فضيحة شاهدها ملايين.. كيف أفسد نظام السيسي رحلة يوتيوبر أميركي بمصر؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

فضيحة جديدة تلقاها النظام المصري، في 9 أبريل/ نيسان 2022، كان مفجرها اليوتيوبر الأميركي ويل سونبوشنر، الذي يشاهد قناته على "يوتيوب" أكثر من 8 ملايين متابع، إذ كان يخطط لمجموعة حلقات في مصر عن الأطعمة والثقافة المصرية.

لكنه اصطدم بقمع الأجهزة الأمنية التي نكلت به واختطفت أدوات تصويره، وأخضعته للتحقيق ساعات مطولة، حتى إنه أجبر على دفع "رشوة" مالية لاسترداد أدواته، بعد أن تم حذف المحتوى بالكامل. 

وبعد تجربة قاسية غادر سونبوشنر مصر، ونشر حلقة خاصة عنها، معلنا أنه لن يعود إليها أبدا، واصفا إياها بالسجن الكبير، وبأنها الأسوأ في إفريقيا، وشبهها بكوريا الشمالية الإفريقية.

وخلّف في أرشيف قناته الرائجة حلقة كارثية عن مصر، حملت كثيرا من التعليقات السلبية والأسئلة عن تداعيات تلك الإستراتيجية على الاقتصاد والسياحة.

فبينما يمعن النظام بقيادة عبدالفتاح السيسي في إنفاق الملايين على مواكب المومياوات، يقيم سياجا أمنيا صعبا على البلاد، تجعل من يدخلها "مفقود" والخارج منها "مولود" كما يطلق المصريون في أمثالهم الشعبية.  

تداعيات الفضيحة 

ووجدت حلقة سونبوشنر تفاعلا واسعا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية، التي رصدت ما تعرض له المدون الأميركي وعبروا عن استيائهم من المضايقات التي تلقاها من أجهزة الأمن. 

وغرد الناشط الحقوقي المصري هيثم خليل، قائلا: "الداخلية المصرية أكبر دعاية سلبية وسوداء لمصر وللسياحة وللمرة الألف تعامل بالغ السوء مع السياح، فما بالك عندما يكون يوتيوبر مشهورا على قناته أكثر من 8 ملايين مشترك!". 

ودون الناشط أحمد عبدالعزيز عبر "تويتر" قائلا: "واحد من أسباب تعثر مصر الاقتصادى رغم الإصلاحات وإلغاء الدعم هو أن الدولة ديكتاتورية فأحيانا تخنق نفسها بالحبل دون أن تدرى، اليوتيوبر الأميركي قال جملة عن مصر: دولة تعامل السائحين كمجرمين". 

أما الكاتب المصري عبدالرحمن الجندي، فعلق عبر حسابه بـ "فيسبوك"، "أنبهر من العقلية التي تتعامل مع البشر هنا، حتى مع الأجنبي لا يتخيلون أي تعامل غير "الأمني" حبس واستيقاف ومصادرة". 

وأضاف: "ستظل السرديات الموازية التافهة تخرب كل محاولات التجميل السطحي والبروباغاندا بملايين الملايين في ثانية واحدة". 

مقبرة الأجانب 

واستدعى ما تعرض له اليوتيوبر سونبوشنر، طريقة تعامل نظام عبدالفتاح السيسي مع الأجانب والسائحين منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، إذ حمل تاريخ تلك الفترة مجموعة من الحوادث الفاجعة ضد هؤلاء. 

أبرزها ما وقع في 12 سبتمبر/ أيلول 2015، عندما قتل 8 أفراد من السياح المكسيكيين، كانوا يقومون بجولة سياحية في منطقة الواحات البحرية بالقرب من محافظة الجيزة، ثم تعرضوا لقصف مروحية عسكرية، استهدفتهم عن طريق الخطأ بالصواريخ فقتلتهم بطريقة مأساوية. 

وخلف هذا الحادث أثرا سلبيا مضاعفا على القطاع السياحي، وعلى سمعة البلاد دوليا، بعد أن عمت تفاصيله معظم وكالات الأنباء العالمية.

أما الحادثة المأساوية الأخرى وهي الأشهر، ما وقع للباحث الإيطالي جوليو ريجيني، بالعاصمة المصرية القاهرة، حيث اختفى في 25 يناير/ كانون الثاني 2016، وسط انتشار أمني كثيف بالشوارع، بالتزامن مع ذكرى الثورة المصرية.

ثم عثر على جثته لاحقا بعد 9 أيام ملقاة في منطقة صحراوية بمحافظة الجيزة، وعليها آثار تعذيب مروع وصعق بالكهرباء. 

بعدها دخلت مصر في أزمة دبلوماسية مع إيطاليا، ووجهت النيابة الإيطالية أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى  5 أفراد يعملون كمسؤولين رفيعي المستوى بأحد الأجهزة الأمنية بالقاهرة.

وكانت دماء ريجيني ومن قبله المكسيكيون، دليلا على الاستهانة بأرواح الأبرياء بأعلى قدر من النزق لدى السلطة العسكرية.

وإضافة إلى سوء معاملة الأجانب عموما، وما يتعرضون له من مضايقات، أصبحت سمعة مصر السياحية على المحك، ما أدى إلى الإضرار بالقطاع الاقتصادي والاستثماري. 

سمعة لا تليق 

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث الإعلامي المصري، طارق محمد، إن "سمعة الدول أصبحت هي المحرك الأساسي لاقتصادها، ووجودها على قوائم السفر والاهتمام، فنحن لا نعيش في العصور الوسطى، والعالم أصبح مدينة مفتوحة للسفر والترحال".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "نحن نشاهد في اليوتيوب آلاف الرحالة يجوبون الأقطار والدول الغريبة والبعيدة لاستكشافها، من مجاهل إفريقيا إلى الجزر النائية في آسيا، وصولا إلى مدن الصفيح في أميركا الجنوبية، وجميعهم يتحركون بشكل آمن، ويجدون الترحاب والاستقبال الجيد من غالبية هذه المناطق". 

واستطرد: "تخيل أن يوتيوبر يتابعه الملايين، يذهب إلى كل بقاع الدنيا، لكنه يتعرض في مصر إلى هذه المواقف، كيف إذن ستكون سمعة البلد؟ وكيف سيذهب إليها كل من شاهدوا هذه المقاطع؟ هذه أسئلة يجب أن تطرح، لأن العملية عبثية وأصبحت دارجة دون رقيب أو حسيب". 

وأوضح محمد أن "كل الاحتفالات والمهرجانات التي يعقدها النظام على غرار مواكب المومياوات، وإحياء الهوية الفرعونية، لا تهم السائح الأجنبي بالقدر المماثل لأمنه الشخصي، والمعاملة اللائقة، والظروف الاقتصادية، إضافة إلى العوامل اللوجيستية الأخرى من جودة الحياة كالنظافة، والمواصلات، وكيفية التنقل، والتعامل مع المواطنين.

و"جميع هذه العوامل غائبة في مصر تقريبا، وأكثر من ذلك وجود سلطة متعنتة تتعامل مع الأجانب كغزاة أو متآمرين، وبالتالي لو استمر الوضع على ما هو عليه، في خلال 10 سنوات لن تجد سائحا يفكر في الاقتراب من مصر" يشرح الخبير الإعلامي.

وشدد على أن "هذا سلوك نظام مهزوز في بنيته الداخلية، ويحسب أن كل شخص يأتي إلى البلد مندس، ويمكن أن يكشف أمرا ما، تماما كما حدث مع ريجيني الذي كان يقوم ببحث عن الطبقة العمالية، فانتهى به الحال إلى القتل، وتم تشبيه مصر بكوريا الشمالية، في انغلاقها وجنونها".

ضربات اقتصادية 

من جانبه، قال الاقتصادي المصري أحمد يوسف، لـ"الاستقلال"، إن واقعة اليوتيوبر الأميركي نموذج لما يحدث مع كثير من الأجانب والسائحين في مصر.

وأضاف أن "ما حدث نموذج كارثي لطبيعة إدارة الأمور في مصر، وتبرهن بما لا يدع مجالا للشك، أن السبب الرئيسي في انهيار قطاع السياحة، والضعف الاقتصادي، يتمثل في العقلية الحاكمة، والطبيعة الإدارية المتخبطة للدولة المصرية". 

وتابع: "في ظل النظام القائم وسلوكه تجاه الأجانب والسياح والمستثمرين، غلب مناخ انعدام الثقة، وهذا في حد ذاته أحد أهم أسباب الفشل الاقتصادي، وهو ما ذكره كثير من الباحثين والمفكرين".

واستطرد: "على سبيل المثال تحدث المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما في كتابه (الثقة.. الفضائل الاجتماعية ودورها في الرخاء الاقتصادي)، عن أهمية الثقة والفضائل الاجتماعية، في مرحلة تشكيل رأس المال البشري، بوصفه المورد الأساسي للتقدم". 

وأوضح الباحث المصري: "إذا طبقنا ذلك على الحالة المصرية التي مني اقتصادها في 2021 بخسائر تقدر بـ18 مليار دولار في قطاع السياحة فقط، نتيجة تداعيات أزمة كورونا، وفشل الدولة في الجذب السياحي، سنجد أن ما تعيشه مصر من أزمات أمر طبيعي ومتوقع، لأننا أمام لغة أرقام وإحصائيات تعتمد على معادلة النتائج، هناك سبب وهناك نتيجة، وطالما بقي السبب ستبقى النتيجة".

وأشار إلى أنه "من العجيب أن يكون هذا سلوك الأجهزة الأمنية مع قطاع يقدر عدد العاملين فيه بنحو ثلاثة ملايين مواطن، ويمثل 10 بالمئة من إجمالي القوة العاملة، وفي النهاية يتحدث النظام عن أن أسباب الفقرة وقلة الموارد، تأتي بسبب الانفجار السكاني! بينما الحقيقة ظاهرة أمام الجميع في أن سلوك النظام لا يرتقي للنهوض بالدولة والشعب".