مطالب على طاولة المفاوضات.. ماذا يعيق المحادثات بين أوكرانيا وروسيا؟
سلطت صحيفة بوبليكو الإسبانية الضوء على عدد من العقبات التي تعترض طريق نجاح المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.
بعد الاجتماع الأول كان الجميع متشائما، لكن لم ينهض أحد من طاولة المفاوضات، وهو مؤشر جيد.
عموما، يعتمد نجاح المفاوضات على موقف الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر من اعتماده على نظرائه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
عوائق ومطالب
وقالت الصحيفة الإسبانية إن التقدم الإيجابي للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا يواجه ثلاثة عوائق يصعب حلها، وتتطلب تنازلات هائلة من كلا الطرفين، وكذلك عدم تدخل الولايات المتحدة كي تؤتي ثمارها.
في ظل الظروف السائدة، يبدو من غير المحتمل التوصل إلى اتفاق سريع، وذلك على وجه التحديد بسبب تدخل الولايات المتحدة.
وأضافت الصحيفة أنه بالتوازي مع تطور الأوضاع وتقدم الحملة العسكرية الروسية، من الواضح أن تحقيق نصر عسكري مدو هو مجرد فرضية ضعيفة.
لهذا السبب، يحتاج فلاديمير بوتين إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن، لأنه يدفع ثمن المغامرة بأضرار شخصية كبيرة وتداعيات سياسية واقتصادية هائلة على روسيا.
في جميع الأحوال، على الرغم من أنه قد لا يبدو الأمر كذلك على أرض الواقع، فإن الجهة التي تتحكم بزمام الأمور هي الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة أن وضع بوتين أكثر خطورة بشكل متزايد بالتزامن مع تقدم الوقت، مما يعني أنه في عجلة من أمره للتوصل إلى اتفاق.
مع ذلك، لا ينبغي التقليل من قدرته ومهارته في التكيف مع البيئات المعادية. عموما، يعرف بوتين أكثر من غيره أنه لن يتمكن من إنهاء الحملة دون الظفر في المقابل بحد أدنى من الضمان لأمنه وأمن روسيا، التي تتحكم فيها واشنطن وليس كييف.
وبينت الصحيفة أن مطالب موسكو الحرجة التي طرحتها على الطاولة هي التالية: أولا، يتمثل المطلب الأساسي لروسيا في أن تصبح أوكرانيا خالية من الأسلحة الهجومية، بما في ذلك النووية.
في الواقع، تتمركز روسيا بالقرب من عدد من الدول الموقعة على حلف وارسو السابق، والتي تنازلت عن أراضيها الحدودية لصالح حلف شمال الأطلسي.
من جانب آخر، يمتلك الغرب أسلحة نووية في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.
لهذا السبب، لا تستعد موسكو للسماح لأوكرانيا بأن تصبح مركزا لترسانة أخرى ضد روسيا، لا نووية ولا تقليدية.
من جانبها، تدافع أوكرانيا عن سيادتها باعتبارها دولة مستقلة يحق لها أن تفعل ما تريد داخل أراضيها، وهو نهج ترفضه موسكو.
في هذا السياق، يكفي أن نتذكر أزمة الصواريخ الكوبية في بداية الستينيات لفهم القلق الذي تشعر به روسيا من كونها محاطة بحلف شمال الأطلسي النهم.
بنفس الطريقة يسهل فهم السبب الذي يجعل الولايات المتحدة ترفض أن تكون هناك أسلحة نووية في كندا أو المكسيك.
ونوهت الصحيفة بأن هذا المطلب الأساسي كان هو الدافع الرئيس للغزو الروسي.
في البداية، حذر جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن خلال الأيام السابقة من دخول وشيك للقوات الروسية.
كما كان بإمكانهما منع ذلك من خلال التخلي عن انضمام أوكرانيا إلى الناتو، لكنهما لم يفعلا ذلك، وليس هناك ما يشير إلى أن شيئا ما سيتغير في المستقبل.
ثانيا، تشترط روسيا أن تتحلى أوكرانيا بالحياد: في البداية تحدث بوتين عن "نزع النازية" عن كييف، وفي الآونة الأخيرة تحدثت موسكو عن "تبني الحياد".
رؤية بوتين
في الواقع، تتعلق هذه المسألة بالجمهوريات الشرقية ذات الأغلبية الروسية.
وفي أوكرانيا، يوجد حوالي 30 بالمئة من المتحدثين الأصليين للغة الروسية، لكن في السنوات الأخيرة جعلت الهوية القومية الأوكرانية من تحدث تلك اللغة عائقا بالنسبة لهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن ظاهرة الهوية القومية تشترك في بعض النقاط مع النازية، ومن هنا جاءت إشارة بوتين الأولية إليها.
تعتبر روسيا أن هذا النهج يسمم العلاقات بين الناس ولا ينبغي للغرب أن يدفعه في أوكرانيا، أو حتى التلاعب به.
من جهتها، ترد كييف بأنها تستطيع أن تفعل ما تريد في هذا المجال من خلال مناشدة "الديمقراطية".
مع ذلك، فإن الديمقراطية لا تتوافق مع تعصب الهوية القومية الذي يطفو على السطح في كل مكان وغير مسموح به في القرن الحادي والعشرين.
ثالثا، القرم. في هذا السياق رفضت أوكرانيا ضم شبه الجزيرة إلى روسيا عام 2014.
في المقابل، وضع بوتين على الطاولة مسألة الاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا، وهو مطلب ترفضه كييف تماما.
وأوردت الصحيفة أن هناك قضايا أخرى يهتم الجانبان بمناقشتها، لكنها هامشية مقارنة بتلك المطالب الرئيسة الثلاثة لبوتين.
عموما، تتمثل العقبة الرئيسة في المفاوضات في تدخل الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، الأمر الذي وفر فرصة ذهبية لإحباط بوتين، بل وحتى استبداله بسياسي يخضع لإرادة واشنطن.
وبينت الصحيفة أن بوتين يخاطر بالكثير في هذه المغامرة. تحديدا، بعد العداء الذي واجهه في دول أخرى كانت في فلك الاتحاد السوفييتي، ويخشى أن تغلق أوكرانيا دائرة تنتهي بخنق روسيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وتؤدي إلى تغيير النظام.
وفي جميع الأحوال، تعتبر المفاوضات الجارية حاسمة، حيث سيكون بوتين بعدها قد ربح الحرب أو خسرها.
وكلما مر الوقت، كلما كان وضع الرئيس الروسي أكثر خطورة، وهو عامل يستغله الأميركيون، وفق الصحيفة.
وبينت أن بوتين يجد نفسه في موقف صعب في هذا الصراع الذي خاطر فيه بالكثير من الخطوات والقرارات، ويبدو أيضا أنه بعيد عن الحصول على ضمانات لمطالبه، خاصة المطلبين الأولين، وهما الأكثر أهمية.
في الأثناء، كلما زاد استنزاف بوتين في هذه الحرب، زاد شعور الأميركيين بالانتصار، "لكن لا يجب أن ننسى أن أوكرانيا هي صاحبة الكلمة الأخيرة في هذه الأزمة".
وبجميع الأحوال، إلى أي مدى سيذهب الأميركيون في ضغطهم؟ هو لغز لا يعرفه إلا بايدن، دون أن ننسى أن حربا من هذا النوع يمكن أن تخفي مفاجآت غير متوقعة.