"وفرة مالية كبيرة".. لماذا لا ينعكس ارتفاع أسعار النفط على واقع العراقيين؟
.png)
مع كسر أسعار النفط حاجز المئة دولار للبرميل الواحد، فإن العراق الذي يصدر أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، زادت وارداته المالية إلى ضعف ما كان يحصل عليه قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي ألقت بظلالها على أسواق النفط العالمية.
سجل العراق في فبراير/شباط 2022 أعلى معدل صادرات وإيرادات نفطية منذ ثماني سنوات بلغت قيمتها 8,5 مليارات دولار، بمعدل تصديري يومي بلغ نحو (3,314) ملايين برميل، حسبما أعلن وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار إسماعيل في 5 مارس/آذار من نفس العام.
وبموازاة ذلك، أعلن العراق إنهاء سداد تعويضات غزو الكويت عام 1990 بمجموع 52,4 مليار دولار أميركي، والتي كانت تكلفه ملياري دولار سنويا، الأمر الذي أثار تساؤلات عن مدى انعكاس ارتفاع أسعار النفط على واقع العراقيين الاقتصادي.
وفي 19 فبراير 2022 أعلن المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبدالزهرة الهنداوي أن نسبة الفقر في العراق تبلغ ما بين 23-25 بالمئة، مؤكدا أن "هناك شركات حكومية عامة ترهق كاهل الموازنة والاقتصاد من دون تقديم إنتاج أو قيمة اقتصادية".
جيوب الفاسدين
وتعليقا على مدى انعكاس ارتفاع أسعار النفط على واقع العراقيين الاقتصادي، قال خبير الاقتصاد العراقي، أسامة التميمي إن "وضع العراق لا يزال لا يبشر بخير طالما الصراعات السياسية قائمة على قدم وساق من أجل الحصول على المكاسب الحزبية والشخصية وعدم وضع أي اعتبار لحقوق المواطن بتوفير حياة كريمة وتقديم الخدمات".
وأضاف التميمي لـ"الاستقلال" أن "هذا يتمثل بانعدام الرؤية والبرامج التنموية والاقتصادية والإستراتيجيات للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي عبر تطوير برامج التنمية وتنمية القطاعات الاقتصادية وتنويع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساس للموازنة من خلال استثمار الفائض من الأموال بإقامة مشاريع إستراتيجية مهمة".
وخلص التميمي إلى أن: "كل الخوف أن تذهب هذه الأموال إلى جيوب الفاسدين مثلما حصل في السنوات السابقة ويبقى الشعب في حسرة كبيرة يرى أرقاما مهولة من الأموال ولا يرى طحينا في نهاية المطاف".
من جهتها، قالت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، إن "هناك صمتا حكوميا غريبا تجاه إيضاح مسألة الفوائض التي حصل عليها العراق من ارتفاع أسعار النفط، إذ إنها تواصل الارتفاع منذ منتصف السنة الماضية".
لكن البرلمان العراقي، وهو المسؤول عن مراقبة الحكومة، لم يتابع ولم يتحدث عن هذه الأموال، ناهيك عن صمت ديوان الرقابة المالية وهو المسؤول عن إصدار الحسابات الختامية، وفق قولها.
وأضافت سميسم خلال تصريحات لها في 19 فبراير 2022: "كان من المفترض أن يصدر ديوان الرقابة البيانات الخاصة بالأموال نهاية العام الماضي"، متوقعة أن "هناك إخفاء متعمدا للحسابات الختامية، من قبل جهات لا تريد أن تعترف بآلية الاحتفاظ بهذه الأموال، مع العلم وزارة المالية هي المسؤولة عنه".
ووصل سعر برميل النفط في الأسواق العالمية حتى 14 مارس 2022 إلى 112 دولارا للبرميل، وذلك بعدما وصل قبلها بأسبوع إلى أكثر من 130 دولارا للبرميل، متجاوزا بذلك ذروة عام 2012، والتي بلغت 128 دولار للبرميل.
سياسة مالية
وفي السياق ذاته، قال الاقتصادي العراقي وسام الحلو خلال تصريحات له في 5 مارس 2022 إن "العراق قد لا يستفيد من ارتفاع أسعار النفط، بسبب عدم وجود سياسة مالية مستقرة لديه، وهذا ما رأيناه في الفترة السابقة".
وتابع: "العراق يعد رابحا بسبب ارتفاع الأسعار الآن، لكنه بنفس الوقت سيخسر نتيجة زياردة أسعار المواد الغذائية وكلف النقل، في ظل اعتماد السوق العراقية الكبير على استيراد هذه المواد".
لذا يجب على الحكومة العراقية إيجاد حالة من الانضباط في التعامل مع الأزمة، لكن بالعموم سيستفيد العراق من الزيادة الكبيرة بأسعار النفط، وفق تقديره.
وخلال مقال اقتصادي نشرته صحيفة "تجديد" العراقية، في 10 مارس 2022 قالت إن "الأولوية المرحلية قد تكون دعم مرتكزات الاقتصاد الوطني غير النفطي، ونقصد الزراعة والصناعة، والاهتمام بالمشاريع الكثيفة بالسكان من أجل حل معضلة البطالة المتفشية لا سيما بين الشباب القادرين على العمل".
وأضافت: "لا مفر من تشجيع تأسيس الشركات الإنتاجية للقطاع الخاص انسجاما مع متطلبات الاقتصاد الحر، وتسهيل حصولها على رأي المال ودعمها أمام الإنتاج الأجنبي، والتوعية الوطنية بأهمية تشجيع الطلب على المنتج الوطني حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستهلاكية على الأقل، غذاء، دواء، ملبس، مسكن".
وبين أن ذلك "يقود إلى أن تخضع المنتجات جميعها لسيطرة نوعية صارمة، يصاحب ذلك محاولة ربط الطاقة مع دول الجوار لتأمين حاجة العراق من الكهرباء ومصادر التشغيل لانطلاق العجلة الإنتاجية الوطنية دون مشاكل أو عقبات".
ولفتت إلى أنه "بفضل غياب الخطط التنموية على مدى السنوات الماضية، بات المواطن العراقي بأمس الحاجة إلى بيئة خدمية وبنى تحتية تتناسب وحجم ثروات بلاده، وهو يعلم أيضا أن الحائل دون الوصول إلى هذا الهدف هو الفساد وسيطرة الجماعات السياسية الفاسدة على المفاصل الاقتصادية للسلطة".
واستنادا لأرقام وكالة إدارة الطاقة الأميركية، فإن العراق يمتلك احتياطيا نفطيا يبلغ نحو 145 مليار برميل، ما يعادل 17 بالمئة من احتياطي الشرق الأوسط، و8 بالمئة من الاحتياطي العالمي، وهو خامس أكبر احتياطي عالمي. لكن الحكومة العراقية تؤكد أن الاحتياطي يبلغ 153 مليار برميل.
صناديق سياسية
وبدوره، يرى الخبير النفطي حمزة جوهر أن "أسعار النفط ستتراجع بمجرد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، لكن أتوقع أنها لن تتراجع إلى ما دون 90 دولارا للبرميل الواحد، وهذا بعد شهرين أو ثلاثة من انتهاء الحرب والانخفاض التدريجي، وقد يستقر عند 85 دولارا للبرميل الواحد من النفط".
وأضاف جوهر خلال مقابلة تلفزيونية في 8 مارس 2022 أنه "يجب عدم الاعتماد على النفط فقط لأنه يشكل 90 بالمئة من الموازنة المالية للبلد، والأمر الآخر أنه يجب تشغيل أعداد العاطلين الكبيرة في البلد، ويجب فصل الميزانية التشغيلية والاستثمارية عن بعضهما".
وأوضح الخبير أن "الأموال التي تخصص للميزانية الاستثمارية يجب أن تذهب إلى صناديق سيادية وهي التي ستستثمر بشكل مستمر بدون أي إعاقة تتعلق بالموازنة المالية السنوية، لتشغيل ملايين العاطلين لتوفير إنتاج محلي، لن نخشى بعدها من ارتفاع أسعار المواد الغذائية".
وتابع: "لا نستطيع عمل تنمية مستدامة من دون وجود صناديق سيادية، ولا يمكن أن يكون كذلك إذا كانت الميزانية الاستثمارية جزءا من الموازنة العامة للدولة، ولكن يجب أن تدار هذه الصناديق من مختصين".
وأردف: "نحن نريد بذلك أن ينتج زيت الطعام والسكر وغيرها من المواد محليا في العراق، حتى لا ترتفع أسعارها مع ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، ويتضرر منها المواطن العراقي".
وأشار الخبير حمزة جوهر إلى أن "البرلمان الحالي باستطاعته أن يفصل بين الميزانيتين التشغيلية والاستثمارية ويؤسس الصناديق السيادية، صندوق للزراعة وآخر للصناعة وغيرها من الصناديق".
وأكد أن "ارتفاع أسعار النفط لن ينعكس على واقع العراقيين الاقتصادي حتى لو وصل سعر البرميل إلى 200 دولار، ما لم يجر تأسيس صناديق سيادية توفر إنتاجا محليا".
وفي خطوة لتخفيف ارتفاع أسعار السلع على العراقيين، أقر مجلس الوزراء العراقي في 8 مارس 2022، منحة حكومية بقيمة 100 ألف دينار (69 دولارا) لأربع فئات، لمواجهة غلاء المعيشة.
وقال البيان الحكومي إن المجلس "صوت على إقرار منحة حكومية بقيمة (100) ألف دينار غلاء معيشة للمتقاعدين والموظفين والرعاية الاجتماعية ومعدومي الدخل".
وجاء ذلك خلال اجتماع طارئ لمجلس الوزراء خصص لمناقشة الأمن الغذائي في البلاد وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق.
المصادر
- هل يحقق العراق قفزة اقتصادية بسبب ارتفاع أسعار النفط
- النفط… فرص نهضة العراق
- التخطيط تتحدث عن نسب الفقر في العراق
- أقر مجلس الوزراء العراقي، منحة حكومية بقيمة 100 ألف دينار لأربع فئات
- العراق سجّل في شباط/فبراير أعلى معدل صادرات وايرادات نفطية منذ 8 سنوات
- إيرادات العراق المخفية: فوائض كبيرة للموازنة من انتعاش أسعار النفط