حظر أنشطة وتشميع مقرات.. لماذا تحارب سلطات المغرب جماعة العدل والإحسان؟

12

طباعة

مشاركة

ملف شائك في المغرب، لا تزال تفاصيله مستمرة منذ أكثر من 15 سنة، عنوانه الأبرز تشميع (إغلاق) بيوت بعض أعضاء جماعة "العدل والإحسان"، المعارضة للنظام منذ تأسيسها نهاية سبعينيات القرن الماضي.

وتعد "العدل والإحسان" إحدى أكبر الجماعات الإسلامية المعارضة في المغرب، وتوجه قيادتها انتقادات حادة للسلطة في البلاد، إلا أنها تدعو إلى "اعتماد المنهج السلمي كوسيلة لتغيير الأوضاع في المغرب"، بحسب أدبياتها.

وفي كل مرة، ومع إغلاق بيت جديد أو حصول حالة اعتداء "مبهمة" بحق منزل مشمع، دون إجراءات لمعرفة الحيثيات، يفتح هذا الملف على الساحة الوطنية.

تصفية حسابات

وفي 7 أبريل/نيسان 2022، تعرض بيت عضو جماعة العدل والإحسان، كمال رضا، في مدينة أغادير إلى حريق جديد، هو الرابع منذ إغلاقه في 2019، ضمن ملابسات تفاصيلها مجهولة.

وفي بيان صادر عن رضا، أكد أن "التشميع اللاقانوني هو السبب الأول في كل المعاناة والويلات التي يتعرض لها بيتنا، كما أننا لا نعلم حجم الخسائر التي خلفها حريق اليوم وغيره من الحرائق السابقة، ونشكو أمرنا إلى الله".

وقال: "أمام هول الكوارث المتكررة، وجدت نفسي عاجزا أمام أبواب مقفلة ومشمعة تحرمني من الاقتراب من بيتي حتى في ظروف استثنائية كهذه".

وحمل رضا، مسؤولية "كل ما يتعرض له البيت المشمع للجهات التي أصدرت القرار الظالم، وسيبقى وصمة عار على جبينهم إلى يوم الدين".

من جانبه، قال المحامي، محمد النويني، إن "جميع القرارات الإدارية التي عمدت إلى تشميع بيوت العديد من الناشطين المغاربة طيلة العشرية الماضية والحالية، باطلة ولا تستند إلى أي مؤيدات قانونية أو مسوغات معقولة، مما يتعين إلغاؤها وإبطالها وعدها هي والعدم سواء".

وأكد في تصريح لموقع "الجماعة" في 29 مارس/آذار 2022 أن "القرارات القاضية بإغلاق مساكن مواطنين أبرياء مشوبة بعيب عدم الاختصاص لكونها صادرة عن جهة غير مختصة (السلطة الإدارية)، الأمر الذي يتعين معه التصريح بإلغائها (من طرف السلطة القضائية) لهذا السبب".

من جهته، قال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لـ"العدل والإحسان"، حسن بناجح: "في البداية يجب التأكيد على أن تشميع بيوت الأعضاء يأتي في إطار مسلسل التضييق على الجماعة منذ ظهورها، والذي بدأ مع مؤسسها عبد السلام ياسين رحمه الله، الذي تعرض للاعتقال والاحتجاز بشكل تعسفي".

وأكد بناجح لـ"الاستقلال" أن "هذا التضييق استمر على مدار عقود حيث حوكم عدد كبير من أعضاء الجماعة بشكل صوري، ومنعت جرائدها، والجمعيات التي ينتمي إليها أعضاؤها، وإعفاء أطرها من المناصب العمومية.. وغير ذلك من أشكال الاضطهاد ضد ناشطي الجماعة وجميع مناضلي الوطن الشرفاء".

وتابع: "وبالتالي فاستمرار تشميع بيوت أعضاء الجماعة، وباقي أشكال التضييق، هو استمرار لعقلية مخزنية بائدة تعتبر نفسها فوق القانون، وتستعمل القضاء غير المستقل أداة لتصفية حسابها معها".

واستطرد بناجح موضحا: "بالفعل تتعرض بعض البيوت المشمعة إلى سرقات وحرائق، آخرها  السرقة التي لحقت بيت (عضو مجلس الإرشاد) منير ركراكي بفاس في 10 يناير 2022، والحريق الذي نشب مجددا في البيت المشمع بأغادير في 7 أبريل 2022 والذي يعود للمهندس كمال رضا".

ولفت إلى أن "كل ذلك تحت أنظار السلطات التي أغلقتها بقرارات إدارية ظالمة، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية كل ما تتعرض له هذه البيوت من تخريب  وضياع وسرقة وحرائق".

حملات تضامنية

وأمام هذه الإغلاقات الموسمية، قرر مجموعة من الحقوقيين ذوي التوجهات اليسارية واليمينية أو المستقلة، تأسيس "اللجنة الوطنية للتضامن مع أصحاب البيوت المشمعة"، ونظموا على فترات متباينة حملات تضامنية مع أصحاب هذه البيوت، بإجراء زيارات أمامها والتنديد بهذه "الإجراءات التعسفية غير القانونية"، وفق قولهم.

وقال رئيس الفيدرالية المغربية لحقوق الإنسان، ميلود قنديل، إن "الفيدرالية تشارك في القافلة المنظمة من طرف اللجنة الوطنية للتضامن مع أصحاب البيوت المشمعة، انطلاقا من قناعتها بمظلومية أصحاب هذه البيوت".

وأثناء مشاركته في قافلة تضامنية بمدينة فاس في 26 فبراير/شباط 2022، دعا قنديل إلى "احترام المواثيق الدولية المتعلقة بهذا الخصوص".

وبيّن أن "الحرمان من السكن دون سند قانوني هو جرم في حق كل مواطن بغض النظر عن قناعاته ومعتقداته".

فيما أعرب منسق اللجنة الوطنية للتضامن مع أصحاب البيوت المشمعة، عبد الرزاق بوغنبور، عن أسفه من كون الدولة بدل أن تتفهم هذا الاختلاف في الرأي الذي تضمنه القوانين الوطنية والمواثيق الدولية "اختارت التصعيد في العديد من الحالات، وبدأت بما سمي الآن، وهو خطير جدا، تشميع البيوت بدون موجب حق".

وأوضح خلال القافلة التضامنية ذاتها، أن إغلاق البيوت "في غياب قرار سياسي فيه مس خطير بالحق في الملكية، وهو اعتداء صريح على مواطنين مغاربة".

وجدد بوغنبور دعوته باسمه وباسم اللجنة الوطنية وكل الفاعلين، إلى الدولة "لرفع هذا التشميع وإنهاء التضييق عن الجماعة، وهم جزء من الشعب المغربي، لهم طريقتهم في التفكير وحقهم في الاختلاف، لكن ما يميزهم عبر تاريخهم هو أنهم مسالمون ولهم أخلاق يتميزون بها".

أهداف سياسية

وعادة ما ترجع تقارير إعلامية محلية إغلاق مثل تلك المنازل إلى أن أصحابها أجروا عليها تعديلات إنشائية دون الحصول على تراخيص، وكانت تشهد اجتماعات "غير مرخصة"، وتتخذها الجماعة "مساجد سرية".

وتعد السلطات الجماعة "محظورة"، فيما تقول "العدل والإحسان"، إنها حصلت على ترخيص رسمي في الثمانينيات.

وظل الصمت سائدا من قبل السلطات الأمنية والقضائية في المملكة بخصوص هذا "التشميع" الذي بدأت أولى فصوله عام 2006 حين داهمت القوات الأمنية والإدارية عددا من بيوت قياديين وأعضاء في "العدل والإحسان". 

لكن في يونيو/حزيران 2016، قال وزير العدل آنذاك، مصطفى الرميد، إنه يأمل أن "تتخذ وزارة الداخلية قرارها برفع التشميع عن بيوت قيادات جماعة العدل والإحسان وتمكين مالكيها من استرجاعها واستعمالها وفقا للقانون".

وعبر الرميد، في رد على مراسلة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية) حول شكوى "اللجنة الوطنية للتضامن مع أصحاب البيوت المشمعة"، أن وزارته تشاطر رأي المجلس في رفع التشميع.

وأشار إلى أن وزارته "لا تفهم القصد من مخاطبتها في موضوع اتخذ القرار فيه من قبل سلطة أخرى وتداولت المحاكم دعاوى تتصل به".

ولم يشر الرميد إلى وزارة الداخلية بالاسم في مراسلته، مكتفيا بوصفها بـ"سلطة أخرى"، وهي التي قررت تشميع بيت الأمين العام للعدل والإحسان، محمد عبادي، إضافة إلى العديد من بيوت أعضاء الجماعة.

وعد وزير العدل آنذاك، أن تشميع تلك البيوت "يخرج عن اختصاص الوزارة"، لافتا إلى أن "الوزارة تتمسك بالقانون وتحترم اختصاصاتها"، حسب المراسلة ذاتها.

من جانبه، شدد عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، بناجح، على أن "هدف الدولة من قرارات التشميع إضافة المزيد من الضغط حتى نتنازل عن مبادئنا وأصولنا ومساهمتنا إلى جانب الغيورين على مستقبل الوطن في مواجهة الفساد والاستبداد".

وأوضح بناجح لـ"الاستقلال"، أن "عدد البيوت المشمعة لحد الآن هو 14 على امتداد 11 مدينة، ما يؤكد أن تشميعها قرار مركزي لأهداف سياسية لا علاقة له بالمبررات التي تسوقها الدولة وإعلامها".