خطة مدروسة.. لماذا يماطل الأسد بإصدار جوازات سفر لسوريي الخارج؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا يزال نظام بشار الأسد يبتز السوريين في الخارج ماليا عبر استغلال حاجتهم القانونية للحصول على جواز سفر بلدهم ساري المفعول؛ بغية إنجاز معاملاتهم في البلدان التي يقيمون فيها.

وبرزت أخيرا أزمة جديدة في حصول اللاجئين والفارين من سوريا على الجواز، رغم توفير حكومة الأسد منصة إلكترونية لحجز مواعيد تجديد أو استصدار جواز السفر، لكن ذلك لم يغن عن وجود صعوبة في الحجز عبرها.

وأرجع مواطنون سبب هذا التعقيد المتعمد إلى حجز الموعد تلقائيا؛ لتنشيط دور السماسرة في بعض الدول المرتبطين بقنصليات النظام، لتسهيل الحجز وبشكل شبه عاجل مقابل مبالغ مالية إضافية.

هاجس جواز السفر

وباتت أزمة جواز السفر السوري تمثل القلق الأول للوضع القانوني للسوريين في الخارج، كونها تقيد حرية التنقل، وتحول دون تمديد إقامتهم كلاجئين وطلاب وعمال أو حتى مغادرة بلد إقامتهم على الإطلاق في بعض الأحيان.

وأكد تقرير أصدره "المركز السوري للعدالة والمساءلة" في 31 مارس/آذار 2022، أن السلطات في البلدان المضيفة باتت تصعب على اللاجئين السوريين إثبات طلبات لجوئهم إلا من خلال استخدام وثائق صادرة عن حكومة الأسد.

ونبه التقرير إلى أن حكومة الأسد تستفيد ماليا من أزمة جوازات السفر منتهية الصلاحية، مما ينتهك حق السوريين في حرية التنقل ويهدد سبل الحماية القانونية لهم خارج البلد.

وعرقلة نظام الأسد منح السوريين في الخارج لجوازات السفر؛ يرجعها التقرير لتعذر وصول المواد الخام المطلوبة لطباعة الجوازات، لكن الحقيقة تبدو بخلاف ذلك.

وهذا الادعاء مشكوك فيه؛ نظرا لأن السماسرة لديهم القدرة على إصدار جواز السفر مقابل دفع مبلغ مالي يصل إلى 1500 دولار للحصول عليه قفزا على كل المعوقات المذكورة.

ووفقا لمدير إدارة الهجرة والجوازات التابعة للنظام السوري، اللواء خالد سليم حديد، فإن عدد الجوازات الصادرة خلال عام 2021 بلغ “888” ألفا و274 جوازا.

بينما عدد الجوازات الصادرة منذ بداية عام 2022 ولغاية 31 مارس/آذار 140 ألف جواز، حسبما نقلت وكالة "سانا" عن حديد في 6 أبريل/نيسان 2022.

وزعم حديد أنه يمنح جواز سفر لمدة سنتين ونصف لمواطني الخارج عبر قنصليات النظام، لقاء 800 دولار للمستعجل (السريع)، و300 دولارا للعادي.

إلا أن هذه الأرقام أصبحت من الماضي، وهي الرسوم الأساسية، كونه يسبقها أرقام تعادلها أو تنقص عليها قليلا، لأجل الحصول على موعد عبر السماسرة المرتبطين بتلك القنصليات.

فعلى سبيل المثال يحتاج السوري الراغب بتجديد جواز سفره من قنصلية النظام في مدينة إسطنبول، إلى نحو 1500 دولار للحصول على جواز مستعجل، لكن رغم ذلك يحتاج الأمر إلى وقت يصل لأقل من شهر.

وسبق أن أعلنت قنصلية الأسد في العاصمة البلجيكية بروكسل عبر موقعها الرسمي، أنها لا تستقبل إلا طلبات منح جوازات السفر وفق الدور المستعجل فقط اعتبارا من 18 فبراير/شباط 2022.

دوامة عدم الاستقرار

ولهذا أكد سوريون أن إنشاء حكومة نظام الأسد منصة إلكترونية أخيرا لتسهيل حصول السوريين في الخارج على جوازات سفر، ما هي إلا حلقة جديدة من الابتزاز المالي المنظم.

إذ تضاعفت المعاناة نتيجة احتكار السماسرة مسألة تسريع الحصول على الجواز عبر دفع مبالغ مالية إضافية لهؤلاء، والتي تذهب معظمها إلى جيوب الموظفين في قنصليات الأسد المنتشرة في الدول ذات الكثافة الكبيرة للسوريين مثل تركيا ودول أوروبا لا سيما ألمانيا.

إذ يعد على سبيل المثال وجود جواز ساري المفعول شرطا أساسيا لتجديد الإقامة السياحية في تركيا، وعلى الرغم من ذلك تعاني قنصلية الأسد في إسطنبول من نقص في دفاتر الجواز، مما يسبب مزيدا من المشاكل القانونية للسوريين.

وأمام العجز في تأمين جواز ساري المدة، يضطر كثيرون إلى اللجوء لخيار الإقامة الإنسانية التي لا تشترط جوازا ساريا، إلا أن هذا الخيار غير مضمون ويحتاج إلى مدة تتجاوز ثمانية أشهر للحصول على موافقة ومنح الشخص المتقدم إقامة إنسانية.

وخلال هذه المدة يحرم الشخص المتقدم من إنجاز كثير من المعاملات في تركيا، أو التسجيل على بعض المهارات لتعذر وجود إقامة سارية كالحصول مثلا على شهادة قيادة المركبات.

ومنذ مطلع عام 2022 لجأ النظام إلى فتح منفذ جديد لتجديد جوازات السفر للسوريين لمن هم في الخارج.

 وذلك عبر التقدم بطلب من خلال تعبئة استمارة عبر بوابة "المركز القنصلي الإلكتروني"، وإرسال الجواز إلى قنصلية الأسد في سلطنة عمان عبر الشحن، ودفع الرسوم المالية عبر حساب بنك محلي، أو عبر أحد البنوك في الإمارات، وإرسال إشعار الدفع من خلال رابط المعاملة الخاصة بالمتقدم.

وتبلغ تكلفة الرسوم المتوجب دفعها 370 دولارا، من غير رسوم الشحن، إذ كان يستغرق إصدار الجواز ووصوله إلى العنوان المحدد للشخص نحو 20 يوما، قبل أن يصبح حاليا أكثر من شهرين.

ويرى خبراء في الشأن القانوني، أن شعور السوري في الخارج بعدم الاستقرار، وأنه مرتهن قانونيا لنظام الأسد، هو على رأس مرامي الأخير في تعقيد حصولهم على جواز سفر بتكاليف بسيطة وبطريقة سلسة.

إذ تدخل مماطلة وعرقلة قنصليات الأسد في الخارج ضمن سياسة مدروسة، وهذا ما يدفع مؤسسات النظام للتراخي في البحث عن البدائل الممكنة للتعاقد مع الجهات الموردة لورق الجواز كما يتذرع النظام بأزمة نقص الدفاتر والتي تسبب التأخير في منحه.

خطة مخابراتية

وفي هذا الإطار، حدد مدير موقع "اقتصادي" والباحث السوري يونس الكريم، لـ "الاستقلال"، جملة من الأسباب التي تدفع نظام الأسد لعرقلة حصول السوريين في الخارج على جوازات السفر.

أولا، يهدف نظام الأسد، "لإحصاء السوريين في الخارج وخاصة من هم مضطرين للعودة إلى سوريا، والأمر الثاني متعلق بالعائد المالي الذي يحصل عليه بالعملة الصعبة".

وكانت داخلية النظام السوري، اعترفت بالحصول على 21.5 مليون دولار من جوازات سفر أصدرها للسوريين خارج البلاد عام 2020، بينما بلغت في 2018 نحو 41 مليون دولار، لكن المؤشرات تدل على أن هذه الأرقام في ازدياد.

ولفت الكريم إلى أن النظام بهذه العرقلة "يستطيع معرفة أفراد العائلة الموجودين داخل سوريا أو خارجها خاصة مع لجوء من يتعذر حصولهم على الجواز من القنصليات إلى تكليف أحد أقاربهم من الدرجة الأولى أو وكيلهم القانوني بأي من مناطق نفوذ الأسد داخل البلد لاستصداره وإرساله لهم".

ومع ذلك يضطر هؤلاء إلى تصديقه مقابل مبلغ 25 دولارا في قنصليات الأسد بالخارج.

واعتبر الباحث، أن "ما يفعله الأسد عرقلة مدروسة تمنحه إعداد لوائح للسوريين الحاصلين على جوزات السفر من الخارج، مع إمكانية تقديم النظام لاحقا أسماء المطلوبين له إذا حدثت أي انفراجة سياسية مع أي دولة، وذلك عبر إصدار نشرات إلى الإنتربول (الشرطة الدولية) بحق الشخص الذي يريد".

واستدرك الكريم قائلا: "وهذا ما سيضيق على السوريين في الخارج وخاصة المعارضين للأسد، ويحد من حركتهم وتنقلهم بين الدول، بمعنى أن النظام ينفذ عمليات استخباراتية لابتزاز المواطنين بجوازات السفر كي يجمع معلومات عنهم وربما عن الآخرين".

وأكبر دليل على أن أزمة جوازات السفر للسورين في الخارج مصطنعة من مخابرات النظام لتحقيق مآرب كبيرة، هو استخدام الحالمين بالوصول إلى أوروبا والراغبين بالخلاص من جحيم الوضع المعيشي داخل مناطق نفوذ الأسد، كورقة ابتزاز وضعها الأسد في يد حليفته روسيا.

وسهل النظام إصدار جوازات السفر من دوائر الهجرة لديه، منذ أغسطس/آب 2021، بالتزامن مع فتح بيلاروسيا الواقعة على الحدود الشرقية للقارة تأشيرة الدخول للسوريين إلى أراضيها، مما سمح بتكديس اللاجئين هناك لاستخدامهم ضمن معركة كسر العظم مع أوروبا من قبل مينسك بدعم مباشر من روسيا.

رفد الخزينة

وبذلك نجح النظام في "ضرب عصفورين بحجر واحد"، عبر تنفيذ خطة موسكو المتعلقة باللاجئين، طمعا في تحصيل مكسبين أساسيين، الأول الرضا الروسي، والثاني رفد خزينته من أموال السوريين الطامحين بالوصول إلى أوروبا.

ولا سيما أنه سمح بشكل مفاجئ آنذاك بفتح مكاتب وصفها كثيرون بأنها لـ"الإتجار بالبشر" في مناطق نفوذه عبر عملية منظمة قادتها شركات سياحية تربطها شبكة واحدة تابعة للنظام، لاصطياد المتوجهين نحو أوروبا، وفق ما قالت تقارير محلية.

ووصلت تكلفة الرحلة كاملة إلى بيلاروسيا، من 5 - 8 آلاف دولار يسلمها الشخص الراغب بالسفر إلى شركات السياحة، وتشمل تكلفة التأشيرة وشهادة التأمين للأجانب والفندق قبل نقلهم بحافلات إلى الحدود مع بولندا.

وباء حلم هؤلاء بالفشل بالوصول إلى أوروبا كونهم وقعوا في الفخ الذي نصب لهم من قبل الثلاثي (روسيا – بيلاروسيا – نظام الأسد)، إذ اضطر أغلب هؤلاء للعودة إلى سوريا.

وكانت إدارة الهجرة والجوازات السورية شهدت في يونيو/حزيران 2021 وفروعها في المحافظات ازدحاما بسبب التأخر في إصدار جوازات السفر وفق المدد الزمنية المعهودة، بسبب النقص في الدفاتر.

وحل جواز السفر السوري عام 2022 في المرتبة الـ110 بين دول العالم، وفقا لمؤشر "هينلي" الترتيب المعتمد لجميع جوازات السفر في العالم، والذي كشف أن 29 دولة فقط تسمح بدخول حامله دون تأشيرة مسبقة.

وهذا الجواز يصفه السوريون بأنه الأغلى في العالم من حيث السعر المدفوع لاستخراجه وخاصة لمن بالخارج، والأضعف من ناحية الأهمية، والأقصر من حيث فترة الصلاحية.

ويحقق النظام السوري ملايين الدولارات مع اضطرار المهاجرين على إبقاء جوازات سفرهم سارية الصلاحية، ويتسلم تلك الأموال بشكل نقدي بعيدا عن التعاملات البنكية المحظور منها بموجب العقوبات الدولية.

في يناير/كانون الثاني 2020 أكد تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن النظام يستخدم إصدار جوازات السفر في تمويل الحرب ضد كل من طالب بعملية انتقال سياسي وديمقراطي، وفي إذلال معارضيه.