بعد 9 سنوات من الفتور.. لهذا عاد التقارب مجددا بين المغرب وموريتانيا
انتصارا للمشترك الجغرافي والاقتصادي والتحديات الدولية، التأم المغرب وموريتانيا من جديد، في العاصمة الرباط، لتفعيل الدورة الثامنة لـ"اللجنة العليا المشتركة" بين الجارين شمال القارة السمراء، بعد تجميد دام تسع سنوات.
وشهدت العلاقات المغربية الموريتانية "فترة برود" لنحو عقد من الزمن، جراء ملفات عالقة تغذي التوتر بينهما بين الفينة والأخرى، يرى خبراء أنها "متجاوزة ولا تستحق".
ومن أبرز هذه الملفات، كيفية إدارة نواكشوط علاقتها مع الجزائر وجبهة "البوليساريو"، حيث تعاني السياسة الموريتانية من "لعبة التوازن" في العلاقات بين الجزائر والمغرب.
لكن يصعب على المغرب أن يدفع موريتانيا التي تمثل خاصرته الجنوبية، بعيدا عن حساباته وتوجهاته بالمنطقة رغم "الخلافات".
التعاون المشترك
وفي 9 مارس/آذار 2022، انطلقت في العاصمة المغربية الرباط، أعمال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة بين المغرب وموريتانيا، بعد تسع سنوات على انعقاد الدورة السابعة في نواكشوط، في أبريل/نيسان 2013.
وعشية انطلاق أعمال الدورة، قررت السفارة المغربية في موريتانيا، منح جميع المنتسبين "للاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين" (غير حكومي) تأشيرة سنتين متعددة الدخول إلى المغرب، بحسب وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية.
واعتبرت الوكالة أن هذا القرار "سيمثل خطوة مهمة لتأمين انسيابية التنقل وتوطيد التبادل بين الفاعلين الاقتصاديين بالبلدين".
وفي ختام الدورة الثامنة، وقع المغرب وموريتانيا، في 11 مارس 2022، 13 اتفاقية تشمل قطاعات عديدة منها الزراعة وحماية البيئة والسياحة والصناعة والصحة والأمن.
ووقع الاتفاقيات ممثلون عن الوزارات المختصة والقطاع الخاص برئاسة رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، ونظيره الموريتاني محمد ولد بلال مسعود، في الرباط.
وتتعلق الاتفاقيات بقطاعات الزراعة والإنتاج الحيواني والصيد البحري وحماية البيئة والسياحة والصناعة والصحة والتكوين المهني والإسكان والأمن والقطاع الخاص، دون توفر مزيد من التفاصيل حول مضمونها.
وعلى هامش توقيع الاتفاقيات، قال أخنوش إنه "من الضروري تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، بالنظر إلى التحديات الدولية".
وشدد على ضرورة تعزيز المواصلات الجوية والبرية بين البلدين، وتقوية التبادل التجاري.
من جانبه، قال رئيس الوزراء الموريتاني، إن "الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة خلال هذه الدورة كفيلة بأن تدفع إلى الأمام التعاون الثنائي لأنها تغطي أغلب مجالات التنمية".
اعتبر رئيس "المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية" في نواكشوط، ديدي ولد السالك، أن "العلاقات بين البلدين اتسمت خلال العقود الماضية بعدم الاستقرار والتوتر والقطيعة والتجميد، لكن هذه المرحلة ستعيش انتعاشة جديدة، لأن كل بلد محتاج الآخر بشكل مباشر".
وأوضح في حديث مع "الاستقلال" أن "موريتانيا تحتاج للأسواق المغربية، لأنه مغذ أساسي لها، وتحتاج تجربته في ميادين الزراعة والخدمات والصناعة والسياحة وحتى التعليم العالي والبحث العلمي".
وأضاف "المغرب يحتاج موريتانيا لأنها بلد غني وفيه الكثير من الفرص وثرواث كبيرة واستثمارات في البنى التحتية، ولأن نواكشوط بوابته إلى إفريقيا، ناهيك على العلاقات الأخوية التاريخية والاجتماعية".
نقطة الخلاف
ولم تعلن الرباط ولا نواكشوط أسباب عدم انعقاد اللجنة منذ سنوات، إلا أن العلاقات بينهما عرفت توترا في بعض السنوات، وتشهد تحسنا ملحوظا في الآونة الأخيرة.
وتتباين مواقف العاصمتين من قضايا إقليمية، خصوصا إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، وكذلك استقبال مسؤولين من الأخيرة في قصر الرئاسة بنواكشوط من حين إلى آخر.
وتقول موريتانيا إن موقفها من هذا النزاع حيادي يهدف إلى إيجاد حل سلمي يجنب المنطقة خطر التصعيد.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
وقال الخبير الاقتصادي المغربي، أوهادي سعيد، إن "العلاقة المغربية-الموريتانية تتباين بين الحين والآخر حسب توجهات وخيارات الرئيس الموريتاني".
وأضاف لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 12 مارس 2022 أن "التوترات السياسية في العلاقة بين البلدين تعود لفترة استقلال موريتانيا قبل أن يعترف العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني باستقلالها سنة 1969".
وأوضح أن "موقف الحكومات المتعاقبة على الشأن السياسي الموريتاني من مغربية الصحراء نقطة خلاف وتجاذب منذ سنوات".
وأشار سعيد إلى أن "انعقاد الدورة الثامنة جاء بعد أكثر من ثماني سنوات على الدورة السابعة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول نقاط الاختلاف التي تفسر الوضع غير الطبيعي، بين البلدين الجارين وما يجمعهما من التاريخ وجغرافيا وصالح اقتصادية وتجارية".
ويرى أن "موريتانيا تستفيد أخيرا من توتر العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر وسلوكها سياسة واقعية تهدف إلى تحقيق أكبر المصالح".
ويرجح سعيد أن "هذا التوجه في صالح المغرب الذي نسج علاقات متعددة الأبعاد مع جل الدول الإفريقية، في إطار علاقات بمقاربة واضحة وهي "رابح رابح".
وبحسب الخبير الاقتصادي، لم تتجاوز الصادرات المغربية نحو موريتانيا، حتى نهاية 2020 أكثر من 1.9 مليار درهم (نحو 195 مليون دولار)، لتمثل بذلك البلد الثالث إفريقيا.
إذ تستورد موريتانيا حوالي 660 ألف طن من جميع السلع المغربية ولا تمثل المواد الفلاحية أكثر من 13 في المئة.
في المقابل، يعد المغرب أول مستثمر إفريقي في موريتانيا، خاصة في مجالات الاتصال والصيد والمعادن، وفق وزارة المالية المغربية.
علاقات تكاملية
من جهته، لفت الخبير الاقتصادي الموريتاني، أبَّ ولد أبَّ، في مقال نشره عبر موقع "صحراء ميديا" (خاص) في 11 مارس 2022، إلى أن "ثمة خللا توازنيا بين مستوى وحجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين".
وتابع: "فبينما استطاعت الرباط بفضل قطاعها الخاص القوي التواجد بشكل بارز في سوق الاستثمار بنواكشوط حيث وضعت أقدامها في مجالات النظام المصرفي والاتصالات والتجارة والنقل والخدمات، ظل الاستثمار الموريتاني في المغرب خجولا ولا يكاد يذكر نظرا لضعف قطاعه الخاص، وصعوبة دخول المنافسة الشرسة في سوق الاستثمارات بالمملكة".
وزاد "ومع ذلك، فقد استطاع بعض المستثمرين الموريتانيين الولوج إلى سوق الاستثمارات في المملكة المغربية حيث أقاموا مشاريع صناعية واعدة في المجالات الصناعية خاصة الإسمنت".
واستدرك ولد أبَّ: "من الغريب جدا أن هذه المجموعة الاستثمارية، بدلا من أن تحصل على نفس التشجيع والامتيازات التي حصل عليه المستثمرون المغاربة في موريتانيا، واجهت وتواجه حسب مصادر العديد من الصعوبات التي قد تؤثر سلبا على مستقبلها كمستثمر في المغرب".
واعتبر أن "هذا الوضع يمثل أمرا غير طبيعي وغير متوازن ولا عادل، فكيف توضع العراقيل والصعوبات أمام مجموعة صغيرة من المستثمرين الموريتانيين يعدون على الأصابع في المغرب ولا تزيد استثماراتهم عن عدد محدود من المشاريع بينما يفرش السجاد الأحمر للمستثمرين المغاربة في موريتانيا التي تقدر استثماراتهم بمئات الملايين من الدولارات؟"
وشدد الخبير الاقتصادي الموريتاني، على أن "هذه الاختلالات يجب تصحيحها، ويجب على اللجنة العليا للتعاون بين البلدين البت فيها واتخاد قرارات من شأنها أن تسهل خلق مناخ مناسب لتشجيع نجاح الاستثمارات في البلدين الشقيقين".
من جانبه، أشار رئيس "المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية" في نواكشوط، ولد السالك، إلى أن "البلدين يواجهان حاليا نفس التهديدات والتحديات، خاصة من منطقة ساحل الصحراء، لأنها أعلى معدل جريمة في العالم، ويأتي منها الكثير من المخاطر؛ الهجرة غير النظامية والإرهاب والجريمة المنظمة".
ولفت إلى أن "العالم سيشهد تحولات كبيرة خلال السنوات القادمة، بسبب تداعيات جائحة كورونا، وكذلك الحرب بين روسيا وأكرانيا والعالم يشهد تشكيل خرائط جديدة".
وبالتالي كلما كان البلدان قادرين على تعاون كثيف واندماج فإن ذلك سيحقق لهما مصالح مشتركة ويخفف عليهما الضغوط الخارجية سواء القادمة من المحيط القريب أو الدولي، وفق تقديره.
واستطرد ولد السالك: "جائحة كورونا كشفت أن أي دولة لا تتوفر لها مقومات اقتصادية للحياة، مهددة في كيانها وأمنها الوطني، والبلدان بدون التعاون المشترك، لن تتوفر لهما بشكل كامل مقومات اقتصاد الحياة، وهي والأمن الصحي والطاقي والسيبراني والمعرفي، وهذه كلها تحديات مشتركة".
وأوضح أن "السلطة في المغرب ممثلة في الملك محمد السادس، تسعى إلى علاقات خاصة واندماجية مع موريتانيا، ونواكشوط ستسعى إلى علاقات مستقرة وتكاملية تقوم على سياسة رابح رابح، لأن السلطة الحالية الموريتانية تتسم بنوع من الهدوء عكس الأنظمة السابقة".
وختم ولد السالك حديثه لـ"الاستقلال" بالقول إن "آفاق التعاون بين البلدين ستكون واعدة خلال السنوات القادمة".