بمجرد فوزه.. هكذا يسعى اليمين المتطرف واليسار الراديكالي للانتقام من ماكرون
سلط تقرير إسباني الضوء على اتحاد اليمين المتطرف واليسار الراديكالي في فرنسا للانتقام من الرئيس إيمانويل ماكرون خلال الانتخابات التشريعية المقبلة.
ومن المقرر إجراء تلك الانتخابات بين 12 و19 يونيو/حزيران 2022، ويحاول الطرفان فيها التغلب على ماكرون الذي فاز بولاية رئاسية ثانية في أبريل/نيسان من العام ذاته.
وقالت صحيفة لافانغوارديا الإسبانية، إن إيمانويل ماكرون لم يتمكن من الاستمتاع بفوزه في الانتخابات التشريعية؛ حتى إنه لن يتمتع بفترة هدنة بعد الحملة الانتخابية الساخنة للرئاسيات.
لم ينتصر
في الواقع، لا يضمن له هذا الانتصار بفارق كبير على زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان راحة البال والتمكن من تنفس الصعداء.
وأوردت الصحيفة أن النتائج تظهر ساحقة للوهلة الأولى. حصل ماكرون على 58.5 بالمئة من الأصوات مقابل 41.5 بالمئة لصالح لوبان؛ أي بفارق 17 نقطة وما يقرب من 5.5 ملايين صوت إضافي للرئيس الحالي.
ومع ذلك، تظهر بيانات أخرى أن ماكرون كان، في الواقع، بعيدا كل البعد عن الظفر بدعم الأغلبية في البلاد.
وامتنع 13.6 مليون فرنسي، بنسبة 28 بالمئة من السجل الانتخابي، عن التصويت. في الأثناء، صوت 2.2 مليون شخص على بياض و790 ألف صوت باطل.
ونوهت الصحيفة بأن الامتناع عن التصويت يعد عاليا بحسب المعايير الفرنسية، لكن الجانب الأكثر غرابة تمثل حقا، كما حدث عام 2017، بحجم الأصوات الفارغة والباطلة، والتي كانت في حدود ثلاثة ملايين ناخب في المجموع.
في الحقيقة، هم مواطنون عبروا عن اشمئزازهم الشديد وإحباطهم وعجزهم بسبب معضلة عدم تمثيلهم من قبل أي من بين هذين المرشحين، الذين لم يتمكن أي منهما من إقناعهم إطلاقا.
عموما، إذا أخذنا بعين الاعتبار الامتناع عن التصويت والأصوات الفارغة والباطلة، فستكون نسبة إعادة انتخاب ماكرون في حدود 38.5 بالمئة فقط من القائمة الانتخابية.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس أيضا اعترف بهذه الحقيقة علنا في حفل النصر، في شون دي مارت، تحت برج إيفل.
وقال ماكرون، إن بعض الذين صوتوا له فعلوا ذلك دون أي حماس، واختاروه من منطلق واجب أخلاقي بحت لتجنب وصول اليمين المتطرف إلى السلطة.
ونقلت الصحيفة أن تعديل أوراق السياسة الفرنسية سيدار في يونيو عندما يجري التصويت على تجديد الجمعية الوطنية.
من جهة، يبدو من الواضح أن الفوز يمنح حزب ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام"، دفعة قوية.
وبالنسبة لمجموعة من ناخبي الرئيس، سيكون اختيار حزب ماكرون بمثابة رد فعل تلقائي تقريبا. ومع ذلك، لا شيء يضمن أغلبية مثل تلك التي حصل عليها الحزب عام 2017.
من جهة أخرى، يجب عدم التغافل عن أنه في هذه السنوات لم يجر توحيد الحزب بشكل كاف في فرنسا.
في الواقع، تجلت هذه الحقيقة في الانتخابات الأوروبية لعام 2019، وفي الانتخابات البلدية لعام 2020، وفي الانتخابات الإقليمية لعام 2021.
وفي جميع الحالات الثلاث، كانت نتائج الحزب الرئاسي مخيبة للآمال، إن لم تكن مذلة.
المنافسة القادمة
في هذا المعنى، من المهم مراقبة كيف ستدار المنافسة بين حزب "الجمهورية إلى الأمام" والقوى الأخرى، مثل الوسطيين في حزب الحركة الديمقراطية والقوة الجديدة من اليمين الوسطي، حزب آفاق، التابع لرئيس الوزراء السابق، إدوارد فيليب.
وترى الصحيفة أن ماكرون نفسه يريد التدخل المباشر في القرارات المتعلقة بالمرشحين.
وأوردت أن زعيم فرنسا الأبية ومرشح الاتحاد الشعبي، جان لوك ميلينشون، الذي حصل على ما يقرب من 22 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، يعتقد أنه سيكون من الممكن بالنسبة له اجتذاب قوى يسارية أخرى والحصول على كتلة صلبة جدا من النواب.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه يطمح للفوز في الانتخابات وإجبار ماكرون على تعيينه رئيسا للوزراء، وهو ما يعني تعايشا سياسيا باهظ الثمن.
وأضافت الصحيفة أن ميلينشون، الماهر دائما، ظهر على خشبة المسرح بمجرد أن عُرف أن ماكرون قد فاز؛ في محاولة لإفساد الحفلة وإلقاء الخطاف على ملايين الأشخاص الذين رفضوا قبول وصول الرئيس ولوبان إلى الجولة الثانية لأنهم شعروا بأنهم غريبون عن تلك المعركة.
وهنا، أكد الزعيم اليساري أن ماكرون كان "أسوأ رئيس مختار للجمهورية الخامسة". وباستخدام استعارة رائعة، عارض فوزه بالقول إنه "يطفو على بحر من الامتناع عن التصويت، ومن الأصوات البيضاء والباطلة".
وأوردت صحيفة لافانغوارديا الإسبانية أن توحيد الصفوف مهمة صعبة على اليمين المتطرف، بسبب الانزعاج وغياب عنصر التوافق بين مارين لوبان والمرشح إريك زمور.
وعلى الرغم من أن زمور قد اقترح توحيد اليمين أمام الانتخابات التشريعية، فإنه في الوقت نفسه كان يهين لوبان بقوله إنها فشلت بالفعل ثماني مرات في انتخابات الإليزيه.
وفي الوقت الحالي، ترفض لوبان رفضا قاطعا التحالف مع زمور. وأوضحت الصحيفة أن ماكرون يريد التريث قليلا قبل إعفاء رئيس الوزراء جان كاستكس، وهو قرار يعد أمرا مفروغا منه، حتى إن الأخير بدا متيقنا منه منذ فترة طويلة.
وتقول: "من المتوقع أن تحل محله امرأة، وهنا تعد كريستين لاغارد، الرئيسة الحالية للبنك المركزي الأوروبي، بين الاحتمالات القوية". لكن هناك خيار آخر، لتوسيع القاعدة السياسية، يتمثل في تعيين رئيس وزراء من اليسار المعتدل.
وذكرت الصحيفة أن وسائل الإعلام الفرنسية الرئيسة اعترفت بإنجاز ماكرون المتمثل في إعادة انتخابه على الرغم من الإدارة الصعبة للغاية التي تركها وراءه.
في هذا المعنى، تحدثت صحيفة لوفيغارو الفرنسية المحافظة عن "فترة خمس سنوات ملعونة"، شهدت خلالها البلاد ثورة السترات الصفراء، ووباء كورونا.
ويضاف إلى كل ذلك، الزلزال الجيوسياسي الذي بدأ مع حرب أوكرانيا. وبحسب الصحيفة "يمكن أن يكون الرئيس شرعيا وهشا في نفس الوقت"، وهو الوضع الذي يجد ماكرون نفسه فيه الآن.
وجاء في العنوان الافتتاحي لصحيفة لو باريزيان الفرنسية أن ماكرون "أعيد انتخابه ولكن تحت الضغط بالفعل".
وسلطت لوموند الضوء بقلق على "المستوى التاريخي" الذي وصل إليه اليمين المتطرف وحذرت من إعادة انتخاب ماكرون وامتلاكه شرعية للحكم رغم حقيقة أنه "لم يبتعد عن حافة الهاوية".
ووفقا لصحيفة ليبراسيون اليسارية، فقد كان انتخاب ماكرون عبارة عن "نجاح دون نصر"، لم يحققه برنامجه أو شخصه بقدر ما تحقق من خلال رد فعل ديمقراطي "للحفاظ على ما هو ضروري".
عموما، لا يزال الرئيس في الإليزيه "بفضل النضج السياسي للفرنسيين، الذين تمكنوا، من التعبئة لرفض أوهام الشعبوية اليمينية المتطرفة"، تخلص الصحيفة الإسبانية.