السفارات الفلسطينية.. "دكاكين" لأبناء قيادات السلطة والمقربين من عباس

خالد كريزم | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

فتح تعيين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، شخصيات "مقربة" سفراء في عدد من الدول حول العالم، ملف الفساد داخل أروقة مقر المقاطعة (الرئاسة) برام الله.

وفي 15 مارس/ آذار 2022، أدى اليمين القانونية أمام عباس كل من وزير الصحة السابق جواد عواد سفيرا لدى أوزبكستان، والقيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، رويد أبو عمشة سفيرا لدى جيبوتي.

وحضر مراسم أداء اليمين التي جرت في مقر الرئاسة، وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة مجدي الخالدي.

ومنتصف فبراير/ شباط 2022، أدى ليث عدنان عرفة، اليمين القانونية، أمام عباس سفيرا لدولة فلسطين لدى ألمانيا، وقالت مواقع محلية إن الأخير كان يعمل برتبة رائد في جهاز الأمن الوقائي بالضفة الغربية.

أبناء القيادات

لكن أكثر ما أثار الجدل، أداء رولا ابنة القيادي الراحل بحركة "فتح"، جمال محيسن، اليمين القانونية سفيرة لدى السويد في 15 مارس بعد وفاة والدها بشهر.

ودفع هذا التعيين إلى انتقاد سياسة عباس المتجددة في "التفرد والإقصاء" واختيار السفراء من "المقربين" وأبناء القيادات والمسؤولين.

وقال الحقوقي مصطفى إبراهيم في تغريدة على تويتر إن "تعيين رولا جمال محيسن ابنة القيادة بحركة فتح إضافة إلى وزير الصحة السابق جواد عواد سفراء لفلسطين، دليل على المحسوبية والفساد المستشري في مؤسسات السلطة، واحتكار لعظام الرقبة".

أما الكاتب فايز أبو شمالة فعلق بالقول: "لأنه حارب المقاومة الفلسطينية، ولأنه من دعاة محاصرة أهل غزة، ولدوره البطولي في التنسيق والتعاون الأمني مع الأعداء تقرر أن تكون مكافأة نهاية الخدمة لجمال محيسن: ترقية ابنته رولا إلى درجة سفير في السويد، وترقية ابنه معتصم إلى درجة مدير عام لوزارة الصحة، وإنها لثورة حتى النصر".

وفي يناير/كانون الثاني من نفس العام، أثار تعيين سلام الزواوي سفيرة لفلسطين لدى إيران خلفاً لوالدها صلاح الزواوي، الذي تولى منصبه على مدار أربعة عقود كثيرا من الجدل.

وفوجئ الشارع الفلسطيني بوجود سفير في إيران طوال أربعة عقود، لا يظهر له أي نشاط دبلوماسي أو تصريح صحفي، وكانت المفاجأة مضاعفة بسهولة تولي ابنته منصبه.

وبحسب تقارير محلية، فإن الزواوي صديق شخصي للرئيس محمود عباس، حيث تشاركا مقاعد الدراسة في قرية صفد قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، وبقيت علاقتهما قوية حتى اليوم.

وتعتبر فترة تولي الزواوي منصب سفير فلسطين في إيران منذ عام 1981 وحتى 2022، أطول مدة يقضيها سفير في العالم، أي منذ بدايات الجمهورية الإيرانية الحديثة.

وأصبح ذات الرجل عام 1968 سفير منظمة التحرير الفلسطينية لدى الجزائر، وعام 1975 سفيرا لدى البرازيل، ولاحقا لدى كينيا، قبل أن يصبح سفيرا في إيران منذ عام 1981.

وحسب مصادر محلية، كان الزواوي قد عين ابنته سلام السفيرة الحالية في وظيفة إدارية في السفارة قبل سنوات، لتكون خليفته اليوم.

وقال الصحفي أمين البياري تعقيبا على تعيينها خلفا لوالدها: "لم يحدث أن صادفنا لسفير فلسطين في طهران حضورا ونشاطا وفاعلية ودورا، لكن المفاجأة أنه في منصبه منذ 40 عاما، وهذا غريب ومستنكر ومستهجن وعجيب، أما المفاجأة الأكثر إدهاشا أن السفيرة التي أدت اليمين هي ابنته".

تدوير الفساد

يعد السلك الدبلوماسي الفلسطيني أكثر جهة تتلقى الانتقادات والاتهامات بالفساد والمحاباة بالتوظيف، ويعتبر مقصدا لأبناء المسؤولين والقيادات والمحسوبين عليهم، نظرا لما يوفره من امتيازات.

واشترط قانون السلك الدبلوماسي رقم (13) لسنة 2005 وفقا لأحكام المادة الـ (11) بأن التعيين يجب أن يكون وفقا "لمسابقة عامة تجريها وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية لاختيار موظفي السلك، ويجري الاختيار من قبل لجنة متخصصة تتشكل لهذا الغرض".

إلا أن عددا كبيرا من المعينين لم يخضعوا لهذه المسابقة، ولا يوجد التزام بنشر وجود شاغر حتى يتقدم له من يريد حسب الأصول. لذلك يتفاجأ الشارع الفلسطيني باستمرار بتعيين أبناء القيادات والمسؤولين في حركة فتح والسلطة اللتين يرأسهما عباس.

وكشفت دراسة للائتلاف من أجل النزاهة والمساواة "أمان"، في سبتمبر/ أيلول 2021، أن هناك 111 سفيرا فلسطينيا يمثلون السلطة في العالم، كان بينهم 41 بالمئة التزموا المدة القانونية، و59 بالمئة تجاوزوا المدة المسموح بها للبقاء في مناصبهم.

وبينت أن عدد السفراء الذين بلغت مدة شغلهم منصب السفير بين 4 - 5 سنوات وصل إلى 11، بينما بلغ عدد الذين تراوحت مدة بقائهم في المنصب بين 5 - 10 سنوات 36 سفيرا، كما استمر 7 سفراء في منصبهم لأكثر من 10 سنوات.

ووفقا لأحكام المادة "17" من القانون الفلسطيني، فإن مـدة العمل الدبلوماسـي في دولة واحدة هي أربع سـنوات مـع التمديد لمدة سنة من قبل وزير الخارجية.

ومن أمثلة من حصلوا علـى تمديد لعام خامس في نفس الدولة التي يخدمون فيهـا: محمـد طلب عمرو السفير في نيكارغوا، وصفوت إبراهيم ابريغيث السفير في السنغال، وربيع الحنتولـي السـفير في الجبل الأسود.

وكشفت الدراسة أن 14 سفيرا استمروا في العمل بالخارج لأكثر من 10 سنوات متجاوزين المدة القانونية، بينهم السفير في أستراليا عزت عبـد الهادي، والسفير في إسـبانيا كفـاح عودة، وفي إيران صالح الزواوي، وفي الأردن عطا الله خيري.

وبقي 6 سفراء في مناصبهم أكثر من 14 سنة، فيما بقي سفير واحد في منصبه أكثر من 20 سنة.

ويتجاوز الأمر السفراء عند النظر إلى أن وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي، يتولى الوزارة منذ عام 2009 وحتى الآن، بشكل متواصل.

وبالاطلاع على القرارات الصادرة عن رئيس السلطة المتعلقة بالشأن الدبلوماسي التي جاءت تحت الأرقام (26) و(13) و(14) و(23) وجميعها لسنة 2016، يتبين أنه أحال عدة سفراء إلى التقاعد في أشهر مختلفة من العام المذكور، مثل أكرم سمحان وباسم الآغا وعماد جدع وعبد الحفيظ نوفل.

لكن بعد مراجعة الصفحات الرسمية لبعثات فلسطين لدى الدول التي تمثلها تلك الأسماء، تبين أن السفراء المشمولين بالقرار ما زالوا على رأس عملهم ولم يجر تنفيذ القرارات بإحالتهم إلى التقاعد.

كما تبين وجود عدم التزام بنشر ومراجعة القرارات الصادرة بالشأن الدبلوماسي والمتعلقة بالتعيين والنقل في الجريدة الرسمية "الوقائع".

وحسب دراسة أخرى لمؤسسة "أمان" نشرت مطلع 2022، تبين أن 40 بالمئة من قرارات تعيين السفراء نشرت في صحيفة "الوقائع" حسب الأصول، بينما لم ينشر 60 بالمئة منها.

تجارة ومصالح

اللافت في هذه القضية أن الفساد لا يطول التعيينات فقط وإنما يشمل السفارات نفسها لتعكس الشخصيات التي يجري تعيينها بالمحسوبية طريقة الإدارة.

وعن هذا الأمر، قال أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم إن السفارات فاسدة في عمومها وتدار بطريقة "فهلوية" معتمدة على الوساطات والمحسوبيات والتمييز بين الفلسطينيين، وهناك سوء إدارة وعجرفة من قبل الموظفين تلحق الكثير من الأذى بأفراد الجاليات الفلسطينية.

وفي مقال نشره قاسم عام 2016 بموقع الجزيرة نت، قال قاسم إنه استند إلى شهادات عديدة من أشخاص عاشوا في الخارج، تؤكد أن السفارات الفلسطينية "أوكار للفاسدين والفاشلين والمتعصبين لتنظيم معين، وهم يستعملونها لتحقيق مآرب شخصية هي في الغالب شهوانية".

وأردف: "موظفو السفارة يعملون في الغالب بالتجارة، ويستغلون مناصبهم وتمثيلهم لتمرير مصالحهم التجارية التي تتعمق مع الزمن مع تجار محليين"، مبينا أن السفير مشغول غالبا باللهو والمتع، وقلما تشغل باله القضية الفلسطينية.

السفارات الفلسطينية لا يمكن أن تختلف عن باقي المؤسسات، فهي ابنة النظام، ولا مفر ستعكس أخلاقيات نظام أوسلو، ولو كان لها أن تعكس الأخلاق الوطنية والالتزام الوطني لكان موظفوها عرضة للاستبدال السريع والفوري.

ومن الممكن أن يجري تعيين سفير بدل آخر فتنشب خلافات بين الجديد والقديم، ويضطر بعضهم في السلطة إلى البحث عن حل وسط بين الاثنين.

فالقديم يعتبر السفارة مملكة له، وهو ليس على استعداد لإخلاء موقعه الذي يعبر عن مصالحه الخاصة المعنوية منها والمادية، والجديد يتحفز ربما لخدمة الوطن أو لتكريس مصالح خاصة محدثة، كما يقول قاسم.

بدوره، يعلق الأكاديمي الفلسطيني فهمي شراب بالقول إن "غالبية الدول التي زرتها مستاءة من سفاراتنا ومن موظفيها، وكثير من المواطنين قالوا لي إن قضية فلسطين تحتاج إلى أناس ذوي أخلاق نبيلة ومشرفة لتمثلها".

فمعظم العاملين في السفارات بما فيهم بعض السفراء يعملون تجارا رغم أن نص القانون واضح وصريح"، وفق ما قال في مقال على مدونة "عرب تايمز".

وأكد أنه "يمنع أي موظف دبلوماسي من مزاولة أي مهنة سواء بأجر أو بدون أجر، ولكن تجدهم (السفراء والعاملين) يفتحون المطاعم ويدخلون في أسهم داخل شركات تجارية ويحولون العملة في أروقة السفارة وتجار شنطة ومهربين".

كما أن "مبدأ تدوير العمل" غير مفعل ومعطل تماما، والسفير وطاقمه يهرمون في السفارة التي يعتبرونها ميراث الوالد إلى ما شاء الله وحتى انقضاء الأجل، وفق تعبيره.

وختم بالقول: "على السلطة الفلسطينية أن تولي ملف السفارات أهمية كبرى، وأن تكون هناك محاسبة ومساءلة، فهناك كثير من المظالم والشكاوى قدمت من متضررين فلسطينيين بالخارج ولم يتحصلوا على أي  رد من أي جهة".

وبين أن هذه الأساليب "تطلق يد البطش خاصة لدى أفراد أمن السفارات ليعيثوا فسادا وإفسادا، ويذلوا العباد ويستمروا في انحرافهم".