أغلى من لندن ودبي.. لماذا الزيادة "غير المبررة" في أسعار العقارات بالعراق؟
مع أن غلاء العقارات يرتبط بملفات الأمن والخدمات والسياحة، إلا أن العراق ورغم افتقاد معظم مناطقه لكل ذلك، يشهد حاليا ارتفاعا غير مسبوق في أسعار العقارات تجاوزت الدول المجاورة، بل حتى إنها أصبحت أغلى من عقارات بلدان أوروبية.
ففي ظل غياب المعالجات الحكومية لأزمة السكن في العراق، فإن البلد الذي وصل عدد سكانه إلى 41 مليون نسمة في نهاية عام 2021، بحاجة إلى نحو 3.5 ملايين وحدة سكنية في عموم البلاد للتخفيف من حدة الأزمة الحالية، وفقا لإحصاءات رسمية.
كلمة السر
وفي الوقت الحالي، تتصدر مدن بغداد وكربلاء والنجف والبصرة والفلوجة والرمادي، سوق العقارات في العراق، حيث أصبحت أغلى ثمنا مما هو عليه أسعار العقار في مدن بدول مجاورة مستقرة سياسيا وأمنيا وتتمتع بخدمات كاملة، مثل إسطنبول وعمّان.
والأكثر من ذلك، فإن سعر شقة في بعض مناطق بغداد صارت أغلى ثمنا من منزل في أرقى مناطق المملكة المتحدة، حسبما أكد صباح عبد اللطيف رئيس اللجنة العليا للخدمات والإعمار في مكتب رئيس الوزراء العراقي، والذي يعزو ارتفاع الأسعار إلى قلة العرض وزيادة الطلب.
وقال المستثمر العراقي في مجال العقارات حامد الشمري لـ"الاستقلال"، إن "ارتفاع الأسعار في مناطق العراق، وخصوصا في بغداد غير مبرر لكن كلمة السر في غسيل الأموال التي تحصل عليها جهات نافذة من عمليات الفساد المالي المستشري في جميع مفاصل الدولة".
وأضاف الشمري أنه "مع وضع الخزانة الأميركية الكثير من الشخصيات العراقية النافذة على لائحة العقوبات، فإنها توجهت لشراء العقارات في العراق وتسجلها بأسماء وكلائها خيشة الحجز عليها، وذلك بدلا من شرائها عقارات في دول أوروبية أو دول الجوار العراقي ويجرى التحفظ عليها لاحقا".
وتابع: "بعد ارتفاع أسعار العقارات في مناطق ببغداد أو العراق، يذهب الناس إلى شراء العقارات على أمل الحصول على هامش من الربح وخوفا كذلك من تذبذب سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار، ولأن العراقيين أيضا لا يدخرون أموالهم في البنوك ويفضلون شراء الذهب والعقارات".
وأشار الشمري إلى سبب آخر أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات، "هو غياب المجمعات السكنية واطئة الكلفة أو التقسيط المريح وحتى انعدام توزيع قطع الأراضي بين الموظفين، والذي من شأن كل ذلك أن يخفض أسعار العقارات في البلد لأن العرض سيزداد في سوق العقار".
وأكد المستثمر العراقي "وصول سعر المتر في بعض مناطق بغداد ولا سيما التجارية منها إلى 5 آلاف دولار، وبذلك فإن قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها 300 متر مربع يصل مبلغها إلى مليون ونصف مليون دولار، فإذا جرى بناؤها يصل سعر المبنى إلى مبلغ مهول".
وأصدر الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية في عام 2022، دراسة ميدانية عن عدد العقارات والوحدات السكنية في العراق، والتي تبلغ حسب آخر إحصائية 4 ملايين و520 ألف مبنى ووحدة سكنية، وتشكل الشقق في مباني العمارات السكنية نسبة (23.9).
وأكد "المركزي للإحصاء" أن مباني الدور السكنية تشكل نسبة (76.1 بالمئة)، منها (70.2 بالمئة) في المناطق الحضرية ومراكز المدن، بينما تقع نسبة (29.8 بالمئة) من هذه المباني ضمن المناطق الريفية في عموم العراق.
تداعيات القروض
وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني إن من بين أسباب المشكلة "بناء مجمعات سكنية عالية الكلفة وغير مدعومة من قبل الدولة، وتصل أسعارها إلى أكثر من 200 ألف دولار للشقة الواحدة، ما دفع المشترين إلى شراء الأراضي السكنية".
وأكد المشهداني خلال تصريحات صحفية في 23 مارس/آذار 2022 أن "هناك عددا من المصارف أفلست ووضعت تحت الوصاية، ما تسبب بخسائر كبيرة لأموال المودعين وصغار المساهمين، دون وجود أي حلول من قبل الحكومة العراقية".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "الدينار العراقي فقد قيمته النقدية بعد ارتفاع سعر الدولار، وأي تصريح إعلامي يصدر من أي مسؤول يدفع المودعين إلى سحب أموالهم من البنوك، على الرغم من أن البنك المركزي حاول تشكيل هيئة ضمان الودائع، إلا أن هذه الهيئة لم تأخذ دورها لغاية الآن".
وعلى نحو مماثل، رأى المختص في الشؤون الاقتصادية باسم جميل خلال تصريحات في 21 مارس 2022، أن "التضخم النقدي الذي حدث في البلد وانخفاض قيمة الدينار العراقي دفعا كثيرين من المواطنين إلى استخدام السيولة النقدية في شراء الذهب أو الدولار أو العقار، مما أدى إلى زيادة الطلب على العقار".
وأوضح جميل أن "العراق يعاني أزمة سكن، بحيث إن 50 في المئة من العراقيين لا يملكون سكنا ملائما، مما رفع الطلب في ظل قلة العرض"، مؤكدا أن "هذا الأمر جعل كثيرين يستثمرون في المجال العقاري، خصوصا في ظل الزيادة السكانية، التي تصل إلى مليون نسمة سنويا، مما يتطلب توفير 250 ألف وحدة سكنية سنويا".
وأعرب المختص الاقتصادي عن اعتقاده بأن "القروض الحكومية من دون تخطيط رفعت أسعار العقارات، وكان من الممكن توزيع أراضٍ مخدومة وإعطاء قروض على تلك الأراضي لتخفيض سعر الوحدات السكنية".
وأطلقت المصارف الحكومية العراقية وصندوق الإسكان العراقي في مارس 2022، سلسلة من القروض للمواطنين لبناء المساكن، تتراوح ما بين 50 مليون دينار (34 ألف دولار) و150 مليون دينار (102 ألف دولار) لترميم المساكن وتأهيلها وبنائها وشرائها، ولاقت إقبالا خصوصا من قبل موظفي الدولة.
يشار إلى أن العاصمة بغداد اختيرت من أسوأ المدن للعيش وفقا لتصنيف مؤسسة "ميرسر" للاستشارات العالمية في العام 2021، إضافة إلى خروجها من تصنيف أفضل المدن للعيش في عام 2020، بحسب مجلة "غلوبال فاينانس".
ارتفاع مهول
وفي تقرير أصدره "المركز العراقي الاقتصادي السياسي" في 6 يناير/ كانون الثاني 2022، فإن "عام 2021 شهد ارتفاعا كبيرا ومهولا في أسعار العقارات لبعض المناطق السكنية والتجارية في بغداد قد يتجاوز مثيلها في دبي ولندن وقد وصل سعر المتر الواحد التجاري في بعض الأحيان إلى 10 آلاف دولار".
وأضاف المركز أن هذا الارتفاع "يؤشر إلى استشعارات أن هناك تبييض أموال أو تضاربا في أسعار العقارات بعد تضييق الخناق من قبل الحكومة على عمليات التحويل المالي الخارجي علما أن أسعار العقارات في تصاعد مستمر في السنوات الأخيرة".
ونقل التقرير عن وسام الحلو مدير المركز قوله، إن "على الحكومة العراقية أن تقوم بعملية تغيير قانون تداول الأملاك العقارية على مستوى رأس المال وليس المبالغ التي تباع وتشترى في نفس السنة أو في أوقات متقاربة".
ولفت الى أن "عملية تغيير قانون تداول الأملاك وتثبيت المشتري في السجل العقاري لمدة عشر سنوات على الأقل قد يساهم في سحب الكتلة النقدية إلى قطاعات استثمارية اخرى غير العقارات".
وبين الحلو أنه "من الممكن أن تقوم الحكومة بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة بشكل واسع وشفاف وحازم بنفس الوقت من أجل ضبط إيقاع بيع أسعار العقارات من خلال تشكيل هيئة خاصة أو لجنة تتكفل بمتابعة ومراقبة الأسعار والحد من أي تلاعب يطال أسعار العقارات في العاصمة وجميع المحافظات العراقية".
وفي إطار محاولة الحكومة معالجة أزمة السكن في العراق، قرر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في يونيو/ حزيران 2021، إطلاق مبادرة تحمل اسم "داري" لتوزيع 550 ألف قطعة أرض لإقامة مبان سكنية.
وذكر بيان لمجلس الوزراء أن الكاظمي أعلن أن "لكل عائلة عراقية الحق في مسكن لائق، يحفظ الكرامة ويناسب العيش الكريم، والتقيت الفريق الفني الخاص بالموقع الإلكتروني لتوزيع الأراضي على المواطنين لإطلاقه قريبا من أجل توزيع عادل وشفاف، بعيدا من المحسوبيات، ووفقا لمجموع النقاط التي سيحصل عليها كل مواطن".
لكن مبادرة الكاظمي لم تر النور بعد رغم وعده بإنجاز الموضوع خلال ثلاثة أشهر فقط، إلا أن حكومته اليوم اقتربت أكثر من إنهاء أعمالها مع قرب تكليف تشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
المصادر
- مركز اقتصادي: 2021 شهد ارتفاعاً كبيراً بأسعار عقارات بغداد
- العراق بحاجة لـ3.5 ملايين وحدة سكنية.. أسعار العقارات في بغداد خيالية وإليك الأسباب
- شقة في بغداد تساوي "فيلا" تركية.. ما هي أسباب ارتفاع أسعار عقارات العاصمة؟
- العراق: ارتفاعات قياسية لأسعار العقارات السكنية
- جنون أسعار العقار في بغداد يدفع العراقيّين الى اسطنبول... وحتى بيلاروسيا
- أسعار العقارات في بغداد في مستويات قياسية