنه رئيس أركان الجيش العراقي السابق، نزار الخزرجي، الذي تعرض لانتقاد لاذع من سلطات إقليم كردستان بعد ظهوره خلال مقابلة تلفزيونية في سلسلة حلقات تناولت أهم محطات حياته المهنية.
وخلال إحدى الحلقات وتحديدا في 3 مايو/ أيار 2022، نفى الخزرجي جملة وتفصيلا المعلومات التي أوردتها منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، والقادة الأكراد عن مقتل نحو 100 إلى 180 ألفا خلال عمليات "الأنفال" من الجيش العراقي ضد الأكراد في عام 1988.
"سفاح الأنفال"
الخزرجي وصف المعلومات بإبادة عشرات الآلاف من الأكراد بأنها ليست دقيقة، وأن الحديث عن هكذا أعداد من الضحايا هدفه شيطنة الدولة العراقية التي اتبعها "العدو" الإيراني، والولايات المتحدة الأميركية، لأننا تمكنا من تنظيف المنطقة الشمالية من المسلحين الأكراد.
وعن تجربته مع الأكراد، أوضح الخزرجي أنه في عام 1977 عين آمرا للواء الخامس وبعدها بسنة تولى قيادة الفرقة السابعة، لمقاتلة (العصاة) الأكراد، مبينا أن قرار إخلاء القرى الكردية على طول الشريط الحدودي مع إيران كان سياسيا وليس مني شخصيا".
وأوضح أن "القرار السياسي جاء بناء على مقترح من رئاسة الأركان العسكرية بإخلال الشريط الحدودي بحدود 15 إلى 20 كلم، حتى يتعذر أي اتصال بين الأكراد والأراضي الإيرانية".
وبين الخزرجي أن "الأهالي الذين نقلوا من الشريط الحدودي عوضوا مقابل ذلك بشكل مبالغ فيه، عما لحقهم من ضرر، ونقلوا إلى مجمعات سكنية، وأما البيوت التي كانت على الشريط الحدودي فقد جرى تخريبها (تجريفها) بالكامل".
وأضاف: "جرى تبليغ الأكراد في وقتها أنه حال انتهاء الحالة الطارئة فإنهم سيعودون تدريجيا إلى مناطقهم. لم يكن هناك خيار آخر لأن المواطنين الأكراد كانوا يرضخون للمسلحين. وبعدما انتهت العمليات العسكرية عادوا جميعا إلى قراهم".
وعلى ضوء ذلك، أدانت وزارة شؤون الشهداء و"المؤنفلين" بحكومة إقليم كردستان العراق في 13 أبريل/ نيسان 2022، تصريحات الخزرجي بشأن عمليات الأنفال.
وقالت "إن المتهم نزار عبد الكريم فيصل الخزرجي نفى جميع الجرائم التي ارتكبها الجيش والمؤسسات الأمنية البعثية في عمليات الأنفال وعدها مجرد دعايات للقوى الكردية وإيران والإعلام الغربي".
نوه البيان إلى أن "الخزرجي كان قد عد بلسانه وعن طريق مذكراته، الأنفال، عملية أمنية داخلية وقال إنها لا تستحق كل ذلك الضجيج الذي أثير حولها متهما إيران بارتكاب جريمة قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية وبرأ ساحة البعث".
وأشار الى أن "الخزرجي يتكلم بافتخار عن كونه مهندسا لترحيل قرى كردستان عقب إخفاق ثورة أيلول (مهاجمة الأكراد للقوات العراقية والتمرد على النظام) فضلا عن إشرافه على المراحل الأولى والثانية والثالثة من عمليات الأنفال في مناطق دولي جافتي وقره داغ وكرميان وكذلك كونه من صاغ الفكرة ومتمما لجرائم الأنفال بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية".
ووصفت الوزارة، الخزرجي بأنه "أحد المتهمين الرئيسين في جرائم الأنفال"، متعهدة بمتابعة قضيته مع السلطات العراقية والمجتمع الدولي لطلب اعتقاله وتسليمه من أجل محاكمته كواحد من المجرمين".
وعمليات القتل المعروفة باسم "الأنفال" من الحكومة العراقية ضد الأكراد في شمال البلاد، زعمت السلطات أنها كانت تخمد تمردا، بحجة وقوف بعضهم مع الجانب الإيراني خلال الحرب الإيرانية العراقية، بين عامي 1980 و1988.
قائد بالجولان
نزار عبد الكريم فيصل الخزرجي من مواليد مدينة الموصل في 13 أكتوبر/ تشرين الثاني 1938، والده كان ضابطا برتبة عميد في الجيش العراقي بالعهد الملكي وأحد رؤساء قبيلة الخزرج في العراق.
تخرج الخزرجي في الكلية العسكرية كضابط درع عام 1958. في عام 1960 تطوع في القوات الخاصة وعمل بمنصب آمر فصيل سرية لغاية عام 1964، ثم نقل إلى منصب مرافق قائد الفرقة الثانية لغاية عام 1966. التحق بكلية الأركان وتخرج فيها عام 1968.
عين بمنصب معاون آمر فوج مظلي، ثم نقل إلى منصب معاون ملحق عسكري في موسكو عام 1968. في العام 1971 نقل إلى منصب آمر فوج مظلي وشارك في حرب 1973 على جبهة الجولان.
ويقول الخزرجي خلال إحدى حلقات مقابلته التلفزيونية في أبريل 2022 إنه "شارك في حرب أكتوبر 1973 وكان آمر اللواء الثاني في القوات الخاصة العراقية، عندها كان للتو خارجا من المستشفى بعد إجراء عملية جراحية، كونهم أرادوا إرسال قوات خاصة على وجه السرعة، فطلبت أنا الذهاب رغم حالتي الصحية".
وأشار إلى المعركة التي حصلت بين لواء من الدبابات العراقية يضم نحو 120 دبابة مع القوات الإسرائيلية عند مقدمة هضبة الجولان، عندما كان يتجه جيش الاحتلال إلى دمشق، لكنه فوجئ بالقوات العراقية وحصلت معركة بالصدفة ووقعت خسائر عند الطرفين فتوقفت المعركة.
وأضاف الخزرجي أن "الجانب الإسرائيلي طالب عندها بمعلومات عن هذا الجيش وبالتأكيد الجانب الأميركي هو من زودهم بها عن طريق الأقمار الصناعية، فأخبرهم أن هذا جيش ينتهي عند بغداد، وهذا ما دفعهم للتوقف والتحصن بمنطقة الجولان".
ولفت إلى أنه "عندما وصلت إلى دمشق وتحديدا عند المدخل في منطقة الغوطة تفاجأت بوجود دبابات لسرايا الدفاع السوري بقيادة رفعت الأسد، روسية حديثة (تي 62) زرعت في البساتين، والتي كنا نحن لا نمتلك منها، وتبين أنها لحماية الرئيس (وقتها) حافظ الأسد بدلا من الذهاب للقتال ضد الإسرائيليين".
وتابع: "بعدها ذهبت إلى الجولان ووجدت الجيش السوري عبارة عن قطعات من أفراد بعضهم بلا سلاح وآخرون بلا خوذ فولاذية، يعودون إلى دمشق، وبالتالي كان جيشا مهزوما منهارا".
وأردف الخزرجي، قائلا: "ما عدا نحو 25 طائرة إنجليزية الصنع فئة (هنتر)، فإننا أرسلنا نحو 14 سربا من الطائرات الحربية روسية الصنع للمشاركة في المعركة بسوريا وكانت بحدود 250 إلى 300 طائرة، لكنها استخدمت بشكل سيئ كونها كانت تأتمر بقيادة القوة الجوية السورية، وأعطينا خسائر غير قليلة بنحو 60 طائرة".
وزاد الخزرجي: "أنا قدت عملية عسكرية في منطقة تل عنتر دمرنا خلالها 11 دبابة إسرائيلية وعددا من الناقلات والعجلات وقتلنا نحو 40 إسرائيليا عدا الجرحى، ومقابل ذلك أعطينا جريحا واحدا".
ولفت إلى أن "القوات العراقية تحشدت يوم 22 أكتوبر وكان الهجوم مقررا الساعة الثانية والنصف ليلا لكن جاءنا تبليغ الساعة الثانية أن إسرائيل وسوريا توصلتا إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ونحن كنا نشرع بالهجوم".
وأردف: "لم يعلم الجانب العراقي بذلك رغم مشاركته بالحرب بالفرق العسكرية السادسة والثامنة والثالثة إضافة إلى القوات الخاصة، وكان المفروض أن نشارك بهجوم شامل نشيل (نخرج) الإسرائيليين من الجولان".
بعدها نقل إلى منصب ملحق عسكري في الهند في عام 1974 واستمر فيه إلى غاية 1977، ثم نقل إلى الملحقية العسكرية في موسكو وأصبح نائبا للمحلق العسكري، ثم عاد إلى العراق بطلب من نائب الرئيس العراقي في وقتها صدام حسين.
في عام 1977 تولى منصب آمر لواء المشاة الخامس، ثم قائدا للفرقة السابعة وشارك في حرب الشمال من الحرب العراقية – الإيرانية.
وفي عام 1983 نقل إلى منصب أمين سر عام وزارة الدفاع، ثم قائدا للفيلق الأول، بعدها في العام 1986 جرى نقله إلى منصب معاون رئيس أركان الجيش للعمليات، ثم قائدا للفيلق الأول مرة أخرى.
"بطل الفاو"
كان الخزرجي صاحب خطة استعادة مدينة الفاو التي احتلتها القوات الإيرانية خلال الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن العشرين، من 1986 إلى 1988.
قدم الخزرجي مقترحا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين لتغيير سياسة الجيش من التموضع والدفاع إلى المناورة من عدة جهات.
وافقت القيادة العراقية كخيار أخير للمعركة، ثم قسم بعدها الخزرجي الجيش إلى قسمين الأول مدافع والثاني مناور من مكان إلى آخر مما أضعف الوجهات العسكرية الإيرانية وأجبرهم على الانسحاب وتقديم خسائر كبيرة بالأرواح وتحرير الفاو.
وكانت هذه العملية العسكرية فيما بعد تدرس في بعض الكليات العسكرية في الخارج من ناحية أنه كيف كان العراق خاسرا وخلال 35 ساعة أصبح الرابح.
وعلى إثرها، أصدر معهد الدراسات الإستراتيجية في واشنطن كتابا يتحدث عن ذهول المراقبين الدوليين من هذه المعركة ووصفوها بخطة تكاد تكون روسية أو مصرية لكنهم صدموا من كونها عراقية وضعها "نزار الخزرجي".
وتولى نزار الخزرجي منصب رئيس أركان الجيش العراقي في العام 1987 ولغاية 1990، وفي نفس السنة نقل إلى منصب مستشار في رئاسة الجمهورية على إثر غزو الكويت.
ويقول الخزرجي عن الغزو إن "صدام حسين ومع حسين كامل زوج ابنته الكبرى رغد، وابن عمه علي حسن المجيد، ونجله قصي فقط من كانوا يعلمون بغزو الكويت".
وأردف: "عندما طلبني لتقييم الأوضاع، قلت له إن التأثيرات كبيرة على العراق وستشارك قوات غربية وعربية ضد الجيش العراقي".
وأضاف أن "الرئيس العراقي لم يعجبه كلامي، وأنهى الاجتماع قبل أن أنهي كلامي، ثم في اليوم التالي وصلتني رسالة منه إلى منزلي يعلمني فيها بعزلي من منصب رئيس أركان الجيش وتحويلي إلى مستشار في رئاسة الجمهورية، مع شكره لي لما قمت به في معركة القادسية (الحرب الإيرانية العراقية)".
غادر الخزرجي العراق عام 1995 إلى الأردن ثم طلب اللجوء في الدنمارك وبقي فيها معارضا لنظام صدام حسين، حتى الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.