وسيم القطان.. رجل أعمال سوري صنعته عائلة الأسد لإدارة مخلفات مخلوف

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل الظروف الاقتصادية المريرة التي أدخل نظام بشار الأسد سوريا فيها،  بعدما دمرها على مدى عقد، بدأت واجهات اقتصادية جديدة تطفو على السطح تروج لاستثمارات ومشاريع عمرانية حديثة.

وفي مقدمة تلك الواجهات، وسيم القطان، وهو دمية صنعتها عائلة الأسد في السنوات الأخيرة، لتدير عبرها المشهد الاقتصادي بعد مرحلة رامي مخلوف، وها هو يقتات على الفساد ويكبر بشكل تدريجي.

واجهة اقتصادية

وفي 7 أبريل/ نيسان 2022، فاجأ القطان الذي أصبح رجل أعمال فجأة اعتبارا من عام 2015، كثيرين بنشره على حسابه في فيسبوك عرضا مصورا للتشطيبات النهائية لمجمع "يلبغا" التجاري المهم وسط دمشق.

وسرعان ما أثار الأمر سخرية السوريين، لكون المجمع بقي مهملا منذ خمسة عقود تقريبا وطيلة عهد الأسدين، رغم وقوعه في ساحة المرجة الشهيرة بالعاصمة.

القطان قدم تصميما لبناء "يلبغا" بشكل خيالي، ما دفع السوريين للتهكم على الحركة الترويجية، وعدوا أنه سيحتاج لنصف قرن آخر لتكتمل عملية بنائه.

تعود دراسات مشروع "يلبغا" إلى منتصف ستينيات القرن العشرين، لتحويله إلى مركز ثقافي وتاريخي ومعهد إسلامي، لكنه بقي حبرا على ورق.

وحينما صعد حافظ الأسد إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1971، بدأ تحريك المشروع مرة أخرى، لتبدأ مؤسسة الإسكان العسكري، عام 1973 والتي كانت آنذاك المشرف الوحيد على جميع المشاريع بسوريا، برئاسة رياض شاليش، قريب الأسد، ببنائه قبل أن تتوقف فجأة بحجة عوائق فنية.

وأقيم المجمع على أنقاض مسجد يلبغا التاريخي، المبني سنة 1347 ميلاديا في العهد المملوكي، من قبل والي الشام سيف الدين يلبغا بشكل مشابه للجامع الأموي، وهذا ما ولد عامل نفرة من الاستثمار فيه من قبل تجار سوريين، وفق الباحث في التراث وائل الحنبلي.

وفي عام 2004 طرحته وزارة الأوقاف للاستثمار كفندق خمسة نجوم، ومركز تجاري وتسوق، ومكاتب تجارية، لكنه بقي مهملا منذ ذلك الحين، إلى أن حصلت شركة "نقطة تقاطع" التي يمتلكها وسيم القطان على عقد استثمار مجمع "يلبغا" لمدة 48 عاما في 10 يناير/ كانون الثاني 2019.

وعقد استثمار مجمع "يلبغا"، كان مقابل مليار و20 مليون ليرة سورية، وهو تقريبا نفس المبلغ الذي حصل به على عقد استثمار مول قاسيون عام 2018، ليصبح مجموع ما سيدفعه القطان سنويا، نحو 2 مليار ليرة، أي نحو 4 ملايين دولار.

ويؤكد مراقبون اقتصاديون أن الضربة الاستثمارية التي كشفت عن وجه قطان الحقيقي، هو فوزه بعقد يلبغا صاحب الموقع الفريد بالعاصمة، والذي لا تخطئه عين سوري، ما يدلل على صناعة قطان كواجهة استثمارية جديدة لبيت الأسد.

لا سيما أن المكاتب داخل المجمع ستكون ذات إيجارات باهظة، وبأرقام فلكية كونه يقع في ساحة المرجة أشهر بقعة بالعاصمة.

النشأة والتكوين

ولد وسيم أنور القطان في دمشق عام 1976، وهو حاصل على بكالوريوس فنون جميلة من جامعة دمشق، ولم يكن معروفا في القطاع الاقتصادي السوري قبل عام 2011.

وظهر اسم القطان على الواجهة المالية المحيطة بالأسد، للمرة الأولى في مجتمع الأعمال الدمشقي في يوليو/ تموز 2017، عندما فازت شركته "مروج الشام للاستثمار والسياحة" بمزاد لإعادة الاستثمار في مجمع قاسيون التجاري.

ووفق تقارير محلية، جرى انتزاع العقد لصالح قطان من المستثمر السابق في المشروع بعد أن قدم القطان للحكومة رسما سنويا أعلى بلغ 1,2 مليار ليرة سورية (2,7 مليون دولار) حينها.

وشغل منصب خازن "اتحاد غرف التجارة السورية" بين 2017 و2020، ويمتلك شركة "مروج الشام للاستثمار والسياحة"، والتي وقعت عقدا مع وزارة السياحة السورية في يونيو 2018 للاستثمار في فندق الجلاء بدمشق ودفعت للحكومة 2,25 مليار ليرة سورية (5 ملايين دولار) كل عام لـ25 عاما.

وارتبط قطان بشخصيات نافذة داخل الدائرة الضيقة للنظام، وقد أرست عليه حكومة الأسد كافة المشاريع العقارية الكبيرة تقريبا خارج مدينة "ماروتا سيتي" في دمشق.

و"ماروتا سيتي" هو المشروع التجاري الأول والأهم داخل العاصمة دمشق، إلى جانب "باسيا سيتي"، اللذين يسيران ضمن خطط النظام السوري في خلق تركيبة ديموغرافية جديدة بدمشق حصرا بمساعدة الإيرانيين.

ويمتلك القطان أيضا 50 بالمئة من شركة "آدم للتجارة والاستثمار" والتي حصلت على عقد من حكومة الأسد في أغسطس/آب 2018 لتطوير وإدارة مجمع ماسة بلازا في دمشق.

ولا يملك وسيم القطان أي سجل تجاري ذي تاريخ، ولا ينتمي لأي من العائلات التجارية الدمشقية المعروفة، لكن قربه من عائلة الأسد قاده إلى أن يتسلم رئاسة غرفة تجارة ريف دمشق بين 2018 و2020.

وخلال تلك الفترة اشتكى العديد من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين من التمييز ضدهم من قبل قطان، وخاصة فيما يتعلق بتصنيف شركاتهم، وما كان قطان ليقدم على ذلك لولا اتكائه على سلطة تحميه.

حوت صغير

ويتميز قطان بأنه يحصل على استثمارات لمنشآت تابعة للدولة، دون أن يفصح عن قيم بعض عقودها السنوية؛ ما يؤكد على دور الرجل كواجهة اقتصادية جديدة مرتبطة بالقصر الجمهوري.

إذ تعتبر هذه المنشآت ذات مواقع متميزة بالعاصمة ويشكل استثمارها أرباحا مضمونة فيما لو تعافت البلد، مثل مجمع قاسيون التجاري، وفندق وملعب الجلاء الواقع في أوتوستراد المزة، ومجمع ماسة بلازا في حي المالكي أرقى أحياء دمشق.

لكن مع ذلك فإن إيرادات استثمارات وسيم القطان لا يمكن لها أن تحقق حاليا العائد السنوي المقيد في عقود تلك المنشآت، ما يفتح الباب أمام رغبة نظام الأسد في تجميد مشاريع هامة، وإبقائها في عهدة رجال أعمال مقربين منه، كأوراق رابحة مستقبلا لأفراد عائلة الأسد، ضمن مخطط مدروس لنهب مقدرات البلد.

ويمتلك قطان شركة "قطان وكنيفاتي" التي أسست في 10 يوليو/تموز 2017، وعبرها يخوض المزايدات على استثمار المنشآت الحكومية قبل أيام من موعد المزاد المعلن، وهذا أكبر دليل على إمساك الرجل بخيط رفيع متصل بعائلة الأسد، ولهذا تعد المزادات إجراء روتينيا، لكون المستثمر محددا مسبقا.

وتجدر الإشارة إلى أن صعود القطان الاستثماري في الدولة الأمنية التي تتحكم مخابرات الأسد بكل اقتصادها، كان بعد أفول نجم شخصيات اقتصادية ورجال أعمال كانوا من الدائرة الضيقة للنظام السوري ويديرون مشاريع باسمه أمثال رامي مخلوف ومحمد حمشو وعماد غريواتي.

ولعل قطان تمرس على يد رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد ومدير منظومته المالية قبل أن يطيح به عام 2020، إذ عمل معه في شركته "سيريتل" أول مشغل خلوي في سوريا والتي تأسست عام 2001.

ويعتقد مراقبون أن الأموال التي ظهرت فجأة بين يدي وسيم القطان، إنما تعود إلى رامي مخلوف، ويستثمرها باسمه ونيابة عنه.

ولكن بعد تجريد مخلوف من أمواله إثر صراع مع زوجة رئيس النظام بشار الأسد، قيل إنه نظرا لتغلغل مخلوف في استثمارات وقطاعات كثيرة في سوريا، جرى تقسيم أدواره على عدة أشخاص مغمورين أمثال قطان، بما يضمن نجاح خطة "اقتصاد الحرب" أو "اقتصاد العائلة" وجعله يدار من غرفة واحدة بشكل مباشر من القصر الجمهوري.

وفي مارس/آذار 2019 تبرع قطان بمبلغ 100 مليون ليرة (30 ألف دولار) لصالح وزارة التربية، لكي ترمم بعض المدارس في ريف دمشق، بالإضافة إلى تبرعات متفرقة لعدد من المؤسسات، بقيمة أكثر من 30 مليون ليرة.

وأدرج قطان على قائمة عقوبات قانون قيصر الأميركي في 29 يوليو/تموز 2020، وسبق ذلك شموله بعقوبات ضمن قائمة بريطانية وأخرى صادرة عن الاتحاد الأوروبي.

ومن شدة قرب قطان للنظام السوري، لجأ إلى تحويل مول المالكي الذي يملكه في دمشق، إلى مركز اقتراع انتخابي خلال "الانتخابات الرئاسية" غير الشرعية التي أجراها النظام في 26 مايو/ أيار 2021، وأعلن الأسد فوزه بها لولاية رابعة لمدة سبع سنوات، وذلك في مشهد يدل على استهتار النظام بالعملية وتأكيد منه على أنها صورية شكلية.