قانون انتخابات 2023.. كيف قلب تحالف أردوغان الطاولة على ألاعيب المعارضة؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في أكثر من مناسبة أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الانتخابات الرئاسية عام 2023، ستكون مصيرية وستشكل نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد.

ولعل ذلك يفسر الاستنفار الحاد من قبل الأحزاب التركية كافة، استعدادا لخوض غمار تلك الانتخابات، سواء من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحليفه الحركة القومية (تحالف الجمهور)، أو أحزاب المعارضة الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطي (تحالف الشعب) التي انضم لها أخيرا حزبان جديدان، لتشكل ما بات يُعرف بالتحالف السداسي.

وفي هذا الإطار، أقر البرلمان التركي في 31 مارس/ آذار 2022، حزمة تعديلات على قانون الانتخابات تقدم بها التحالف الحاكم، عدها مراقبون حلقة جديدة من تكتيكات المعركة التصويتية المنتظرة في يونيو/ حزيران 2023، التي ستحدد الرئيس والأغلبية البرلمانية وحكام البلديات. 

فما طبيعة التعديلات الجديدة؟ ولماذا صدمت تحالفات المعارضة؟ وهل بالفعل تصب في مصلحة التحالف الحاكم؟ أم هناك مناورات أخرى يمكن أن تفرزها الأيام المقبلة؟ 

معالم القانون

وشملت التعديلات الجديدة بقانون الانتخابات 14 بندا، في مقدمتها تخفيض عتبة دخول البرلمان إلى 7 بالمئة فقط، بعد أن كان على الأحزاب أن تحصل على 10 بالمئة حتى تستطيع حجز مقاعد لها داخل البرلمان.

كما نصت على منع انتقال النواب البرلمانيين من حزب لآخر من أجل تسهيلات الدخول إلى البرلمان، وهي الآلية التي اعتمدتها المعارضة طوال الوقت، لاستيعاب الأحزاب الصغيرة وتمكينها من الدخول إلى عتبة البرلمان. 

كذلك ألزمت أن يكون الحزب السياسي الراغب في المشاركة بالانتخابات قد عقد لمرتين متتاليتين مؤتمراته الكبرى في الولايات والأقضية.

وشملت التعديلات أيضا استثناء رئيس الجمهورية من قانون "الصمت الانتخابي"، وانتخاب رؤساء اللجان الانتخابية، وطريقة احتساب أصوات الأحزاب التي تنضوي تحت تحالف واحد.

واستمرت جلسة إقرار التعديلات نحو 17 ساعة كاملة، وفق وكالة الأناضول الرسمية، وشهدت نقاشات حادة بين التحالف الحاكم، وأقطاب المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، الذين وصفوا ما يحدث بأنه تغيير كامل في قواعد اللعبة. 

إذ إن هذه التعديلات تعصف بأحلام المعارضة التي زادت أنشطتها واجتماعاتها في الشهور الأخيرة مستغلة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، لتطالب بعقد انتخابات مبكرة.

غير أن الرئيس أردوغان قطع على المعارضة هذا الطريق بتأكيده في ديسمبر/ كانون الثاني 2021، إجراء الانتخابات في موعدها.

وقال إن "المعارضة لا تفتر ليل نهار عن طلب عقد انتخابات مبكرة، وأكدنا أكثر من مرة أنه لن تعقد انتخابات مبكرة، تركيا دولة قانون، والانتخابات لن تحدث سوى في تاريخها المقرر  في 2023". 

قطع الطريق

وفي خطوة غير مسبوقة، اجتمعت ستة أحزاب تركية معارضة مختلفة التوجهات والأيدولوجيات، في 28 فبراير/ شباط 2022، ووقعت على بيان اتفاق بشأن تغيير النظام السياسي من رئاسي ليكون "برلمانيا معززا".

وشارك في هذا الاجتماع أكبر أحزاب المعارضة، الشعب الجمهوري (علماني)، وحزب الجيد (قومي)، وحزب السعادة (إسلامي)، والحزب الديمقراطي، وحزب المستقبل بقيادة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، إضافة إلى حزب  الديمقراطية والتقدم الذي يرأسه وزير الاقتصاد والمالية السابق علي بابا جان.

والأخيران، عضوان مؤسسان بحزب العدالة والتنمية، وعرفا بنجاحاتهما في إدارتهما للمناصب الحكومية التي تولاها، لكنهما انفصلا لاحقا عن الحزب لأسباب متنوعة، وأسسا حزبين مختلفين.

ويهدف النظام البرلماني المعزز إلى تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، وإحداث تغييرات هيكلية في مؤسسات الدولة بداية من المحكمة الدستورية إلى مجلس التعليم العالي، وإعادة هيكلة الإعلام الرسمي.

ولاقى الاجتماع الأول اهتماما إعلاميا كبيرا وسيطرت الاستقطابات على أجوائه، فيما وصف الإعلام المعارض الاجتماع بأنه تاريخي، وعقب ذلك اجتمع القادة الستة مرة ثانية في 27 مارس 2022، ويُنتظر اجتماعهم مرة ثالثة، نهاية أبريل/ نيسان 2022.

وهذه التطورات دفعت التحالف الحاكم لخطوات أسرع وضربات استباقية قبل أن تتجه الأمور إلى نطاق يصعب السيطرة عليه. 

وفي مواجهة اتفاق الأحزاب الستة على خفض نسبة عتبة التمثيل البرلماني إلى 3 بالمئة فقط حتى تتمكن الأحزاب الصغيرة من الدخول إلى البرلمان، خفض التحالف الحاكم العتبة إلى 7 بالمئة فقط.

وهي خطوة محسوبة وتضرب عصفورين بحجر، إذ تصب في مصلحة حزب الحركة القومية الذي كان قد حقق في الانتخابات الأخيرة نسبة 11 بالمئة فقط، وتظهر استطلاعات الرأي خسارته لأصوات كثيرة بسبب أدائه في السنوات الأخيرة.

ونسبة العتبة الجديدة تضمن له دخول البرلمان، حتى لو فقد نحو نصف المصوتين له في الانتخابات الأخيرة، بينما لا تخدم الأحزاب المعارضة الصغيرة الأربعة التي تظهر استطلاعات الرأي أن كلا منها لا يتجاوز 2 بالمئة، وهو ما ذكره الباحث السياسي التركي، هشام غوناي، في مقال بموقع "الحرة" الأميركي، في 17 مارس 2022. 

كما قضى التحالف الحاكم على هامش المناورة في تحالف المعارضة، عبر منع انتقال النواب البرلمانيين من حزب لآخر من أجل تسهيلات الدخول إلى البرلمان.

فلم يكن مطلوبا في السابق من الحزب الراغب في دخول البرلمان أن يتجاوز بمفرده العتبة الانتخابية إن كان متحالفا مع حزب قد تجاوزها، الأمر الذي سمح بدخول أحزاب صغيرة عدة إلى البرلمان من خلال التحالف مع أحزاب كبيرة، مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة مع حزبي الجيد والسعادة.

ووفقا لأحدث سجلات مكتب المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا في تركيا، تم تأسيس 21 حزبا سياسيا جديدا في تركيا خلال عام 2021.

وبتأسيس الأحزاب الجديدة يرتفع العدد الإجمالي للأحزاب السياسية بالبلاد إلى 124.

انتخابات 2023

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج، "كان التنافس بين (العدالة والتنمية) والمعارضة في السنوات القليلة الماضية أشبه بلعبة الشطرنج، فقد تحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية ظانا أن المعارضة المتنوعة عصية على التحالف، ففاجأته بتحالف الشعب بين أحزاب متباينة التوجهات والخلفيات". 

وأضاف في مقال نشره موقع "الجزيرة" في 30 مارس 2022: "في الانتخابات الأخيرة بكر التحالف الحاكم موعدها، وفق رغبة الحركة القومية، لقطع الطريق على مشاركة الحزب الجيد المنشق عنها إذ لم يكن بعد قد استكمل الشروط، لكن حزب الشعب الجمهوري (نقل) له عددا من النواب ليشكل كتلة برلمانية خولته خوض الانتخابات في ذلك الوقت". 

وأوضح: "اليوم، تقول المعارضة إن القانون الجديد يهدف لمنع الأحزاب الصغيرة الجديدة من دخول البرلمان وتتوعد باتخاذ الإجراءات الكفيلة بعكس ذلك". 

وفي البرلمان الحالي، يمتلك حزب العدالة والتنمية 285 مقعدا من أصل 581، يليه حزب الشعب الجمهوري بـ135 مقعدا، بينما حزب الحركة القومية يمتلك 48، والجيد 36، والديمقراطي 2، والسعادة 1، والديمقراطية والتقدم 1، والمستقبل بلا مقاعد.

والحزبان الأخيران أسسا في عام 2019.

يذكر أن الرئيس أردوغان، أعلن في 17 فبراير 2022، أن "تركيا بديمقراطيتها ونموها، ستتخذ خيارا حاسما في الانتخابات المقبلة بين العودة إلى ماضيها المظلم أو السير نحو مستقبلها المشرق". 

وأشار إلى "أن الشعب التركي أيد (بالغالبية) حزب العدالة والتنمية في الانتخابات كافة التي خاضها منذ توليه مقاليد السلطة بالبلاد (عام 2002)".

وسوف تكون انتخابات 2023 حدثا استثنائيا كذلك لأبعاد أخرى، أهمها أن الرئيس أردوغان، سيرشح نفسه لمنصب الرئاسة للمرة الأخيرة بعد عقدين كاملين أمضاهما في السلطة.

الدوافع الرئيسة

ويرى عضو حزب العدالة والتنمية، يوسف باشير، أن "قانون الانتخابات الجديد لم يصدر بين عشية وضحاها، وقد تم إعداده بجهد كبير من أجل حل المعوقات التي ظهرت منذ سنوات عديدة، خاصة فيما يتعلق بقوانين الانتخابات، وتلبية لتوقعات المواطنين في هذا الصدد". 

وأضاف في مقال نشرته صحيفة "يني آكيد" التركية في 3 أبريل، أنه "خلال عملية إعداد القانون، تصرفنا بدقة، وقمنا بإجراء دراسة دقيقة بالطريقة التي تناسب ديمقراطيتنا وأمن العملية الانتخابية وإخراجها في أكثر الصور نزاهة وشفافية". 

واستطرد: "من الممكن تلخيص ما حدث تحت خمسة عناوين رئيسة، عتبة الانتخابات، طريقة توزيع النواب، الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات، المجالس الانتخابية (مجالس انتخابات المحافظات، الدوائر)، بعض اللوائح المتعلقة بالناخبين". 

وأردف باشير: "سيتم تخفيض عتبة الانتخابات في البلاد، من 10 بالمئة في الانتخابات السابقة، إلى 7 بالمئة، وهذا سيسمح بمشاركة أوسع للأحزاب، وتمثيل أكبر للدوائر". 

وقال عضو الحزب الحاكم إنه "منذ أن تمت مشاركة اقتراح القانون مع الشعب، رأينا أن المعارضة تقوم بحملات نقد واسعة على جميع المستويات، خاصة في الجزء المتعلق بأنه يتوجب على الحزب الذي يريد تجاوز عتبة البرلمان أن يفعل ذلك بمفرده دون الاستناد إلى حزب آخر، وهذا جل ما أزعجهم". 

وأشار إلى أنه "إذا أرادت إدارة أي حزب أن توجه قاعدتها الخاصة للتصويت لحزب آخر، فيمكنها فعل ذلك بشكل مباشر، متخلية عن نسبتها الحقيقية دون تلاعب".

واختتم باشير مقاله بالقول: "الأحزاب تنشأ ليكون لها رأي في إدارة البلاد من خلال الفوز في الانتخابات بشكل مباشر، ولا غنى عن تنظيم الأحزاب وقياس قدرتها الشعبية الحقيقية لتحقيق هذا الهدف".