الحصول على جنسية أوروبية أو أميركية.. طوق نجاة للقابعين في سجون السيسي

12

طباعة

مشاركة

التنازل عن الجنسية المصرية والحصول على غيرها من دول أخرى، بات أحد أبرز الوسائل التي يلجأ إليها بعض فاقدي الحيل ممن يقبعون في سجون النظام المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي، سعيا لنيل الحرية ومقاومة التنكيل.

كان آخر هؤلاء الناشط السياسي والمدون البارز المحتجز منذ 2019 علاء عبد الفتاح، والمحكوم عليه في ديسمبر/كانون الأول 2021 بالسجن خمس سنوات بدعوى "انضمامه إلى جماعة إرهابية بغرض تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ونشر أخبار كاذبة داخل وخارج البلاد".

نماذج كثيرة

وينتمي عبد الفتاح إلى عائلة معروفة بنشاطها الأكاديمي والسياسي والحقوقي البارز بالبلاد، فوالده الراحل سيف الإسلام أحد أبرز الحقوقيين السابقين بمصر، ووالدته الأكاديمية اليسارية ليلى سويف، وشقيقتاه منى وسناء من أبرز الناشطات بالبلاد.

وهو أحد أبرز الناشطين في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، وأوقف في 2013 وحوكم عام 2014 بالسجن خمس سنوات مع فترة مراقبة لمدة مماثلة، بتهمة "التجمهر والمشاركة في احتجاج غير مصرح به"، وعقب أشهر من إطلاق سراحه بعد قضائه العقوبة أعيد توقيفه أواخر 2019.

وفي 11 أبريل/نيسان 2022، أعلنت أسرة عبدالفتاح، حصوله على الجنسية البريطانية بعد طلبات تقدم بها هو وشقيقتاه في 2019 استنادا إلى حصول والدته الأكاديمية ليلي سويف على الجنسية البريطانية بعد ولادتها هناك في مايو/أيار 1956.

ونقلت وكالة "أسوشيتيد برس" الأميركية عن أسرة عبدالفتاح قولها، إنها "طلبت جواز سفر بريطاني لعلاء ليكون مخرجا له من محنته المستحيلة"، في إشارة لإمكانية إطلاق سراحه-، مشيرة إلى أنه مضرب كليا عن الطعام بمحبسه منذ 10 أيام.

وتقدمت أسرة عبدالفتاح ببلاغ للنائب العام المصري، حمادة الصاوي، في 5 أبريل، تطالب فيه بالتحقيق في شكاوى من علاء وتمكينه "كمواطن بريطاني"، من زيارة القنصلية البريطانية له في محبسه.

لم يكن بحث المعتقلين في مصر عن جنسية بلد آخر رهينا لحالة عبدالفتاح، فقد سبقه آخرون، ليستفيدوا من القرار بقانون رقم 140 لسنة 2014 الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، في أعقاب ضغوط أجنبية رافضة لاعتقال صحفيي قناة الجزيرة الإنجليزية.

ويمنح القانون لرئيس النظام الحق في تسليم المتهمين الأجانب إلى دولهم، قبل صدور حكم نهائي في قضاياهم، كما يمنح لأي متهم مصري حق الترحيل خارج البلاد لمن يتنازل عن جنسيته، وهو ما جرى بموجبه ترحيل الصحفي الأسترالي "بيتر جريستي" إلى بلده.

ومن أبرز المستفيدين من القانون الناشط المصري الفلسطيني رامي نجل وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق نبيل شعث، الذي أطلقت سلطات مصر سراحه في يناير/كانون الثاني 2022، بعدما تنازل قسريا عن الجنسية المصرية بعد أكثر من 900 يوم من الاعتقال.

وفي فبراير/شباط 2015، تنازل الصحفي المصري الكندي محمد فاضل فهمي، المعتقل في 2014 بتهم مسيسة منها دعم جماعة إرهابية وتزييف تسجيلات مصورة تهدد الأمن القومي، عن جنسيته المصرية، من أجل أن يسري عليه القانون.

وفي مايو/أيار 2015، أفرجت السلطات المصرية عن المعتقل محمد نجل الداعية الإسلامي صلاح سلطان الذي يحمل الجنسية الأميركية بعد إجباره على التنازل عن جنسيته المصرية، وذلك رغم الحكم عليه بالسجن المؤبد في قضية "غرفة عمليات رابعة".

وفي مارس/آذار 2016، تنازل مصطفى قاسم، المصري الذي يحمل الجنسية الأميركية عن جنسيته للنجاة من الادعاءات التي وجهت له في قضية هزلية عرفت بـ"فض اعتصام رابعة".

غالبية الأسماء السابق ذكرها ممن تخلوا أو أجبروا على التخلي عن جنسيتهم المصرية للخلاص من انتهاكات السلطة الحاكمة ورفض تدويرهم في قضايا ملفقة يصنعها النظام للإبقاء عليهم قيد الاعتقال، ثبت تعرضهم خلال فترة احتجازهم للتعذيب والتنكيل.

طوق نجاة

لذلك، أعرب ناشطون عن سعادتهم بتنازل علاء عبدالفتاح عن جنسيته مقابل خلاصه من سجون السيسي، مستنكرين طريقة تعامل الدولة مع ملف المعتقلين السياسيين وإجبار أبناء البلاد على التخلي عن جنسياتهم مقابل الحصول على حريتهم.

ونددوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسم #علاء_عبدالفتاح، بالحال الذي وصل إليه المعتقلون حتى أصبحوا يرون أن جنسية دولة أخرى أصبحت بمثابة طوق النجاة من بطش السلطة الحاكمة. 

واتهموا سلطة العسكر بفرض معادلة صعبة على أحرار وشرفاء الوطن وهي التخلي عن الجنسية مقابل الحرية، مشيرين إلى أن الجنسية المصرية أصبحت عائقا يحول دون الحرية والعدالة والكرامة.

ورفض ناشطون الإساءة إلى عبدالفتاح وأمثاله ممن يتنازلون عن جنسيتهم مقابل إطلاق سراحهم واتهامهم بالخيانة والعمالة وغيرها من صنوف الإساءة الأخرى، مؤكدين أنهم لجأوا إلى ذلك بعد سنوات من التنكيل والتعذيب وبعدما ضاقت بهم كل السبل للتسوية مع السلطة.

وأشاروا إلى أن عبدالفتاح وأسرته تعرضوا لتلفيق القضايا واحدة تلو الأخرى، وتشويه السمعة كما تعرض عبد الفتاح إلى التعذيب والحرمان من أبسط الحقوق كالقراءة والكتابة والتريض ومعرفة الوقت وغيرها.

والدة عبدالفتاح ليلى سويف كتبت سلسلة تغريدات حول ما تعرض له نجلها، والذي يعد نموذجا لما يحدث لآلاف الشباب مثله في المعتقلات، قائلة إن علاء أعلن الإضراب عن الطعام عشان هو مش هيقدر يعيش كده.

وأضافت: "علاء سمح لنا نفعَّل جنسيته البريطانية برضه عشان هو مش هيقدر يعيش كده، حكموا عليه بـ5 سنين عشان راح وقف في مظاهرة صامتة بتطلب من لجنة وضع الدستور إنهم لا يضعوا دستورا يسمح بالمحاكمات العسكرية للمدنيين. نفذ الحكم".

وتعقيبا على ذلك، عد الصحفي أحمد جمال زيادة، التنازل عن الجنسية "طوق النجاة الأخير"، مشيرا إلى أن السنوات التي بدأت بحكم السيسي، شهدت تنازل بعض مزدوجي الجنسية عن جنسيتهم المصرية، كحل أخير للإفراج عنهم.

وأوضح أن القانون رقم 140 الذي أصدره السيسي عام 2014، يسمح بتسليم المتهمين الأجانب ونقل المحكوم عليهم إلى دولهم، وذلك لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة، معربا عن أسفه من أن النظام أوصل رسالة للشعب أن الجنسية المصرية رخيصة.

معاناة عبد الفتاح

وأشار مصطفى أصيل، إلى أن علاء عبد الفتاح يحصل على الجنسية البريطانية على أمل أن ينال حريته والفرار من بطش الظلم والظالمين، داعيا الله أن يفك أسر جميع الأحرار فى #سجون_السيسى وعسكره الفاشي.

وقالت الإعلامية خديجة بن قنة، إنه "مؤلم ومحزن أن تكون جنسيتك العربية سببا في عذابك، ليصبح ملاذك الأخير جنسية غربية تقيك شر الأقربين".

وبرز حديث الناشطين عن معاناة عبدالفتاح، مستنكرين أن توصّل السلطات المصريين إلى هذه المرحلة من الضغط الذي يدفعه للبحث عن خلاص بأي طريقة.

الناشط مصطفى القاسم، رأى أن  الأمر المحزن في الموضوع أن يدفعهم "الوطن" على التنازل عن جنسيتهم الأم مقابل خروجهم من السجن وترحيلهم إلى بلدانهم الثانية، مشيرا إلى أن علاء الذي دخل معركة إضراب عن الطعام في بداية الشهر الجاري (أبريل) عانى على مدار سنتين من الحبس الانفرادي ومنعه من قراءة الكتب أو حتى الزيارات.

وكتب عوف الأصيل: "لو لم أحمل الجنسية المصرية.. لم يكن يشرفني أن أحملها في عهد #السيسي_الصهيوني، فلم يعد للمصري كرامة داخل بلده أو خارجها، كنت بـ#السعودية خلال حكم الرئيس #مرسي رحمه الله، وكانوا بيعملوا للمصري ألف حساب، لكن اليوم، الكل مع الأسف، تحت بيادة #السيسي_والعصابه".

وأكدت المغردة ميما، أن الخصومة الشخصية ما بين الدولة وأسرة أحمد سيف كاملة وبالأخص علاء عبد الفتاح وصمة غير مبررة و لا مفهومة.

إساءة مرفوضة

ورفض ناشطون توجيه أي إساءة لعبدالفتاح أو اتهامه بالخيانة والعمالة للخارج لتنازله عن الجنسية المصرية وحصوله على البريطانية للخلاص من قمع العسكر له، مدافعين عن حقه في اختيار الطريقة التي تناسبه لاستكمال حياته ولقاء عائلته.

وأعاد أحمد ياسر نشر سلسلة التغريدات التي كتبتها والدة علاء، متسائلا: "ليه حد ممكن يزايد على علاء عبد الفتاح في موقف زي ده؟ هل أنت عشت ظروفه أو مريت بكل اللي مر بيه؟".

وأضاف: "حقيقي أنا بحسده على قوة صبره واحتماله لأن بشوف إني لو مكانه كنت استسلمت من بدري، يارب تكون خطوة الجنسية موفقة وتنجيه من العذاب الأزلي ده".

ودافعت المغردة زينب، عن حق علاء عبد الفتاح في الحصول على الجنسية البريطانية ورفضت مزايدة البعض عليه دون أن يمر بتجربته.

وقالت إن "الحاجة الوحيدة التي يُلام عليها أنه انتظر كل هذه السنوات بدون أن ينقذ نفسه.. ناس قاعدة في بيتها وعيالها بيكبروا في حضنها ومش حاسين بالنار اللي فيها الراجل بتزايد عليه.. كفاية كدة".

وكتب أحمد فرج: "مفيش حاجه ممكن تتقال على حوار علاء عبد الفتاح والجنسية البريطانية ده، الراجل بقاله بتاع أكتر من 8 سنين محبوس بس، بيتسجن ويخرج يمسكوه تاني ويسجنوه وهكذا، أنا مع أي حاجه تخرج أي حد من سجونهم".

رئيس قناة الشرق ماجد عبدالله، قال إن لم تنقذه الجنسية المصرية من بئر الصهاينة في مصر فأهلا وسهلا بأي أرض وأي دولة توفر له الحرية ل #علاء_عبد_الفتاح.

وقالت هديل، إن التنازل عن الجنسية في سبيل الحرية في بلد زي بلدنا يعتبر فضيلة وكرامة للنفس.