عبر اغتيال سمعتهم.. ما سر استهداف النظام المغربي للصحفيين والحقوقيين؟

12

طباعة

مشاركة

يشهد المغرب وضعا حقوقيا صعبا، إلى جانب إكراهات اجتماعية واقتصادية، زادت من قتامتها الأحكام القضائية التي شهدتها ردهات المحاكم في المملكة خلال أسبوعين فقط مع نهاية فبراير/شباط وبداية مارس/آذار 2022، بحق أساتذة وصحفيين وناشطين حقوقيين.

وفي 3 مارس، قضت محكمة استئناف بالسجن لمدة ست سنوات بحق الصحفي عمر الراضي، بعد تسعة أيام من حكم بسجن الصحفي سليمان الريسوني لمدة خمس سنوات، وقبلهما بأيام المحامي ووزير حقوق الإنسان الأسبق، محمد زيان لمدة ثلاث سنوات بتهمة "الابتزاز والتحرش وإهانة مؤسسات الدولة"، وآخرها الحكم على 45 معلما.

تأتي هذه الأحكام في ظرفية اجتماعية واقتصادية صعبة داخليا وخارجيا، مع قلق متزايد يعبر عنه صحفيون وناشطون بـ"تكميم الأفواه" والتضييق على الحريات من قبل السلطات في المغرب، حيث كان يأمل حقوقيون بتصحيح مسار المحاكمات الذي يرون أنه "تشوبه مخالفات".

وبدأت "تتلاشى وتخفت" الأصوات الناقدة أمام موجة الضغوط القضائية والمحاكمات على الصحفيين والناشطين الحقوقيين، وتركز التهم على "مسائل أخلاقية تمس حياتهم الشخصية"، وسط تشهير ممنهج مع حرمان الضحايا من حقوقهم الأساسية. 

ماكينة الأحكام

وفي 10 مارس 2022، حكمت السلطات على 45 معلما بالسجن لمدد تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر جراء مشاركتهم في احتجاجات عام 2021؛ للمطالبة بتحسين ظروف العمل وترسيمهم.

وبعد الحكم مباشرة، طالبت منظمة "العفو الدولية" في تغريدة السلطات بـ"إسقاط التهم، ووضع حد لاعتقال المتظاهرين السلميين بصورة تعسفية!".

من جانبه، قال الأستاذ الجامعي والحقوقي، خالد البكاري: "يبدو وكأن ماكينة إصدار الأحكام في حق المحتجين والصحافيين والمنتقدين في سباق ضد الساعة.. وكأنهم يستعجلون إصدار الأحكام وتوزيع سنوات السجن.. لماذا هذه السرعة (سنوات من  السجن في أسبوعين)؟، الله أعلم".

وأضاف ، في تدوينة على فيسبوك: "بتأييد الحكم الابتدائي (على الصحفي الراضي)، يقولون لنا مرة أخرى: لا تنتظروا إنصافا من قضائهم... لم يعودوا يكذبون علينا باستقلالية القضاء،، بل أصبحوا يؤكدون لنا هذه اللاستقلالية.. يقولون لنا: ليست هناك استقلالية، وازدحو (اضربوا) راسكم مع الحائط".

وفي 3 مارس 2022، أيدت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، حكما بالسجن 6 سنوات بحق الصحفي عمر الراضي (33 سنة)، بتهمتي "هتك عرض بعنف والاغتصاب" و"التخابر وتلقي أموال من الخارج". وهو ما يتمسك "الراضي" بنفي صحته.

وفي 23 فبراير/شباط 2022، أيدت ذات المحكمة حكما بالسجن لمدة خمس سنوات بحق الصحفي الريسوني، بتهمتي "هتك عرض بعنف" و"احتجاز"، وهي تهم ينفيها الصحفي الموقوف منذ مايو/أيار 2020.

ويعد الريسوني، المعروف بقلمه الجريء ومقالاته المنتقدة للسلطة، من أبرز الصحفيين على الساحة الإعلامية المغربية.

وقال رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري: "حين يطلع المرء على أجواء جلسات المحاكمات وحيثيات الأحكام القاسية بحق كل من الصحفيين توفيق بوعشرين (حكم عليه بـ20 سنة)، والريسوني، والراضي، وأخيرا النقيب زيان، وكذلك بعض الأساتذة المتعاقدين يخرج بقناعة بأن العدالة ببلادنا متشددة مع حرية الرأي السياسي والصحافة المستقلة".

وأشار في حديث مع "الاستقلال" إلى أن "التهم الموجهة لهؤلاء الناشطين، المعروفين بالجرأة في مواقفهم وفي فضحهم للعديد من الأسرار السياسية ببلادنا والمناهضين لسياسات الدولة في القطاعات الاجتماعية، مرتبطة بالحق العام إذا استثنينا الأساتذة المتعاقدين، الذين توبعوا بتهم التجمهر وخرق حالة الطوارئ وما إلى ذلك".

وتابع: "وبالتحديد تهم تحرش واغتصاب وخيانة زوجية، رغم أن تلك التهم تقترن بتهم أخرى ذات طبيعة سياسية وأمنية، ولكن يبدو أنه لا يجري التركيز عليها قضائيا ويبقى الضوء على التهم الأخلاقية، والتي يبدو لأي متتبع بأنها تفتقر إلى القرائن الحاسمة".

محاكمة فضيحة

من جانبه، قال الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان: "أمام هذه المحاكمة الفضيحة التي زادت من تعرية واقع العدالة بالمغرب، وكشفت أن خطاب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة بالمغرب ليس سوى خطاب للاستهلاك الخارجي، لا يسعنا إلا أن ننضم إلى القوى المنددة بهذا الحكم غير العادل".

واستنكر الائتلاف في بيان صادر عنه في الأول من مارس 2022، ما وصفه بـ"التردي الذي يعرفه واقع الحقوق والحريات، التي تشهد المزيد من التراجع حتى عن المكتسبات الجزئية التي تمت مراكمتها على امتداد العقود الماضية بتضحيات كبيرة" .

وطالب بـ"إطلاق سراح الصحافي الريسوني وزميله الراضي وكافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ببلادنا وفي مقدمتهم معتقلو حراك الريف".

ودعا الائتلاف، مختلف القوى الحقوقية والسياسية والنقابية والنسائية والشبابية والجمعوية المدافعة عن حقوق الإنسان، إلى تكثيف الجهود أمام هذه التراجعات الصارخة للحقوق والحريات، والعمل على وضع برنامج  نضالي مشترك".

وأوضح أن "البرنامج النضالي يهدف إلى حماية المكتسبات الحقوقية وحمل الدولة على وضع التزاماتها في مجال حقوق الإنسان موضع التنفيذ بدءا باحترام حرية الرأي والتعبير والصحافة وجعل حد للاعتقال بسبب الرأي وضمان سيادة القانون ومساواة الجميع أمام القضاء".

من جهته، قال الحزب الاشتراكي الموحد: "عوض مواجهة ما يحيط بالبلاد من ظروف ومصاعب  بخلق انفراج داخلي، يختارون مرة أخرى التأزيم والقمع والبطش".

واعتبر الحزب في تدوينة على موقع فيسبوك في 11 مارس 2022 أن "السلسلة الجديدة من الأحكام الظالمة في حق الصحافة وحرية التعبير في بلادنا مؤشر سلبي وخطير آخر يؤكد ما يعيشه وطننا من تراجعات، بعد القمع والتنكيل في الشوارع، وهضم الحقوق في المدارس".

وتابع: "السجن للأساتذة المطالبين بحقوقهم بسلمية.. كل التضامن مع وطن يقمع ويسجن أساتذته لمجرد مطالبتهم بحقوقهم المشروعة".

فيما تساءل الشاعر المغربي البارز عبد اللطيف اللعبي، عن "الذي بقي الآن في المغرب من صحافة حرة مستقلة جريئة؟ وكيف أن العديد من الصحافيين الذين أدوا واجبهم موجودون الآن في السجن بتهم واهية ومفبركة، يجري فيها عمدا الخلط ما بين السياسي والأخلاقي والجنسي وهلم جرا؟".

وأشار في حوار مع موقع "هسبريس" في 10 مارس 2022 أن "هذه مسألة صارت منهجية، أن يعبر صحافي عن رأي نقدي، لا يتماشى مع ما تدعيه السلطة، فمباشرة تختلق قضية جنس مثلا، أو اختلاس، أو عمالة لجهة أجنبية وحتى مس بأمن الدولة".

وشدد على أن "هذا الأمر لا يطاق، حتى في عهد (الملك الراحل) الحسن الثاني لم نعش محنة من هذا النوع. كانت الأشياء واضحة: أي فضح لطبيعة النظام وتسلطه وممارساته الإجرامية يعاقب بالاختطاف والتعذيب والاختفاء والسجن”.

وقال اللعبي: "لدي انطباع في المغرب بأنه منذ الاستقلال إلى الآن نعيش خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء، حزين جدا لكون بلادي وصلت إلى هذا المستوى. كيف سيمكننا أن نتحرر من هذا الفساد الخلقي الذي أصابنا ولم يكن موجودا، أنت مع أو ضد، وإذا كنت ضد فتعرف الثمن الذي يجب عليك أن تؤديه؟".

وتابع: "اليوم نواجه أساليب أخرى هدفها الإخضاع والولاء التام والبعبعة والأنانية والجشع والاستغلال الفاحش".

عبرة لمن سواهم

وفي ردود الفعل، أعرب "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" عن قلقه الشديد من الأوضاع في المغرب إزاء تأييد سجن صحافيين مغربيين عقب محاكمات "شابتها مخالفات قانونية واضحة".

وقال المرصد الأورومتوسطي عبر بيان صادر عنه في 6 مارس 2022، إن سلطات المغرب “عازمة أكثر من أي وقت مضى على تدفيع الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ثمن نشاطهم المشروع, وتوظف في سبيل ذلك القضاء لمعاقبتهم وتغييبهم،  دون اعتبار لحرية الرأي والتعبير، أو احترام لمبدأ استقلالية وحيادية القضاء”.

وشدد على أن السلطات المغربية “تلجأ إلى اتهام الصحافيين والنشطاء المعارضين بقضايا تمس الجوانب الوطنية أو الأخلاقية للحد من إمكانية التضامن معهم، وإظهارهم بمظهر الخارجين عن التقاليد الأخلاقية والوطنية للمجتمع”،

وأدان المرصد في هذا الإطار “الطرق المستخدمة من قبل نظام المخزن لإسكات صوتهم من خلال تشويه سمعتهم، والإضرار بالصورة الذهنية لدى المغربيين عن الصحافيين المعارضين وربطها بالفساد الأخلاقي، والتجسس لصالح جهات خارجية”.

وأبرز أن “تشابه الاتهامات الموجهة إليهم ليس من الصدفة، بل امتداد لسياسة ممنهجة قائمة على الإقصاء والانتقام من الصحافيين والنشطاء المعارضين على خلفية نشاطاتهم في انتقاد السياسات الحكومية والكشف عن قضايا فساد مزعومة”.

من جهتها، عبرت وزارة الخارجية الأميركية، في 4 مارس 2022، عن قلقها إزاء تأييد الحكم الابتدائي الصادر في حق الصحفي الراضي، وإدانته بست سنوات سجن نافذ.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية (لم تسمه) لموقع "المونيتور": "قلقون من العملية القضائية التي أدت إلى الحكم عليه ونلاحظ أن الراضي صرح بانتهاك حقه فيما يخص ضمانات المحاكمة العادلة”.

كما واجه قرار تأييد الحكم على الصحفيين، استنكارا شديدا من قبل منظمة "مراسلون بلا حدود" التي دعت إلى إطلاق سراحهما فورا و إيقاف كل المتابعات ضدهما، لأن "المحاكمة شابتها العديد من المخالفات".

ودعت المنظمة عبر بيان في 9 مارس 2022، النظام المغربي إلى "وضع حد لاستخدام القضاء كأداة للتضييق على الصحفيين المستقلين".

وصرح مدير مكتب شمال إفريقيا للمنظمة، صهيب خياطي: "بعد أسبوع من إصدار حكم ظالم في حق الريسوني، ها هي العدالة المغربية تنطق اليوم بحكم آخر غير مشرف".

وأكد لموقع المنظمة أن "محاكمات الصحفيين الريسوني والراضي وعماد استيتو تخللتها الكثير من الخروقات بدءا من اعتقالهم تعسفيا".

وعن إصرار السلطة على مواصلة تضييق الخناق على الفضاء العام، قال رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري: "من الناحية المنطقية، إصرار السلطة على اتباع طريق التضييق الممنهج على حرية الرأي والتعبير له تفسير واحد، هو محاربة كل من يعارض النظام، ويريد تأليب الرأي العام وفضح المستور في الممارسة السياسية".

وأضاف أن "إفشاء وفضح الأسرار المتعلقة بنهب وتقويض مقدرات أمة ما بسبب فساد واستبداد سياسييها، يشكل تهديدا وجوديا لأي نظام سياسي بعيد عن الديمقراطية وعن مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة."

وحول رفض السلطات التخفيف من الضغط بتصحيح مسار المحاكمات والأحكام القضائية، قال الخضري: "الناشطون المستهدفون هم شخصيات درجت على التعبير عن آراء مناهضة للمخزن، ولديها سجل من المواقف والآراء الجريئة، حين اتخذ القرار بمعاقبتهم، قضي الأمر، حتى يكونوا عبرة لمن سواهم".

واعتبر أن "تصحيح المسار يبقى رهينا بتغيير أولئك الأشخاص لمواقفهم ولآرائهم، ويعبرون عن ذلك بشكل لا لبس فيه، بل ويصبح من المؤكد المطلق بعدولهم عن توجهاتهم السابقة، هل هذا ممكن؟ أظن مستبعدا جدا، إذن تصحيح مسار المحاكمات يصبح مستبعدا، اللهم إن كانت هناك مستجدات، فالمستقبل بعلم الغيب وليس بعلم المحللين أو المتتبعين".