أحدثها قتل إمامين أقاما التراويح.. من يقف وراء اغتيالات علماء السنة في إيران؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور ثلاثة أيام على مقتل رجلي دين سنة في مسجد ببلدة جونباد كافوسشمال إيران، تعرض ثلاثة معممين شيعة إلى عملية طعن نادرة بمدينة مشهد في شمال شرق البلاد، أودت بحياة اثنين منهم، الأمر الذي أثار تساؤلات عن أسباب تصاعد مثل هذه الهجمات.

وفي 5 أبريل/نيسان 2022، أعلنت طهران مقتل اثنين من رجال الدين الشيعة وإصابة آخر جراء طعنات بالسكين تعرضوا لها داخل "ضريح الإمام الرضا"، كاشفة أن المهاجم يحمل الجنسية الأفغانية، وذلك في حالة نادرة بعد سلسلة عمليات قتل طالت رجال دين سنة في إيران.

وقال محمد حسين دورودي المدعي العام في محافظة خراسان رضوي إن "المهاجم كان على صلة بالجماعات التكفيرية وقد تأثر بأفكارها". فيما أكدت وسائل إعلام رسمية أن أحد المصابين بالهجوم حالته حرجة للغاية إثر طعنات سكين "تكفيري"، وفق وصفه.

اغتيالات متواصلة

الهجوم النادر على رجال الدين الشيعة في مدينة مشهد، جاء بعد مقتل رجلي دين من أهل السنة في مدينة كنبد كاووس، حيث تقول الرواية الرسمية للسلطات الإيرانية في الثاني من أبريل 2022 إنهما لقيا مصرعهما بإطلاق النار عليهما من مجهولين.

وبعد ذلك أعلن مهدي دهرويه، مساعد محافظ كلستان، عن اعتقال مشتبه به على خلفية جريمة القتل، وقال إن الأدلة تشير إلى أن "دوافع شخصية" كانت سبب قتل رجلي الدين، ولا توجد أسباب "طائفية".

لكن موقع "سني نيوز" المعني بشؤون أهل السنة في إيران، ذكر في الثاني من أبريل 2022 أن "جثتي القتيلين أيضا تعرضتا للهجوم بالفؤوس بعد إطلاق النار عليهما".

وأفاد بعض المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي بأن قتل رجال الدين السنة جاء بعد إقامة "صلاة التراويح"، وقد جرى تقطيع الجثتين بالفأس، بعد قتلهما بالرصاص.

وذكر موقع "تركمان نيوز" أن المقتولين هما: محمد آخوند بجمان، وعبد الرحمن آخوند خوجه، مضيفا أنهما من أئمة الجمعة في حي شاي بوئين.

ويعرف أن أهالي مدينة كنبد كاووس وبعض المدن في محافظة كلستان هم من القومية التركمانية ومن أهالي السنة.

تأتي هذه الجريمة بعد العزل غير القانوني لمولوي محمد حسين كركيج، إمام الجمعة لأهل السنة في مدينة آزاد شهر بمحافظة كلستان، في ديسمبر/كانون الأول 2021، والذي أثار غضبا واحتجاجات شعبية واسعة في هذه المدينة ذات الغالبية السنية.

وفي 5 فبراير/شباط 2022 أفادت وسائل إعلام إيرانية معارضة، بمقتل الحارس الشخصي لأحد علماء السنة في مدينة "جابهار" التابعة لمحافظة سيستان وبلوشستان ذات الغالبية السنية الواقعة جنوب شرق إيران.

وذكرت قناة "در تي في" الإيرانية المعارضة، أن "مسلحين مجهولين أطلقوا النار على عبدالله كاردار الحارس الشخصي للشيخ مولوي عبدالرحمن سربازي، إمام أكبر مسجد في مدينة شابهار الجامع، ما أسفر عن مقتل الحارس الشخصي".

وفي 6 يوليو/تموز 2018، اغتال مسلحون مجهولون عالما سنيا بارزا جنوب شرق إيران، داخل مسجد "توحيديه" لأهل السنة في مدينة خاش بمحافظة سيستان وبلوجستان جنوب شرق البلاد.

وذكرت وكالة "فارس" الإيرانية في حينها أن "المقتول هو الأستاذ في الحوزة العلمية (السنية) والجامعة الدكتور مولوي عبد الشكور كرد نجل مولوي عبد الستار، أحد أئمة صلاة الجمعة السابقين لأهل السنة في خاش"، زاعمة أن "عملية الاغتيال جرت على خلفية خلافات شخصية".

ولا يستبعد مراقبون للشأن الإيراني أن يكون مهاجمة رجال دين شيعة في مشهد، سببه التمييز والاضطهاد الطائفي ضد أهل السنة في إيران، واستمرار الاغتيالات والترهيب المستمر الذي يطال رموزهم الدينية دون الكشف عن الجهات التي تستهدفهم ومحاسبتها.

قلق المراجع

ورغم تكرار حالات الاغتيال بحق الرموز الدينية السنية في إيران، فإن السلطات لم تكشف عن الأسباب الحقيقية، بل تعزو أسبابها مباشرة إلى حالات خلاف شخصية، ثم تتعهد بعد ذلك بكشف ملابسات الحادث وإجراء تحقيق بالواقعة.

لكن الترهيب المستمر بحق السنة في إيران ورموزهم، قد تكشف أسبابه تصريحات شخصيات قريبة من النظام.

ففي مارس/آذار 2014 أعرب مختص وخبير في الشؤون الدينية والمذهبية في إيران، عن قلقه من انخفاض عدد سكان الشيعة وارتفاع عدد أهل السنة في هذا البلد.

وقال ناصر رفيعي، العضو البارز في "الهيئة العلمية لجامعة المصطفى العالمية" إن "علماء ومراجع التقليد الشيعة قلقون جدا من انخفاض عدد الشيعة وازدياد أهل السنة في إيران".

وبين رفيعي أن "نسبة عدد أهل السنة في إيران ترتفع بسرعة، وفي المقابل نسبة عدد الشيعة تنخفض".

وأشار إلى أن "عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية من أبناء السنة يعادل 50 بالمئة من كل التلاميذ في إيران، ما يعني أن عددهم أصبح يعادل الشيعة".

وأضاف قائلا: "في إحدى المدن بمحافظة أذربيجان الإيرانية يفوق عدد أهل السنة (70 بالمئة) عدد الشيعة (30 بالمئة)، وهذا خطير جدا"، وفق ما نقلت وكالة "مهر" الإيرانية.

وعزا رفيعي ارتفاع عدد أهل السنة في إيران إلى تعدد الزوجات بينهم، وكثرة الإنجاب.

ولفت إلى أن "نسبة تعدد الزوجات في بعض مدن أهل السنة تصل إلى أربع زوجات للرجل، وعدد الأولاد إلى 40 ولدا في الأسرة الواحدة أحيانا".

وأكد هذا الخبير في كلمته أن علماء ومراجع التقليد الشيعة أعلنوا عن قلقهم الشديد إزاء هذا التغيير، وانخفاض عدد السكان في إيران.

ولفت إلى أن "المراجع الشيعية في إيران حثت المواطنين على التزاوج وكثرة الإنجاب وزيادة المواليد".

وكذلك نشر موقع "شيعة أونلاين" في عام 2013 تقريرا أوضح فيه أنه خلال الـ20 عاما القادمة ستصبح الشيعة في إيران أقلية مذهبية.

في المقابل تتحول السنة إلى الأكثرية، تليها الأديان الأخرى مثل المسيحية والمجوسية.

تحريض علني

التحذيرات من ازدياد أعداد أهل السنة في إيران، رافقها تحريض ضدهم من كبار المراجع الشيعية، ومنهم آية الله مكارم شيرازي.

شيرازي الذي يعد من كبار مراجع الشيعة في قم، دعا إلى التصدي لـ"أهل العقيدة الوهابية"، وهي عبارة تطلقها إيران على كل من يتحول من هذا المذهب إلى السنة.

وقال شيرازي في مؤتمر "الإمام السجاد الدولي" عام 2015: "نرى اليوم أهل السنة يشترون الأراضي في أطراف مدينة مشهد (خراسان) كي يزداد عددهم"، مضيفا: "أي أحد ينفق ريالا واحدا لترويج المذهب الشيعي فهو يساعد على استقرار وأمن إيران".

وهاجم هذا المرجع الشيعي من أسماهم أهل العقيدة "الوهابية"، قائلا: "دعوت المسؤولين إلى تشكيل أحزاب ومجموعات للتصدي لهذه النشاطات (التحول لمذهب السنة)، ولا توجد أي محدودية لمن يمنعهم ونحن طليقو الأيدي في هذا المجال".

وعلى إثر هذه التصريحات، أعرب إمام السنة في إيران الشيخ مولوي عبدالحميد زهي، عن احتجاجه على تصريحات آية الله مكارم شيرازي، واعتبرها تحريضا علنيا.

ونظرا لعدم وجود إحصاء سكاني على أساس الطائفة والعرق فليس هناك رقم رسمي محدد عن أعداد السنة في إيران، لذا تتضارب المعلومات بشأن حجم التعداد الحقيقي لهم، حيث تقول الإحصاءات الرسمية إنهم يشكلون 10 بالمئة من إجمالي عدد السكان.

لكن مصادر سنية تؤكد أنهم يشكلون الثلث تقريبا، فيما تشير مصادر مستقلة إلى أن العدد الحقيقي يتراوح بين 15-20 بالمئة من سكان إيران البالغ عددهم 79 مليونا حسب إحصاء 2015.

ينقسم سنة إيران إلى ثلاثة عرقيات رئيسة: الأكراد، البلوش، التركمان، إضافة إلى العرب المقيمين في إقليم خوزستان.

ومن الملاحظ أن السنة في الجمهورية الإسلامية ومعظمهم ينتمي إلى المذهبين الحنفي والشافعي، يسكنون بالقرب من الحدود التي تفصل بين إيران والدول المجاورة مثل باكستان وأفغانستان والعراق.

والأكراد وهم الغالبية العظمى من السنة في إيران يتبعون المذهب الشافعي، بينما يتبع البلوش والتركمان المذهب الحنفي، أما العرب وبعض الأذريين فيتبعون المذهب الحنفي النقشبندي.

ورغم تراوح نسبة أهل السنة العددية ما بين 15-20 بالمئة من عدد سكان إيران فإن تمثيلهم داخل مجلس الشورى "البرلمان" لا يتناسب مطلقا مع هذه النسبة.

إذ لا يتعدى عدد النواب عن السنة نحو 20 نائبا من إجمالي 280 بما لا يتجاوز سبعة بالمئة فقط.

الأمر لا يتوقف فقط على البرلمان، فالمواطن السني محروم وبحسب الدستور من تولي المناصب العليا في الدولة، كرئاسة الجمهورية أو البرلمان، مهما كانت مؤهلاته.

إذ ينحصر ذلك بالمذهب الجعفري الإثنا عشري، وفق المادة 115 من الدستوري الإيراني.