سيناريو "الأقصى".. لهذا تحفر إسرائيل تحت أساسات المسجد الإبراهيمي
شاحنات إسرائيلية صغيرة كانت تخرج من خيمة منصوبة أمام المسجد الإبراهيمي جنوبي الضفة الغربية محملة بأتربة وحجارة، في وقت كان الفلسطينيون يحيون الذكرى الـ 28 لمجزرة جرت في تلك المنطقة.
ففي 25 فبراير/شباط 2022، تاريخ تنفيذ المجزرة بمدينة الخليل، كانت تلك الآليات تنفذ أعمال الحفر ليلا في محيط المسجد الإبراهيمي وسط إجراءات أمنية سرية.
وجرت تغطية المكان بخيمة ولا يسمح بتصوير الشاحنات أو الآليات، بحسب مصادر فلسطينية في الخليل.
حفر وتهويد
الحفريات تهدف إلى السيطرة على المسجد بشكل كامل، عبر مشروع استيطاني هناك وعلى غرار ما فعلته إسرائيل بالحفر أسفل أساسات المسجد الأقصى بدعوى البحث عن هيكل سليمان المزعوم وإقامة غرف سرية تستهدف أساساته لهدم وبناء هيكلهم عليه.
المصادر الفلسطينية أكدت لـ"الاستقلال" أن الخليل مثل القدس في قلب الاستهداف التهويدي التوراتي، وأن هذه هي المرحلة الثانية من السيطرة على أماكن العبادة الإسلامية الشهيرة.
وبينت أن الهدف هو هدمها، كما يحاولون في الأقصى، أو بالسماح لليهود لأول مرة بالصلاة لا الزيارة فقط للحرم القدسي، أو بفرض واقع جديد.
ويقع المسجد الإبراهيمي الذي يعتقد أنه بني على ضريح النبي إبراهيم عليه السلام، تحت السيطرة الإسرائيلية في البلدة القديمة من مدينة الخليل.
تشكو سلطات وزارة الأوقاف في الضفة الغربية وناشطون فلسطينيون منذ عام 2018 من عمليات حفر مشبوهة قرب المسجد الإبراهيمي.
في 21 فبراير 2022 قالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في بيان، إن قوات الاحتلال أحضرت آلية حفر صغيرة، وباشرت أعمالها داخل الخيمة التي وضعها الاحتلال سابقا على المدخل الرئيس للمسجد الإبراهيمي.
وشددت الوزارة على أن هدف سلطات الاحتلال من أعمال الحفريات هو "تهويد كل ما يتعلق بالحرم، والأماكن المحيطة به".
وفي 24 فبراير 2022 نشرت الوزارة صورا قالت إنها لبلاط وحجارة خاصة بالحرم يلقيها الاحتلال في ساحة الملعب الإبراهيمي في المنطقة المغلقة حيث تتواصل أعمال الحفريات هناك.
وكالة أنباء "الأناضول" التركية صورت جانبا من أعمال الحفر والخيمة التي تغطي المكان لعدم كشف الخطط الإسرائيلية ونقلت عن مدير المسجد الإبراهيمي، الشيخ غسان الرجبي، وصفه ما يجري بـ "المجزرة المستمرة".
اتهم الرجبي إسرائيل بالعمل على تهويد المسجد، و"الوصول إلى مشروع استيطاني من شأنه سرقة ما تبقى منه"، وقال: "ما يجري هو تلويث بصري للمسجد الإبراهيمي الذي يتميز بطراز بناء إسلامي".
وعبر عن مخاوفه من سيطرة إسرائيل على المسجد بشكل كامل، مؤكدا أن "هناك أعمالا تجري ليل نهار، وأصوات حفريات ونقل أتربة وحجارة من أسفله إلى مواقع غير معلومة".
وكشف وضاح الجعبري، أحد حراس المسجد الإبراهيمي أن العمل يجري على حفر نفق بطول 200 متر في محيط المسجد، وآخر أسفله.
ويطلق اليهود على الحرم الإبراهيمي اسم "مغارة المكفيلا" أو المغارة المزدوجة، حيث يقولون إن النبي إبراهيم اشتراها ليدفن فيها زوجته سارة، ولما مات، دفن فيها هو أيضا.
وتجري أعمال الحفريات في ثلاثة مواقع في محيط المسجد، بينها مواقع ملاصقة له، حيث تعتزم إسرائيل إقامة مصعد كهربائي لتسهيل دخول كبار السن من اليهود إليه.
عقب احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، بدأت فرض قيود بحق الحرم الإبراهيمي، تمهيدا للسيطرة عليه، وإضعاف سيطرة المسلمين التدريجية هناك.
سمحت للمستوطنين بإقامة طقوسهم التلمودية، وحجزت مناطق من الحرم لإقامة الشعائر اليهودية.
تهويد مبكر
خطط استهداف الحرم الإبراهيمي في الخليل بصورة أكبر، بعد "الحرم القدسي" بالقدس، بدأت حين استغل الاحتلال الإسرائيلي المجزرة التي وقعت فيه قبل 28 عاما لفرض تقسيمه مكانيا وزمانيا بين المسلمين واليهود.
الجريمة التي نفذها باروخ جولدشتاين في 15 رمضان عام 1414هـ، الموافق 25 فبراير 1994، استشهد فيها 29 مصليا فلسطينيا، وأصيب العشرات، استغلتها إسرائيل لاقتطاع أكثر من نصف المسجد لصالح المستوطنين.
إذ تبع المجزرة محاولات لطرد المسلمين من المسجد والسيطرة عليه بشكل كامل وتغيير معالمه، ومعالم المنطقة كلها، ضمن عمليات تهويد ثاني أهم مدينة فلسطينية، بعد القدس.
إثر المجزرة، قرر الاحتلال تشكيل لجنة تحقيق، برئاسة قاض إسرائيلي متقاعد يدعى "شمغار" أوصى بتقسيم الحرم الإبراهيمي الإسلامي، بين الفلسطينيين، أصحاب الحق، والمستوطنين المعتدين، فعاقب الضحية وكافأ المعتدي.
بذلك استولى المستوطنون اليهود وبالقوة الاحتلالية على أكثر من 54 بالمئة من مساحة الحرم الإبراهيمي، ومنع المسلمون أصحاب المكان وزائروه من حرية دخوله والعبادة فيه.
وتدريجيا استولى الاحتلال على ساحات المسجد الخارجية المحيطة بالحرم والتي تعتبر جزءا من مساحته الكلية، وجرت اعتداءات واسعة وخطيرة تجاه البلدة القديمة في الخليل وسكانها.
أصبح الحرم الإبراهيمي مقسما بالتالي زمانيا ومكانيا، إثر المجزرة، بل وجرى ضمه إلى قائمة المواقع الأثرية الإسرائيلية المزعومة عام 2010 من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال العام 2021، رصدت الأوقاف الفلسطينية منع الاحتلال رفع الأذان من مئذنة المسجد الإبراهيمي 633 وقتا، وغلقه أمام المصلين المسلمين 11 يوما كاملا.
وشرعت سلطات الاحتلال منذ أغسطس/آب 2021، في أعمال بناء، تشمل إقامة مصعد في المسجد الإبراهيمي لصعود المستوطنين للمسجد، وإنشاء طريق تصل من ساحة انتظار السيارات إلى ساحة الحرم.
وبحسب مراقبين وجهات فلسطينية رسمية فإن قرار الاحتلال بإنشاء مصعد في المسجد الإبراهيمي يعد انتهاكا للقرارات الأممية، لأنه يغير معالم المسجد وهويته التاريخية، باعتباره موروثا يجب حمايته.
وضمن عمليات تثبيت تغيير هوية الحرم الإبراهيمي، دخله الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وأقام احتفالا رسميا لإنارة الشمعدان هناك بمناسبة ما يسمى عيد الأنوار، وتسببت زيارته باستفزاز الفلسطينيين.
الرئيس الصهيوني هرتسوغ يدنس الحرم الإبراهيمي في الخليل ويضيء أول شمعة في عيد "الحانوكا".
— Mohammed S AL-Namee ���� (@moh_namee) November 28, 2021
هيك حدث كان بيعمل انتفاضة ولكن هذا الحال إلي وصلنا حالنا إله. pic.twitter.com/hqHQnLCV6x
وسبقه إصدار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عام 2010 قرارا بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح الذي يقول اليهود إن به قبر "راحيل" والدة النبي يوسف في مدينة بيت لحم إلى قائمة "المواقع التراثية" اليهودية.
ويقول مصدر في الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 (جناح الشيخ رائد صلاح المحظور) إن ما يجري في الحرم الإبراهيمي مشابه لما فعله الإسرائيليون في المسجد الأقصى.
أوضح لـ "الاستقلال" أنه على غرار مصعد المسجد الإبراهيمي، يعمل الاحتلال منذ 2016 على إنشاء مصعد مشابه في الأقصى وصفه بأنه "مشروع تهويدي لتسهيل اقتحامات المستوطنين".
التحركات الإسرائيلية لتسريع التهويد في الحرم الإبراهيمي ليكون نموذجا للتطبيق في الحرم القدسي، حذرت منها مشيخة الأزهر في مصر ببيان أصدرته في 24 فبراير 2022 في ذكرى مجزرة الإبراهيمي.
البيان الصادر عن "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" أكد رفض أي أعمال ترميم، وتفريغ المسجد بالكامل من المصلين المسلمين في الأعياد الإسرائيلية، وفتح أبوابه أمام عربدة المستوطنين وطقوسهم التي لا تتناسب وقدسية المكان.
حذر من خطورة نهج الاحتلال الإسرائيلي الخبيث وتكراره في المسجد الأقصى المبارك، عبر استغلال اقتحامات المستوطنين، وخاصة في الأعياد الإسرائيلية كذريعة لتكرار ما حدث في المسجد الإبراهيمي وتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا.
شدد على أن "المسجد الإبراهيمي بكامل مساحته هو وقف إسلامي خالص، وأن الاحتلال الإسرائيلي له، مهما طال زمنه ومهما بلغ بطشه، لن يغير من تلك الحقيقة شيئا".
وهو نفس ما قالته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية في ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي حيث أكدت أنه "مسجد إسلامي خالص، وهو ملكية وقفية للمسلمين وحدهم، ولا يغير من هذه الصفة المؤبدة أي قرار مهما كان".